من تنزاوتين إلى دمشق.. هل يؤثر سقوط نظام الأسد على نفوذ روسيا في أفريقيا؟
مقدمة
رغم أن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 الفائت يحمل الكثير من التداعيات الجيوسياسية العالمية، وبخاصة ما يتصل بالحليف والشريك الأمني الأبرز لنظام الأسد (روسيا)، التي لم تتمكن في نهاية المطاف من حمايته، إلا أن هذا السقوط يتردد الحديث عن صداه بشكل خاص في أفريقيا، من حيث مستقبل روسيا في القارة وبخاصة في غرب ووسط أفريقيا، ومصير تحالفها مع المجالس العسكرية التي تدعمها، كمالي والنيجر وبوركينا فاسو، خاصة أن ما حدث في سوريا يمثل هزيمة جديدة تضاف إلى سجل موسكو خارج أراضيها، عقب معركة تنزاوتين في يوليو الماضي 2024 -المدينة الواقعة شمال مالي على الحدود الجزائرية المالية- التي تمخض عنها مقتل العشرات من الجيش المالي وقوات فاغنر التي تدعم القوات المسلحة المالية، وما تلاه من إعلان المقاتلين الأزواديين عن تحقيق انتصار كبير على جيش البلاد ومقاتلي فاغنر الروس بعد 3 أيام من القتال العنيف وقتل العشرات منهم.
وبالتركيز على ما حدث في سوريا والإطاحة بنظام الأسد يرى الخبراء إن ما حدث ما هو إلا هزيمة سياسية استراتيجية لموسكو ألقت بالكرملين في أزمة، كما إن عجز روسيا أو قرارها بعدم تعزيز نظام الأسد في الوقت الذي حقق فيه هجوم المعارضة السورية مكاسب سريعة في جميع أنحاء البلاد من شأنه أن يضر بمصداقية روسيا كشريك أمني موثوق وفعَّال في المناطق التي تنشط بها موسكو وعلى رأسها أفريقيا جنوب الصحراء، كمالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى.
قاعدتا حميم وطرطوس والتأثير الممتد إلى أفريقيا:
مع تراجع القوات والأصول العسكرية الروسية عن قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية، وعودة السفن الحربية وسفن الشحن والطائرات المقاتلة وطائرات النقل إلى روسيا لتجنب الإضرار بهم، يرى الخبراء أن ما يحدث للقاعدتين الرئيسيتين قد يؤثر على روسيا في أفريقيا خاصة وأنهما كانا بمثابة مراكز لوجستية حاسمة بين إفريقيا وروسيا. كما إنه من غير الواضح ما إذا كان قادة سوريا الجدد سيسمحون للقوات الروسية بالاحتفاظ بهما. ومنذ ذلك الحين، أفادت وسائل الإعلام الروسية الرسمية بأن المعارضة السورية “ضمنت” أمن المنشآت، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت موسكو ستحتفظ بالسيطرة عليها. وجدير بالذكر أن موسكو كانت قد أسست قواعد عسكرية في سوريا خلال السنوات الماضية، من ضمنها قاعدتا حميميم وطرطوس اللتان تعدان ركيزتين أساسيتين للوجود العسكري الروسي في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا. وتعتبر قاعدة حميميم الجوية (في ريف اللاذقية) الأهم نظرًا لما أسهمت به من تسهيل للتحرك العسكري الروسي في سوريا وأفريقيا، كما تعد محطة رئيسية للطائرات العسكرية وطائرات الشحن التي تتزود بالوقود في طريقها إلى أفريقيا. وفي السياق يشير المتخصصون أنه من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في إفريقيا، وعليه تصبح الاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا معلقة بخيط رفيع.
ويؤكد “جون فورمان” الملحق العسكري البريطاني السابق في موسكو: “إن خسارة القواعد الروسية في سوريا من شأنها أن تجعل من الصعب للغاية دعم المرتزقة الذين يقدر عددهم بنحو 20 ألفًا والمتمركزين بشكل أساسي في بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والنيجر.”
مصير السجناء الأفارقة:
من الأسئلة المهمة التي تثار في سوريا ما بعد الأسد ما يتعلق بمصير السجناء الأفارقة الذين يتم إطلاق سراحهم من السجون السورية. فقد أطلقت المعارضة السورية والجماعات المسلحة سراح جميع السجناء دون فحص حالاتهم. وبالتالي فإن آلاف الإرهابيين المهاجرين الأفارقة الذين كانوا بين السجناء سيخرجون من السجن وسيعودون إلى أوطانهم. ونتيجة لذلك، فإنهم في تلك البلدان قد يشكلون مجموعات إرهابية جديدة ويغرقون بلدانهم في أزمات جديدة. وقد يعود هؤلاء إلى بلدانهم بأيديولوجيات متطرفة ويشكلون تهديدات خطيرة للأمن القومي، وهو ما قد يؤثر يرتبط بحضور روسيا في القارة التي سمحت بشكل أو آخر بهذه الاضطرابات وما سيتمخض عنها من مخاطر على البلدان الأفريقية. لذلك فإن أحد أهم المخاوف هو انتشار الجماعات المتطرفة والإرهابية التي قد تسعى إلى توسيع نفوذها إلى مناطق أخرى بعد انهيار الأسد. وهذا سيكون تحديًا خطيرًا لبعض دول أفريقيا، التي واجهت بالفعل تهديدات إرهابية.
زعزعة الموقف الروسي في أفريقيا؟
تكشف تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية عن عجز روسيا عن حماية حلفائها الاستراتيجيين، بما في ذلك الدول الأفريقية، كما إن الانسحاب الروسي من سوريا يعزز من فكرة أن موسكو تمتلك قوة هشة. فبعد التطورات في سوريا وإضعاف الوجود الروسي وإمكانية انسحابها من قاعدة طرطوس البحرية في سوريا، ستركز روسيا حتمًا على قاعدة بنغازي البحرية في ليبيا، رغم أن التطورات الأخيرة في سوريا وسقوط بشار الأسد أثارت جدلًا واسع النطاق بين السياسيين والمحللين الليبيين. ويعتقد هؤلاء أن الجنرال حفتر سيبحث عن حليف جديد في غرب ليبيا، لأن روسيا لم تعد تعتبر لاعبًا غير موثوق به في أذهان السياسيين الأفارقة. وفي ظل التطورات في سوريا، قد تقرر دول الساحل بما في ذلك بوركينا فاسو والنيجر ومالي، التي شهدت انقلابات عسكرية في السنوات الأربع الماضية وسحبت الدول الغربية قواتها منها وحلَّت روسيا محلها، البحث عن حلفاء جدد.
وعليه نقول أن انهيار الأسد سيدفع موسكو إلى مراجعة سياستها الإقليمية، التي استخدمت سوريا وليبيا كمركزين لعبور معداتها العسكرية للعمليات في منطقة الساحل. حيث كانت تبحر السفن الروسية بانتظام عبر ميناء طرطوس السوري وتفرغ معداتها العسكرية في طبرق في شرق ليبيا، وتلتقطها قوات فيلق أفريقيا (مجموعة فاغنر سابقًا) وتنقلها برًا إلى الدول المجاورة.
خلاصة:
إن انشغال بوتين بأوكرانيا يحد من قدرته على العمل في أماكن أخرى، كما إن خسارة سوريا تزيد من إثارة وتضخيم الشكوك حول قدرة روسيا على الوفاء بوعودها، مما يشير إلى أن الشركاء الحاليين والمحتملين قد يحتاجون إلى البحث في أماكن أخرى عن الدعم، خاصة أنه بعد أن كانت روسيا ذات يوم لاعبًا مهيمنًا في الشؤون السياسية السورية (جزئيًا من خلال العمل مع تركيا وإيران)، فقدت الآن دورها القيادي. وعلى النقيض من ذلك، من خلال دعم الميليشيات المعارضة التي أطاحت بالأسد، أصبحت تركيا الآن اللاعب الأكثر أهمية. ومع بدء العمل على تشكيل “سوريا الجديدة”، من المرجح أن تؤخذ مصالح أنقرة في الاعتبار. وعليه يبرز تساؤل هام: هل يحمل التراجع الروسي المحتمل في المنطقة صعودًا لأدوار قوى إقليمية أخرى في أفريقيا، كتركيا (التي نجحت وساطتها في القرن الأفريقي مؤخرًا من خلال إعلان أنقرة في 11 ديسمبر 2024 الذي مثَّل خلاصة جهود تركيا في إنهاء التوتر ولو بشكل مؤقت بين إثيوبيا والصومال) والصين، أو حتى العودة لحلفاء سابقين كفرنسا أو الولايات المتحدة؟
وأخيرًا؛ نقول إن سقوط الأسد يمكن أن يترك تأثيرات متعددة الأوجه على دول أفريقيا، وستختلف هذه التأثيرات بحسب الظروف الداخلية لكل دولة وطريقة تعامل القادة الإقليميين معها. وفي هذه الأثناء، فمن المؤكد أن هذا الحدث السياسي يدعو إلى اليقظة والاستعداد من جانب دول أفريقيا وبخاصة تلك التي تعتمد على روسيا كشريك أمني، لمواجهة العواقب المحتملة.