قمة أسمرا الثلاثية… خطوة في طريق تشكيل التوازنات الاقليمية

توطئة
لا تزال الاستفهامات والأسئلة تتابع في مراصد الباحثين ودوائر المشهد الإقليمي والدولي حول القمة الثلاثية التي جمعت بالعاصمة الارترية أسمرا مؤخرا الرئيس أسياس افورقي ونظيريه المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي علي شيخ محمود .القمة الثلاثية تزامنت وتطورات الحرب بالسودان وأثارها الدبلوماسية المرافقة لاهتزازات المعارك التي طالت مصر وإرتريا بإتهامات مباشرة .من جانب أحد طرفي الحرب ممثلة في قائد قوات الدعم السريع في تصريح بكل المقاييس سيعتبر قوله نطقا وتصريح غيره صمتا ..هذا إلى جانب التصعيد الصومالي المصري الاثيوبي حول قضية الوجود الاثيوبي المقترح بأرض الصومال والوجدةالمصري المتزايد بجمهورية الصومال والأزمة المكتومة لكنها كالسعير بين أثيوبيا وإرتريا ضمن تداعيات أزمة الإقليم الاثيوبي الشمالي .إقليم تيغراي والتراجع الكبير في وضعية التحالف بين أسياس افورقي وابي احمد إلى وضعية الوقوف على حافة إصطدام يبدو أن أسمرا تتحين فيه إنكشاف كعب أخيل عند صديقها القديم فيما من الواضح أن أثيوبيا والتعقيدات أزماتها الداخلية بين القوميات وإشكالات أخرى تنتهج مع ارتريا التمرحل في التصعيد بالاقساط المريحة مع توفير الجهد في التحسب والمعارك ربما لمهددات أخرى على الأرجح ستكون برمي ثقلها في معركة الحصول على منفذ بحري أو ما يعادل ذلك جائزة مع جهد أكبر لتسوية ارتباكها الداخلي باستدراك مشكلة قومية الامهرا ومسلحي الفانو وبذات الوقت ترميم كسور زجاج أزمة الفرقاء التيغراوين في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والأخيرة وبشكل قاطع دور كبير في تأمين الجبهة الأثيوبية قبالة ارتريا أو خرقها وهي حقيقة لن تفوت على فطنة رئيس الوزراء الاثيوبي وقراءاته لتلك الكتلة المؤثرة في حسابات الأمن والسياسية وببلاده.
قمة أسمرا: تحالف الضرورات الجيوسياسية
وفق هذا التقاطعات في المنطقة وللاقطار المختلفة وامتدادتها الإقليمية وبالجوار يمكن القطع بان تحالف أسمرا الجديد وعلى الأقل من ظاهر توقيت التأسيس والأطراف المنضمة فمن المؤكد أن دوافع بالضرورة تعني اجتماع أطرافه الثلاثة مصر .ارتريا والصومال على مشتركات مصلحة مشروعة وهي تعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي وبالضرورة العسكري والممتد إلى تأمين المنافذ البحرية وتوثيق الحقوق السيادية لاصحاب المنافذ بما في ذلك تحديد هوية الذين مسموح لهم بالسباحة والتطواف من البحر الاحمر إلى مخانق خليج عدن . وبالضرورة كان هذا هو ظاهر النص والمعتاد في مثل هذه التجمعات الإقليمية فهو بالضرورة يستبطن تفاهمات مسكوت عنها وهو الجزء الذي عادة يعني التفاهم على موقف موحد تجاه عدو محدد بالمنطقة . قد يسمى أو لا يسمى لكنه بالضرورة سيكون كل طرف تتقاطع مصالحه بشكل مؤثر مع الاعضاء الثلاثة أو مع أحدهم بشكل محدد .وبلا ريب أن المقصود باادرجة الأولى سيكون أثيوبيا .فمصر التي تخوض صراعا حول مياه النيل مع أثيوبيا حول سد النهضة لن تفرط في فرصة ذهبية يحققها لها حلف أسمرا بنقل الصراع مع خصمها العنيد إلى حرب المنافذ المائية والسواحل وهذه بتلك . وبالنسبة للصومال فإن الحلف يوفر لها داعمين ومساندين مؤثرين حال إضطرت إلى خيارات صفرية تحتاج فيها لجهات ذات قدرات ورغبة في العون العسكري المباشر إن لم يكن التدخل .واما ارتريا فهي قريبة الحسابات من الموقف المصري تجاه خصومة متصاعدة مع أثيوبيا كما أن الحلف نفسه يستعيد لها نفوذها الكبير القديم في ملف معقد مثل ملف الصومال كان من وجودها فيه سبب في تلقيها عقوبات أممية في حقبة ماضية
وبالاجمال فتحالف أسمرا من حيث الأجندات والترتيب والملمح العام قد يحدث تحولات مرهقة لبعض الأطراف الإقليمية والدولية وهنا يمكن المراهنة على الحضور المصري والذي قطعا له تواصل مع فاعلين من أهل المصلحة في القرن الأفريقي يهتما بالسواحل وهما تركيا والإمارات العربية المتحدة وبالتالي مؤكد أن القاهرة ستكون اقرب للتوفيق بشكل ما بين تعارض مصلحتها ونفوذ ومصالح أبوظبي وانقرا لكن سيكون السؤال إلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك ولاي درجة مقارنة مع المطلوب الصارم بألا تطل مثلا أثيوبيا على البحر أو المحيط ! ولذا أعتقد أن الدور المحوري سيكون للمصريين وليس ارتريا .هذا مع ملاحظة أخرى في أن التحالف نفسه يغيب عنه السودان وجيبوتي وهو الوضع الذي أضعف قبل ست سنوات مقترح مماثل كان للغرابة والطرافة تتبناه أثيوبيا ورئيس الوزراء الحالي ابي أحمد علي والذي شرع منذ خواتيم العام 2018 في تكوين تحالف بين أسمرا وأديس أبابا ومقديشو (اسياس افورقي .ابي أحمد .عبد الله فيرماجو) انتهى عقب عقد قمة في أسمرا وأخرى في بحر دار وثالثة مقترحة في مقديشو لا أظنها قامت وكان الحديث وقتها عن اتفاقية للتكامل الاقتصادي والسياسي وإقامة التمية ومكافحة الفقر ! عبر تأسيس إتحاد كونفدرالي.
وبالتالي فتجربة إقامة هذه التحالفات في القرن الافريقي تبدو أقرب إلى معالجة تعتمد على المضاغطات في ظروف الأزمات البينية أكثر منها مشروعات جادة وهي كذلك تبدو قصيرة الأنفاس .وتنتهي عادة إلى موت بطئ لا يصاحبه اعلان فنفس التحالف الذي تأسس ودشن مؤخرا بالعاصمة الارترية بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الصومالي شيخ محمود .شهد كما بينا مبادرة سابقة كان الطرف الحاضر فيها رئيس الوزراء الاثيوبي محل الرئيس المصري ! مع اختلاف الرئيس الصومالي السابق مكان الرئيس المنتخب الجديد ! ووقتها لم تكن الصومال ترى في ظهور أثيوبيا بأرض الصومال مشكلة مثلما لم يكن الرئيس أسياس افورقي يرى في رئيس الوزراء الاثيوبي الشاب الا كون رجل حليف وصديق صدوق ! لكن تحولت المواقف وتبدلت التقديرات وبالتالي حدث تغيير في لون اللافتة لكن بقيت الحروف ذاتها وإجراءات المراسم والبيانات الختامية التي فقط ربما أضيفت إليها فقرات جديدة وتفاصيل مثل ما أضيفت مسألة أمن البحر الأحمر في قمة أسمرا الأخيرة وهي فقرة ذكية بتقديري لأنها ستمد ظل التحالف وأنشطته وربما اهتمامات عضوية أخرى إلى الضفة المقابلة لأفريقيا من البحر الاحمر من جهة أسيا والجزيرة العربية
سيرة التحالفات في القرن الافريقي بكل حال تتكرر في حقب مختلفة . فمن قبل تأسس في أكتوبر 2002 ما عرف بتحالف صنعاء والذي ضم السودان واليمن وأثيوبيا وتصافح فيه وتعاهد رئيس الوزراء الأسبق الراحل مليس زيناوي . والرئيس اليمني على عبد الله صالح والسوداني عمر حسن احمد البشير والرئيس الصومالي عبدالله يوسف احمد رئيس حكومة الصومال الفيدرالية الانتقالية، والتحقت به في الدورة الثالثة على مشارف العام 2005 أرض الصومال وهذه معلومة مهملة ربما لم ينتبه إليها أحد . كان تحالف صنعاء وقتها تكتل مضاد وبشكل صريح ومعادي لارتريا ورغم كثرة المرق الدبلوماسي الذي اضيف لقصص وشعارات التعاون والتكامل الاقتصادي فقد تأسس بعد هو خلاف هذه الدول مع أرتيريا التي اعتبرت التجمع حينها موجها ضدها خصوصا وأنه جاء بعد الخلاف بين ارتريف واليمن على جزيرة حنيش والحدود البحرية وفي ظرف لم تجف فيه بعد دماء حرب بادمي بين أثيوبيا وارتريا .مع ذروة الخلاف السوداني الاريتري واستضافة أسمرا للمعارضة السودانية المناهضة لنظام الرئيس البشير وقتها . وقد سار تحالف أو تجمع صنعاء في الاخبار والتحليلات والقمم الرئاسية ثم تلاشى لاحقا ولم يبقى منه في ذاكرة الاحياء سوى الرئيس عمر البشير المحبوس بأحد القواعد بأمدرمان وابتسامة وزير خارجيته وقت تأسيس التجمع مصطفى عثمان اسماعيل الاستاذ حاليا بأحد الجامعات القطرية وقد مات مليس زيناوي وقتل علي عبد الله صالح ولا يعرف احد اين عبد الله يوف ! ومات تجمع صنعاء بالأساس واعضائه بالحكم وانفض سامره
الخلاصة:
اخيرا فتحالف أسمرا في تقديري اقرب ما يكون إلى فزاعة على الأقل في المرحلة الحالية وهذا غالب التأسيسات السابقة التحالفات بالمنطقة لكن ربما يختلف قليلا هذه المرة لانه تأسس تجاه قضايا وجودية لاطرافه اقله بالنسبة لمصر والصومال كاطراف مؤسسة ولاثيبوبيا كطرف معني ومستهدف . إذ وبكل الحسابات أن القضية المتنازع حولها أو يدور في فلكها الصراع قضية وجودية للصومال وأثيوبيا لا تقبل القسمة على خيارات تعادلية وهي كذلك بالنسبة لمصر فرصة ذهبية ولن تفرط فيها خاصة أن السياسة في هذه الملفات نادرة الفرص وشحيحة.
هوامش:
- السيسي: قمة أسمرة بحثت سبل التصدي لـ”مخططات تفكيك” المنطقة وكالة الاناضول، 16.10.2024
- “مصر والصومال وإريتريا.. بيان مشترك للقمة الثلاثية في أسمرة” سكاي نيوز، 16.10.2024
- أحمد حسن دحلي، “قراءة لمخرجات قمة اسمرا للتعاون االستراتيجي بين ارتريا ومصر والصومال”