الأمنالإرهابالاستخباراتالحركات المسلحةتقدير المواقفصنع السلام

تعزيز التعاون العسكري بين مالي والمغرب: تحالف استراتيجي ذو أبعاد إقليمية معقدة

مقدمة:

يشكل الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بين مالي والمغرب، الذي عُقد في الفترة من 17 إلى 19 فبراير 2025 في باماكو، منعطفًا بارزًا في علاقات البلدين، لكنه لا يخلو من تعقيدات تُستمد من التاريخ الجيوسياسي للمنطقة. ففي الوقت الذي تسعى فيه باماكو لتعزيز أمنها بعد انسحاب فرنسا وتصاعد هجمات الجماعات المسلحة، تستغل الرباط الفرصة لاختراق عمق إفريقيا الغربية، مستفيدةً من الفراغ الناجم عن تدهور علاقات مالي مع الجزائر. هذا التعاون، رغم مبرراته الأمنية، يُقرأ في سياق تنافس مغاربي محتدم، حيث تُعيد مالي رسم تحالفاتها بعيدًا عن الجزائر، الحليف التقليدي الذي تتهمه بالتدخل في شؤونها الداخلية.

تعاون عسكري متعدد الأبعاد

ترأس الاجتماع كل من العميد محمدو ماساولي ساماكي، المستشار الاستراتيجي في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة المالية، والعميد عبد الغني مهيب، رئيس الوفد المغربي من المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية. وناقش الطرفان عدة محاور للتعاون، بما في ذلك تدريب الكوادر العسكرية، وتطوير البنية اللوجستية، وتبادل الخبرات في مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، لا سيما تلك المتعلقة بالجماعات المسلحة في منطقة الساحل.

وأشاد الفريق أول عمر ديارا، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة المالية، بهذه المبادرة، واصفًا إياها بأنها تتماشى مع الرؤية السياسية لرئيس المرحلة الانتقالية، جنرال الجيش أسيمي غويتا. من جانبه، أكد العميد مهيب على الروابط التاريخية والأخوية التي تجمع البلدين، معيدًا تأكيد التزام المغرب بدعم مالي في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها.(١)

بالنسبة لمالي، يلبي هذا الشراكة حاجة ملحة لتأمين البلاد في مواجهة تصاعد نشاط الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. أما بالنسبة للمغرب، فإنها تمثل فرصة استراتيجية لتوسيع نفوذه في غرب إفريقيا، مع تقويض النفوذ الجزائري في المنطقة.

ومع ذلك، لا يجب أن يحجب هذا التعاون التحديات الكامنة. فمن ناحية، قد يدفع هذا التعاون مالي، التي أنهكتها سنوات من الصراعات الداخلية والانقلابات العسكرية، إلى فخ الاعتماد على المساعدات المغربية، مما يقيد سيادتها ويجعلها طرفًا في الصراع المغربي-الجزائري حول الصحراء الغربية. ومن ناحية أخرى، سيتعين على المغرب، رغم دوافعه الجيوسياسية، إثبات أن هذا التعاون لا يقتصر على مجرد مناورة لعزل الجزائر، بل يقدم قيمة مضافة حقيقية لاستقرار المنطقة.

سياق إقليمي يتسم بتنافسات مستمرة

يأتي هذا التعاون في ظل توترات دبلوماسية متصاعدة بين مالي والجزائر. فمنذ عام 2023، شهدت العلاقات بين البلدين تدهورًا، مع استدعاء السفير المالي في الجزائر وإعلان باماكو في يناير 2024 عن إلغاء اتفاقية السلام الموقعة في الجزائر. وتتهم الحكومة المالية الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعمها غير المباشر للجماعات المسلحة الإنفصالية في شمال مالي (٢) .

في الوقت نفسه، لا تزال العلاقات بين الجزائر والمغرب متوترة، خاصة بسبب النزاع حول الصحراء الغربية. وقد أدى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والرباط في عام 2021 إلى تصاعد عسكري وحوادث حدودية، مما زاد من حدة التنافس بين القوتين المغاربيتين.

في هذا السياق، يكتسب التعاون العسكري بين مالي والمغرب بعدًا استراتيجيًا. فبالنسبة لباماكو، يمثل هذا التحالف بديلًا عن الاعتماد على الجزائر، وورقة ضغط لتحسين موقفها التفاوضي مع جارتها الشمالية. أما بالنسبة للرباط، فإن هذه الخطوة تعزز نفوذه في غرب إفريقيا، وتحد من النفوذ الجزائري في المنطقة.

تصدير التنافس المغاربي

في الوقت الذي يعزز فيه المغرب علاقاته مع مالي، تكثف الجزائر جهودها لتعزيز التعاون مع دول أخرى في منطقة الساحل، خاصة النيجر وبوركينا فاسو، اللتين تشكلان مع مالي تحالف دول الساحل. وتقوم الجزائر بتمويل عدة مشاريع تنموية في هذه الدول، مع الحفاظ على يقظة أمنية متزايدة تجاه التهديدات الإقليمية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز دور الجزائر كقوة إقليمية والحد من النفوذ المغربي في غرب إفريقيا.

ومع ذلك، قد يعيد التحالف بين مالي والمغرب تعريف التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. فمن خلال اعتماد نهج هادئ لكن فعال، تمكن المغرب من تعزيز نفوذه مع الاستجابة للاحتياجات الأمنية لمالي. وقد تشجع هذه الشراكة دولًا أخرى في المنطقة على التقارب مع الرباط، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تدفع الدول إلى تنويع تحالفاتها (٣).

آفاق وتحديات مستقبلية

تقدم هذه الشراكة بين مالي والمغرب فرصًا لتعزيز القدرات الأمنية، ولكنها تحمل معها تحديات معتبرة. إذا استمرت التوترات مع الجزائر، فإن مالي ستجد نفسها في موقف مُحاط بالتحديات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقدرة على اتخاذ مواقف مستقلة. وعليه، فإن التفاعل الدبلوماسي الإيجابي مع الجزائر يجب أن يُضلل جزءًا من الاستراتيجية المالية، لتجنب التأزم الدائم مع جيرانها.

التعاون العسكري مع الرباط يجب أن يكون مدروسًا، بحيث لا يتحول إلى أداة للاصطفاف ضد الجزائر، بل يُستغل لتحقيق مصالح مالية حقيقية دون تغذية الصراعات الإقليمية.

في المقابل، يمكن للمغرب أن يستفيد من هذه الشراكة لتعزيز نفوذه في غرب إفريقيا، لكنه يحتاج إلى إدارة هذه العلاقة بحذر للحيلولة دون تفاقم التوترات. فالاستقرار الإقليمي يتطلب من جميع الأطراف العمل معًا بموارد مشتركة لدعم الأمن والتنمية.

في الختام، يمثل الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بين مالي والمغرب خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ولكن يجب النظر إليها في سياق إقليمي أوسع. بينما تستمر التنافسات السياسية والأمنية في تشكيل المشهد الجيوسياسي المغاربي، تظل الفرص الاقتصادية والتنموية بين مالي والمغرب والجزائر غير مستغلة إلى حد كبير. يمكن أن تفيد مقاربة أكثر شمولية وتعاونية ليس فقط الدول الثلاث، ولكن أيضًا استقرار وتنمية المنطقة بأكملها.

على مالي أن تدرك أن التدخل في التوترات التاريخية بين المغرب والجزائر قد يعرض مصالحها للخطر، وأن عليها استغلال مواقفها الاستراتيجية لتحقيق مصالحها الوطنية دون الانجرار إلى صراعات إقليمية. وفي المقابل، يتعين على المغرب والجزائر تجنب استغلال مالي كأداة في صراعهما الطويل.

التحركات السياسية المستقبلية لكل من مالي، المغرب، والجزائر ستكون محورية في تشكيل مشهد الأمن والاستقرار الإقليمي، ويجب على هذه الدول العمل على تحقيق مصلحة شعوبها، بدلًا من الانغماس في أتون النزاعات التي قد لا تنتهي.

____________

المصادر:

١- التهديدات في الساحل الإفريقي تقوي التعاون العسكري بين المغرب ومالي – هسبريس – الأربعاء 19 فبراير 2025 – متاح على : https://www.hespress.com/1516395-1516395.html

٢- مالي تتهم الجزائر بدعم “الجماعات الإرهابية”.. أي مستقبل للعلاقات بين البلدين؟ – الحرة –

03 يناير 2025 – متاح على: https://l24.im/oyMR1Y

٣- L’Algérie craint de perdre son influence au Sahel – Deutsche Welle (DW) – 29 AOUT  2024 – Disponible sur : https://amp.dw.com/fr/mali-algerie-sahel-russie/a-70084746

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى