الأزمات الإقليميةالأزمات السياسية والإنسانيةالأمن السيبرانيالأمن القومي والدفاع العسكريالاستخباراتالتحالفات الدبلوماسية والاتفاقيات الدوليةالتكامل الإقليميالتكامل السياسي والإقليميالجغرافية الاقتصاديةالجغرافية السياسيةالحركات المسلحةالسيادة والنزاعات الحدوديةالسياسات العامةتقدير المواقفسياسات صنع السلام والتسوية

مراكب ومسيّرات وأموال: تمدُّد الحوثيين نحو الصومال

مقدمة

كثّفت حركة أنصار الله اليمنية اتصالاتها مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، على غرار داعمتهاالرئيسة إيران، ما يُظهر غلبة المنحى البراغماتي حين تستوجب الأهداف الجيوسياسية ذلك، وحين تكنّ الأطراف كافةالعداوة نفسها تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل.

وسّعت حركة أنصار الله اليمنية، المعروفة بالحوثيين، تعاونها العابر للحدود مع جماعات غير حكومية في الصومال، وتحديدًاحركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة، فضلًا عن فرع الدولة الإسلامية في الصومال المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية الذيتَشكّل في العراق وسورية في العام 2014. وفيما تتباين هذه الجماعات من حيث الإيديولوجيا والطموح والتركيز الإقليمي، تجمعها قواسم مشتركة عدّة مثل عدائها للولايات المتحدة وإسرائيل، وانخراطها في حروبٍ غير متكافئة، واعتمادها علىالأنشطة الاقتصادية غير المشروعة. ويهدف هذا التعاون في ما بينها إلى دعم سلاسل الإمداد وتنويعها، ما يضمن حصولهذه التنظيمات على أسلحة أكثر تطوّرًا، وتعزيز مكانتها المحلية، وزيادة قدرة الحوثيين وداعمتهم الإقليمية الرئيسة إيرانعلى الإخلال بالأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب لخدمة مصالحهم الخاصة. وقد أدّى هذا الوضع إلى زعزعةالاستقرار الإقليمي.

 

غلبة البراغماتية على الإيديولوجيا

تُشكّل معظم دول القرن الأفريقي، ولا سيما المطلّة منها على البحر الأحمر، العمق الاستراتيجي لليمن بحكم قربه الجغرافيمنها وشريطه الساحلي الطويل. وقد أثّر هذان العاملان تاريخيًا على حركات الهجرة، والتبادل التجاري، والامتداد الثقافي، والتفاعل الديني والاجتماعي. وقد تجلّى اهتمام اليمن بالصومال من خلال إنشائه تجمّعَ صنعاء للتعاون في العام 2003، الذي تناول مسألة السلام في الصومال وقضايا أخرى؛ ولعبه دور الوسيط في الأزمة الصومالية بين العامَين 2006 و2007، واستضافته عددًا كبيرًا من اللاجئين الصوماليين. وشكّل اليمن أيضًا رابطًا بين القرن الأفريقي ودول الخليج، ولا سيماالمملكة العربية السعودية، خلال فترات متعدّدة، ومن ضمنها تلك التي شهدت اضطرابات وصراعات. وأفادت المنظمة الدوليةللهجرة بأن 96,670 شخصًا قد توجّهوا بشكلٍ أساسي من محافظتَي باري ووقويي جالبيد في الصومال عبر خليج عدنإلى شواطئ اليمن في العام 2023 من خلال شبكات الإتجار بالبشر.

هذا وقد أدّت تجارة الأسلحة في البحر الأحمر دورًا مهمًا في توطيد العلاقة بين الحوثيين والصومال. فعلى الرغم منالحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى اليمن، واصلت إيران تزويد الحوثيين بالسلاح خلسةً. وبين أيلول/سبتمبر 2015 وكانون الثاني/يناير 2023، اعترضت سفنٌ حربية تابعة لكلٍّ من الولايات المتحدة والسعودية وفرنساوأستراليا 16 سفينة مُحمَّلة بنحو 29ألف قطعة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة، و365 صاروخًا موجّهًا مضادًّا للدبابات، و2.38 مليون طلقة ذخيرة في طريقها إلى الحوثيين. ونُقل معظم هذه الشحنات على متن مراكب شراعية تُستخدَم فيالتجارة الساحلية وصيد الأسماك. وفي العام 2020، خلُصت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدودالوطنية إلى أن أسلحةً أرسلتها إيران إلى شركائها الحوثيين جرى تهريبها إلى الصومال.

وفيما اتّصفت العلاقات بين إيران ودول القرن الأفريقي بالتقلّب بين التقارب حينًا والقطيعة حينًا آخر، باتت المنطقة تتصدّراهتمامات الحرس الثوري الإيراني بعد العام 1989، وكثّفت طهران لاحقًا مساعيها في هذا الصدد خلال العقد الأول منالقرن الحادي والعشرين. ففي العام 1989، دعمت إيران سلطة الرئيس السوداني عمر البشير؛ وفي العام 2006، زوّدتاتّحاد المحاكم الإسلامية بالأسلحة لمحاربة الحكومة الصومالية؛ وفي العام 2008، سعت إلى إقامة وجود عسكري لها فيإريتريا بهدف استخدام أرخبيل دهلك لتزويد الحوثيين بالسلاح، من بين أمورٍ أخرى. هكذا حاولت إيران إنهاء عزلتهاالدولية، وتوسيع شراكاتها الإقليمية، وتأمين خطوط إمدادٍ لوكلائها، ما أدّى إلى تعزيز نفوذها الاستراتيجي.

وخلال العقد الماضي، تطوّرت علاقة الحوثيين مع القوى الصومالية غير الحكومية التي يشملها جميعها حظر الأسلحة، وذلكمن خلال مهرّبي السلاح أو السماسرة. واكتسب هذا الوضع أهميّةً متزايدة ابتداءً من العام 2016، عندما أدرك الحوثيونأن بإمكانهم تعزيز مكانتهم إذا ما استطاعوا التحرّك في المجال البحري اليمني، سواء عبر مهاجمة السفن أو الانخراط فيعمليات التهريب، فحقّقوا ذلك خلال أزمة البحر الأحمر على إثر الصراع في غزّة بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وعبّرزعيم حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، عن هذه الرؤية مجدّدًا في كانون الثاني/يناير 2025، مشيرًا إلى العملياتالبحرية التي شنّها الحوثيون إسنادًا لغزّة كما يزعمون، ومُشيدًا بالتطوّرات في “عددٍ من البلدان الأفريقية… ضدّ الهيمنةالأميركية والأوروبية والاستعمار والاحتلال الأميركي لتلك البلدان”. واعتُبر كلامه مؤشّرًا على اهتمامه بتوسيع نطاق عملياتالحوثيين في أفريقيا.

وفي حزيران/يونيو 2024، أبلغت الولايات المتحدة عن تعاونٍ قائمٍ بين حركة الشباب والحوثيين. كذلك، كشف تقرير صادر عنالأمم المتحدة في شباط/فبراير 2025 أن حركة الشباب عقدت اجتماعَين على الأقل مع ممثّلي الحوثيين في الصومال فيتموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2024، ما أظهر عزم الحوثيين على توطيد العلاقات مع هذه الحركة في ظلّ أزمة البحر الأحمر. وأفاد هذا التقرير بأن الفريقَين اتفقا على أن يزوّد الحوثيون حركة الشباب بالأسلحة والخبرات الفنية؛ وفي المقابل، كُلِّفتحركة الشباب بزيادة أنشطة القرصنة داخل خليج عدن وقبالة سواحل الصومال، وتحصيل الفدى من السفن التي يُستولىعليها.1 ونظرًا إلى تعاون حركة الشباب مع القراصنة الصوماليين، إذ أُفيد أن الحركة تتلقى حصّة قدرها 20 في المئة منالفدى التي يحصّلونها، يُرجَّح أن الشراكة بين الحوثيين وحركة الشباب شملت استخدام القراصنة لتعطيل حركة الملاحةالبحرية.2 وتخشى الولايات المتحدة أن توفّر شحنات الأسلحة التي يتولّى الحوثيون تسليمها بابًا جديدًا من التمويل لهم، فيظلّ تزويد حركة الشباب بأسلحةٍ أكثر تطوّرًا بكثير من ترسانتها الحالية.

لإيران أيضًا علاقاتٌ طويلة الأمد تجمعها مع حركة الشباب. ففي العام 2017، سمح فيلق القدس التابع للحرس الثوريالإيراني لحركة الشباب بالالتفاف على العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدةوجني الإيرادات من خلال تحويل الموانئالإيرانية إلى نقطة عبور لصادرات الفحم غير المشروعة التي يُعاد تصديرها كمنتجاتٍ إيرانية. وأفادت تقارير أيضًا بأنإيران سلّحت حركة الشباب وموّلتها لتهديد المصالح الأميركية في منطقة القرن الأفريقي، بما في ذلك كينيا. في غضونذلك، يبحث مسؤولون في الاستخبارات الأميركية عن أدلّة ملموسة على اضطلاع إيران بدورٍ في تقريب العلاقات بينالحوثيين وحركة الشباب. لكن غوليد أحمد، وهو باحث صومالي غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، يبدو أكثر حسمًا فيقراءته للوضع، معتبرًا أن “إيران في صميم كل ما يحدث”.3 علاوةً على ذلك، يُزعم أن طهران تستضيف سيف العدل، الذييتولّى زعامة تنظيم القاعدة بحكم الأمر الواقع، ويعتبر أن تلاقي وجهات النظر بين المقاتلين السنة والشيعة أمرٌ ضروري فيإطار محاربة الدول الغربية.

هذا وقد شهدت علاقة الحوثيين بتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال تطوّرًا لافتًا منذ العام 2021 على الأقل،4 وكانت تركّزبدايةً على نقل الأسلحة الصغيرة. بين العامَين 2015 و2022، انخرط عضوا تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، عبدالرحمن محمد عمر وعيسى محمود يوسف، اللذان شملتهما العقوبات الأميركية، في تهريب الأسلحة من اليمن، ما يشيرإلى وجود روابط سابقة مع الحوثيين. وكانت أنشطة التهريب هذه مدفوعةً بحاجة تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال إلىالسلاح لدعم عملياته في ولاية أرض البنط (بونتلاند) الصومالية، وأيضًا برغبة الحوثيين في جني الإيرادات، ولا سيما بعددخول الصراع في اليمن مرحلةً من الهدوء بدءًا من نيسان/أبريل 2022. ومنذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، سعى الحوثيون إلى زيادة الضغوط الدولية لتحقيق وقف إطلاق النار، من خلال تعطيل حركة الملاحة في خليج عدنوالبحر الأحمر. وأفادت التقارير بأن الحوثيين أرسلوا، بين تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وأيار/مايو 2024، ممثّلين عنهم إلىشمال شرق الصومال لتنسيق عملية جمع المعلومات الاستخبارية وتحديد مواقع السفن في خليج عدن، من أجل ملءالثغرات المعلوماتية في تغطية راداراتهم، مقابل تقديم طائرات مسيّرة انتحارية قصيرة المدى وتوفير التدريب التقني.5 وقدتمكّنت قوات الأمن الصومالية في ولاية بونتلاند من ضبط خمس طائرات مسيَّرة مماثلة أرسلها الحوثيون في شهر آب/أغسطس 2024، واعتقال سبعة أشخاص يُشتبه في ارتباطهم بشبكات تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال وحركةالشباب. وفي كانون الثاني/يناير من العام الجاري، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال مسؤوليته عن هجومَينبالطائرات المسيّرة ضدّ قوات الأمن في ولاية بونتلاند. يُشار إلى أن روابط الحوثيين بتنظيم الدولة الإسلامية في الصومالوانخراط هذا الأخير في شبكات تهريب الأسلحة يشكّلان امتدادًا لعلاقات الحوثيين بحركة الشباب، ولا سيما أن زعيم فرعالدولة الإسلامية في الصومال، عبد القادر مؤمن، أنشأ في العام 2015 هذا التنظيم مع أعضاء سابقين منشقّين عن حركةالشباب التي يعارضها.

صحيحٌ أن الحوثيين ينتمون إلى الفرقة الجارودية، وهي إحدى فرق المذهب الشيعي الزيدي، إلّا أنهم اعتمدوا نهجًابراغماتيًا في تعاملهم مع الفصائل الجهادية السنّية، كما اتّضح من خلال تعاونهممع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وشملت هذه العلاقة نقل الأسلحة إلى هذا التنظيم، وتوفير الملاذات الآمنة لأعضاء الجماعتَين، وتبادل الأسرى، ما يظهر أنالتعاون البراغماتي ممكنٌ أيضًا بين الحوثيين من جهة، وحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من جهة أخرى.

تنامي انعدام الاستقرار في خليج عدن

لتعاون الحوثيين الوثيق مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال تداعياتٌ مهمّة ومتعدّدة الأوجه على حركةالتجارة البحرية العالمية والسلام والأمن في المنطقة. فهذه الأطراف جميعًا لديها مصالح مشتركة تسهم في إعادة تشكيلالديناميات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ما يزيد من بؤر انعدام الاستقرار ويعيقجهود إنفاذ حظر نقل الأسلحة. وأدّت هذه الديناميات إلى تعزيز مكانة الحوثيين الجيوسياسية، الأمر الذي أفاد إيران، ومنحهذَين الطرفَين نفوذًا استراتيجيًا على أحد أهم الممرّات المائية الدولية.

يولي الحوثيون وحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال أهمية كبيرة إلى استغلال الشبكات غير المشروعة، وبخاصةٍ شبكات تهريب الأسلحة والوقود من إيران. وتعوّل طهران بدورها على هذه الجماعات لتنويع مصادر التمويل وطرقالتهريب وقواعد الدعم الخارجية. وقد ساهمت هذه الأنشطة في زيادة مصادر إيرادات الجماعات الثلاث وتعزيز قدراتهاالعملياتية.6تحديدًا، أدّى التنسيق القائم بين الحوثيين والقوى غير الحكومية في الصومال إلى تسهيل تدفّق الأسلحة والمواردالإيرانية من وإلى اليمن، عبر الالتفاف على حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. وغالبًا ما تتّبع عمليات نقل الأسلحةطريقًا غير مباشر. فالسفن الأكبر حجمًا التي تعبر المحيطات تغادر إيران وتمرّ عبر المياه الكينية أو التنزانية لتجنّبرصدها من القوات البحرية الدولية بالقرب من خليج عدن، قبل أن تتّجه نحو الصومال. ثم ّتنطلق القوارب الأصغر حجمًا منالصومال، مستخدمةً وثائق مزوّرة، لتهريب شحنات الأسلحة إلى اليمن، ولا سيما عبر ميناء رأس العارة في محافظة لحج، على سبيل المثال لا الحصر.7 كذلك، عمَد تجّار السلاح والسماسرة إلى نقل أنظمة صواريخ أرض-جوّ من أوروبا الشرقيةإلى الحوثيين عبر الصومال.8

ترى القوى غير الحكومية الصومالية في امتلاك الحوثيين أسلحة تقليدية مدمّرة وطائرات مسيّرة تطوّرًا مشجّعًا من شأنهتغيير قواعد اللعبة.9 ويعتبر الحوثيون بدورهم أن نقل الأسلحة وتوفير التدريب يندرجان في إطار مساعٍ ساهمت في زيادةإيراداتهم، وتوسيع نطاق نفوذهم، وتأمين الدعم اللوجستي اللازم، ناهيك عن الارتقاء بمكانة الحركة ضمن محور المقاومة. ويسعى الحرس الثوري الإيراني، في معرض تقويض المصالح الغربية، إلى إرساء ثقل موازن في وجه خصومه، مثلالولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا، وتوسيع عمقه الاستراتيجي إلى منطقة القرن الأفريقي على الجانب الآخر من خليجعدن والبحر الأحمر. في هذا السياق، يرى يزيد الجداوي من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن الحرس الثوري”يشرف على المسار الاستراتيجي لهذا التعاون ذي المنفعة المتبادلة، فيما يتولّى الحوثيون التنسيق شبه الإقليمي نظرًا إلىالمرونة العملياتية التي أبدوها خلال أزمة البحر الأحمر، وقُربهم الجغرافي”.10 ويشرف على عمليات نقل الأسلحة فيلقالقدس، الذي يشارك أحد أعضائه في مجلس الجهاد الحوثي، وهو الهيئة التنفيذية الأعلى في حركة أنصار الله.

بات الشريط الساحلي الصومالي الذي يسهل اختراقه أساسيًا لضمان وصول الإمدادات الإيرانية إلى الحوثيين، وكذلكالمعدّات الصينية التي تخوّلهم تطوير برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة المدعوم من إيران.11 ويدخل قسمٌ كبيرٌ منالمعدّات عبر الصومال وجيبوتي. وتشمل طرق التهريب إلى اليمن المناطق الساحلية حول موانئ الحديدة والصليف ورأسعيسى، والمخا في محافظة تعز، والشحر والمكلّا في محافظة حضرموت، وبلحاف وبئر علي في محافظة شبوة، ونشطونوسيحوت في محافظة المهرة؛ وتشمل من الجانب الصومالي ميناء بوصاصو في ولاية بونتلاند، وسواحل بوروا وهوبيووبراوي ومركا وقندلة، إضافةً إلى ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال (صوماليلاند). ومن أجل إيصال الإمدادات إلىالحوثيين، يعتمد الحرس الثوري على شبكات القرصنة الصومالية وحركة الشباب وتجّار الأسلحة في اليمن والصومال. ومنبين الشخصيات التي تتولّى تنسيق عمليات الحوثيين في الصومال، يبرز اسم أبو محمد المرتضى وأبو إبراهيم الهادي، اللذَين لا يشرفان فحسب على صفقات التهريب، بل أيضًا على توسيع نطاق التعاون مع فيلق القدس.12

ثانيًا، صبّ تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال بشكلٍ غير مباشر في خدمة إيران، إذمنحها عمقًا استراتيجيًا في الصومال والقرن الأفريقي، ووسّع قدرتها على إعادة تشكيل ديناميات الأمن البحري فيخليج عدن ومضيق باب المندب، ما أكسبها نفوذًا مهمًّا على عمليات نقل إمدادات النفط والغاز وغيرها من السلع التي تمرّ عبر خليج عدن إلى البحر المتوسط وأوروبا خلال الصراع في غزة. وقد أشار تقريرٌ صادرٌ عن فريق خبراء الأمم المتحدةالمعنيّ باليمن في تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى أن الحوثيين يعمَلون على “تقييم الخيارات المتاحة لتنفيذ هجمات فيالبحر من الساحل الصومالي”، بعد نقل طائرات مسّيرة وصواريخ إلى الصومال. لكن هذه الهجمات لم تُنفّذ، ويُعزى سببذلك في الدرجة الأولى إلى الانتكاسات التي تكبّدتها إيران خلال صراعها مع إسرائيل خلال الفترة الممتدّة بين تموز/يوليووكانون الأول/ديسمبر 2024، وخوفها من أن تؤدّي هذه العملية إلى شنّ مزيدٍ من الهجمات على أراضيها.

علاوةً على ذلك، سمحت روابط الحوثيين بحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لهذه الأطراف بتنويع أساليبالدخول إلى المناطق البحرية الصومالية، ومنحها درجةً من الإنكار المعقول للمسؤولية. فعلى سبيل المثال، زعم القياديالحوثي عبد الملك العجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 أن حركة أنصار الله استولت على ناقلة “سنترال بارك”، لكنالقراصنة الصوماليون هم من نفّذوا في الواقع هذه العملية بالتنسيق مع الحوثيين، ما يُظهر أن الفريقَين يتعاونان ويمارساننفوذًا مشتركًا في المنطقة. إذًا، تنخرط جهات متعدّدة على نحو متزايد في الهجمات البحرية في خليج عدن، ما يسمحللإيرانيين والحوثيين بتعطيل حركة التجارة في البحر الأحمر وخليج عدن عندما يصبّ ذلك في مصلحتهم.

واستطاع الحوثيون كذلك، بفضل العلاقات التي تجمعهم مع الجماعات الصومالية غير الحكومية، الحصول على معلوماتمن الجانب الآخر من خليج عدن بغرض استهداف السفن وخطوط الملاحة بشكل عام. وتمكّنوا خلال حرب غزة من إقناعحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال والقراصنة الصوماليين بمهاجمة السفن واعتراض مسارها في البحرالأحمر تضامنًا مع الفلسطينيين، كما تزعم الجماعة. وقد خلُص تقريرٌ صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيّ باليمنفي تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى أن ثُلث هجمات أنصار الله وقعت في خليج عدن في مناطق خارج تغطيتها الرادارية، “ما يشير إلى أن الحوثيين قد تلقّوا مساعدة خارجية في معرفة هوية السفن وتحديد مواقعها واستهدافها”. ومن بين الجهاتالتي ربما زوّدتهم بالمعلومات، سفينة التجسّس التابعة للحرس الثوري الإيراني “إم في بهشاد، أو روسيا، أو حركةالشباب، أو تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، أو القراصنة، أو جماعات صومالية أخرى.

وفي آذار/مارس 2024، عبّر زعيم حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي بثقة تامّة عن عزمه توسيع نطاق العمليات البحريةباتّجاهالمحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، في إشارةٍ ضمنية إلى احتمال استخدام أراضي دول أخرى لشنّ هجماتمباشرة أو بالوكالة. ربما لم يكن محض صدفة ارتفاع وتيرة أعمال القرصنة الصومالية بموازاة تعطيل الحوثيين حركة الملاحةالبحرية في البحر الأحمر خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، ما يدعم التقارير التي تحدّثت عن شراكةٍ بين الحوثيين وحركةالشباب.

أما العامل الثالث وراء التعاون القائم بين الحوثيين وحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال فيستند إلى رغبةهذه الأطراف في توسيع الجبهة المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأفريقية الداعمة لواشنطن، والتي يصنّفونها فيخانة الخصوم أو الأعداء. لقد ساعد نقل طائرات مسيّرة وصواريخ أرضجوّ إلى حركة الشباب، وطائرات مسيّرة انتحاريةإلى تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، على تحسين قدرات الطرفَين في أساليب الحرب غير المتكافئة ضدّ الحكومةالصومالية. فأدّى ذلك إلى تنامي المخاوف الأمنية في إثيوبيا والصومال وجيبوتي وكينيا (إذ تشهد الحدود الكينيةالصومالية اضطرابات)، وعزّز قدرة هذَين التنظيمَين على استهداف قوات الأمن الإقليمية، بما فيها الجيش الوطنيالصومالي وبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال والقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا. ونتيجة الانتشار الواسعللطائرات المسيّرة، قد تضطرّ دول الغرب إلى إعادة توجيه مواردها نحو أماكن أخرى، وهي خطوة يأمل الحوثيون أن تخفّفالضغوط الدولية عنهم.

ثمّة أسبابٌ محلية أيضًا دفعت الحوثيين إلى توطيد علاقاتهم مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، مايشكّل تهديدًا محتملًا للاستقرار الإقليمي. في الواقع، يأمل الحوثيين أن ينعكس التحسُّن الذي طال قدراتهم وشبكاتهمومواردهم في الصومال إيجابًا على مساعي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن فيمعاركهما ضدّ خصوم أنصار الله. فالحوثيون يريدون الحثّ على زيادة العمليات الجهادية السنّية في اليمن، لمفاقمة انعدامالاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، وبالتالي تشويه صورتها ومصداقيتها على المستويَين المحليوالدولي وتعميق هوّة فقدان الثقة داخل معسكرها.

ويبدو أن استراتيجية الحوثيين تحقّق نجاحًا نسبيًا. فقد صدر عن الأمم المتحدة مؤخرًا تقرير ورد فيه أن حركة الشباب، بحسب ما قيل، “أرسلت أكثر من عشرة عناصر إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لاكتساب الخبرة والمعرفة التشغيلية، بما في ذلك تكنولوجيا الطائرات المسيّرة”،13 ما يشي باحتمال حدوث تداعيات تمتدّ إلى خارج حدود الدولة الواحدة. ونظرًاإلى هذا التقارب، ركّز تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشكل متزايد على استهداف المصالح الغربية والقوات المتحالفة معالحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، ولا سيما بعد العام 2021، وشمل ذلك استخدام الطائرات المسيّرة المفخّخةفي العام 2023. وعلى غرار حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، يعتبر الحوثيون وتنظيم القاعدة في جزيرةالعرب أن الحكومة اليمنية “موالية للغرب”، وقد ازداد عزم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على توطيد تعاونه مع الحوثيينخلال حرب غزة. هذا وقد أحدث إضعاف الحكومَتين المركزيّتَين في كلٍّ من اليمن والصومال فراغًا سمح لإيران بتوسيعهامش تدخّلها والسعي إلى تحقيق مصالحها في خليج عدن بشقّيه. ويكتسي هذا الأمر أهميةً خاصة بعد الخسائرالضخمة التي تكبّدها محور المقاومة الذي تقوده طهران خلال الصراع مع إسرائيل بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وكانونالأول/ديسمبر 2024، ما عزّز مكانة الحوثيين داخل المحور وفي الحسابات الإيرانية.

 

خاتمة

يتوافق توطيد العلاقات بين حركة أنصار الله وقوى غير حكومية صومالية مع أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في القرنالأفريقي، ولا سيما أن المتحدّث باسم وزارة خارجيتها، ناصر كنعاني، وصف أفريقيا بأنها “قارّة الفرص”. وخلال السنواتالقليلة الماضية، أعادت إيران النظر في استراتيجيتها الخاصة بالقرن الأفريقي، واستأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع كلٍّ السودان وجيبوتي والصومال في فترة 2023-2024. ويشكّل نفوذ الحوثيين في الصومال أحد الدلائل على انخراط طهرانفي القرن الأفريقي. إضافةً إلى ذلك، من المتوقّع أن يزداد تركيز الحوثيين على شبكات التهريب الإقليمية بعد أن أعادتالولايات المتحدة إدراج حركة أنصار الله على قائمة المنظمات الإرهابية رسميًا في آذار/مارس 2025، وفرضت عقوبات علىسبعةٍ من قادتها بسبب تورّطهم في عمليات تهريب وشراء الأسلحة.

وبعد أن تابع الحرس الثوري الإيراني عن كثب التأثيرات الاستراتيجية التي خلّفتها عمليات الحوثيين على التجارة البحريةالعالمية والأمن البحري، تعزّز اعتقاده بأهمية تعزيز نفوذه في كلٍّ من خليج عدن، والمحيط الهندي، وصولًا إلى رأس الرجاءالصالح. هذا وتسعى إيران إلى بسط سلطتها في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها، ولا سيما من خلال التأثير على التطوّراتالبحرية بعيدًا عن شواطئها. وستظلّ عوامل مثل الانقسامات السياسية، والصراعات، والفقر، والتشرذم، والفساد توفّر ظروفًامؤاتية لمثل هذا الطموح على المدى المتوسط. إن الوقت كفيلٌ بإظهار ما إذا كانت الأهداف الإيديولوجية المتضاربة بينالجماعات الجهادية السنّية والشيعية ستدقّ في نهاية المطاف إسفين الانقسام بين الإيرانيين والحوثيين من جهة، وحركةالشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من جهة أخرى، على الرغم من عداء هذه الأطراف المشترك للغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى