مع احتدام القتال في السودان.. لا تزال النساء عالقات بين الأزمات الإنسانية والاعتداءات الجسدية المروّعة
في ظل استمرار التداعيات الإنسانية بل وتصاعدها، جراء الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023 حيث إطلاق الرصاصة الأولى في القتال الذي ترك ورائه أكبر أزمة نزوح في العالم، بإجبار أكثر من 11 مليون شخص على الفرار من منازلهم. لم تتوقف الخسائر عند هذا الحد بل امتدت إلى ممارسات العنف الجنسي غير المتوقفة إزاء نساء السودان منذ بدء هذه المواجهات الدامية، بما في ذلك من ممارسات الاغتصاب الفردي والجماعي والزواج القسري وزواج الأطفال. في هذا السياق أشارت منظمة هيومن رايتس واتش (المنظمة الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم) إن العدد الأغلب ينسب إلى قوات الدعم السريع، فيما نسبت عددًا أقل من هذه الجرائم إلى الجيش. وعليه دعت هيومن رايتس ووتش الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى إنشاء مهمة مشتركة لحماية المدنيين في السودان حيث لم تظهر أكثر من 15 شهرًا من القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية أي علامات على التراجع.
ردود الفعل النسائية (الأفريقية) بشأن الانتهاكات إزاء المرأة في السودان:
في هذا الإطار تشير رئيسة الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة “سليمى إسحاق” في حديثها في حوار لها مع موقع “الحرة” أن الحرب بحد ذاتها تعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة، لأنها تضعف البنية التحتية ولأنها تجعل الحياة صعبة جدا على النساء”. وأضافت: “النساء في السودان دفعن أثمانًا باهظة خلال فترة الحرب التي لا تزال رحاها تدور إلى حد اللحظة، والأمر لا يتعلق فقط بالانتهاكات المباشرة كالاغتصاب والتعذيب، فهناك إساءات بالغة مثل الخروج القسري من منازلهن، والنزوح من مكان عدة مرات”.
أما شبكة نساء القرن الافريقي فقالت إن الاستعباد الجنسي والاختطاف القسري والاسترقاق باتوا من أدوات الحرب ومحفزات التجنيد بالسودان وأن جرائم العنف ضد النساء تتم بشكل مستمر وممنهج في ظل تجاهل المجتمع الدولي والقوى المدنية والحزبية. ورصدت الشبكة حزمة من الانتهاكات وقعت في جنوب كردفان وإقليم جبال النوبة مؤكدة تورط قوات الدعم السريع في تلك الأحداث المتكررة التي وصفتها بالشكل الممنهج بغرض التهجير والقضاء على وجود المزارعين. وكشفت المدير الاقليمي للشبكة “هالة الكارب” في تصريح لسودان تربيون عن ظاهرة اختطاف البنات من مجتمعات العمال الزارعين والزواج القسري للطفلات من قبل أفراد الدعم السريع ومن ثم إخفائهن عن أسرهن. وقالت إن الاختطاف والاعتداء الجنسي أحد استراتيجيات الدعم السريع منذ 20 عامًا وأن المليشيا تمددت في الخرطوم والجزيرة بسبب صمت وتماهي النخب السياسية العسكرية والمدنية وسياسات الإعفاء تحديدًا في جرائم الاغتصاب. وأشارت إلى أن نساء السودان يدفعن الثمن باهظًا لتواطؤ الطرفين وتجاهلهم لأهمية حماية النساء بجانب غياب الإصلاح القانوني والأمني مضيفة أن النساء بتن لقمة سائغة لفوضى الجيوش وجنون المليشيا.
هيومن رايتس واتش وما تتعرض له نساء السودان:
على صعيد هذه الانتهاكات إزاء المرأة السودانية تقول “ليتيسيا بدر” نائبة مدير أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لقد اغتصبت قوات الدعم السريع النساء واغتصبت جماعيًا وأجبرت على الزواج عددًا لا يحصى من النساء والفتيات في المناطق السكنية في العاصمة السودانية”. كما اتهمت المجموعة كلا الطرفين المتحاربين بمنع وصول الناجيات إلى الرعاية الطارئة الحرجة، وقالت إن الجيش “قيد عمدًا” شحنات الإمدادات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بما في ذلك الإمدادات الطبية وعمال الإغاثة منذ أكتوبر من العام الماضي.
وفي تقرير صدر 28 يوليو 2024 عن هيومن رايتس ووتش ذكر إنه وثّق انتشار العنف الجنسي، فضلاً عن الزواج القسري وزواج الأطفال أثناء الصراع في الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري، وتعرف المدن الثلاث باسم الخرطوم الكبرى. وقالت المنظمة الحقوقية إن هذه الأفعال تشكل “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”. كما قالت إن معظم الحالات نُسبت إلى قوات الدعم السريع. ومع ذلك، ألقي اللوم أيضًا على الجيش، خاصة وأن الجيش احتفظ بالسيطرة على أم درمان في وقت سابق من هذا العام. وقالت إن الرجال والفتيان تعرضوا للاغتصاب أيضًا، بما في ذلك أثناء الاحتجاز. ولم ترد قوات الدعم السريع والجيش على الفور على طلبات التعليق. وقالت هيومن رايتس ووتش إن أيًا من الطرفين لم يتخذ خطوات ذات مغزى لمنع قواته من ارتكاب جرائم اغتصاب أو مهاجمة الرعاية الصحية، ولا للتحقيق بشكل مستقل وشفاف في الجرائم التي ارتكبتها قواته. وقالت إن متحدثًا باسم قوات الدعم السريع نفى احتلال المستشفيات أو المراكز الطبية في الخرطوم ومدنها الشقيقة، لكنه لم يقدم أدلة على أن المجموعة أجرت تحقيقات فعالة في مزاعم العنف الجنسي من قبل قواتها. ودعت الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إلى نشر بعثة جديدة مشتركة لحماية المدنيين في السودان، بما في ذلك منع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقالت “بدر”: “إن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بحاجة إلى حشد هذه الحماية ويجب على الدول محاسبة المسؤولين عن العنف الجنسي المستمر والهجمات على المستجيبين المحليين والمرافق الصحية وعرقلة المساعدات”.
استجابة صندوق الأمم المتحدة للسكان تجاه التجاوزات إزاء النساء السودانيات:
يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى معاناة حوالي 755,000 شخص بالسودان جراء الحرب، من بينهم 18,000 امرأة حامل، من ظروف المجاعة بالفعل. ويستكمل الصندوق: “جردت الحرب المستمرة النساء والفتيات من كل ما يحتَجنه للبقاء على قيد الحياة، كالغذاء والدعم الطبي والمأوى. فلا تستطيع معظم النساء والفتيات الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والحماية التي هن في أمس الحاجة إليها.” ولا تزال مستويات العنف المروعة، بما في ذلك الاغتصاب والاختطاف والزواج القسري وزواج الأطفال، تؤدي إلى خسائر غير مقبولة بين النساء والفتيات، مما خلق بيئة من الخوف لمن ليس لديهم سوى القليل من سبل الحصول على الخدمات أو الدعم أو العدالة.
في ظل هذه الأجواء بالغة الصعوبة يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الشركاء لتوفير خدمات الصحة الإنجابية والحماية المنقذة للحياة في المناطق التي بها أعداد كبيرة من النازحين داخليًا. ويشمل ذلك نشر فرق متنقلة وإمدادات لبناء القدرات في مجال صحة الأم، بما في ذلك رعاية التوليد في حالات الطوارئ، والإدارة السريرية لحالات الاغتصاب، فضلًا عن دعم المساحات الآمنة.
هيئة الأمم المتحدة للمرأة والتضامن مع النساء في السودان:
في هذا الإطار تشير هيئة الأمم المتحدة المعنية بالمرأة إلى تأثير الحرب المدمر على شعب السودان، وخاصة النساء والفتيات اللواتي يواجهن أزمة إنسانية غير مسبوقة.” وعليه تدعو هيئة الأمم المتحدة للمرأة المجتمع الدولي إلى ضمان عدم تحول الصراع في السودان إلى أزمة مهملة. وتضيف: إن النساء والفتيات السودانيات يدفعن ثمنًا باهظًا لهذا العنف، ويتحملن وطأة أزمة إنسانية تظل غير مرئية إلى حد كبير للعالم. وتشير البيانات إلى أن 53 في المائة من النازحين داخليًا هم من النساء والفتيات، كما أن هناك خطر متزايد من أن يؤدي العنف قريبًا إلى خلق أكبر أزمة جوع في العالم. إضافة لذلك فقد تفقد أكثر من 7000 أم جديدة حياتها خلال الأشهر المقبلة إذا ظلت احتياجاتهن الغذائية والصحية غير مُلباة.
كما أن هناك أكثر من 6.7 مليون شخص معرضون لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتفيد الناجيات بأنهن نادرًا ما يتمكنّ من الوصول إلى الخدمات أو الإبلاغ للسلطات. وقد أدى التأثير الاقتصادي للصراع إلى تهميش النساء بشكل أكبر، وحرمانهن من فرص كسب العيش ودفع العديد منهن نحو تدابير متطرفة وخطر الاستغلال الجنسي والإساءة لهنّ أثناء سعيهن لدعم أسرهنّ.
في الأخير تشير الهيئة الأممية إلى ضرورة اتخاذ خطوات فورية لضمان حماية النساء والفتيات، ودعم تمكينهن اقتصاديًا، وإشراكهن في مفاوضات السلام وصنع القرار. كما تحث الشركاء والمانحين الدوليين على الاستثمار في المنظمات المحلية التي تقودها النساء وإعطاء الأولوية للموارد اللازمة لمعالجة الأبعاد الجنسانية لهذه الأزمة. وتؤكد هيئة الأمم المتحدة على وقوفها بجانب المرأة السودانية خلال هذه الأوقات العصيبة وتكرر دعوة الأمين العام بأنه لا حل سوى وقف القتال فورًا والعودة إلى الحوار، مع ضرورة محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان. وعندئذ فقط يمكن استعادة الديمقراطية وبناء مستقبل سلمي وآمن للجميع في السودان.
المصادر:
“النساء السودانيات في زمن الحرب.. انتهاكات جسيمة ومآسٍ فوق الوصف”، الحرة، أبريل 2024، الرابط: https://rb.gy/9riyt5
“صيحة: تصاعد الانتهاكات ضد النساء في السودان وسط تجاهل المجتمع الدولي”، سودانيون، مارس 2024، الرابط: https://rb.gy/vfokfn
“A year of suffering for Sudanese women and girls”, UN Women, Apr 14, 2024, https://rb.gy/hi2f3g
“Sexual violence rampant in Sudan’s civil war – Rights group”, Africa News, Jul 30, 2024, https://rb.gy/b39msh