الهجوم الإرهابي في مالي … قراءة سياسية
استيقظ الماليون في العاصمة باماكو على وقع هجوم إرهابي خطير يوم 17/09/2024م حيث سمعت أصوات الرصاصات في إحدى ضواحي العاصمة باماكو ، وبعد ساعة تقريبا كان هناك هجوم آخر في مطار باماكو الدولي . فقد كان الهجوم في نسختين ، أولهما كان في منطقة ييريماجو ثم حي فلاجي وكلتا المنطقتين مناطق استيراتيجية رئيسية ..
فمن ناحية التدفق السكاني بحيث يدخلهما ما يقرب من سكان 5 أقاليم أو أكثر وهي سيقو وسيكاسو وكوتيالا وبوقوني وموبتي وربما غاوو وغيرها من المدن الكبيرة والصغيرة … ويتمركز في مشارفهما كثير من المرافق منها الجمارك وملعب باماكو الدولي المعروف ب 26 مارس ومنها أيضا مراكز جمركية كبيرة وقريب من فلاجي شارع مبنى رمزية الحرية في افريقيا المعروفة وبها أيضا مركز تدريب الدرك الشرطي المدرسة الوطنية لتكوين رجا الدرك والتي يضم الكثير من الشباب الذي يتوقع تجنيدهم مباشرة في خوض المعارك بعد انتهاء تدريبهم .
كيف تم التخطيط للعملية ؟
ذكر زعيم جبهة ماسينا الارهابيةة آمادو كوفا في رسالة صوتية أنه هو من خطط الخجوم ونفّذ تحت أوامره ، وهو ما جعلنا نفهم بعض خيوط هذه العملية ، فقد ذكر أنه ومنذ سنوات وهو يخطط للعملية لتأكيد أن ما يقوم به الجيش المالي في الوسط والشمال لن ينتهي دون عقاب وذكر مجيء هاشمي غويتا إلى الحكم واتخاذه مسار التعاون مع روسيا من أجل قمعهم وقتلهم ، وومن اسباب الهجوم أنه أراد إرسال رسالة مفادها أننا يمكننا ضربكم في العمق وألا يغتر الماليون بكم وبما تتلقونه من دعم روسي أو تركي ، ولذلك كان لا بد من هذه العملية أن تنجح وأنها جاءت لنصرة الدين والسنة كما يزعم ..
كيف وصل الارهابيون إلى بباماكو العاصمة ؟
أزعم هنا أنه كان هناك تراخ أمني من قبل الأجهزة المختصة في الدولة وذلك بحكم ُبُعد العمليات عن العاصمة باماكو … فقد ضعفت المراقبة الأمنية لدى الجمارك والدرك ، والمنطقة تعجّ بتجمهر كثيف لا أعتقد أن هناك مدخلا آخر في باماكو أكثر حركية ونشاطا من هذا المدخل ، ففي منطقة كهذه فإن الروتينية قد تحمل البعض من المسؤولين إلى التراخي الأمني وانخفاض درجة اليقظة الأمنية في أيام المولد خاصة بكل ما تحمله من طمأنينة دينية وتسامح وتمرير بعض المواصلات دون مراقبة شديدة …
لأنهم يتخيلون أن هؤلاء الوافدين يأتون للمولد هو هدف نبيل متعلق بالميلاد النبوي ذلك الجناب الأعلى صلى الله عليه وسلم .هذا ، لا ينفي كونهم قد بدؤوا التخطيط منذ وإنما أعدادهم الكبيرة دخلت ليلة المولد بالضبط حتى يستعدوا في صبيحة اايوم التالي للهجوم .
بداية الهجوم الأول ..
في حوالي الساعة الثانية ليلا تجمهروا في مكان بمنطقة ييريماجو مع 3 سيارات وكانت ساعتها موعد تجمهر كل العناصر وهم يصلون لما يقرب المئة شخص كانوا متجمّعين في مجموعتين :
– مجموعة تهاجم مدرسة لتدريب العسكري في ييرماجو
– مجموعة تتجه مباشرة من هناك متجهين نحو المطار .
أسباب اختيار هذين المكانين .
يمكن القول بان اختيار مركز التدريب فهو رسالة لإحباط معنويات أفراد الجيش الجدد من الشباب ممن يتدربون حاليا ومن ثم ضرب المركز يعني إصابة غائرة في عنصر من العناصر المعتمدة لدى الجيش المالي في المستقبل القريب أو البعيد .
وثانيا : هم يعلمون أن المركز التدريبي ليس مسلّحا بشكل جيد فهو مخصص للمتدربين وعدد قليل من الجنود بحيث يمكنهم مقاومة كتيبة أتتت بالعتاد الثقيل بسبب عنصر المفاجأة الذي أقدموا عليه وهو ضرب المركز بالصواريخ
أما استهداف المطار ، فسببه أيضا ربما اطلاعهم ان المطار ليلتها قد تكون حراستها ليست في المستوى كونه يوم عطلة بمناسبة المولد وأن مستوى الرقابة فيها لن تكون مرتفعة ، وبالتالي فهم يستفيدون في ذلك من أجل القيام ببورباغندا إعلامي ضخم سيسمعه العالم وسيكون سببا في زعزعة النظام وإدخال الفوضى في صفوفه وربما قد يؤدي كل ذلك إلى انقلاب عسكري في كاتي … مع علمهم ويقينهم أنهم لن يخرجوا أحياء من هذه المغامرة لكنها سيكون حدثا لن ينساه الماليون والعالم بسرعة …
وأعتقد انهم نجحوا في تحقيق ذلك لهدف نسبيا .. لكنهم فشلوا في تقديرهم من ان الشعب قد يخرج ضد النظام وضد الفترة الانتقالية التي جرت الويلات للبلد كما يزعمون بل لاحظنا خروج هذة الشعب بصدور عارية وواجهوهم دون أن يملكون مسدسا أو رشاشة مما يدل على أن الدفاع عن هذا النظام أصبح عقيدة وطنية راسخة ..
وكان ذلك اختبارا أصلا للنظام واعتقد أنهم نجوا في ذلك ولو مرحليا … وينبغي أن يردفه وقوف من النظام على قدميه كي يُروا الشعب أنهم فعلا محل ثقة واقتدار لاستيعاب الصدمة وامتصاصها وذلك عبر المبادرات التي سيقومون بها من أجل إعادة الأمن في العاصمة وضواحيها .
والهدف الأخير الذي يمكن تسجيله لهنا : هو أنهم أرادوا بالفعل أن يُشغلوا باماكو عن مواصلة تقدم الجيش إلى تيزاواتين وهذه كانت مهمة الكتيبة لماسينا بينما أنصار الدين والقاعدة هي تقاتل مع المتمردين الانفصاليين جنبا إلى جنب في تلك المنطقة وبالطبع هذه المدينة هي معقلهم الأخير بعد إخراجهم من مدينة كيدال منذ 5 أشهر ومن بير وأغلوهوك وليري وغيرها مما استعيدت من قبل الجيش المالي منذ 10 سنوات تقريبا ..
فسقوط تيزاوتين يعني انتهاء لمشروعهم الانفصالي وربما إلى الأبد ، لذلك استدعى عياض اغ غالي صديقه كوفا في وسط مالي بالتحرك وبسرعة لإرباك المشهد …ويخبره أن خطورة الموقف تتطلب منه أن يتدخل في باماكو وفي أقرب فرصة ممكنة برغم أن استهداف باماكو كان مخططا من قبل كما ذكره كوفا لكن أحداث تيزاوتين عجّلت بوتيرة الأحداث .
من المستفيد من الهجوم ؟
واضح أن الارهابيين هم الذين نجحوا إعلاميا في رفع أسهمهم من اهتمام الإعلام الدولي بهم … لكن في نفس الوقت خسروا كل عناصرهم وتم القبض على العقل القائد للعملية سلمان البمبري حيا وهذا قد يقود إلى استفادة الجيش المالي منه استخباراتيا وأمنيا …
وثانيا : فرنسا ومن وراءها الاتحاد الأوروبي تستفيد في تلميع صورتها لأن اي استقرار دائم في مالي يعني أن خروج فرنسا منها كان أفضل وأن طردها كان لها ما يبرره …وأن وصول الاضطراب الأمني لهذه الدرجة فهذا يعني أن الماليين بسبب دعمهم لمن طردوا فرنسا هم السبب وراء كل ما يحصل .
ولذلك وجدنا الإعلام الفرنسي برمته وهو يواكب كل ما حدث .. حتى كان لدى بعض مراسلي القنوات الفضائية الفرنسية تواصل مباشر مع الارهابيين قبل العملية وأثناءها ولكن اكتشف المراسل قتل صاحبه الارهابي الذي كان في تواصل معه..
وهنا نتساءل .. هل لو كان هناك عملية كهذه في فرنسا وخرج مراسل وصحفي يقول بأنه كان في اتصال مع الارهابيين قبل العملية فهل ستسمح العدالة الفرنسية بذلك … لا أظن وبالتالي فهذه التصريحات خطيرة للغاية .. أم أنها لا بأس بها في نظر فرنسا اذا كام ذلك في الخارج
هل خسر النظام شعبيته الهائلة؟
في وجهة نظري . العملية كانت صفعة كبيرة للنظام ولكنها لم لك تكن قاتلة والثقة التي زرعته الفترة الانتقالية في نفوس الناس هي التي سببت في أن يواجهوا الارهابيين بصدور عارية ويوقفوا العشرات منهم … وربما ترى الجماهير أن هذا النظام يستحق الدفاع عنه بأي ثمن مهما كانت اخطاؤهم وهم يدركون أن طرد القوات الدولية وفرنسا لا بد لها من ثمن باهظ وهم يدفعونه حاليا وهذا المشهد جزء من ذلك وكانوا مستعدين لها أصلا ومن ثم فهذه العملية من وجهة نظري كان سببا في زيادة تلاحم القيادة مع غالبية الشعب وخاصة بعد استشهاد كثير من الجنود المتدربين مما زاد تعاطف الجماهير معهم وبدليل أنه لم يصدر أي بيان رسمي الا كلمة الرئيس البارحة الذي عرج على الموضوع ..
وحتى لحظة كتابة هذه السطور عن تفاصيل العملية من قبل رئاسة الأركان ولإخراج الشعب من حالة الغموض التي لفت وتلف هذه القضية …
لكن الجميع ساكت ومنتظر لما ستقوم من السلطات كردة فعل لكل ما حصل ..