الاستخبارات

الصين في القارة الأفريقية: الطموحات والأهداف والغايات





الصين في القارة الأفريقية:

الطموحات والأهداف والغايات

ظلت أفريقيا تمثل مجالًا هامًا لمجمل سياسات الصين الخارجية منذ نهاية الحرب الأهلية في الصين نهاية اربعينيات القرن الماضي مع بدء بكين سياسات دعم الكثير من حركات التحرر الأفريقية خلال الحرب الباردة وتركيزها على دعم الدول الأفريقية في مشروعات تنموية بعيدًا عن استقطابات تلك الحرب. وكانت أصوات الدول الأفريقية حاسمة في فوز جمهورية الصين الشعبية في تصويت الأمم المتحدة في العام 1971 بمقعد الصين في الأمم المتحدة ومقعدها الدائم في مجلس الأمن. وحلت أفريقيا في قلب استراتيجية الصين “الخروج” going out (التي أقرتها في العام 1999) وشجعت الشركات الصينية على الاستثمار خارج الصين بشكل ومستويات غير مسبوقة. وزادت أهمية أفريقيا لبكين مع إطلاق الأخيرة مبادرة الحزام والطريق (2013) والتي قادت إلى تركز الاستثمارات الصينية في القارة الأفريقية في إقليم شرق أفريقيا بحكم موقعها الجغرافي المطل على المحيط الهندي والبحر الأحمر.

أولًا- طموحات الصين في أفريقيا: أهم الملامح

إلى جانب الأهمية السياسية التي توليها الصين للقارة الأفريقية في خضم حالة التنافس الراهنة مع الولايات المتحدة وعدد من القوى الدولية والإقليمية الأخرى فإن الجانب الاقتصادي يمثل الحافز الأكبر لبكين لتحقيق طموحاتها وتعزيز نموها الاقتصادي بعد حالة تراجع وانكماش واضحين في الأعوام القليلة الفائتة. ويمكن تلمس ملامح ذلك على النحو التالي:

  • نمو التجارة الأفريقية الصينية بشكل كبير من 11.67 بليون دولار في العام 2000 إلى 257.67 بليون دولار في العام 2022 وتحول الصين للشريك التجاري الأول للكثير من الدول الأفريقية.
  • قدمت بكين (حكوميًا وبمبادرات شركات خاصة) ما قيمته 170.08 بليون دولار قروضًا للدول الأفريقية في الفترة 2000-2022، قدم منها أهم مؤسستين ماليتين صينيتين (وهما Export-Import Bank of China (CHEXIM) وبنك التنمية الصيني China Development Bank (CDB) الجزء الأكبر (نحو 134 بليون دولار).
  • وفرت الاستثمارات الصينية الخارجية المباشرة لأفريقية حصة ثلث القروض المقدمة لقطاع الطاقة فقط (بنسبة 34%) مخصصة نسبة أكثر من 51% منها لإنتاج وتصدير واستيراد الوقود الأحفوري في القارة (آخرها قرض بقيمة نحو 450 مليون دولار للنيجر يتم تسديده بمبيعات بترول الأخيرة التي كانت مقررة في مايو الجاري). ولم تمثل القروض الصينية لقطاع الطاقة المتجددة سوى 2% فقط من قيمة قروض هذا القطاع.
  • تمكنت الشركات الصينية من ضخ استثمارات في الفترة 2000- 2022 بقيمة 112 بليون دولار كاستثمارات مباشرة فيما يعرف باستثمارات غرينفيلد المباشرة بـ greenfield FDI (حيث تبدأ الشركات الصينية عملها في الدول الأفريقية بتأسيس شركات تابعة لها تستثمر في كافة العمليات الضرورية من إقامة مصانع أو مناطق صناعية أو توزيع،…الخ داخل الدولة نفسها).

ثانيًا- التوزيع الجغرافي للاستثمارات الصينية في افريقيا: تكامل الأهداف والغايات

قدم تقرير مجلس أعمال الصين أفريقيا (2022) خريطة كاملة لعمل أهم الشركات الصينية، المنفذة العملية لسياسات الصين على الأرض في القارة الأفريقية اقتصاديًا، مقسمة تقسيمًا جغرافيًا وقطاعيًا على النحو التالي:

شرق أفريقيا

قدم التقرير رصدًا لحالة الإقليم الذي يمتلك نحو 99 ميناءً متفاوتًا في الحجم، وتمثل تجارة الصين مع مجمل دوله (18 دولة) نحو 14.4% من إجمالي تجارة الصين مع القارة الأفريقية. وهو الإقليم الأهم استراتيجيًا وسياسيًا في سياسات الصين الأفريقية كونه يطل مباشرة على المحيط الهندي الذي يمثل بدوره الدائرة اللصيقة للأمن القومي الصيني.

ومن أهم الشركات الصينية العاملة في شرق أفريقيا: شركة جريتشين تكنولوجي Greenchain Technology  التي تعمل في دولتي كينيا وأوغندا تحديدًا؛ وتتراوح أنشطة عملها من اللوجيستيات إلى تولي قطاع الصادرات الزراعية في عدد من دول شرق القارة (وأبرزها محصول الأفوكادو في كينيا الذي تجاوز العائد السنوي منه 77 مليون دولار وفق العام 2022 رغم حداثة زراعته نسبيًا هناك). وكذلك عبر شركة جيلونج هولدنجز Jielong Holdinga (Tanzania) التي تتولى مشروعات توطين التعدين وسلاسل التوريد وتطوير قدرات التصنيع المحلية لاسيما في مجال الصحة العامة. وحققت الشركة عائدات بقيمة 140 مليون دولار (2022). إضافة إلى تركيزها الأساسي على إنتاج المحاصيل الزراعية ومعالجتها مثل زيت بذرة القطن وعباد الشمس والصويا عبر مصنع يمتد على مساحة نحو 60 ألف متر مربع في تنزانيا بقدرة 150 ألف طن من الزيوت، و75 ألف طن من علف الحيوانات، و150 ألف صندوق صابون سنويًا. وشركة Electronic World Trade Platform (eWTP) العاملة في إثيوبيا ورواندا وهي شركة تابعة للعملاق الصيني “علي بابا جروب” متخصصة في العمل في السوق الأفريقي منذ تأسيس الأولى في أكتوبر 2018 وتوفر منصة تجارة إلكترونية فائقة في أفريقيا.

اما إقليم أفريقيا الجنوبية (الذي يضم خمسة دول حسب التصنيف الذي يعتمده التقرير الصيني) فإن اهم اشلركات الصينية العاملة فيه هي هايسنس جروب Hisense Group (التي تدير منطقة صناعية موسعة تعمل على دمج التصنيع الأفريقي في سلاسل التوريد العالمية)؛ وويبون جروب Wepon Group (وهي شركة أدوية عملاقة مقرها جنوب أفريقيا وتدير منطقة صناعية كبيرة في إنتاج الأدوية).

وفي إقليم غرب أفريقيا (الذي يضم 16 دولة) فإن أهم اشلركات الصينية الكبرى العاملة فيه هي: Guangzhou Choice International (في نيجيريا)، وGuangzhou SUNDA International (في السنغال وغانا وكينيا وتنزانيا كذلك).

وفي إقليم وسط أفريقيا (الذي يضم تسعة دول) تتقدم شركات Zhejiang Herocean Pan-African Network (التكنولوجية، ومقرها في أنجولا) قائمة أهم الشركات الصينية العاملة في الإقليم. وكشف التقرير اللاحق عن العام 2023 أن الصين باتت خامس اهم مستثمر ثنائي في أفريقيا مع توقعات بان تحتل الصين المركز الأول -وفق المؤشرات الراهنة- بحلول نهاية العام الجاري 2024.

ثالثًا- القطاع الخاص يقود النفوذ الصيني في أفريقيا

ثمة ملاحظة مهمة وهي أن توزع أنشطة القطاع الخاص الصيني في القارة غير متناسق بشكل واضح إذ تستحوذ 12 دولة أفريقية (أبرزها مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا وأنجولا وجمهورية الكونغو وزامبيا وغانا والجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية). واحتلت عدة شركات صينية مهمة قائمة مطولة لعمل القطاع الخاص الصيني في أفريقيا على النحو التالي:

  • هواوي Huawei:

تأسست في العام 1987 وتعد حاليًا من أكبر الشركات العالمية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتخدم نحو 3 بليون مستهلك في أرجاء العالم وتملك استثمارات إجمالية بقيمة 1.11 تريليون دولار.  وتوسع أنشطتها بشكل ملفت في أفريقيا رغم المنافسة القوية من شركات الاتصالات الكبرى الأخرى. وأبرمت هواوي في العام الماضي اتفاقات ومذكرات تفاهم بالغة الأهمية مع منظمات إقليمية في جنوب أفريقيا وشرقها (مثل هيئة الاتصالات الشرق أفريقية East African Communications Organization والمنتدى الأفريقي لحوكمة الانترنت African Internet Governance Forum، كما حصلت الشركة على أرفع جائزة أفريقية في قطاع الاتصالات عن العام 2023 وهي Advancing Internet Governance in Africa Contribution Award خلال قمة المنتدى الأخير) ([1]).  وتعهدت “هواوي” في خريف 2023 بضخ استثمارات بقيمة 430 مليون دولار في أفريقيا “لإفساح الطريق أمام الربط التكنولوجي للقارة” وذلك القمة التي حملت عنوان Huawei Connect (شنغهاي- سبتمبر 2023) ([2]).

  • هوليي Holley.

وهي شركة عريقة نسبيًا تأسست مطلع سبعينيات القرن الماضي تطورت في التسعينيات في صناعة العدادات الكهربائية ثم نوعت استثماراتها في صناعة المعدات الكهربائية بشكل عام ثم قطاع الرعاية الصحية والطاقة النظيفة والشبكات الذكية وغيرها. ونشطت مجموعة “هوليي” في أفريقيا منذ عقدين تقريبًا وقدمت في السنوات الأخيرة أكثر من مائة مليون جرعة مصل مضاد للملاريا وسجلت مجموعة كبيرة من أدويتها الشهيرة في 40 دولة أفريقية. وبدأت من العام 2006 في العمل مع وزارة التجارة الصينية لتقديم مساعدات للدول الأفريقية. كما باعت المجموعة عدادات كهربائية من إنتاجها لعشرة دول أفريقية وقامت لاحقًا بتوطين صناعة هذه العدادات في عدد من هذه الدول ([3]).

 

  • جيانجسو يونجيوان Jiangsu Yongyuan

تأسست الشركة في العام 2020 كشركة خاصة محدودة مسجلة في هونج كونج متخصصة في إنتاج الأسمدة. وتعمل الشركة بشكل مكثف للغاية في المنطقة الصناعية الشرقية بإثيوبيا Ethiopia Eastern Industrial Zone إقليم أورميا بجمهورية إثيوبيا الفيدرالية (ويقع مجمعها الصناعي على بعد 30 كم من اديس أبابا ومطار بولي الدولي. وترتبط أنشطة الشركة بقطاعات فرعية أخرى أهمها المنسوجات ومواد البناء والصناعات الخفيفة والمنتجات المعدنية. وتستفيد بشكل كبير من الإعفاءات الضريبية والاعفاء من ضريبة الاستيراد التي توفرها الحكومة الإثيوبية للمناطق الصناعية المتخصصة ([4])

  • الصين أفريقيا للقطن China-Africa Cotton

تعد شركة الصين افريقيا للقطن من أكبر الاستثمارات الزراعية الصينية في القارة الأفريقية وتعمل في عدد من الدول الأفريقية الرئيسة راهنًا في إنتاج القطن عبر مجموعة شركات تابعة في زامبيا China Africa Cotton Zambia Limited، وفي موزمبيق China Africa Cotton Mozambique Limited، وزيمبابوي China Africa Cotton Zimbabwe Limited، ومالاوي ([5]). وتتكامل أنشطة الشركة في قطاع زراعة القطن مع أنشطة شركات صينية أخرى في مناطق صناعية أخرى تديرها شركات صينية لاسيما في إثيوبيا وزامبيا.

  • ستارتايمز StarTimes.

تأسست مجموعة ستارتايمز في العام 1988 وبدأت توسعها الملفت في أفريقيا جنوب الصحراء في العام 2002 ثم تطور حضورها في القارة في العام 2007 بحصولها على أول رخصة لتشغيل خدمة تليفزيونية رقمية في رواندا تلاها تمكن الشركة من تأسيس أكثر من 30 فرعًا لها في بقية دول القارة. وتدير الشركة حاليًا منصة عملاقة لعدد من القنوات الأفريقية المتطورة.

  • ترانسشن هولدنجز Transsion Holdings

شركة اتصالات عملاقة تأسست في العام 2006 وباتت من أكبر مصنعي الهواتف المحمولة في العالم وأصبحت تحتل المرتبة رقم 1 في القارة الأفريقية منذ العام 2017 (بمؤشر حجم المبيعات وعبر ماركتين شهيرتين هما Tecno و Itel). وتصنع المجموعة الهواتف المحمولة محليًا في القارة عبر شركات تابعة في نيجيريا وإثيوبيا مكنتها من الاستحواذ على 48.2% من حصة سوق الهواتف الذكية الأفريقية في العام 2021.   

  • سوندا إنترناشيونال جروب Sunda International Group.

تأسست في العام 2020 كشركة تجارية/ صناعية دولية تركز عملها في أفريقيا وامريكا اللاتينية، وتمتلك أغلب فروعها في القارة الأفريقية في غانا وتنزانيا وكينيا وساحل العاج والسنغال وجنوب أفريقيا وغيرها، وأعلنت المجموعة عملها في أفريقيا على نحو يتفق تمامًا مع استراتيجية مبادرة الحزام والطريق) ([6]).

رابعًا- النفوذ الصيني ومسار الحزام والطريق: دعم التعاون مع دول القارة

تتبنى الصين، ضمن مبادرة الحزام والطريق، ديبلوماسية إقامة المناطق الصناعية الكبيرة في الدول الأفريقية؛ وتمتلك حاليًا أربعة مناطق رئيسة في أربعة دول متنوعة من حيث الموقع الجغرافي وحجم الاقتصاد والأهمية في محيطها الإقليمي وتتوزع هذه المناطق الصناعية الأربعة على النحو التالي ([7]):

  • منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري- الصين- مصر تيدا China- Egypt TEDA وتقع في الجزء الشمالي الغربي من قناة السويس على بعد نحو 120 كم من القاهرة وتديرها شركة “الصين أفريقيا تيدا للاستثمار المحدود” China-Africa TEDA Investment Co., Ltd وتتلاءم المنطقة في طبيعتها مع سمة الاقتصاد المصري الأهم نسبيًا في القارة الأفريقية وتحديدًا تمثيل المكون الصناعي به نسبة معتبرة لا تضاهى سوى بجنوب أفريقيا؛ إذ تركز الشركة على معدات البترول والأجهزة الكهربائية والمنسوجات والملابس ومواد البناء وتصنيع الآلات.
  • منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري الصين- نيجيريا China-Nigeria Economic and Trade Cooperation Zone التي تقع في جنوب شرق لاجوس وتديرها شركة
    China-Africa Lekki Investment Ltd التي تركز على التصنيع واللوجيستيات التجارية وصناعة البترول والغاز.
  • منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري زامبيا- الصين Zambia-China Economic and Trade Cooperation Zone وتديرها China Nonferrous Metal Mining Group التي تركز على إنتاج النحاس والكوبالت، ومعدات الحماية البيئية.
  • المنطقة الصناعية الشرقية بإثيوبيا Ethiopia Eastern Industrial Zone التي سبقت الإشارة لها.

وتكشف هذه الحزمة المتشابكة من الشركات المملوكة للدولة وشركات القطاع الخاص عن رؤية تكاملية واضحة لبكين في الانتشار في القارة الأفريقية وتحقيق غاياتها وأهدافها على أرض القارة عبر مقاربة أقرب للفوز للجميع.

 

الهوامش

[1] Huawei Investment & Holding Co., Ltd. 2023 Annual Report https://www-file.huawei.com/minisite/media/annual_report/annual_report_2023_en.pdf

[2] Huawei Pledges $430 Million Investment for a Digital Revolution in Africa, September 27, 2023 https://www.moroccoworldnews.com/2023/09/357945/huawei-pledges-430-million-investment-for-a-digital-revolution-in-africa

[3] Holley in Africa, Holley Group https://www.holley.cn/en/global_362.html

[4] Overseas Economic and Trade Cooperation Zones on the Belt and Road, Belt and Road https://beltandroad.hktdc.com/en/sme-corner/industrial-park

[5] China-Africa Cotton Project, China- Africa Development Fund http://en.cadfund.com/Column/49/0.htm

[6] Sunda International Group https://www.sunda.com/en/about/

[7] Overseas Economic and Trade Cooperation Zones on the Belt and Road, Belt and Road https://beltandroad.hktdc.com/en/sme-corner/industrial-park

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى