الجغرافية الاقتصاديةالسياسات العامةتقدير المواقفمنظمات المجتمع المدني

“لا انتخابات بدون اصلاحات” شعار يشعل فتيل أزمة سياسية في تنزانيا

مقدمة

تحلل هذه الدراسة الأزمة السياسية المتصاعدة في تنزانيا، والتي تُركز على حملة المعارضة “لا انتخابات بدون اصلاحات” (No Reforms No Elections)، وما تلاها من اعتقال زعيم المعارضة توندو ليسو بتهمة الخيانة. ويُمثل استبعاد حزب المعارضة الرئيسي (حزب الديمقراطية والتنمية) “تشاديما Chadema”، مؤخرًا من انتخابات أكتوبر 2025 لحظةً حاسمةً في مسيرة تنزانيا الديمقراطية. تتناول هذه الورقة السياق التاريخي، والتطورات الرئيسية، وردود الفعل الدولية، والسيناريوهات المستقبلية المحتملة للمشهد السياسي في تنزانيا. وتكشف الدراسة عن نمطٍ مُقلق من التراجع الديمقراطي رغم وعود الإصلاح الأولية، مع ما يُترتب على ذلك من آثارٍ كبيرة على شرعية الانتخابات المقبلة والاستقرار السياسي في البلاد.

السياق التاريخي والخلفية السياسية 

ارث ماجوفولي الصارم

لا يمكن فهم الأزمة السياسية الحالية في تنزانيا دون الاعتراف بالإرث الصارم أو الاستبدادي ان صح التعبير، للرئيس السابق جون ماجوفولي، الذي شغل منصب الرئاسة من عام 2015 حتى وفاته في عام 2021. في عهد ماجوفولي، تحولت تنزانيا من نظام حزبي معتدل حافظ بشكل عام على الحريات المدنية الأساسية إلى بيئة سياسية قمعية، حيث كانت أنشطة المعارضة مقيدة بشدة([1]). حظرت إدارته فعليًا أحزاب المعارضة، وتجاهلت سيادة القانون، وشرعنت العنف السياسي – وأبرزها محاولة الاغتيال التي وقعت عام 2017 والتي أسفرت عن إصابة زعيم المعارضة توندو ليسو بجروح بالغة بـ 16 رصاصة.  وقد سجلت القضية ضد مجهول.

شابت الانتخابات الرئاسية لعام 2020، التي فاز بها ماجوفولي بنسبة 84.5٪ من الأصوات، تهديدات بالعنف ضد شخصيات المعارضة، واستخدام القوة من قبل الشرطة ضد المتظاهرين المعارضين، واستبعاد مراقبي الانتخابات الدوليين والمحليين. وقد عززت هذه الاجراءات نمطًا من التلاعب بالانتخابات وقمع المعارضة لا يزال يؤثر على المشهد السياسي في تنزانيا.

الإصلاحات الأولية لسامية حسن وتعثرها لاحقا

بعد وفاة ماغوفولي في مارس 2021، تولت نائبة الرئيس سامية سولوهو حسن الرئاسة، مما أشعل في البداية الأمل في استعادة الديمقراطية. وأدخلت الرئيسة سامية عدة إصلاحات مهمة، منها استعادة الحقوق المدنية الأساسية من خلال رفع الحظر على وسائل الإعلام وتجمعات أحزاب المعارضة، وإطلاق سراح زعماء المعارضة المسجونين، وخلق بيئة أكثر انفتاحًا للحوار والمشاركة السياسية، واستبدال المتشددين الرئيسيين في حكومة ماجوفولي بما في ذلك رئيس المخابرات، والتعامل المباشر مع شخصيات المعارضة، ويتجلى ذلك في لقائها مع زعيم المعارضة توندو ليسو، الذي عاد من المنفى.

كانت هذه الإصلاحات المبكرة جزءًا من “أجندتها الرباعية” – المصالحة، والمرونة، والإصلاحات، وإعادة البناء – والتي أشارت إلى احتمال التخلي عن أساليب ماغوفولي القمعية. وفي يناير 2023، رفعت رسميًا حظر ماغوفولي على تجمعات أحزاب المعارضة، مما سمح للأحزاب السياسية باستئناف تنظيم الاجتماعات العامة([2]). وعلى الرغم من الوعود الأولية، تعثرت أجندة الإصلاح للرئيسة سامية بشكل كبير منذ أواخر عام 2023. وتشير العديد من التطورات المثيرة للقلق إلى تراجع الديمقراطية وتوجه نحو الممارسات الاستبدادية بما في ذلك تعيين حلفاء ماجوفولي المتشددين في مناصب رئيسية مثل دوتو بيتيكو نائبًا لرئيس الوزراء وبول ماكوندا رئيسًا للأيديولوجية والدعاية في حزب الثورة الحاكم (Chama cha mapinduzi CCM)، وتأجيل عملية تعديل الدستور التي طال انتظارها، واستئناف التكتيكات القمعية، بما في ذلك عمليات الاختطاف والترهيب لمنتقدي الحزب الحاكم، واعتقالات جماعية لأنصار المعارضة مثل احتجاز 500 من أنصار حزب تشاديما في أغسطس 2024. ويعكس تعثر عملية الإصلاح صراعًا داخليًا داخل حزب الثورة الحاكم بين المتشددين الموالين لنهج ماغوفولي ومؤيدي الإصلاحات الديمقراطية. وقد خلق هذا الصراع على السلطة بيئة من عدم اليقين والتناقض في الحكم.

حملة المعارضة “لا إصلاحات لا انتخابات

المطالب الرئيسية

تم إطلاق حملة “لا إصلاحات، لا انتخابات” لحزب تشاديما رسميًا في تجمع شعبي كبير في منقطقة “مبيا” في 23 مارس 2025. وكانت الحملة قد انبثقت من قرار أصدرته اللجنة المركزية للحزب في نهاية نوفمبر 2024، عقب انتخابات محلية متنازع عليها، أفادت التقارير أن حزب الثورة الحاكم فاز فيها بأكثر من 98% من المقاعد وسط مزاعم بالتزوير والمخالفات. وتتضمن المطالب الأساسية للحملة لإصلاح الانتخابات ما يلي:

  • إصلاح اللجنة الانتخابية بإزالة المعينين من قبل الرئيس وهم شخصيات موالية للحزب الحاكم
  • إنشاء نظام عادل للحملات الانتخابية
  • تنفيذ عملية تسجيل مناسبة للمرشحين لمنع الاستبعاد التعسفي
  • وضع إجراءات واضحة لوكلاء الأحزاب والمرشحين لأداء مهامهم دون عوائق
  • ضمان عدم تدخل قوات الأمن في العملية الانتخابية ([3])

وتنبع هذه المطالب من ادعاء حزب تشاديما بأنه من المستحيل إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل الدستور الحالي، الذي تم اعتماده في عام 1977 عندما كانت تنزانيا تحت حكم الحزب الواحد وقبل دخول نظام التعددية الحزبية. 

استجابة الحكومة …. والانقسامات الداخلية داخل حزب تشاديما

وصفت الحكومة التنزانية حملة “لا إصلاحات، لا انتخابات” بأنها تحرض الشعب للعصيان ضد إجراء انتخابات عامة. وبدلاً من التعامل مع جوهر مطالب المعارضة، ردت السلطات بإجراءات قمعية متزايدة تمثلت في استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق أنصار تشاديما، ومنع قادة الأحزاب من عقد المؤتمرات الصحفية، واعتقال شخصيات معارضة ومشاركتهم في أنشطة الحملة. كما تم توجيه اتهامات خطيرة، بما في ذلك الخيانة ضد زعماء المعارضة وقائدهم توندو ليسو وهي تهمة عقوبتها تصل الى الاعدام. ويؤكد موقف الحكومة، الذي تم التعبير عنه من خلال اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، على الالتزام الصارم باللوائح الانتخابية، بما في ذلك ضرورة توقيع جميع الأحزاب على مدونة قواعد السلوك الانتخابي للمشاركة في الانتخابات، وبالرغم من ذلك لم يوقع حزب تشاديما على المدونة مما يعني استبعاده من الانتخابات المقبلة. وقد كشفت حملة “لا إصلاحات لا انتخابات” عن انقسامات داخلية كبيرة داخل حزب تشاديما نفسه. ففي حين أيدت القيادة العليا للحزب بمن فيهم الرئيس توندو ليسو استراتيجية المقاطعة بقوة، يعارض فصيل يُعرف باسم مجموعة الـ 55 (يضم نوابًا سابقين وأعضاء في المجالس المحلية وقادة آخرين) هذا النهج ([4]). وتقول مجموعةG55 أن مقاطعة الانتخابات لها نتائج عسكية على الحزب ابرزها

  • مقاطعة الانتخابات ستحرم أعضاء حزب تشاديما من فرصة الترشح للانتخابات
  • إن الامتناع عن التصويت سيترك الحزب بدون تمثيل في هيئات صنع القرار الرئيسية
  • يمكن للحزب أن يواصل الدعوة إلى الإصلاحات الانتخابية أثناء مشاركته في الانتخابات
  • إن المقاطعة قد تضر بمصداقية الحزب وتؤدي إلى تنفير الأعضاء الرئيسيين.

وتسلط هذه الانقسامات الداخلية الضوء على المعضلة الاستراتيجية التي تواجه أحزاب المعارضة في الأنظمة ذات الميول الاستبدادية، وما إذا كان عليها المشاركة في عمليات معيبة للحفاظ على بعض النفوذ أو مقاطعة العملية بأسرها لإلغاء شرعيتها.

اعتقال توندو ليسو واتهامه بالخيانة

ظروف الاعتقال… تهمة الخيانة والتبعات القانونية

في 9 أبريل 2025، تم القبض على رئيس حزب تشاديما، توندو ليسو، بعد عقد تجمع سياسي في منطقة “روفوما” الجنوبية الغربية. وتم الاعتقال بسبب حملته الوطنية التي تطالب بإصلاح النظام الانتخابي تحت شعار “لا إصلاحات لا انتخابات”. استخدمت الشرطة القوة المفرطة أثناء الاعتقال، بما في ذلك إطلاق الغاز المسيل للدموع وإطلاق النار في الهواء لتفريق أنصاره. وتم نقل ليسو بعد ذلك إلى دار السلام للمثول أمام المحكمة. في 10 أبريل 2025، تم توجيه اتهام رسمي إلى “ليسو” بالخيانة، وهي جريمة يعاقب عليها بالإعدام في تنزانيا. ويعرّف قانون العقوبات الخيانة بأنها أفعال تهدف إلى الإطاحة بالحكومة بصورة غير قانونية أو التحريض على التمرد. وترتبط تهم الخيانة على وجه التحديد بتصريحات أدلى بها ليسو في 3 أبريل 2025، في مكاتب تشاديما في دار السلام، حيث يزعم المدعون أنه ألمح إلى استعداده لقيادة “تمرد” إذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر لتحقيق الإصلاحات التي كان الحزب يناضل من أجلها. بالإضافة إلى الخيانة، اتُهم ليسو أيضًا بنشر معلومات كاذبة ([5]) وتم تأجيل قضية خيانته إلى 24 أبريل 2025. ووصف محامي ليسو اتهامات الخيانة بأنها ذات دوافع سياسية، وتهدف إلى تحييد شخصية معارضة رئيسية قبل الانتخابات.

من المهم الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها ليسو للاضطهاد والمضايقات، فتاريخه حافل بالمواجهة مع الحكومة، فقد نجا من محاولة اغتيال في عام 2017 خلال رئاسة ماجوفولي، حيث أُطلق عليه 16 رصاصة، وتم اعتقاله ثماني مرات في عام 2017 وحده واتهامه بالتحريض. وعاش في المنفى لعدة سنوات قبل العودة إلى تنزانيا مع استلام الرئيسة سامية مقاليد الحكم.

ردود الفعل المحلية والدولية

على الصعيد المحلي، أدى اعتقال ليسو إلى تنشيط أنصار المعارضة، على الرغم من أن الحكومة حاولت قمع المظاهرات من خلال إجراءات الشرطة الحازمة، وقد أثار هذا الاعتقال إدانة واسعة النطاق على الصعيد الدولي، حيث أدانت جماعات حقوق الإنسان استخدام القوة واتهمت الحكومة باستخدام مؤسسات الدولة لإسكات المنتقدين، كما وصفت نقابة المحامين الاعتقال بأنه إساءة لاستخدام السلطة ودليل على عدم التسامح السياسي. ودعت منظمة العفو الدولية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن ليسو، ووصفت احتجازه بأنه تعسفي وجزء من حملة قمع متزايدة ضد زعماء المعارضة ([6]). وقد أدت التغطية الإعلامية الدولية إلى تضخيم هذه المخاوف، مما أدى إلى تحويل ما كان من المفترض أن يكون إجراءً قانونيًا محليًا إلى تحدٍ دبلوماسي كبير لتنزانيا. وتضمنت الاستجابة الدولية مناقشات حول العواقب الدبلوماسية المحتملة، بما في ذلك تعليق المساعدات أو فرض عقوبات مستهدفة، وهو ما قد يزيد من الضغط على الحكومة التنزانية.

استبعاد حزب تشاديما من انتخابات 2025

رفض حزب تشاديما التوقيع على قانون الانتخابات

في 12 أبريل 2025، استبعدت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في تنزانيا (INEC) رسميًا حزب تشاديما من المشاركة في الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في أكتوبر 2025 وجاء الاستبعاد بعد رفض حزب تشاديما التوقيع على قانون السلوك الانتخابي لعام 2025، وهو شرط إلزامي بموجب قانون الانتخابات. وبحسب رمضاني كاليما مدير الانتخابات في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فإن أي حزب سياسي يفشل في التوقيع على القانون سيتم استبعاده ليس فقط من الانتخابات العامة المقبلة ولكن أيضًا من أي انتخابات فرعية لاحقة خلال فترة خمس سنوات، مما يمنع حزب تشاديما فعليًا من المشاركة في الانتخابات حتى عام 2030. والإطار القانوني لهذا القرار متجذر في قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستشارية لعام 2024، والذي ينص على أن التوقيع على مدونة قواعد السلوك الانتخابي هو شرط أساسي لحزب سياسي لتقديم مرشحين في الانتخابات ([7]). واختار حزب تشاديما عمدًا عدم المشاركة في حفل توقيع مدونة قواعد السلوك الانتخابي الذي عُقد في 12 أبريل 2025 في دودوما. وأكد أمين عام الحزب جون منيكا المقاطعة عبر بيان على وسائل الاعلام، مشيرًا إلى أنه لن يحضر الاجتماع المتعلق بالمشاورات وتوقيع مدونة قواعد السلوك الانتخابي لعام 2025. وأوضح منيكا أن حزب تشاديما لم يتمكن من توقيع القانون بعد أن رفضت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الرد على مقترحاته. وكان الحزب قد راسل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في 29 ديسمبر 2024، موضحًا مقترحاته ومطالبه بإجراء إصلاحات انتخابية جوهرية، لكنه لم يتلقَّ أي رد. ويأتي رفض التوقيع متوافقا مع حملة “لا إصلاحات لا انتخابات” الأوسع التي يقودها حزب تشاديما، والتي تشترط المشاركة في الانتخابات بإجراء إصلاحات جوهرية في النظام الانتخابي.

إن استبعاد حزب تشاديما، حزب المعارضة الرئيسي في تنزانيا، له آثار كبيرة على الانتخابات المقبلة تتمثل في

  • انخفاض المنافسة السياسية، فمع استبعاد حزب المعارضة الرئيسي من المنافسة، يواجه حزب الثورة الحاكم منافسة أقل أهمية، مما قد يقوض الطابع الديمقراطي للانتخابات.
  • تساؤلات حول الشرعية، في ظل غياب حزب معارض رئيسي يثير تساؤلات جدية حول شرعية العملية الانتخابية وشموليتها.
  • بدون مشاركة حزب تشاديما، سوف يتم تشتيت أصوات المعارضة بين أحزاب أصغر حجما، مما يضعف بشكل أكبر احتمالات تشكيل جبهة معارضة موحدة وقوية ضد الحزب الحاكم.
  • إن الاستبعاد، الذي يأتي بعد وقت قصير من اعتقال زعيم حزب تشاديما بتهمة الخيانة، قد يضر بمصداقية تنزانيا الدولية وقد يدفع إلى زيادة التدقيق من قبل مراقبي الديمقراطية العالميين.
  • ويمثل هذا الاستبعاد تصعيداً كبيراً في الأزمة السياسية، إذ يزيل فعلياً التحدي المعارض الأكثر قابلية للتطبيق لهيمنة الحزب الحاكم قبل الانتخابات.

المناخ السياسي الحالي في تنزانيا.. عودة استراتيجية القمع وتآكل الاستقلال المؤسسي

رغم الإصلاحات المبكرة للرئيسة سامية، شهدت تنزانيا عودةً مقلقةً للأساليب القمعية التي تُذكّر بعهد ماغوفولي. وقد وثّقت منظمات حقوق الإنسان نمطًا من القمع الذي ترعاه الدولة ضد شخصيات المعارضة والمجتمع المدني ومنها الاختفاء القسري والتعذيب للنشطاء السياسيين قبل انتخابات 2024 و2025، والاعتقالات الجماعية، مثل احتجاز 500 من أنصار حزب تشاديما في أغسطس 2024، واختطاف ومقتل علي كيباو، أحد كبار أعضاء أمانة تشاديما، الذي عُثر عليه ميتًا وعليه حروق شديدة بالحمض وعلامات تعذيب. وكذلك حرمان المواطنين من عرقية الماساي (حوالي 100 ألف شخص) من حقهم في التصويت في منطقة “نجورونجورو” انتقامًا لمقاومتهم الإخلاء القسري. وقد أدت هذه الحوادث إلى قيام منظمة فريدوم هاوس بخفض تصنيف تنزانيا من “حرة جزئيًا” إلى “غير حرة” في تقريرها لعام 2025، مشيرة إلى الانتهاك المنهجي للحقوق السياسية والحريات المدنية ([8]). 

إن أحد المخاوف الرئيسية في المناخ السياسي الحالي في تنزانيا هو تآكل الاستقلال بين مؤسسات الدولة التي ينبغي أن تعمل كضابط وتوازن في النظام الديمقراطي فعلى الرغم من المحاولات التشريعية لإصلاح اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، إلا أن القوانين الجديدة لا تزال تحتفظ بالقرار النهائي بشأن تعيين المفوضين ومدير الانتخابات، للرئيس، مما يقوض الاستقلال الحقيقي. أما الجهات القضائية فهناك مخاوف جدية بشأن استقلال القضاء، وخاصة في التعامل مع القضايا الحساسة سياسيا مثل اتهامات الخيانة الموجهة إلى ليسو. وأيضا قوات الأمن بدلاً من الحفاظ على القانون والنظام بشكل محايد، تم نشر قوات الأمن لاستهداف أنشطة المعارضة بشكل انتقائي مع السماح لفعاليات الحزب الحاكم بالمضي قدمًا دون عوائق. واذا تحدثنا عن وسائل الإعلام الحكومية فهناك تغطية غير متناسبة مستمرة لصالح الحزب الحاكم، مع فشل وسائل الإعلام المملوكة للدولة في تقديم تقارير متوازنة بشأن المسائل السياسية. ويؤدي هذا التآكل في استقلال المؤسسات إلى إنشاء نظام تمارس فيه السلطة التنفيذية نفوذاً غير مبرر على هيئات من المفترض ان تكون مستقلة، مما يقوض السلطة الضرورية للحكم الديمقراطي.

يتأثر المناخ السياسي الحالي بشكل كبير بديناميكيات القوة الداخلية داخل حزب الثورة الحاكم. تواجه الرئيسة سامية ضغوطًا من عناصر متشددة متحالفة مع نهج ماجوفولي الاستبدادي، مما أدى إلى سياسات متضاربة بين أجندة إصلاح مترددة وأعمال قمع مستمرة ([9]). ويشير تعيين الموالين لماجوفولي في مناصب رئيسية إلى أن هؤلاء المتشددين لا يزالون يتمتعون بنفوذ كبير، مما قد يقيد قدرة الرئيسة سامية أو رغبتها في متابعة إصلاحات ديمقراطية أكثر جوهرية.

الآثار والسيناريوهات المستقبلية

السيناريو الأول وهو الارجح: عودة الحكم الاستبدادي

يتضمن السيناريو الأول مزيدًا من تعزيز الحكم الاستبدادي، والذي يتميز بما يلي:

  1. استمرار قمع أنشطة المعارضة وأصواتها
  2. فوز حزب CCM الحاكم في الانتخابات التي ستجرى في أكتوبر المقبل بأغلبية ساحقة وسط منافسة ضعيفة
  3. مزيد من تآكل المؤسسات الديمقراطية والحريات المدنية
  4. تداعيات دولية محدودة بسبب الاعتبارات الجيوسياسية أو الضغوط غير الفعالة

ويمثل هذا السيناريو عودةً إلى عهد ماجوفولي، مع تنامي نفوذ المتشددين في حزب الثورة في إدارة الرئيسة سامية. ويشير استبعاد حزب تشاديما وتهم الخيانة الموجهة إلى ليسو إلى تحرك في هذا الاتجاه.

السيناريو الثاني : الإصلاحات التفاوضية

ويتضمن السيناريو الثاني التوصل إلى تسوية تفاوضية بين الحكومة والمعارضة:

  1. الضغوط الدولية والمحلية تؤدي إلى الحوار بين الحكومة وأحزاب المعارضة
  2. يتم تنفيذ إصلاحات انتخابية محدودة ولكنها ذات معنى قبل أكتوبر
  3. يتم إلغاء استبعاد حزب تشاديما من الانتخابات، مما يسمح بإجراء انتخابات أكثر شمولاً
  4. الرئيسة سامية تؤكد من جديد على أجندتها الإصلاحية ضد العناصر المتشددة في الحزب الحاكم

ويتطلب هذا السيناريو إرادة سياسية قوية من الرئيسة سامية، واستعدادًا لتحمل ضغوط المتشددين في الحزب الحاكم. وسيكون التعاون الدبلوماسي الدولي حاسمًا في تسهيل هذه النتيجة.

السيناريو الثالث: تصاعد التوترات وعدم الاستقرار

ويتضمن السيناريو الثالث تصاعد التوترات السياسية وعدم الاستقرار:

  1. تصاعد مقاطعة المعارضة واحتجاجاتها ردًا على القمع
  2. تؤدي الاضطرابات المدنية المتزايدة إلى إجراءات قمع حكومية أكثر صرامة
  3. الإدانة الدولية والعقوبات المحتملة تزيد من عزلة تنزانيا
  4. تفاقم الاستقطاب بين الحكومة والمعارضة، مما يجعل المصالحة المستقبلية أكثر صعوبة .

وقد يؤدي هذا السيناريو إلى أزمة سياسية مطولة ذات عواقب سلبية على التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي في تنزانيا. ومن المرجح أن يستجيب المجتمع الدولي بضغط متزايد على الحكومة.

رؤية للمسار الموصى به للمضي قدمًا

ولمعالجة الأزمة الحالية والتقدم نحو مستقبل أكثر ديمقراطية، ينبغي على تنزانيا أن تنظر في التدابير التالية:

  1. الإصلاحات الانتخابية : تنفيذ إصلاحات انتخابية شاملة لضمان استقلال اللجنة الانتخابية، وعمليات تسجيل المرشحين العادلة، والوصول المتساوي إلى وسائل الإعلام والأماكن العامة لجميع الأحزاب السياسية. 
  2. المراجعة الدستورية : إعادة إطلاق وتسريع عملية المراجعة وتعديل الدستور التي طال انتظارها مع مدخلات ذات مغزى من أحزاب المعارضة والمجتمع المدني والجهات الأخرى .
  3. الاستقلال المؤسسي : تعزيز استقلال المؤسسات الرئيسية، بما في ذلك السلطة القضائية، والمفوضية الانتخابية، وقوات الأمن، وضمان عملها دون تدخل سياسي.
  4. الحوار السياسي : إنشاء آلية حوار رسمية بين الحكومة وأحزاب المعارضة لمعالجة المظالم وبناء توافق في الآراء بشأن العملية الانتخابية .
  5. إطلاق سراح السجناء السياسيين : كبادرة حسن نية، أطلاق سراح توندو ليسو وغيره من السجناء السياسيين المعتقلين بسبب أنشطتهم السياسية المشروعة. 

ومن شأن هذه التدابير أن تساعد في معالجة التوترات المباشرة والقضايا البنيوية الأطول أمداً في النظام السياسي في تنزانيا، مما قد يتجنب أزمة أعمق ويضع البلاد على المسار نحو حكم أكثر شمولاً وديمقراطية.

الخاتمة

تمر تنزانيا بمرحلة حرجة في تطورها الديمقراطي. وقد أدى تصعيد حملة المعارضة “لا إصلاحات لا انتخابات”، واعتقال توندو ليسو بتهمة الخيانة، وما تلاه من استبعاد حزب تشاديما من انتخابات أكتوبر 2025، إلى تفاقم التوترات السياسية في البلاد إلى مستوى مقلق.

لقد بعثت الإصلاحات الأولية التي أجرتها الرئيسة سامية سولوهو حسن بعد خلافتها ماغوفولي أملاً في نهضة ديمقراطية، إلا أن تعثر هذه الإصلاحات وعودة الأساليب القمعية يُنذران بمسارٍ مُقلق. وستكون الانتخابات المقبلة اختباراً حاسماً لالتزام تنزانيا بالمبادئ والعمليات الديمقراطية.

للمجتمع الدولي دورٌ هامٌّ في تشجيع الإصلاحات الديمقراطية وكبح الممارسات الاستبدادية. ومع ذلك، تقع المسؤولية الأساسية على عاتق القيادة السياسية في تنزانيا – الحكومة والمعارضة على حدٍّ سواء – لإيجاد مسارٍ نحو منافسة سياسية شاملة وشفافة وسلمية.

بدون إصلاحات جادة وحوار حقيقي، تُواجه تنزانيا خطر مزيد من عدم الاستقرار السياسي، والعزلة الدولية، وتآكل التقدم الديمقراطي المُحرز منذ استقلالها. ستُشكل القرارات المُتخذة في الأشهر المقبلة ليس فقط انتخابات أكتوبر 2025، بل أيضًا المشهد السياسي في تنزانيا لسنوات قادمة.


[1] Tanzania: A Battle for the New Normal of Tanzanian Politics, January 13, 2025. Access 12th apr.2025. Tanzania: A Battle for the New Normal of Tanzanian Politics 2025 Elections

[2]  Samia Suluhu Hassan’s hesitant reforms, 07 June 2024. Access 13th Apr. 2025. Samia Suluhu Hassan’s hesitant reforms | ISS Africa

[3]  CHADEMA Launches ‘No Reforms, No Election’ Campaign, Reaffirms Demand for Major Electoral Reforms, March 24, 2025. Access 13th Apr.2025. CHADEMA Launches ‘No Reforms, No Election’ Campaign, Reaffirms Demand for Major Electoral Reforms – The Chanzo

[4] Chadema divided as 55 cadres oppose ‘No Reforms, No Election’ position, April 04, 2025. Access 13th Apr. 2025. Chadema divided as 55 cadres oppose ‘No Reforms, No Election’ position | The Citizen

[5] Chadema’s Tundu Lissu charged with treason, publishing false information, April 11, 2025. Access 13th Apr.2025. Chadema’s Tundu Lissu charged with treason, publishing false information | The Citizen

[6] Tanzania: Stop repression of opposition leaders and immediately release Tundu Lissu, 11 April 2025. Access 13thApr.2025. Tanzania: Stop repression of opposition leaders and immediately release Tundu Lissu – Amnesty International

[7] Tanzania’s opposition party Chadema disqualified from 2025 election, April 12, 2025. Access 13th Apr.2025. Tanzania’s opposition party Chadema disqualified from 2025 election | The Citizen

[8] Tanzania: Freedom in the World 2025 Country Report | Freedom House access Access 13th Apr.2025

[9] Samia Suluhu Hassan’s hesitant reforms, 7 June 2024. Access 13th Apr. 2025. Samia Suluhu Hassan’s hesitant reforms | ISS Africa

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى