قطر في منطقة الساحل: أهداف ومرامي زيارات استراتيجية

تشهد الدبلوماسية القطرية تمدداً لافتاً، تجسَّد مؤخراً في جولةٍ رفيعة المستوى شملت عدة دول في منطقة الساحل ما بين 24 و27 فبراير 2025، شملت النيجر ومالي والسنغال. وهدفت البعثة القطرية، التي قادها وزير الدولة بوزارة الخارجية، سعادة الدكتور محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، إلى إبرام شراكات استراتيجية واستكشاف حلول للأزمات السياسية المضطربة التي تهز المنطقة. (¹)
تموقع استراتيجي في سياق جيوسياسي متحول
بعد سنوات من التواجد الخافت في إفريقيا جنوب الصحراء، تسرع الدوحة خطاها لتعويض تأخرها الجيوسياسي عبر مزيجٍ من القوة الناعمة المالية والوساطات السياسية واستثماراتٍ موجّهة. وتأتي هذه الزيارة في خضم تحوُّل جيوسياسي بمنطقة الساحل، مع الانسحاب التدريجي لفرنسا وصعود لاعبين جدد مثل روسيا وتركيا والصين. في هذا المشهد، تقدم قطر نفسها كشريكٍ عملي للأنظمة الحاكمة التي تسعى للشرعية الدولية ودعمٍ خالٍ من الشروط السياسية.
أهداف الدوحة: استراتيجية متعددة الأبعاد
- تعزيز الشراكات الاقتصادية: تطمح قطر لأن تصبح مُستثمرًا رئيسيًا في قطاعاتٍ هيكلية باقتصادات دول الساحل:
– في مالي: اتفاقية ذات رمزية عالية
وُقِّعت اتفاقية بقيمة 50 مليون دولار، عبر الصندوق القطري للتنمية، لدعم الخدمات الاجتماعية الأساسية (الصحة، التعليم، الأمن الغذائي). ويُعد هذا الدعم المالي المباشر، الذي يُقدر بنحو 31.257 مليار فرنك إفريقي، حيويّاً لباماكو التي تواجه تحديات مالية خانقة(²). كما ناقش الطرفان مشاريع بنيوية في مجالات الطاقة والمناجم والزراعة والبنى التحتية الجوية، ما يعكس سعياً قطرياً لترسيخ وجود طويل الأمد.
– في النيجر: مقاربة محسوبة
رغم عدم الإفصاح عن تفاصيل اللقاء، تُلمح المصادر إلى مشاريع في الريّ والتعليم وتحديث البنى التحتية اللوجستية، وهي تحديات جوهرية لدولة حبيسة. يأتي هذا في سياق تقاربٍ متسارع بين النيجر ودول الخليج منذ الانقلاب العسكري في 2023، حيث تسعى نيامي لتعويض العزولة الدولية عبر شراكاتٍ بديلة.
- . الوساطة السياسية: تستغل قطر صورتها كوسيطٍ محايد، بعيدًا عن الشروط الديمقراطية الغربية:
– ناقشت البعثة خلف الكواليس إمكانية الإفراج عن الرئيس النيجري المخلوع محمد بازوم، المُحتجز منذ يوليو 2023. وبعد فشل الوساطات الإقليمية، طرحت الدوحة حلاً تفاوضيّاً يتضمن منح بازوم حق اللجوء السياسي في قطر. وقد يسهم هذا الحل في تخفيف الضغوط على الجنرال تياني، رئيس المجلس العسكري، الذي يواجه انتقادات دولية حادة بسبب تعامله مع الرئيس السابق(³).
– نجاح هذه المبادرة سيعزز صورة الدوحة كوسيط نزيه، كما فعلت سابقًا في أفغانستان ولبنان.
قطر لاعب جديد على الساحة الإفريقية
لا تقتصر الدبلوماسية القطرية على تقديم المساعدات الاقتصادية. فبسمعتها كوسيط دولي معتمد، تسعى الدوحة للانخراط في التفاعلات السياسية الدقيقة بالساحل. وأكدت المشاركة الفاعلة للعناصر العسكرية في هذه الاجتماعات عزم قطر على لعب دور محوري في حل النزاعات عبر دعم الحوار بين الأطراف المتنازعة. وتُقدِّم نفسها كشريك محايد يرافق التحولات دون فرض شروطٍ متعلقة بالديمقراطية، وهو نهج يتوافق مع توجهات الأنظمة الحاكمة بالمنطقة.
آفاق التعاون: فرص وتحديات
تأتي هذه الحملة الدبلوماسية في وقتٍ تجذب فيه إفريقيا مستثمرين عالميين يسعون لاستغلال إمكاناتها. وبفضل سياستها غير التدخلية وتركيزها على التنمية البشرية، تُعزز قطر مكانتها كفاعلٍ رئيسي في تعاون جنوب-جنوب. ومن المتوقع الإعلان قريباً عن مشاريع تنموية جديدة تُعمق حضور الدوحة في القارة.
باختصار، وبعيدا عن السرديات الاختزالية، فإن منطقة الساحل وأفريقيا ككل تكتب صفحة متفائلة في تاريخها، مدفوعة بتحالفات متوازنة وأجندة تقدمية.
خلاصة
تُجسد جولة فبراير 2025 تحوُّل قطر إلى لاعبٍ محوري في إفريقيا، بجمعها بين البراغماتية الاقتصادية والدبلوماسية النشطة. فلدى المجالس العسكرية الحاكمة في الساحل، تُمثل الدوحة بديلاً جذاباً للشركاء التقليديين، عبر دعمٍ غير مشروط بمعايير سياسية. لكن هذه العلاقة التكافلية ليست بلا تعقيدات: إن نجحت قطر في تنفيذ وعودها (البنى التحتية، الاستقرار)، فقد تعيد تشكيل التوازنات الإقليمية. إلا أن نجاحها مرهون بقدرتها على المناورة منطقةٍ تتقلب تحالفاتها بتقلب أنظمتها.
مصادر
(¹) صحيفة العرب القطرية: رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن رئيس الدولة في جمهورية النيجر يستقبل وزير الدولة بوزارة الخارجية – 24 فبراير 2025
(²) جريدة الشرق: صندوق قطر للتنمية يوقع اتفاقية قرض ومنحة بقيمة 50 مليون دولار لدعم ميزانية جمهورية مالي – 27 فبراير 2025
(³) Jeune Afrique – 25 février 2025: Libération de Mohamed Bazoum: une délégation du Qatar à Niamey pour discuter avec le général Tiani