الصراعات المسلحة في البحيرات العظمى الإفريقية: أسبابها وحركاتها وتداعياتها
مقدمة
البحيرات العظمى الأفريقية عبارة عن سلسلة من البحيرات في وادي الصدع الكبير وحوله. وتشمل بحيرات فيكتوريا وتنجانيقا وملاوي وتوركانا، والتي تدعم جميعها سبل العيش لأكثر من 50 مليون شخص في 12 دول، وتوفر فرصًا في مصائد الأسماك المستدامة والزراعة والسياحة والنقل والطاقة. وتعتبر هذه البحيرات أيضا ضمن أهم أنظمة المياه العذبة في العالم، إذ بحيرة فيكتوريا هي ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم من حيث المساحة؛ وبحيرة تنجانيقا هي ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم من حيث الحجم والعمق؛ وبحيرة ملاوي هي ثامن أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم من حيث المساحة؛ وبحيرة توركانا هي أكبر بحيرة صحراوية دائمة في العالم وأكبر بحيرة قلوية في العالم([1]).
وقد كان التعريف التقليدي أن أربع دول رئيسية هي التي تشكل منطقة البحيرات العظمى، وهي الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا وأوغندا. واستخدم بعض الباحثين مصطلح “منطقة البحيرات العظمى” للإشارة إلى المنطقة الواقعة بين شمال بحيرة تنجانيقا وغرب بحيرة فيكتوريا وبحيرات كيفو وإدوارد وألبرت([2]).
ومع ذلك شهدت السنوات العشر الماضية زيادة اعتماد الأوراق البحثية والدراسات – في تعريفها للمنطقة – على سياق “المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات العظمى” (International Conference on the Great Lakes Region)، وهي منظمة تضم دول منطقة البحيرات العظمى الأفريقية وتعود تاريخها إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نتيجة تأثير الإبادة الجماعية برواندا عام 1994 والصراعات الأخرى ذوات تداعيات عابرة لحدود دول المنطقة. وتتألف المنظمة من 12 دولة عضو من شرق إفريقيا ووسطها وإفريقيا الجنوبية، وهي: أنغولا وبوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية (كونغو كنشاسا) وجمهورية الكونغو (كونغو برازافيل) وكينيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا وزامبيا([3]).
وفي هذه الورقة كان الاعتماد على التعريف التقليدي لمنطقة البحيرات العظمى، والتي تشمل أربع دول, هي: الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا وأوغندا, وذلك لملاءمة هذا التعريف لسياقات الصراعات المسلحة المستمرة والتحركات الجيوسياسية الإقليمية والمنافسات الاقتصادية الدولية في هذه الدول على مدى السنوات الأربع الماضية.
أولا: الصراعات في البحيرات العظمى الإفريقية وأسبابها الرئيسية
شهدت البحيرات العظمى الأفريقية صراعات متكررة أودت بحياة الملايين. وترتبط أسباب هذه الصراعات بالأمور التاريخية والاجتماعية المشتركة بين دول المنطقة, والتفاعلات السياسية والاقتصادية لمعززات الصراع, وهو ما يجعل الوضع الأمني فيها معقدًا في ظل تحديات ما بعد الاستعمار وبناء الهوية الوطنية الجديدة.
وتتسم المنطقة بسهولة توسع الصراعات إلى خارج حدود نشأتها مع اشتراك جهات إقليمية فاعلة وأطراف دولية نافذة, مما تعطي الوضع الأمني ديناميكية جديدة. وهذه هي حالات الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 التي أسفرت عن مقتل أكثر من 800 ألف شخص وأكثر من 2 مليون لاجئ؛ ومحاولة الانقلاب في بوروندي عام 1993 والتي أسفرت عن مقتل حوالي 300 ألف شخص وإجبار أكثر من 800 ألف على الفرار من منازلهم؛ والحربين والصراعات التي شهدتها الكونغو الديمقراطية في الفترة من 1997 إلى 2001، وتمرد حركة “23 مارس” في عام 2012، والهجمات الدامية الذي تشنها الحركة منذ 2022 إلى اليوم.
واعتمادا على أعمال الأكاديميين والباحثين من دول البحيرات العظمى الأفريقية, أمثال “باتريك كانيانغارا”([4]) و “أناستاس شياكا”([5]) و “موريس سيكيني”([6]) وغيرهم([7])؛ تتلخص الأسباب الرئيسية لصراعات المنطقة في النقاط التالية:
أ- إرث الاستعمار: يستحيل تجاهل الإرث الاستعماري للصراعات في البحيرات العظى الإفريقية, حيث خضعت المنطقة في مختلف الفترات للاستعمار والنفوذ من ألمانيا وبلجيكا وبريطانيا. وهذه النقطة بارزة في كون ثلاث دول من المنطقة (رواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية) تُشار إليها بـ “المستعمرات البلجيكية السابقة”. ويبرز دور الاستعمار في الصراعات الحالية من خلال ثلاث زوايا رئيسية هي: (أ) الجوانب السياسية؛ و (ب) الإيديولوجية الاستعمارية في إدارة المجتمعات المحلية, و (ج) الحدود الاصطناعية.
فمن الناحية السياسية؛ سيّست القوى الاستعمارية المجموعات الإثنية وعلاقات بعضها مع البعض, ونزعت الشرعية عن آليات بناء السلام المحلية والثقة القائمة بين السكان وقادتهم المحليين. وهذه هي حالات رواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية التي شلّتها الأنظمة الاستعمارية من خلال اغتيال الشخصيات الملهمة وتصفية القادة المحتملين لقيادة دولهم نحو الاستقلال والاستقرار.
وفيما يتعلق بالجانب الإيديولوجي؛ فقد فصّل الحديث فيه الأكاديمي والسياسي الرواندي، “أناستاسي شياكا” في دراسته لعام 2008, حيث كشف أن الحكم الاستعماري في المجتمعات الرواندية والبوروندية ركّز على الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي لم تُعِرْها هذه المجتمعات أي اعتبار قبل مجيئ الاستعمار. ويتحدّد هذا الفعل الاستعماري في عدم المساواة الإثنية والتركيز على الانقسام بين إثنيتي هوتو وتوتسي, وهو ما غذّى فكرة أفضلية توتسي على هوتو. وكانت النتيجة أن كان هوتو – الذين تعرضوا لنوع من الإهانة البشرية تحت الاستعمار-، في مواجهة توتسي – الذين اعتبرتهم الإدارة الاستعمارية أرستقراطيين -. وهكذا عَمِل الحكم الاستعماري على ترسيخ التحيزات العنصرية في المجتمعات, مما أعاق جهود تطوير الهويات الشاملة والمواطنة حتى ما بعد الاستعمار.
وهناك مثال آخر في الكونغو الديمقراطية؛ حيث حظيت إثنية “هيما” بالأفضلية والامتيازات على إثنية “ليندو” أثناء الحكم الاستعماري البلجيكي. واستمر الحال في عهد “موبوتو سيسي سيكو” الذي حكم الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا) من 24 نوفمبر 1965 إلى 16 مايو 1997. وهو ما سبّب استياء “ليندو” وأثار فيهم الشعور بالتهديد لحقوقهم في الملكية (“هيما”) والسياسات التعليمية التي كانت تميّز ضدهم.
أما آثار الحدود الاستعمارية المصطنعة؛ فهي تتجلى في طريقة تعامل المستعمِرين مع البيئات الاجتماعية وحدود الممالك الموجودة قبل وصولهم, ومدى اصطناعية الحدود الجديدة التي أنشأؤوها؛ إذ دمج الاستعمار العديد من المجتمعات داخل المناطق الاستعمارية التابعة لإدارته وأسّس حدودا جديدة بغض النظر عن عواقبها الاجتماعية والروابط بين سكانها. وتكفي رواندا وعلاقاتها مع جيرانها اليوم خير مثال على هذا؛ إذ صعب تحقيق التكامل الاجتماعي للبيئات والممالك أو المجتمعات في فترات ما بعد الاستعمار, وذلك بسبب الأدوات الاستعمارية الأجنبية العديدة (مثل اتفاقيات ومعاهدات) التي أسست حدود رواندا الحالية مع جيرانها.
بل بالرغم من أن السكان المنتمين إلى مجتمعات رواندا ما قبل الاستقلال لم يتم تهجيرهم في دول الجوار المستقلة بسبب الترتيبات الاستعمارية، إلا أن انتشار هؤلاء السكان من أصول رواندية خارج الحدود الرواندية يصعّب اندماجهم في الدول المجاورة ما بعد الاستعمار, بينما استبعادهم من السلطة والمناصب والموارد في تلك الدول يؤدي إلى صراعات عنيفة، مثل “حرب كانيارواندا” التي وقعت في شمال كيفو الكونغولية من عام 1963 حتى عام 1966 بين “بانيارواندا” (السكان من أصول رواندية) وبين الإثنيات الأصلية بما في ذلك “هوندي” و “ناندي”. إضافة إلى أزمات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في أوغندا، والصراعات المسلحة الأخرى في الكونغو الديمقراطية.
ب- إدارة التعددية الإثنية والروابط الاجتماعية العابرة للحدود: يمثّل وجود الجماعات الإثنية العابرة للحدود الوطنية في دول منطقة البحيرات العظمى الأفريقية سلاحا ذا حدّين؛ فهو يعزز انتشار الصراعات أو تكثيفها, كما يساهم في تهدئة الأوضاع وإخماد نيران المواجهات الأمنية. وهذان الدوران قد استغلّهما الساسة في تحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية. وعلى سبيل المثال، لا تقيد الحدود السياسية إثنيتي هوتو وتوتسي, إذ يعيش أكثر من مليوني شخص منهم خارج حدود رواندا وبوروندي، ويعيش بعضهم في بوروندي, بينما يوجد بعضهم الآخر في مقاطعتي شمال كيفو وجنوب كيفو في الكونغو الديمقراطية. ومنذ عام 1996 وحتى الآن تتورط مجموعات من الإثنيتين (هوتو وتوتسي) بشكل نشط في الأعمال العدائية في شرق الكونغو الديمقراطية. وهذا يعني أن أي صراع يشمل إحدى هاتين الإثنيتين قادرٌ على الانتشار السريع إلى كل تلك الدول، بغض النظر عن حدودهما، وأن الدول المستقرة التي تجاور دولا أخرى غير مستقرة – أو توجد بها إثنيات متحاربة – معرضة لخطر عدم الاستقرار كرد فعل أو كدعم من إخوان المتحاربين على الجانب الآخر من الحدود.
ومن المتغيرات الأخرى في هذا الصدد ملفات الاتجار بالأسلحة عبر الحدود الوطنية وحركات اللاجئين من الإثنيات العابرة للحدود وضعف الحوكمة في الدول المجاورة “المصابة” والحدود المسامية. ويؤكد على هذا مختلف التقارير التي كشفت أن كل دولة في منطقة البحيرات العظمى قد استضافت في مرحلةٍ مَّا لاجئين من جيرانها، وأن بعض حالات اللجوء أدت إلى تفاقم الصراع في دولهم الأصلية من خلال الهجمات عبر الحدود, كما تسببت في صراعات جديدة في الدول المضيفة للمهاجرين.
وعلى سبيل المثال، فرّ أعداد كبيرة من إثنية هوتو إلى مقاطعتي شمال كيفو وجنوب كيفو في الكونغو الديمقراطية أثناء المذبحة التي تعرضت لها إثنية توتسي عام 1994 في رواندا، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع الأمني وزعزعة الكونغو الديمقراطية المضطربة حتى قبل المذبحة. ومن أجل الدفاع عن أنفسهم في مواقعهم الجديدة أسست مجموعات من هوتو عدداً من المنظمات المسلحة وأبرموا اتفاقيات مع جماعات الميليشيات المحلية الرئيسية وفصائل هوتو الأخرى في الكونغو الديمقراطية ضد جماعات توتسي في الكونغو الديمقراطية (وفي وقت لاحق ضد الحكومة الرواندية التي يقودها بول كاغامي من إثنية توتسي). وهكذا اكتسبت الصراعات صفة إقليمية حيث تمكّن الجانبان من تجنيد مقاتلين من مجموعاتهم الإثنية في رواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية.
ج- قضايا ملكية الأراضي: تؤجج قضايا استخدام الأراضي والوصول إليها صراعات متجددة وتوترات متكررة بين المجتمعات. وغالبا ما ترجع هذه القضايا إلى الظلم التاريخي والتوزيع غير المتكافئ للأراضي أو إعادة توزيعها من قبل الحكومات، والنمو السكاني السريع والمنافسة على الأراضي الزراعية التي تعد وسيلة مهمة لسبل العيش والثروة للسكان المحليين في مجتمعات المنطقة المختلفة. ويمكن ملاحظة هذه النقطة في رواندا التي شكّلت الصراعات على الأراضي أكبر عقبة أمام السلام الدائم في البلاد, كما أن المطالبة بالأراضي وإعادة توزيعها من الأسباب الجذرية التي أدت إلى فشل اتفاقية أروشا (عام 1993) والتي قد تجنّب رواندا من الإبادة الجماعية في عام 1994، حيث وُضِعت بهدف إنهاء الصراع الذي دام أربع سنوات بين حكومة رواندا ومتمردي “الجبهة الوطنية الرواندية”.
ومن الملاحظ أيضا أن العنف في الكونغو الديمقراطية يخلق منافسة جديدة على الأراضي نتيجة أهميتها في الفضاء الاقتصادي المحلي وإعادة رسم الحدود الإثنية والطبقية وغيرها. بل كان عدم كفاية الوصول إلى الأراضي من أسباب العنف الذي يُفاقم حالات فَقْر الآلاف من سكان الريف في مناطق عديدة بشرق الكونغو الديمقراطية. وهذه حالة النزاعات بين إثنيتي “ليندو” الزراعية و “هيما” الرعوية (في عامي 1999 و2003, ومنذ عام 2003 إلى اليوم) في مقاطعة إيتوري, حيث كشفت التقارير أن عمليات شراء الأراضي المثيرة للجدل ونمو الامتيازات الزراعية وتربية الماشية من العوامل المباشرة للعنف بين الإثنيتين.
د- عامل الموارد الطبيعية: تُعَدّ منطقة البحيرات العظمى الإفريقية واحدة من أغنى مناطق أفريقيا بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والكوبالت والنحاس والكولتان والقصدير وغيرها من المعادن التي تعد مصادر حيوية للثروات الاقتصادية والمواد الخام لقطاعات التصنيع العالمية، مثل الأدوات الإلكترونية والمركبات الكهربائية والتحول إلى الطاقة الخضراء. وتنتج المنطقة أيضا نصف التنتالوم في العالم, كما تُعتَبر الكونغو الديمقراطية أكثر دول المنطقة ثراءً بالموارد من حيث كميتها وجودتها. وقد وُجِدت في بوروندي وأوغندا احتياطيات كبيرة غير مستغلة من الرواسب المعدنية الحيوية، بينما تمتلك رواندا كمية أقل من الموارد المعدنية([8]).
وتتفاقم الصراعات في المنطقة نتيجة الاهتمامات المحلية والإقليمية والدولية المتزايدة بمواردها الاستراتيجية والحيوية, وهو ما أكسب صراعات المنطقة نمطان متميزان. النمط الأول يحدث عندما تتصادم حكومتان أو أكثر بشكل علني حول استغلال الموارد الطبيعية الموجودة على طول الحدود المشتركة. والنمط الثاني مرتبط بالاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية واستخدمها لتمويل الصراعات الإقليمية. ويلاحظ النمطان في أدوار وأنشطة كل من رواندا وأوغندا في أزمة الكونغو الديمقراطية، حيث تضمن الدولتان قدرًا من المعادن التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المتحالفة معهما في الكونغو الديمقراطية. كما أن للقوى الأجنبية مصالح اقتصادية في الموارد الطبيعية في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة والهند والدول الأوروبية التي تعمل على تطوير صناعات السيارات الكهربائية والتسابق نحو التحول إلى الطاقة الخضراء.
ويؤكد على ما سبق أن تقريرا صادرا من الأمم المتحدة([9]) كشف أن النزاعات والمواجهات المسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية تدور في المقام الأول حول الوصول والسيطرة والتجارة في موارد معدنية أساسية, مثل الذهب والماس والنحاس والكوبالت والكولتان. وتستمر العديد من الكيانات الحكومية وغير الحكومية والجماعات المسلحة وشبكات الجريمة المنظمة في نهب الموارد والانخراط في عمليات احتيالية مرتبطة بالصراع داخل المنطقة وخارجها([10]). وكانت النتيجة أن الكونغو الديمقراطية من بين أفقر دول العالم وواحدة من أكثر الدول تضررًا بالصراع في أفريقيا – رغم أن الموارد الطبيعية والمعادن تمثّل حوالي 80 في المئة من صادراتها.
هـ – العوامل السياسية وقضايا الحوكمة: يساهم في الصراعات بالمنطقة منافسة المجتمعات على السيطرة على السلطة الحكومية واستغلال النخب الاجتماعية والسياسية للاختلافات الإثنية والتحيزات السائدة. إضافة إلى عجز حكومات دول المنطقة عن إدارة المجتمعات المتعددة الإثنيات وضمان الوصول العادل إلى الأراضي والموارد الطبيعية وسيادة القانون والإدماج السياسي. وكانت النتيجة أن تكون السياسات الحكومية المختلفة ضعيفة وأقل قدرة على ضمان سلامة أرواح وممتلكات سكان مناطق النزاعات.
وتتضح معضلة الساسية والحوكمة والصراع في حقيقة أن الديمقراطية وإجراء الانتخابات في بعض دول منطقة البحيرات العظمى لم تسفر حتى الآن عن حكم فعّال أو استقرار دائم, حيث إنها بدلاً من ذلك تشعل النزاعات، كما هو حالتا الكونغو الديمقراطية وبوروندي. وغالبا ما تحدث أعمال العنف والصراع كلما حاولت الأنظمة في المنطقة فتحَ المجال السياسي ووضع المبادئ الأساسية للديمقراطية والحكم الرشيد موضع التنفيذ, وهو ما يدفع البعض إلى دعم أنظمة “الدكتاتورية الخيرة” في المنطقة لاعتقادهم أنها أكثر قدرة (مقارنة بالأنظمة الديمقراطية) على تعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني ومنع التناحر بين الإثنيات المختلفة. ويؤشر على هذا الموقف حالتي رواندا وأوغندا اللتين أعاد رئيسَيْهما تعريف الديمقراطية وفقاً لمعاييرهما الخاصة وفي ضوء تاريخ شعوبهما وتكوين دولتيهما وتطورهما.
ثانيا: الحركات المسلحة في البحيرات العظمى الإفريقية
يوجد عدد كبير من الحركات المسلحة في منطقة البحيرات العظى الإفريقية, إذ تنشط في الكونغو الديمقراطية وحدها أكثر من 120 ميليشيا وجماعة مسلحة. وتلعب كيانات أمنية رسمية لدول البحيرات العظى الإفريقية في العنف المستمر، مثل القوات المسلحة والشرطة الكونغوليتين والقوات المسلحة لدول رواندا وأوغندا وبوروندي، والتي تواجه تهم انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي.
وباستثناء القوات الأمنية الحكومية الرسمية واستثناء الحركات المختفية عن الساحة أو البيعدة عن مناطق الصراعات الجارية, مثل “جيش الرب للمقاومة” (LRA)؛ يمكن تلخيص قائمة الحركات أو المنظمات المسلحة غير الحكومية الرئيسية والنشطة في سياق الصراعات المسلحة منذ عام 2020 في التالي:
أ- حركة 23 مارس (M23): هي إحدى نتائج المحاولة الفاشلة لدمج المسلحين (من أصل رواندي) في الكيان الأمني الكونغولي بعد حربي الكونغو (الأولى من 24 أكتوبر 1996 إلى 16 مايو 1997، والثانية من 2 أغسطس 1998 إلى 18 يوليو 2003), حيث تأسّس حركة “المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب” (CNDP) بهدف معلن متمثل في حماية توتسي في الكونغو الديمقراطية. وأدى فشل مفاضات “المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب” مع الحكومة الكونغولية في 23 مارس 2009 إلى ظهورحركة “23 مارس”([11]).
ويهيمن على حركة “23 مارس” مقاتلين من إثنية توتسي, كما أدت تمردات الحركة بين عامي 2012 إلى 2013 ضد الحكومة الكونغولية إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان المحليين, وتجدد النزاع في أواخر عام 2021 بعد أن هاجم مقاتلي الحركة مدينةَ “بوناغانا” الحدودية. وفي أواخر مارس 2022 شنّت الحركة هجومًا في شمال كيفو ضد القوات المسلحة الكونغولية و “بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية”. وهذا الهجوم أجبر مئات الآلاف من المدنيين على النزوح وتسبب في ارتفاع حدة التوترات بين الجارتين – الكونغو الديمقراطية التي تتهم رواندا بدعم الحركة. وقد فشلت حتى الآن عدة جهود مختلفة لتهدئة الوضع, بما في ذلك اتفاقية وقف إطلاق النار برعاية الحكومة الأنغولية والتي وقعتها حكومتا الكونغو الديمقراطية ورواندا في 30 يوليو الماضي (2024)([12]).
ب- القوات الديمقراطية لتحرير رواندا (FDLR): هي حركة مسلحة من إثنية هوتو تنشط في شرق الكونغو الديمقراطية وتُتَّهم بالتورط في الإبادة الجماعية برواندا عام 1994 ضد توتسي. وتكوّنت الحركة في عام 2000 من بقايا حكومة رواندا المهزومة التي فرّت أفرادها إلى الكونغو الديمقراطية بعد حرب عامي 1990 و 1994 بين القوات المسلحة الرواندية السابقة وميليشيا “إنتراهاموي” (منظمة هوتو شبه العسكرية) و “الجبهة الوطنية الرواندية” المنتصرة (التي تحكم رواندا اليوم بقيادة الرئيس كاغامي من إثنية توتسي). وقد كان الهدف الأصلي لـ “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” هو الإطاحة بحكومة “الجبهة الوطنية الرواندية” الحاكم بالقوة، وإعادة الزعماء السياسيين من إثنية هوتو إلى السلطة. وتعاونت حكومتا الكونغو الديمقراطية ورواندا عسكريًا ضد الحركة في أواخر عام 2008 بسبب الجرائم والانتهاكات الجسيمة الموجهة للحركة في الكونغو الديمقراطية ورواندا([13]).
وفي عامي 2009 و2010، قُبِض على قادة “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” في ألمانيا وفرنسا, مما أضعفها. ورغم أن الحركة خففت من مواقفها، إلا أنها اتُّهِمَت في عام 2015 بتدريب الجناح الشبابي لـ “المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية في بوروندي”، مما أثار مخاوف من التخطيط لإبادة جماعية أخرى، ودفع أكثر من 100 ألف بوروندي إلى الفرار إلى الدول المجاورة([14]). وفي سياق الصراعات الجارية في الكونغو الديمقراطية تتهم الحكومة الرواندية حكومة الكونغو الديمقراطية بدعم ميليشيات هوتو مثل “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”([15]).
ج- القوات الديمقراطية المتحالفة (ADF): هي حركة تشكّلت في عام 1995 من عدة قوات متمردة أوغندية, مثل “جيش تحرير مسلمي أوغندا” (Uganda Muslim Liberation Army) و “الجيش الوطني لتحرير أوغندا” (National Army for the Liberation of Uganda), وذلك لمحاربة إدارة الرئيس “يوري موسيفيني” الذي يحكم أوغندا منذ عام 1986. وكان مقر الحركة الأصلي في غرب أوغندا قبل انتشارها إلى الكونغو الديمقراطية المجاورة وتلقّى الدعم من الحكومة السودانية بسبب خلاف الرئيس السوداني “عمر البشير” مع “موسيفيني”([16]).
ويتكون جلّ مقاتلي “القوات الديمقراطية المتحالفة” من مسلمي إثنيتي “باغندا” و “باسوغا”, كما خففت الحركة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من موقفها الأصلي المتمثل في إنشاء دولة إسلامية, حتى وإن كانت تكرره لتوحيد أعضائها. وفي عام 2019 اعترف قادة داعش بالحركة كفرع لها, وأفادت تقارير عن أن هجماتها قتلت ما يقرب من 4000 مدني من عام 2014 إلى عام 2020, وأنها بدأت في عام 2021 باستخدام العبوات الناسفة لشن الهجمات في أوغندا. وفي عام 2021 وُصِفت “القوات الديمقراطية المتحالفة”([17]) كأكثر الحركات فتكًا من بين عشرات الميليشيات المسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية, ويستمر التعاون بين حكومتي الكونغو الديمقراطية وأوغندا لمحاربتها.
د- المقاومة من أجل دولة القانون في بوروندي (RED Tabara): هي واحدة من الحركات المتمردة التي تسعى إلى الإطاحة بحكومة بوروندي. تأسست في عام 2015 في أعقاب الأزمة السياسية البوروندية والانقلاب العسكري الفاشل ضد الرئيس البوروندي السابق “بيير نكورونزيزا” المتوفى في عام 2020. وتقول الحركة إنها تقاتل من أجل العودة إلى حكم القانون الذي تتهم الحكومة الحالية بالتخلي عنه. وتتمركز الحركة في شرق الكونغو الديمقراطية واستأنفت هجماتها في بوروندي منذ أواخر عام 2023([18]).
هـ – التحالف الوطني للشعب من أجل سيادة الكونغو (CNPSC): هي عبارة عن تحالف نحو 12 مجموعة ميليشيات مجتمعية مختلفة في جنوب كيفو وما حولها. تشكّل في 30 يونيو 2017 نتيجة التمرد المسلح المستمر في المنطقة ورغبة الجبهات المسلحة في التوحّد ضد الحكومة الكونغولية. ويواصل “التحالف الوطني للشعب من أجل سيادة الكونغو” القتال منذ عام 2019، وخاصة ضد مليشيات “بانيامولينغ” (التي تعتبر أقلية إثنية في جنوب كيفو بشرق الكونغو الديمقراطية).
و- القوات الشعبية البوروندية (FPB): هي ميليشيا متمردة كانت تُعرَف سابقا باسم “القوات الجمهورية البوروندية” (Forces républicaines du Burundi, or Forebu), وغيّرت اسمها إلى “القوات الشعبية البوروندية” في أغسطس 2017. تشكلت الحركة في عام 2015 وسط الاضطرابات السياسية في بوروندي، وعارضت حكومة الرئيس الراحل “بيير نكورونزيزا”، واليوم تتركز أنشطتها في شرق الكونغو الديمقراطية([19]). وفي أبريل 2019 أفادت تقارير عن شنّ القوات الأمنية الكونغولية هجوما في منطقة “أوفيرا” بجنوب كيفو على حركتين هما: “القوات الشعبية البوروندية” و “قوات التحرير الوطنية” (حزب سياسي في بوروندي الذي كانت سابقا جماعة متمردة هيمنت عليها إثنية هوتو، وعُرِف باسم “حزب تحرير شعب هوتو”)([20]).
ز- جبهة المقاومة الوطنية في إيتوري (Patriotic Resistance Front of Ituri): هي ميليشيا مسلحة وحزب سياسي تتركز أنشطتها في جنوب مقاطعة إيتوري في شمال شرق الكونغو الديمقراطية. تأسست الحركة في نوفمبر 2002 كحليف لـ “الجبهة القومية والتكاملية” (Front des Nationalistes et Intégrationnistes = FNI) التي يهيمن عليها أفراد من إثنية “ليندو”. وتتكون “جبهة المقاومة الوطنية في إيتوري” من مقاتلين منتمين إلى “نغيتي” – مجموعة إثنية فرعية لـ “ليندو”, وشكلّت ثقلاً كبيرة في صراع شمال شرق الكونغو الديمقراطية, حيث أفادت تقارير بأنه في الفترة بين عامي 2002 و 2003 تلقت “جبهة المقاومة الوطنية في إيتوري” الدعم من القوات الحكومية في الكونغو الديمقراطية وأوغندا لمواجهة حركة “اتحاد الوطنيين الكونغوليين” المدعومة من رواندا والتي تهيمن عليها إثنية “هيما”([21]).
وبالرغم من أن الحكومة الكونغولية وقّعت في عام 2006 اتفاق وقف إطلاق النار مع “جبهة المقاومة الوطنية في إيتوري” وجماعات متمردة أخرى في شمال شرق البلاد، إلا أن أنشطة الحركة العنيفة عادت في عام 2008. وفي سبتمبر من العام نفسه (أي 2008) انشق بعض قادة الحركة لتشكيل كيان جديد باسم “الجبهة الشعبية للعدالة في الكونغو” (Front populaire pour la justice au Congo = FPJC).
وقد قُبِض على “جيرمان كاتانغا” – قائد الحركة – ونُقل إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في أكتوبر 2007 لمواجهة اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي مارس 2014 أدين على تلك الجرائم, ولكن المحكمة الجنائية الدولية خفّفت عقوبته من 12 إلى 6 سنوات, وأُطلق سراحه من السجن في مارس 2020. وفي 28 فبراير من العام نفسه (2020) وقعت الحركة اتفاق سلام مع الحكومة الكونغولية بمشاركة الأمم المتحدة, حيث نص الاتفاق على دمج مقاتلي الحركة في الجيش ووقف القتال, إضافة إلى منح العفو لمقاتليها الذين لم يرتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، اندلعت معارك بين الحكومة الكونغولية والحركة في إيتوري بعد الاتفاق([22]).
ح- قوات تعاونية تنمية الكونغو (CODECO): هي رابطة أو حاضنة لمجموعات ميليشيات نشطة من إثنية “ليندو” داخل الكونغو الديمقراطية. تأسست المنظمة كتعاونية زراعية إبان حكم “موبوتو سيسي سيكو”، وذلك بهدف تعزيز الزراعة في إقليم إيرومو في إيتوري، ولكنها تحولت إلى حركة تمرد مسلحة في مواجهة ميليشيات من إثنية “هيما”([23]). وقد اتهم مسؤولو الأمم المتحدة ميليشيات المنظمة بارتكاب مجازر وجرائم حرب, كما وصفتها تقارير على أنها طائفة سياسية دينية مسلحة تمارس الطقوس الأرواحية والمسيحية([24]), وأن الجانب الديني للمنظمة يرأسها “نغادجولي نغابو”. ورغم أن المنظمة في أغسطس 2020 أعلنت وقف إطلاق النار, إلا أنها زادت من هجماتها منذ عام 2021([25]).
الجبهة الشعبية للدفاع عن النفس في إيتوري (Zaïre-FPAC): هي جبهة تجمع بين مجموعات مسلحة من إثنية “هيما” في الكونغو الديمقراطية. تشكلت في عام 2020 ردًا على توسعات “قوات تعاونية تنمية الكونغو” والصراع المستمر في إيتوري. وتهدف الحركة إلى حماية “هيما”، وخاصة في إقليم دجوغو, وتتبنى اللامركزية في إدارتها وأنشطتها لإخفاء آثارها وحقيقة أعضائها, كما تعتمد على تجارة الذهب لتمويل أنشطتها جزئيا. وقد اتُّهِمت الحركة بمقتل المدنيين في ندونغبي شرقي الكونغو الديمقراطية في مايو 2022, وأدانها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2023, إلى جانب الجماعات المسلحة الأخرى التي تنشط في الكونغو الديمقراطية, لانتهاكها القانون الإنساني والدولي([26]).
ثالثا: تداعياتها المحلية والإقليمية
إن للصراعات المسلحة في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية عدةَ تداعيات، بما في ذلك خسارة الأرواح وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين الذين يقعون في فخ العنف, وأزمة نزوح السكان والتي يؤكدها ارتفاع عدد النازحين في الكونغو الديمقراطية من 5.2 مليون في عام 2022 إلى 6.8 مليون بحلول أبريل 2024([27]). وأدت استمرارية الصراعات المسلحة وتجدد النزاعات إلى إفلاس المؤسسات الاقتصادية في مناطق الصراع ومدنها, كما عطّلت ممارسة المزارعين والسكان للأنشطة الزراعية, مما يفاقم انعدام الأمن الغذائي وانتشاره في المنطقة.
ومن الملاحظ أن طول مدة الصراع غالبا ما يخلق أنواعا جديدة من العنف, كما هو حال التهديد الإرهابي المتزايد في المنطقة نتيجة تحول في الحركات المسلحة وموالاتها لشبكة التنظيمات الإرهابية الدولية. كما شهدت المنطقة توسّعا في شبكات تهريب المعادن الثمينة – مثل الذهب -, وانشارا لعميليات التعدين غير المشروع, واستغلال الأطفال وغيرهم في المجتمعات التعدينية الحرفية من قبل الجماعات المسلحة، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتشمل التداعياتُ الإقليمية انتشارَ عدم الاستقرار عبر الحدود, وتراجع التنمية الاجتماعية في العديد من المجتمعات المجاورة لها، وخاصة أن منطقة البحيرات العظمى الإفريقية تربط بين دول إفريقية في شرق إفريقيا ووسطها – وحتى في أفريقيا الجنوبية باعتبار تعريفها الحديث والأوسع. وتكشف الأبعاد الإقليمية للصراعات المسلحة أيضا دور الأطراف “المفسدة” داخل المنطقة والذي يؤثر سلبا في محادثات السلام المختلفة الفاشلة لافتقار الدول المعنية إلى الإرادة السياسية, وخاصة أن استمرارية الحرب والقتل والتوتر تفيد تلك الأطراف “المفسدة” سياسياً ومالياً.
ويضاف إلى ما سبق أن الأنشطة العسكرية للحركات المسلحة “الأجنبية” النشطة في شرق الكونغو الديمقراطية تظل عاملاً رئيسياً في تأجيج التوترات الإقليمية, وخاصة باعتبار ما كشفته القارير حول طمع كل من رواندا وأوغندا في موارد الكونغو الطبيعية أثناء حرب الكونغو الثانية, والذي لا يزال يؤثر اليوم على تصوّرات الدولتين للكونغو الديمقراطية. بل يُلاحَظ في سياق تمرّد حركة “23 مارس” الجاري أن الخسائر والتوترات الكونغولية وانتشار العنف إلى الدول المجاورة والتنديدات الإفريقية والدولية كلها أفضت إلى ظهور تحالف جديد، حيث تدعم بوروندي حكومة الكونغو الديمقراطية في اتهامها لرواندا بانتهاك سيادتها وسلامة أراضيها بإرسال قوات لمساعدة الحركات المسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية. وفي المقابل ردت الحكومة الرواندية باتهام الكونغو الديمقراطية بدعم “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” (FDLR).
وبموجب اتفاقية ثنائية بين الحكومتين البوروندية والكونغولية تنشط القوات المسلحة البوروندية في شرق الكونغو الديمقراطية وتدعم القوات المسلحة الكونغولية في عملياتها ضد حركة “23 مارس”. وفي نوفمبر 2022 أرسلت “مجموعة شرق إفريقيا” – التي تعد الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا وأوغندا ضمن أعضائها – قوة إقليمية إلى شرق الكونغو الديمقراطية, ولكن الحكومة الكونغولية لم تكن راضية عن فشل القوة الإقليمية في نزع سلاح حركة “23 مارس”, كما أثير في كينشاسا مزاعم انحياز القوة لرواندا. فامتنعت الكونغو الديمقراطية في تمديد ولاية القوة والتالي أُوقِفت عملياتها في 8 ديسمبر 2023. وولسد الفراغ الأمني وافقت الكونغو الديمقراطية على نشر “مجموعة تنمية جنوب إفريقيا” لبعثتها التي بدأت مهامها في شمال كيفو في ديسمبر 2023([28]).
وعليه, قد يزيد الدعم المتزايد الذي يحظى به الكونغو الديمقراطية من احتمالات العزل الدبلوماسي لرواندا إقليميًا ودوليًا، وخاصة أن تقارير مختلفة للأمم المتحدة أكّدت موقف الحكومة الكونغولية ضد رواندا, كما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات ضد الذين اعتبرتهم معتدين في شرق الكونغو الديمقراطية (بما في ذلك العميد الرواندي “أندرو نيامفومبا”) لدورهم في دعم الحركات المسلحة التي ترتكب جرائم في شرق الكونغو الديمقراطية([29]). وقد حثّت واشنطن الحكومة الرواندية مؤخرا على وقف أي دعم مفترض للمتمردين في الكونغو الديمقراطية، ولكن رواندا ردّت عليها في أغسطس 2024 باتهام واشنطن والمجتمع الدولي بـ “مفاقمة” الأزمة من خلال غض الطرف عن دعم الحكومة الكونغولية المفترض لمتمردي “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”([30]).
وأخيرا؛ من المتوقع أن تواجه السياسات الخارجية للدول الأربعة (الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا وأوغندا) اختبارات حول إدارة كل منها للأزمة الأمنية المعقدة والتوتر مع بعضها البعض، وخاصة أن هذه الدول بدأت تجد نفسها في شبكة المنافسات الجيوسياسية وتزايد الأطماع الاقتصادية والتجارية الدولية في الموارد الاستراتيجية بمنطقة البحيرات العظمى الإفريقية. وهذا يعني أنه لا يمكن ضمان السلام والأمن في المنطقة إلا بمعالجة قضية إدارة الموارد الطبيعية على النحو السليم وإيجاد حل دائم لتضارب المصالح الإثنية والحكومية الإقليمية الذي يعقّد صراعات المنطقة.
[1] – “African Great Lakes.” New World Encyclopedia, retrieved from https://www.newworldencyclopedia.org/entry/African_Great_Lakes (last visited on 8 November 2024)
[2] – “About the Great Lakes Region” U.S. State Department, retrieved from https://2009-2017.state.gov/s/greatlakes_drc/191417.htm (last visited on 8 November 2024)
[3] – “Who we are.” International Conference on the Great Lakes Region (ICGLR), retrieved from https://icglr.org/the-icglr/ (last visited on 8 November 2024)
[4] – Kanyangara, P. (2016). “Conflict in the Great Lakes Region: root causes, dynamics and effects.” Conflict trends, 2016(1), 3-11.
[5] – Shyaka, A. (2008). “Understanding the conflicts in the Great Lakes Region: An overview.” Journal of African Conflicts and Peace Studies, 1(1), 5-12.
[6] – Sikenyi, M. (2013). “Challenges of Regional Peacebuilding: A Case of the Great Lakes Region.” Beyond Intractability – Kroc Institute of International Peace Studies, retrieved from http://www.beyondintractability.org/casestudy/sikenyi-great-lakes (last visited on 8 November 2024)
[7] – Ewald, J., Nilsson, A., Närman, A., & Stålgren, P. (2004). “A strategic conflict analysis for the great lakes region.” Swedish Agency for International Development Cooperation (SIDA), retrieved from https://cdn.sida.se/publications/files/sida3689en-a-strategic-conflict-analysis-for-the-great-lakes-region.pdf (last visited on 9 November 2024)
[8] – “Critical minerals in the Great Lakes region of Central Africa.” Africa Museum, retrieved from https://www.africamuseum.be/en/research/news/critical_minerals (last visited on 9 November 2024)
[9] – “DEMOCRATIC REPUBLIC OF THE CONGO 1993-2003: UN Mapping Report.” Document retrieved from https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Countries/CD/FS-5_Natural_Resources_FINAL.pdf (last downloaded on 9 November 2024)
[10] – Sonia Rolley (2024). “UN says Congo rebels generating $300,000 monthly in seized mining area.” Reuters, retrieved from https://www.reuters.com/world/africa/un-says-congo-rebels-generating-300000-monthly-seized-mining-area-2024-09-30/ (last visited on 9 November 2024)
[11] – ACLED (2023). “Actor Profile: The March 23 Movement (M23).” Retrieved from https://acleddata.com/2023/03/23/actor-profile-m23-drc/ (last visited on 9 November 2024)
[12] – المصدر نفسه.
[13] – National Consortium for the Study of Terrorism and Responses to Terrorism (2015). “Democratic Front for the Liberation of Rwanda (FDLR).” Retrieved from https://www.start.umd.edu/baad/narratives/democratic-front-liberation-rwanda-fdlr.html (last visited on 9 November 2024)
[14] – المصدر نفسه.
[15] – Shola Lawal (2024). “As Rwanda votes, tensions with neighbouring DR Congo deepen over M23.” Aljazeera, retrieved from https://www.aljazeera.com/features/2024/7/15/as-rwanda-votes-tensions-with-neighbouring-dr-congo-deepen-over-m23 (last visited on 9 November 2024)
[16] – Titeca, K., & Fahey, D. (2016). “The many faces of a rebel group: the Allied Democratic Forces in the Democratic Republic of Congo.” International Affairs, 92(5), 1189-1206.
[17] – Foreign Terrorist Organizations (2022). “ISIS–Democratic Republic of Congo (ISIS-DRC).” National Counterterrorism Center, retrieved from https://www.dni.gov/nctc/ftos/isis_drc_fto.html (last visited on 9 November 2024)
[18] – Patrick Hajayandi (2024). “Burundi-Rwanda rivalry: RED-Tabara rebel attacks add to regional tensions”. The Conversation, retrieved from https://theconversation.com/burundi-rwanda-rivalry-red-tabara-rebel-attacks-add-to-regional-tensions-225801 (last visited on 10 November 2024)
[19] – “Popular Forces of Burundi.” DBpedia, retrieved from https://dbpedia.org/page/Popular_Forces_of_Burundi (last visited on 10 November 2024)
[20] – The Defense Post (2019). “DR Congo army kills ‘dozens’ of Burundi rebels in South Kivu operation.”, retrieved from https://thedefensepost.com/2019/04/11/dr-congo-kills-burundi-fnl-forebu-rebels-south-kivu/ (last visited on 10 November 2024)
[21] – Ingebjørg Finnbakk (2019). “Addressing root causes of conflict: A case study of the International Security and Stabilization Support Strategy and the Patriotic Resistance Front of Ituri (FRPI) in Ituri Province, eastern Democratic Republic of Congo.” Norwegian Refugee Council/NORDEM, retrieved from https://www.nrc.no/globalassets/norcap/nordem/documents/un-experience-paper-finnbakk.pdf (last visited on 10 November 2024)
[22] – Alexis Bouvy, Ingebjorg Finnbbakk, Jean-Marc Mazio, Eric Mongo and François Van Lierde (2021). “The FRPI peace process at an impasse: Lessons_From_A_Community-Based and Political Approach to Ddr in the Congo”. GICNetwork, retrieved from https://www.gicnetwork.be/wp-content/uploads/2021/05/06_GIC_The-FRPI-peace-process-at-an-impasse_WEB.pdf (last visited on 10 November 2024)
[23] – Geneva Academy (2021). “DRC: A New Conflict in Ituri involving the Cooperative for Development of the Congo (CODECO).” Retrieved from https://www.rulac.org/news/drc-a-new-conflict-in-ituri-involving-the-cooperative-for-development-of-th (last visited on 10 November 2024)
[24] – “Letter dated 23 December 2020 from the Group of Experts on the Democratic Republic of the Congo addressed to the President of the Security Council” (PDF). ReliefWeb / United Nations Security Council. 23 December 2020. Retrieved from https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/S_2020_1283_E.pdf (last visited on 10 November 2024)
[25] – VOA (2023). “DR Congo Militia Executes 17 Hostages.” Retrieved from https://www.voanews.com/a/dr-congo-militia-executes-17-hostages/7023134.html (last visited on 10 November 2024)
[26] – ACLED (2023). “Democratic Republic of Congo: Rising Tensions with Rwanda Amid Escalating Violence and Upcoming Elections.” Conflict Watchlist 2023, retrieved from https://acleddata.com/conflict-watchlist-2023/drc/ (last visited on 10 November 2024)
[27] – UNHCR (2024). “Democratic Republic of the Congo.” Retrieved from https://reporting.unhcr.org/operational/operations/democratic-republic-congo (last visited on 10 November 2024)
[28] – حكيم نجم الدين (2024). “أزمة شرق الكونغو الديمقراطية: أسبابها وأطرافها وجهود حلّها”. الأفارقة للدراسات والاستشارات, متوفر عبر الرابط https://alafarika.org/ar/5800 (الاطلاع الأخير عليه في 10 نوفمبر 2024)
[29] – حكيم نجم الدين (2024). “بول كاغامي في ولاية رئاسية رابعة في رواندا: تحديات محلية وأزمات إقليمية وسيناريوهات متوقعة.” منصة الدرسات الأمنية وابحاث السلام, متوفر عبر الرابط https://pressplatform.net/%d8%a8%d9%88%d9%84-%d9%83%d8%a7%d8%ba%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%b1%d8%a6%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d9%88%d8%a7/ (الاطلاع الأخير عليه في 10 نوفمبر 2024)
[30] – AFP (2024). “Rwanda accuses US of ‘exacerbating’ crisis in eastern DRC.” Africa News, retrieved from https://www.africanews.com/2022/12/06/rwanda-accuses-us-of-exacerbating-crisis-in-eastern-drc/ (last visited on 10 November 2024)