الحضور العسكري الصيني في مصر ورسائل إعادة التوازن

فريق العمل
تعرضت مصر وقواتها المسلحة خلال الأشهر الماضية، لحملة هجوم سياسي واعلامي وتهديدات من قبل مسؤولين إسرائيليين، بسبب تعزيزات الانتشار العسكري في سيناء، ومحاولات ضغط شديدة عليها لقبول التهجير القسري من غزة. وأكدت مصر رفضها لمحاولات التهجير، وتزايدت التوترات بين القاهرة وتل ابيب، بعدما خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار مع «حماس» واستأنفت العمليات البرية والقصف العنيف على القطاع وعززت تواجدها في «محور فيلادلفيا» بدل الانسحاب منه.
تحديات الامن القومي المصري
تواجه مصر تحديات أمنية وسياسية معقدة تهدد امنها القومي من عدة اتجاهات فمن الحرب في السودان والتوتر في القرن الافريقي، وتهديدات وادي النيل والبحر الأحمر، وليبيا غير المستقرة، والحرب على غزه، والاطماع الإسرائيلية لتعزيز مجالها الحيوي، فضلا عن معاضل حماية حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، وتحديات ضغوط الرئيس ترامب، دفعت مصر إلى تفعيل شراكات جديده لضرورات تراها وجودية.
أدركت القيادة المصرية أن الاعتماد على واشنطن في التسليح بات خياراً غير مضمون، بعد وقف تسليم طائرات F-16وصواريخ ومروحيات الأباتشي وقطع الغيار الخاصة بها، بالمقابل توسع فارق التوازن العسكري مع إسرائيل، وعليه بدأت بتنويع مصادر تسليحها، في سياق استراتيجية عسكرية تمنحها الاستقلالية والمناورة، حيث أبرمت صفقات مع عدد من الدول الكبرى، شملت اكثر من٥٠ مقاتلة “رافال” وحاملات المروحيات “ميسترال” وصواريخ “ميكا” للدفاع الجوي، و”سكالب” للهجوم الأرضي من فرنسا، وغواصات وفرقاطات من ألمانيا، وحاملة مروحيات من موسكو، وأنظمة قتالية جوية وبحرية من إيطاليا٫ وصفقات مدفعية وصواريخ متطورة، وصفقة محتملة لتصنيع 70 طائرة نوع “FA-50” في مصر مع كوريا الجنوبية ، وتعاون مع تركيا لتصنيع طائرات استطلاع مسيرة متطورة في مصر.
الاستفزازات الإسرائيلية
عملت اسرائيل على استفزاز مصر بشكل متواصل عبر التوغل على محور فيلادلفيا، فضلا عن دعوات قادتها المتواصلة لتهجير سكان غزة باتجاه سيناء، التي عززتها الأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع، النهج الإسرائيلي في التضليل وتهديد السلام والاخلال بالاتفاقات، دفع مصر لتعزيز انتشارها وموازنة علاقاتها بقوى دوليه كالصين وروسيا.
التوترات والقلق المتبادل
تفاقمت التوترات منذ أن أثار الرئيس ترامب خطة انتقال الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر وازدادت توجسات القياده المصريه مع تكليف الفرقة 36 الإسرائيلية للسيطرة على ممر “موراغ” وشطر القطاع وفصل رفح عن غزة، بهدف الضغط على سكان غزة ودفعهم للتهجير، لذا اتخذت مصر موقفاً دفاعياً متقدماً لمنع عبور اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية.
تصاعدت المخاوف في إسرائيل بسبب تعزيزات القوات المصرية في سيناء وقرب الحدود ووصفوه بالتهديد الوجودي، وتشير التقارير الإسرائيلية أن مصر باتت جبهة قوية تهدد إسرائيل حيث يمكنها نقل 500 دبابة في ليلة واحدة عبر قناة السويس، وان الانتشار العسكري المصري في سيناء يضم 88 كتيبة تضم 42 ألف جندي، بالإضافة إلى ثلاث فرق عسكرية، و1500 دبابة ومدرعة، إلى جانب مشروعات لتطوير وتوسيع مدارج المطارات العسكرية، وتعزيز الدفاعات الجوية والأرصفة البحرية كما أفاد موقع “nziv” العبري في 8 نيسان/ ابريل، أن مصر كشفت لأول مرة عن نشر منظومة الدفاع الجوي “أنتاي 2500” (إس-300 في إم)، والقادرة على تهديد الطائرات الإسرائيلية من مسافة تصل إلى 300 كم، اعتبرتها إسرائيل تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق قرب حدودها.
صحوة هارون
نشر موقع “nziv” الإخباري الإسرائيلي في ١٧ شباط، تقريرًا بعنوان “الاستعداد العاجل مطلوب لمواجهة التهديد العسكري المصري”، وناقش التقرير السيناريوهات المحتملة لهجوم مصري مفاجئ، مستندًا إلى تطور قدرات الجيش المصري خلال العقدين الماضيين. وشملت التحليلات أخطار تنفيذ عمليات إنزال للكوماندوز المصري عبر ثغرات في الدفاعات الإسرائيلية، وفرض حصار بحري، أو شن هجمات جوية وصاروخية تستهدف مواقع استراتيجية داخل إسرائيل، واقترح الموقع الإسرائيلي إعداد خطة هجومية تحت اسم “صحوة هارون” تتضمن شن هجوم استباقي واسع النطاق، بهدف ردع مصر وإرسال رسالة قوية بشأن العواقب المحتملة لأي تحرك عسكري ضد إسرائيل، كما نشرت مواقع إسرائيلية سيناريو يصف هجومًا محتملًا على السد العالي في أسوان جنوب مصر، مشيرة إلى أنه “تصور للذكاء الاصطناعي”، في ظل التصعيد القائم بين القاهرة وتل أبيب بسبب الحرب في غزة.
الاسناد الأمريكي
أحدثت حالة التأهب القتالي في وحدات الجيش المصري في سيناء قلقاً في إسرائيل وأمريكا، حيث أرسلت واشنطن رسائل تحذيرية ضمنية، وأكد موقع “ناتسيف” الإسرائيلي في ٢ ابريل، أن واشنطن تتحرك بالفعل على المستويين الدبلوماسي والعسكري لمعالجه التوترات، واشارت المعلومات في 25 مارس، الى تحليق طائرات الاستطلاع الأمريكية طراز MQ-4C Triton على طول الحدود المصرية، اذ أنطلقت من قاعدة “سيجونيلا “الإيطالية، والطائرة مختصة بجمع المعلومات الاستخباراتية، وقد قامت باستطلاع السواحل المصرية، وصولًا إلى شرق البلاد. ولدى الطائره امكانيه رصد إشارات الرادارات المصرية من مسافات 926 كيلومتراً، وهي مجهزة برادار متقدم بمدى 370 كيلومتر قادر على تصوير الأهداف بدقة، بالإضافة إلى كاميرات استشعارية تغطي مساحات واسعة، تسمح بجمع معلومات استراتيجية.
تاتي المناورات في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة، وفي وقت يشهد تغيرات كبيرة على الساحة الدولية، منها التوترات بين الغرب وروسيا والصين، فضلاً عن التحديات الإقليمية المرتبطة بالملفين النووي الإيراني والفلسطيني، والتحديات الإقليمية المحيطة بالجوار المصري كالملف الليبي والقرن الأفريقي والبحر الأحمر والضغوط الامريكية على مصر.
التعاون العسكري الصيني المصري وتوازن القوى
في خضم التوترات الإقليمية والدولية، انشات الصين مع مصر جسر جوي يتألف من ست طائرات نقل هبطت في المطارات المصرية، من طراز “شيان Y-20 كونبنغ” وهي طائرة نقل عملاقة بحمولة ٦٦ طن، حملت مقاتلات من طراز J-10، ومعدات لم تعرف طبيعتها، كما نشرت طائرة إنذار مبكر من طراز “شانشي KJ-500”، في الاجواء المصرية، ونفذت مناورات جوية مشتركة “نسور الحضارة 2025”، التي تعد الأولى من نوعها بين مصر والصين.
التطور الاستثنائي، هو مشاركة طائرة الإنذار المبكر الصينية المتقدمة KJ-500 في التدريبات، والتي تمتلك قدرات اكتشاف الطائرات الشبحية، بمدى يصل إلى نحو 470 كيلومتر، حيث انطلقت من قاعدة بني سويف الجوية، ثم حلّقت في أجواء سيناء، ما اعتبرته إسرائيل تطوراً خطيراً. إذ أشارت المعلومات إلى أن طائرة الاستطلاع الصينية زودت الجيش المصري صوراً محدثة لانتشار قطعات الجيش الإسرائيلي، مكنت الاستخبارات المصرية من تحديث قاعدة معلوماتها عن انتشار وتوزيع وحركة القطعات الإسرائيلية في ساحة العمليات، وهي بمثابة رد مصري على تحليق طائرة الاستطلاع الامريكية طراز MQ-4C Triton، وطائرات الاستطلاع الإسرائيلية “ايتام نحشون” قرب الحدود والسواحل المصرية.
تحدث الإعلام العبري، عن طلعات استفزازية للطائرات المقاتلة J-10 الصينية فوق سيناء بالقرب من الحدود الإسرائيلية، ما استدعى تفعيل أنظمة الإنذار المبكر الإسرائيلية، وأدت ردة الفعل هذه الى تمكين الجيش المصري من كشف سياقات عمل منظومات الانذار الإسرائيلية.
في ظل الحديث المتزايد عن صفقات مرتقبة بين القاهرة وبكين لشراء طائرات قتالية شبحية متطورة طراز j – 10 او طراز j- 20 من الجيل 4.5 وحتى الجيل الخامس، وغواصات شبحية طراز “تايب 039A” ذات قدرات للردع الاستراتيجي وتوطين صناعتها في مصر، جعل إسرائيل تتحسب من الوجود الصيني في مصر . وتتوجس من امتلاك مصر قدرات عسكرية حديثة تساهم في إعادة التوازن الاستراتيجي بين الطرفين. وتدرك إسرائيل ان التهديد لا يكمن في حصول مصر على طائرات صينية حديثة، بل في نوعية الصواريخ التي تتسلح بها.
تسعى مصر لسد الفجوات التكنلوجية الكبيرة مع اسرائيل التي تعمدت واشنطن صنعها عبر سنوات، فالصين تتميز عن الغرب انها تحافظ على سرية تفاصيل الصفقات، وتدرك ان التحركات في المنطقة لغرض إقامة مسار بديل يستهدف تجارتها عبر تعطيل قناة السويس، ومن مصلحتها تقوية الجيش المصري ليتمكن من حماية المصالح المشتركة للبلدين بدون محذورات.