مالاوي بين الأزمة الداخلية والتداعيات الإقليمية
مقدمة:
برزت حزمة أزمات سياسية وإنسانية في مالاوي مع نهاية العام 2024 ضاعف من حدتها ما واجهته من موجات لاجئين من دولة موزمبيق عقب تصاعد اعمال العنف في الأخيرة وخلفت مئات القتلى. كما ضاعفت الاضطرابات الإقليمية في موزمبيق (التي تحيط تمامًا بالنصف الجنوبي من مالاوي الحبيسة وتحدها شمالًا تنزانيا، وزامبيا غربًا) من الأضرار الاقتصادية والسياسية في مالاوي رغم مساعي رئيسها لازاروس مكارثي تشاكويرا Lazarus M. Chakweraتفادي الاحتقان السياسي منذ مطلع العام الجاري بتبني سياسات إصلاحية واضحة. كما مثلت عودة زعيم المعارضة الموزمبيقية فينانشيو موندلين Venancion Mondlane (9 يناير الجاري) إلى البلاد بدء مرحلة جديدة في الحياة السياسية في موزمبيق ربما تصاحبها أحداث عنف سياسي ستؤثر بدورها على الأوضاع في مالاوي وبقية دول جوار موزمبيق، في ظل عدم يقين إزاء مستقبل البلاد بعد 50 عامًا من حكم جبهة تحرير موزمبيق ومطالب التغيير الكاسحة وسط الشباب هناك([1]).
مالاوي: مستجدات سياسية هامة
بادر الرئيس المالاوي لازاروس مكارثي تشاكويرا في الأول من يناير الجاري بإعلان تشكيل حكومة جديدة في البلاد تضمن تغيير عدد من الحقائب الوزارية الرئيسة بناء على توصيات من لجنة تحقيق وطنية وهي Chilima Plane Crash Inquiry، التي أبرزت بدورها الفشل في التنسيق والتواصل داخل أبنية الحكومة خلال الحادث الذي ألم بنائب الرئيس السابق سولوس كلوس تشيليما Saulos Klaus Chilima. وشهد التغيير الحكومي خروج وزير الدفاع هاري مكانداوير H. Mkandawire ووزير الأمن الداخلي، الأمر الذي كشف عن عزم تشاكويرا على إعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية بعد تعرضهما لهجوم كبير خلال التحقيق. كما تضمن التغيير تعيين نواب للوزراء في الحقائب الرئيسة مثل الصحة والنقل والزراعة، الأمر الذي اعتبرته الميديا المحلية في مالاوي تركيزًا من قبل تشاكويرا على التخلص من مركزية المسئوليات من اجل تحسين تقديم الخدمات للمواطنين بشكل أسرع. كما أكد محللون أن التغيير الوزاري خطوة إيجابية “لكن نجاح هذه التغييرات سيعتمد على مدى فعالية شخصيات التعيينات الجديدة في معالجة التحديات في وزاراتهم المعنية”([2]).
كما مثلت خطوة تشكيل الحكومة الجديدة، التي تولت إدارة البلاد رسميًا في 7 يناير الجاري، قفزة سياسية مهمة في طريق تعزيز الأداء الديمقراطي في مالاوي إذ ضمت منافسون سياسيون سابقون للرئيس الحالي وعددًا من الشخصيات السياسية الرئيسة خارج كظلة حزب “مؤتمر مالاوي” الحاكم (مثل تعيين جويس تشيتسلو J. Chitsulo(من الحزب التقدمي الديمقراطي سابقًا) منصب نائبة وزير الحكم المحلي والوحدة والثقافة. كما كشف تكوين الحكومة عن عزم الرئيس القوي على تعزيز “الوحدة السياسية” في البلاد في الشهور المقبلة وصولًا لتعزيز التماسك القومي، مع إبراز التشكيل الحكومي الجديد قدرة الدولة على الحفاظ على توازن التمثيل القبلي والإقليمي والسياسي حتى خارج مظلة الحزب الحاكم([3]).
موزمبيق “ما بعد الانتخابات” والتداعيات في مالاوي
كلفت أعمال العنف التي شهدتها موزمبيق عقب رفض المعارضة الإقرار بفوز الرئيس الحالي لازروس شاكويرا Lazarus Chakwera خسائر بشرية فادحة وموجة لجوء جديدة في الإقليم توجهت في الغالب إلى مالاوي. ووصل عشرات الآلاف من موزمبيق إلى مالاوي منذ مطلع العام الجاري. وبالتزامن مع هذه الموجة بادرت لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان المالاوي (8 يناير الجاري) بدعوة الحكومة للإسراع في تسجيل الموزمبيقيين الذين يدخلون البلاد بسبب تصاعد الاضطراب السياسي في الأخيرة. مع ملاحظة تركز هذا التدفق في مقاطعات حدودية بين البلدين أهمها نسانجي Nsanji، ووديدزا Dedza، ومانجوتشي Mangochi، وتشيكاواوا Chikawawa، وماتشينجا Machinga التي وصل عدد اللاجئون إليها من موزمبيق مطلع العام الجاري أكثر من 13 ألف موزمبيقي. وتخشى السلطات في مالاوي من انتقال مخاطر أمنية إلى البلاد جراء هذه الموجة لاسيما أن المؤسسات الأمنية في مالاوي تتوقع دخول بعض الجنود المسلحين من موزمبيق إلى مالاوي ضمن تجمعات اللاجئين ([4]).
وقد تدفق آلاف الموزمبيقيون مع نهاية العام 2024 إلى مالاوي المجاورة فرارًا من العنف الذي تلا انتخابات أكتوبر الرئاسية في البلاد. وأظهرت الاحصاءات وقتها تدفق أكثر من 13 ألف موزمبيقي في الفترة نهاية أكتوبر- نهاية ديسمبر 2024 أغلبهم من النساء والأطفال، مع توقع السلطات المالاوية ارتفاع الأعداد في يناير الجاري. وكان العنف السياسي في موزمبيق قد تصاعد بعد تأكيد المجلس الدستوري فوز دانيل تشابو D. Chapo، المرشح الرئاسي عن حركة تحرير موزمبيق فريليمو Frelimo الحاكم، في انتخابات 9 أكتوبر، وهو التأكيد الذي رفضه منافسه ف. موندلين Vanancio Mondlane المرشح الرئاسي عن حزب بوديموس Podemos المعارض([5]). وفي الوقت نفسه بادرت إدارة اللاجئين في مالاوي ومفوض الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مالاوي تقييمًا مشتركًا لتحديد احتياجات الباحثين عن اللجوء في مالاوي([6]).
وتشهد مالاوي منذ منتصف العام الماضي أزمة غذائية حادة للغاية بسبب موجة جفاف ضربت محاصيلها الزراعية منذ مطلع 2024 وتوقعت هيئات دولية في منتصف العام نفسه تزايد حدة الأزمة نهاية 2024 ومطلع العام الجاري (2025). وقد أعلنت حكومة مالاوي في مارس 2024 حالة الكوارث في البلاد مع دخولها موسم الجفاف وتدني أعداد الماشية، وقدرت جهات حكومية أن محصول العام 2024 من الذرة سيصل إجمالًا إلى 2.9 مليون طن فقط مقارنة باستهلاك سنوي قدره 3.5 مليون طن (أي عجز نحو 600 ألف طن). وأعلن الرئيس تشاكويرا في 30 أبريل الفائت عن حاجة بلاده لمساعدات غذائية عاجلة بقيمة 447 مليون دولار لمواجهة تداعيات موسم الجفاف الحالي والمقبل. ويمثل هذا الوضع زعزعة كبيرة في استقرار مالاوي إلى جانب الاضطرابات السياسية المحتملة إذ يكلف الجوع فاقدًا أكبر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في مالاوي في الإنتاجية وتراجع الصحة وخسارات أيام المدارس([7]).
وتؤثر هذه الاضطرابات بقوة على مشاريع التكامل الاقتصادي بين مالاوي ودول جوارها ولاسيما مع موزمبيق؛ مع ملاحظة وجود مشكلات تمويلية قائمة بالأساس أمام مثل هذه المشاريع من قبيل ما أعلنه البنك الدولي منتصف العام الماضي عن سلسلة أخرى من تأجيلات “مشروع الترابط (الكهربائي) الإقليمي بين موزمبيق ومالاوي Mozambique-Malawi Regional Interconnector Project (Moma) بطول 218 كم لربط مصفوفة كهرباء مالاوي المنعزلة بالشبكة الجنوب أفريقية Southern African Power Pool (Sapp) وإضافة نحو 50 ميجا وات من منتج كهرباء محلي مستقل وهو Hidroeléctrica de Cahora Bassa([8]).
الأزمة في موزمبيق وانتقال الإرهاب إلى مالاوي؟
تمثل حركة اللاجئين من شمالي موزمبيق تهديدًا أمنيًا ضمنيًا لمالاوي بتمدد أنشطة الجماعات الإرهابية النشطة في موزمبيق. وكانت مالاوي قد شهدت في نهاية أبريل من العام الماضي الزيارة الأولى من نوعها للإدارة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن Security Council Counter-Terrorism Committee في إطار متابعة قرارات مجلس الأمن 1373 (2001)، و 2178 (2014)، و2396 (2017)، و 2617 (2021). واستهدفت الزيارة تقييم جهود مالاوي في مكافحة الإرهاب بما في ذلك التقدم المنجز والتحديات التي تواجه مالاوي وتشابكاته الإقليمية (في هذا المسار) وتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. كما شملت الزيارة مناقشات عن دور المرأة في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف الذي يؤدي إلى الإرهاب وحقوق الإنسان واللاجئين وجوانب القانون الإنساني لمواجهة الإرهاب. إضافة إلى ديناميات التعاون الإقليمي بين مالاوي وزامبيا على وجه التحديد في مجال مكافحة الإرهاب([9])؛ الأمر الذي سيشهد مراجعات مرتقبة بعد تدهور الأوضاع في شمالي موزمبيق.
وتقع مالاوي بين أنشطة جماعات مثل القوات الديمقراطية المتحالفة النشطة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجماعة أهل السنة والجماعة في موزمبيق؛ حيث أظهر عناصر هذه الجماعات قدرة كبيرة على الانتقال بين دول الإقليم مرورًا بمالاوي والقيام بهجمات إرهابية، وأنشطة تمويل الجماعات الإرهابية بمرونة كبيرة للغاية. وتؤثر أنشطة هذه الجماعات (التي يقدر عدد عناصرها بنحو ألفي عنصر مسلح نشط) حالة الأمن في مالاوي. ومن ثم قامت السلطات في السنوات الأخيرة بتصعيد مبادرات مكافحة الإرهاب وأطلقت في اكتوبر 2023 –على سبيل المثال- استراتيجيتها الوطنية لمكافحة الإرهاب. وجاءت المبادرة محصلة لجهود إقليمية لمواجهة الإرهاب ضمن جماعة التنمية الجنوب أفريقية “سادك”([10]).
ومع تقارير مختلفة بتسلل عناصر إرهابية من شمالي موزمبيق إلى مالاوي (منذ نهاية العام 2024) ضمن أفواج اللاجئين إلى الأخيرة فإن المخاوف الأممية والإقليمية من تمدد ظاهرة الإرهاب من بؤرتها في الإقليم في شمالي موزمبيق إلى مالاوي تظل جادة للغاية، كما أنه ثمة مخاوف من تحول مالاوي إلى جسر لتنقل أنشطة الجماعات الإرهابية في إقليم وسط أفريقيا ككل، وبين الإقليم وأفريقيا الجنوبية.
بأي حال فإن تشابك الاضطرابات السياسية الداخلية في مالاوي، على الأقل على المدى القريب، مع الاضطرابات العنيفة التي تضرب شمالي موزمبيق ويتوقع أن تمتد تداعياتها إلى مالاوي ، يمثل كل ذلك صعودًا مرتقبًا في العنف والتوتر السياسي في الإقليم بشكل عام حال عدم نجاح الحلول السياسية في مالاوي في تهدئة مخاوف المواطنين تجاه مستقبل نظام تشاكويرا رغم التغييرات الحكومية الأخيرة. وهو الأمر نفسه في حالة موزمبيق بعد التطورات السياسية الأخيرة التي تنذر بسقوط نظام حكم جبهة فريليمو.
الهوامش:
Mozambique Tensions rise as main opposition leader returns, DW, January 9, 2025 https://www.dw.com/en/mozambique-tensions-rise-as-main-opposition-leader-returns/a-71253026
Chakwera reshuffles cabinet following Chilima inquiry, Nyasa Times, January 1, 2025 https://www.nyasatimes.com/chakwera-reshuffles-cabinet-following-chilima-inquiry/
Chakwera Swears in New Cabinet, Anylsist Praise Its “Puposeful, goal-Oriented’ Composition, Nyasa Times, January 7, 2025 https://www.nyasatimes.com/chakwera-swears-in-new-cabinet-analysts-praise-its-purposeful-goal-oriented-composition/
More and More Mozambicans enetering Malawi, Parliament wants Govt to fast- track their registration, Nyasa Times, January 8, 2025 https://www.nyasatimes.com/more-and-more-mozambicans-entering-malawi-parliament-wants-govt-to-fast-track-their-registration
Over 13,000 Mozambicans flee to Malawi amid post-election violence, Voice of America, December 30, 2024 https://www.voanews.com/a/over-13-000-mozambicans-flee-to-malawi-amid-post-election-violence/7918832.html
Malawi faces a food crisis: why plans to avert hunger aren’t realistic and what can be done, The Conversation, June 2, 2024 https://theconversation.com/malawi-faces-a-food-crisis-why-plans-to-avert-hunger-arent-realistic-and-what-can-be-done-230588
Mozambique-Malawi Regional Interconnector Project delayed again, African Energy, July 8, 2024 https://www.africa-energy.com/news-centre/article/mozambique-malawi-regional-interconnector-project-delayed-again
Counter-Terrorism Committee conducts first visit to Malawi, United Nations, https://www.un.org/securitycouncil/ctc/news/counter-terrorism-committee-conducts-first-visit-malawi
UNODC Supports Malawi to Adopt First National Strategy to Counter Terrorism and Prevent Violent Extremism, UN, https://www.unodc.org/unodc/en/terrorism/latest-news/2023_unodc_unodc-supports-malawi-to-adopt-first-national-strategy-to-counter-terrorism-and-prevent-violent-extremism.html
[1] Mozambique: Tensions rise as main opposition leader returns, DW, January 9, 2025 https://www.dw.com/en/mozambique-tensions-rise-as-main-opposition-leader-returns/a-71253026
[2] Chakwera reshuffles cabinet following Chilima inquiry, Nyasa Times, January 1, 2025 https://www.nyasatimes.com/chakwera-reshuffles-cabinet-following-chilima-inquiry/
[3] Chakwera Swears in New Cabinet, Anylsist Praise Its “Puposeful, goal-Oriented’ Composition, Nyasa Times, January 7, 2025 https://www.nyasatimes.com/chakwera-swears-in-new-cabinet-analysts-praise-its-purposeful-goal-oriented-composition/
[4] More and More Mozambicans enetering Malawi, Parliament wants Govt to fast- track their registration, Nyasa Times, January 8, 2025 https://www.nyasatimes.com/more-and-more-mozambicans-entering-malawi-parliament-wants-govt-to-fast-track-their-registration/
[5] Over 13,000 Mozambicans flee to Malawi amid post-election violence, Voice of America, December 30, 2024 https://www.voanews.com/a/over-13-000-mozambicans-flee-to-malawi-amid-post-election-violence/7918832.html
[6] Ibid.