الأزمات الاقتصادية والاجتماعيةالتجارة والاستثمارات الأجنبيةالجغرافية السياسيةالسياسات العامة

مظاهر الفساد السياسي في إفريقيا جنوب الصحراء

المقدمة 

تعد دول إفريقيا جنوب الصحراء من أكثر الدول في العالم تأثرا بالفساد السياسي، وتتصدر بعض الدول مثل الصومال وغينيا والكونغو قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة لمدركات الفساد (٢٠٢٤)[1]

ويمكن أن نلاحظ أنّ الفساد السياسي هو السبب الرئيسي لعدم الاستقرار، وغياب التحول الديموقراطي للسلطة، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وانعدام التنوع السياسي، وانتشار الفساد الإداري والاقتصادي في الدوائر الحكومية.

تأتي أهمية تسليط الضوء على مظاهر الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، حتى تتم عملية التشخيص الدقيق، وتحصر مكامن الخلل في البنية السياسية التي يتسلطُ فيها الحاكم على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد أسست بعض الدول الأفريقية هيئات لمكافحة الفساد إلا أنها باءت بالفشل ولم تستطع تحقيق أي مكاسب واقعية حسب مؤشرات منظمة الأمم المتحدة، ويمكن أن نشير إلى قضية النائب بلتزار في جمهورية غينيا الاستوائية والذي كان يُشرف على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خلال الفترة من ٢٠١٤- ٢٠٢٤ فقد تم القبض عليه في سبتمبر ٢٠٢٤ متلبساً وهو يستلم ٤٩٠ مليون فرنك إفريقي من إحدى الشركات الأجنبية، وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة سبع سنوات.[2]

أما الإشكالية التي يعالجها البحث فهي تأثير ظاهرة الفساد السياسي على ظاهرة انتشار الفساد في المؤسسات الحكومية، وبين عموم الشعب وكيف تؤدي عملية الفساد السياسي إلى تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء؟

وسنجيب عن الأسئلة الآتية، ما المقصود بالفساد السياسي؟ وما صوره وأشكاله؟ وأين تتجلى منابعه؟ وكيف تعمل بلدان إفريقيا جنوب الصحراء على مكافحته؟

المبحث الأول: الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 

المطلب الأول: مفهوم الفساد السياسي 

يحظى مفهوم الفساد بسمعة كبيرة واستعمال واسع، لكن يعطي في الوقت نفسه معاني كثيرة ومختلفة في بعض الأحيان، فالفساد هو نقيض الصلاح، والكلمة مشتقة من فَسَدَ يَفْسُدُ فساداً وبحسب العلامة ابن منظور في كتابه لسان العرب فإنّ الفساد خلاف الاستصلاح (ابن منظور – لسان العرب).[3]

أما قاموس أكسفورد فإنه يعرف الفساد بالسلوك غير النزيه وغير الشرعي، ولا سيما من أصحاب السلطة، ويقصد بها أيضاً الفعل أو التأثير الذي يدفع شخصاً ما إلى القيام بسلوك غير أخلاقي، وقد عرّف عالم السياسة بيرج الفساد السياسي بأنّه: سلوك ينتهك ويقوّض معايير قواعد النظام العام التي لا غنى عنها للحفاظ على الديموقراطية السياسية (ميخائيل جونستون، البحث عن تعريفات: حيوية السياسة وقضية الفساد).[4]

لقد اهتمّ الفلاسفة والمفكرين بظاهرة الفساد السياسي، ولعلّ إسهامات المفكر ابن خلدون قدّمت تصوراً مهما لظاهرة الفساد السياسي، فهو يرى أنه أحد أبشع أنواع الظلم، وهو الظلم الذي يرتكبه أصحاب السلطة والنفوذ، ويتضمن التعسف في استخدام السلطة، والاشتغال بالتجارة، والاستيلاء على أموال موظفي الدولة ورجالاتها من دون وجه حق، وفرض الضرائب الجائرة على الناس، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الدولة وتفكك المجتمع (عبدالله مسفر الواقدني، نظرية الفساد عند ابن خلدون).[5]

يؤدي الفساد السياسي إلى تنامي معدّل الفقر في المجتمع، وازدياد القمع وعدم الانضباط في الأجهزة الأمنية، ما يدفع إلى ظهور تعديات على حقوق الإنسان والمواطنة، ويضاعف من حدة المشكلات في الصحة وسوء توزيع الثروة بين المواطنين، وعدم الاستغلال الأمثل للموارد الموجودة في البلاد، ويمنع المستثمرين من مواصلة مشاريعهم التجارية، ويحوّل رأس المال إلى خادم للسلطة القائمة، ويساهم في تكوين الاحتكارات التجارية والصناعية بسبب التحالف بين أصحاب السلطة وأصحاب المال.

المطلب الثاني: التعريف بدول إفريقيا جنوب الصحراء 

تعد منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من أكثر المناطق استراتيجية في العالم، وتشهد تنوعاً ديموغرافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، يشمل مفهوم دول إفريقيا جنوب الصحراء كلاُ من دول وسط إفريقيا، ودول شرق إفريقيا، ودول غرب إفريقيا، ودول جنوب إفريقيا، وتقع هذه الأقاليم في منطقة واحدة.

وبحسب إحصائية منظمة الأمم المتحدة للسكان عام ٢٠١٩ فقد بلغ عدد سكان دول إفريقيا جنوب الصحراء ١.١ مليار نسمة، بمعدل نمو يقدر بحوالي ٢.٣٪.

وتشير توقعات منظمة الأمم المتحدة بأن عدد سكان دول إفريقيا جنوب الصحراء سيزيد إلى ٢ مليار نسمة بحلول عام ٢٠٥٠.[6]

تعاني دول إفريقيا جنوب الصحراء من تحديات بارزة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بسبب تنامي ظاهرة الفساد السياسي، وغياب التحول الديموقراطي، وعلى الرغم من الموارد التي تمتلكها بصفتها من أغنى قارات العالم في الموارد الطبيعية إلا أن قرابة ٤٠٠ مليون إنسان يعيش تحت خط الفقر في قارة إفريقيا، ولا يمكنهم الحصول على الخدمات الأساسية المتمثلة في التعليم والصحة والمياه الصالحة للشرب والوظائف مما يؤدي ذلك إلى انتشار الإرهاب والتطرف والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، تضم قارة إفريقيا أعلى معدلات الفقر في العالم، حيث يبرز غياب العدالة في توزيع الموارد من المظاهر داخل المجتمعات إذ تنفرد القلة الحاكمة بكل الموارد المتاحة، ويقع الحرمان على عامة الشعب وهو ما يؤدي إلى اشكالية تفاوت طبقي حاد يؤدي في غالب الأحيان إلى نشوب صراع طبقي إذ يرجع السبب في تفاقم أزمة التوزيع والفشل الاقتصادي إلى ظاهرة الفساد السياسي التي أساسها الرشوة واستخدام السلطة من أجل تحقيق أهداف شخصية والتعامل مع الممتلكات العامة على أنها ممتلكات شخصية.[7]

المبحث الثاني: مظاهر الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 

المطلب الأول: صور الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 

ينطوي مفهوم الفساد السياسي على أنماط عدة، فرعية أو جزئية يجمعها أو يتضمنها بشكل عام، وسنركز في هذه الجزئية على أبرز صور الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، ولا يعني أنّ الصور التي سنذكرها تقتصر على تلك البلدان وإنما هي ظاهرة تشترك فيها دولٌ أخرى من خارج قارة إفريقيا.[8]

الاستبداد السياسي 

يعد الاستبداد السياسي رأس كل بلاء ومصيبة وهو الركيزة الأساسية للفساد السياسي والباب الذي إذا فُتح دخلت منه أشكال وأصناف الفساد الأخرى.

الاستبداد لغةً وبمعنى مجرد هو الإحساس المفرط بالذات، والغرور بالرأي، والتعالي ورفض المشاركة والنصيحة والانفراد بالرأي، واغتصاب حقوق الآخرين في المشاركة. وإداريا واجتماعيا وسياسيا هو فرض الرأي والقرار والفعل، ومصادرة حق الآخرين في المشاركة، وإلغاء المؤسسية والتحول إلى الحكم الفردي المطلق الشمولي.[9]

يرى الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: (بأن أي سلطة لا تخرج عن وصف الاستبداد، ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والاحتساب الذي لا تسامح فيه، حيث إن كل حكومة تأمن المحاسبة والمراقبة تنقلب إلى حكومة استبدادية، حتى لو كانت حكومة منتخبة، ولكي تديم الحكومة المستبدة حكمها، فإنها تعتمد على ركيزتين هما: إحداهما تجهيل الشعب ومنعه من الوصول إلى الحقائق، والأخرى تقوية العسكر، وهذه أخطر وسيلة، إذ أنّ الحياة العسكرية تعلم الطاعة والخنوع وعدم المبادرة والاتكال وتقتل التشادي وفكرة الاستقلال).[10]

بحسب هذا التوصيف الذي قدمه عبد الرحمن الكواكبي لمفهوم الاستبداد، فإن غالبية الدول الأفريقية لا تخلو من بعض الطبائع الاستبدادية أو من معظمها، بل إنّ دولاً منها تستشري فيها أشدّ صفات الاستبداد السياسي، حيث يمنع تداول السلطة، ويستأثر بها بغية تحقيق أغراض شخصية، ويتم توريث الحكم من الآباء إلى الأبناء كما فعل عمر بونغو في الغابون عام ٢٠٠٩ وكما صنع إدريس ديبي في تشاد عام ٢٠٢١.[11]

الرشوة  

تعتبر ظاهرة الرشوة من الظواهر السيئة في المجتمعات الإفريقية، ولكي يقدم الموظف العمومي أي خدمة فلا بد من أن تقدم له مبلغا مالياً نظير ذلك، ثمة مصطلحات تنتشر في الإدارات الحكومية وكلها تعبر عن الرشوة مثل: مبلغ الشاي، حلاوة الأولاد، رسوم البنزين.

ودائما ما يتساءل البعض هل هي رشوة أم هدية، لكنها وبتعبير جوزيف ناي فإنها رشوة وليست هدية ذلك أنّ تعريف الرشوة هو استعمال جائزة لإفساد حكم شخص في موقع ثقة، فتكون الرشوة إذن سابقة لقرار ما أو لحكم ما، يسعى صاحبها على دفعها من أجل الحصول على خدمة لا تحق له قانونا، أو لتسريع خدمة والحصول على مزايا لا تتاح للآخرين.[12]

حكومة اللصوص

هذا النوع من الحكومات ينتشر في إفريقيا وهو من أشد صور الفساد السياسي، حيث تسيطر مجموعة فاسدة على الدولة كلها، وتقوم بسرقة الأموال العامة وخصخصتها، ويصبح كل عمل تقوم به الحكومة يستهدف تحقيق الربح للنخبة الحاكمة أو للشخص الحاكم، وهذا ما يحصل  في دول إفريقية كثيرة؛ فالمؤسسات السياسية في نظام الحكم في الكونغو الديموقراطية إبان حكم موبوتو سيسي سيكو، وفي أوغندا إبان حكم عيدي أمين، وفي ليبريا إبان حكم تشارلز تايلور، كانت مؤسسات ضعيفة، وحكم الفرد هو الغالب، ويزدهر هذا النمط من الحكومات في الدول التي تتمتع بموارد طبيعية، حيث تسهل الاستفادة من الريع واستخدامه في حفظ بقاء المجموعة الحاكمة، وكذلك في الدول التي تتلقى مساعدات خارجية كبيرة، وعادة يتم وضع سياسات عامة وقوانين تنظم المجالين الاقتصادي والسياسي لخدمة الطبقة الحاكمة.[13]

في أواخر عام ١٩٩٧ قام جمال آدم أقناي وهو أحد مستشاري رئيس الجمهورية في تشاد إدريس ديبي بالسفر إلى دوسلدورف في ألمانيا ومعه حقائب دبلوماسية مخصصة لزوجته بنتو أقناي السفيرة التشادية في ألمانيا وبها ١٣٠ كيلو غراما من الكوكايين، وتبين وجودها في الحقائب الدبلوماسية بعدما فصحتها الجمارك الألمانية تداول الخبر في وسائل الإعلام وتعتبر هذه الفصيحة من الفضائح السيئة في الدبلوماسية الافريقية.[14]

الاختلاس 

تمثل ظاهرة الاختلاس إحدى الظواهر السلبية في دول إفريقيا جنوب الصحراء، ويتمثل ذلك قيام الموظف بتحويل الأموال العامة لمصلحته الشخصية، أو تبديدها لمصلحة طرف آخر، ويعد الاختلاس صورة خطرة من صور الفساد، لأنه يقترن بخيانة الموظف للأمانة، وهي ظاهرة متفشية جداً على مستوى الموظفين الساميين ومستوى الموظفين الصغار.

تخسر غانا نحو 1.4 مليار دولار سنوياً كأموال تتدفق بصورة غير شرعية خارج القارة بسسب الاختلاس، ونظراً إلى خروج هذا المبلغ الكبير من الدولة، اضطرت غانا إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي. وتعرضت دولة جنوب إفريقيا، وهي أكثر دول العالم انعداماً للمساواة على الصعيد الاقتصادي، لخسارة نحو 7.4 مليارات دولار كأموال تتدفق إلى خارج الدولة في الفترة بين 2010 و2014.، كما أن ربع السكان يعانون الفقر المدقع، لذلك فإن خروج مثل هذه الأموال من الدولة بصورة غير شرعية له عواقب وخيمة على الاقتصاد.[15]

سوء التسيير الانتخابي 

تشهد معظم بلدان العالم انتخابات دورية، لكن هناك بلدانا تحقق فيها العملية الانتخابية مغزاها الذي وجدت من أجله، وبلدانا لا تحقق ذلك بسبب فساد العملية الانتخابية أو سوء التسيير الانتخابي وذلك يسمح بوصول الشخصيات الفاسدة والمنحرفة إلى البرلمان والمراكز الحكومية، وبالتالي تؤسّس تلك الشخصيات إلى الفساد السياسي ويكون ذلك بشراء الأصوات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو شراء دعم زعماء الأحزاب للترشح على قوائم الأحزاب القوية لضمان النجاح، أو شراء دعم المسؤولين الحكوميين مباشرة، ولا سيما الذين يمكنهم التأثير في نتيجة الانتخابات.

لنأخذ مثالين في مسألة سوء التسيير الانتخابي لدول إفريقيا جنوب الصحراء وهي الكاميرون التي يترأسها الرئيس بول بيا منذ عام ١٩٨٢ وقد ترشح للانتخابات عام ١٩٨٦- ١٩٩٠- ١٩٩٤ – ١٩٩٨- ٢٠٠٢- ٢٠٠٦ – ٢٠١٠- ٢٠١٤- ٢١٠٨- ٢٠٢٢- وسيترشح في انتخابات عام ٢٠٢٦ وقد بلغ من العمر ٩٦ عاماً.[16]

المطلب الثاني: وسائل مكافحة الفساد في أفريقيا جنوب الصحراء 

الترسيخ الديمقراطي والحكم الرشيد 

إن ترسيخ النظام الديمقراطي والوصول إلى حكومة يقبل بها الجمهور هما شرط أساس وأول لبلوغ الحكم الرشيد أو الترشيد في إدارة الحكم، ويرى أصحاب الاستراتيجيات السياسية لمكافحة الفساد بأن العلاج الأمثل للقضاء على الفساد يكمن في إقامة نظام ديمقراطي، من خلال المواصفات العصرية القائمة على التداول السلمي للسلطة، والتعددية السياسية والحزبية، والإعلام المستقل، وقد أثبتت الدراسات أنّ الدول الديمقراطية والتي تنتهج مبدأ الحكم الرشيد تقل فيها قضايا الفساد السياسي.

تعزيز دور جمعيات المجتمع المدني 

أصبح وجود منظمات المجتمع المدني، وما تقوم به من دور سواء بمفردها، أو بمشاركتها مع دول أخرى أو منظمات دولية حكومية أو غير حكومية، أصبح هذا الدور من ضمن المؤشرات التي تقيس تقدم الدول وتطورها. وقد قامت منظمات المجتمع المدني بدور فعال في تجارب الدول التي حققت نجاحا كبيرا في مكافحة الفساد، وأصبحت على مؤشرات مدركات الفساد من الدول الأقل فسادا. ويمكن إشراك مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد من خلال إيجاد سبل للتعاون بين مؤسسات القطاع العام وبين مؤسسات المجتمع المدني لتشجيعها وتفعيل دورها ومساندتها لنشر ثقافة النزاهة والشفافية والخضوع للمساءلة، ونشر الوعي بمخاطر الفساد لدى الجمهور، وتقييم عمل المؤسسات وفضح الممارسات غير النظيفة فيها، وتفعيل مبدأ الرقابة والمساءلة المجتمعية.[17]

ويتنوع دور منظمات المجتمع المدني بين الوقائي والعلاجي من خلال التوعية، وإعداد البحوث والدراسات، والتنسيق مع المنظمات الدولية، والمشاركة في سن القوانين والتشريعات. ويستند هذا الدور على ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية والإقليمية بشأن مكافحة الفساد وضرورة تهيئة المناخ المناسب لهذه المنظمات للقيام بدورها.

اتباع نموذج بوتسوانا لمكافحة الفساد 

تعد بوتسوانا أنموذجاً يحتذى به في إفريقيا لمكافحة الفساد، فقد احتلت المرتبة الأولى من حيث انخفاض حجم الفساد في إفريقيا في عام ٢٠٢٠ وقد تبنت بوتسوانا مشروع المساءلة الحكومية وهي أحد المقاييس التي يعتمد عليها مؤشر سيادة القانون بدءاً من درجة مراقبة مجلس الشعب العملَ الحكومي، وقدرة القضاء على محاسبة الحكومة، وانتهاء بغياب الفساد عن قطاعات الحكومة، مثل الوزارات والشرطة والجيش.

إذن اتباع نموذج المساءلة الحكومية يمكن أن يعالج أزمة الفساد السياسي، من خلال تعزيز النظام القضائي ليكون بيده سلطة معاقبة الفاسدين، وعدم التساهل في تطبيق القانون على كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على المال العام.[18]

الخاتمة 

تعيش دول إفريقيا جنوب الصحراء تحت رحمة القروض العالمية والمعونات الدولية بسبب الفساد السياسي، ولكي تنعدم صوره في المجتمعات الإفريقية يجب على الدول أن تتبنى سياسات واقعية للحد من الفساد، وأن تمنح المجال للسلطات القضائية بتولي مسؤوليتها بكل نزاهة حتى تعاقب الشخصيات والشركات الفاسدة، ولقد أرسى الاستعمار الغربي خلال مكثه في إفريقيا قواعد الفساد السياسي، ساهمت الدول الاستعمارية وخاصة فرنسا في تهريب وغسل الأموال، ودعم الحكومات الديكتاتورية في الحفاظ على السلطة مقابل السماح لها بنهب موارد الدول الافريقية.

النتائج

ثمة أسباب عدة لانتشار ظاهرة الفساد السياسي في أفريقيا أبرزها ظاهرة الاستبداد السياسي حينما ينفرد الحاكم بالسلطة، ويجمع تحته كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

تحولت ظاهرة الفساد السياسي إلى ظاهرة اجتماعية في المجتمعات الأفريقية جنوب الصحراء، ودخلت في كافة مناحي الحياة المدنية والعسكرية، ذلك لأنّ الدولة تنتهج مبدأ الفساد في تعاملاتها مع المواطنين.

تساهم فكرة سوء التسيير الانتخابي في مواصلة ظاهرة الفساد السياسي، وذلك عن طريق استمرار الأنظمة في الحكم لفترة طويلة جداً، ونلاحظ أنّ الدول التي يعم فيها الفساد السياسي هي ذات الدول التي يحكمها الرؤساء الأفارقة لسنوات طويلة جدا.

التوصيات

 نوصي من خلال البحث بتعزيز قيم الديمقراطية وترسيخ الحكم الرشيد لأنها تساهم في الحد من الفساد السياسي، ذلك أنّ الوعي السياسي في المجتمعات الأفريقية قد حقق قفزة نوعية بفضل مواقع التواصل الاجتماعي والاحتكاك مع العالم الخارجي.

تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً مهماً وبارزاً في الكشف عن الفساد والفاسدين، وتستحق تلك المنظمات أن تحصل على الدعم الحكومي لمساهمتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. تعد تجربة بوتسوانا من التجارب الملهمة من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ويمكن أن نتخذ فكرة المساءلة للحد من قضايا الفساد السياسي في دول إفريقيا جنوب الصحراء.

المصادر والمراجع 

مؤشر الأمم المتحدة لمدركات الفساد لعام ٢٠٢٤  

 فوزية زواليه، النزاع المسلح على الثورات في إفريقيا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ٢٠١٧ 

ابن منظور – لسان العرب – القاهرة، دار المعارف،١٩٩٨. 

 كريم درويش، الأمم في ظل الاستبداد، مكتبة الأسرة العربية، إسطنبول – ٢٠١٩

ميخائيل جونستون، البحث عن تعريفات: حيوية السياسة وقضية الفساد، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، العدد ١٤٩- سبتمبر ١٩٩٦

 عبدالله مسفر الواقدني، نظرية الفساد عند ابن خلدون، دورية الإدارة العامة، العدد ٥٠ سبتمبر، السنة ٢٠١٠

عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مكتبة دار المعارف، دمشق، ٢٠٠٩

مصطفى خواص، الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، المركز العربي للأبحاث، الدوحة، ٢٠١٩ 

عبدالله بخيت صالح، تشاد في عهد الرئيس إدريس ديبي، مركز المعرفة للطباعة والنشر، تشاد، ٢٠٢١

 مجلة قراءات إفريقية، مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات، العدد ٣٢ نوفمبر ٢٠٢١  


 [1] مؤشر الأمم المتحدة لمدركات الفساد لعام ٢٠٢٤ 

٢ قضية النائب بلتزار – صحيفة أخبار إفريقيا- أكتوبر ٢٠٢٤   

٣ ابن منظور – لسان العرب – القاهرة، دار المعارف،١٩٩٨، ج ٣٩ 

٤ ميخائيل جونستون، البحث عن تعريفات: حيوية السياسة وقضية الفساد، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، العدد ١٤٩- سبتمبر ١٩٩٦

  ٥ عبدالله مسفر الواقدني، نظرية الفساد عند ابن خلدون، دورية الإدارة العامة، العدد ٥٠ سبتمبر، السنة ٢٠١٠

٦ تقرير منظمة الأمم المتحدة للسكان لعام ٢٠١٩  

٧ فوزية زواليه، النزاع المسلح على الثورات في إفريقيا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ٢٠١٧، ص٢١

٨ مؤشر مدركات الفساد لعام ٢٠٢٤ـ قطاع إفريقيا جنوب الصحراء  

٩ كريم درويش، الأمم في ظل الاستبداد، مكتبة الأسرة العربية، إسطنبول – ٢٠١٩

١٠ عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مكتبة دار المعارف، دمشق، ٢٠٠٩  

١١ مجلة قراءات إفريقية، مركز الملك فبصل للأبحاث والدراسات، العدد ٣٢ نوفمبر ٢٠٢١  

 ١٢ مفهوم الرشوة عند جوزيف ناي، مصطلحات قانونية، جامعة الملك سعود، منشورات الجامعة ٢٠٠٩

١٣مصطفى خواص، الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، المركز العربي للأبحاث، الدوحة، ٢٠١٩، ص٩٥ 

١٤ عبدالله بخيت صالح، تشاد في عهد الرئيس إدريس ديبي، مركز المعرفة للطباعة والنشر، تشاد، ٢٠٢١، ص ٣٣ 

 ١٥مصطفى خواص، الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، المركز العربي للأبحاث، الدوحة، ٢٠١٩، ص١٠٢

١٦ تاريخ الانتخابات الكاميرونية، وزارة الخارجية لدولة الكاميرون ٢٠٢٤

 ١٧دور جمعيات المجتمع المدني في مكافحة الفساد، دولة قطر نموذجا  

١٨مصطفى خواص، الفساد السياسي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، المركز العربي للأبحاث، الدوحة، ٢٠١٩، ص٢٠٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى