خلف ستار التعاون: تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الصومال والإمارات
مقدمة
في فبراير 2024، شهدت العاصمة الصومالية مقديشو حادثة أليمة تمثلت في استهداف جنود إماراتيين وضابط بحريني داخل معسكر “الجنرال غوردن” المخصص لتدريب القوات الصومالية. وقع الهجوم عندما أطلق عنصر من الجيش الصومالي النار بشكل مفاجئ، ما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود إماراتيين وضابط بحريني، بينما أصيب عدد آخر بجروح.
وتبنت حركة الشباب المتطرفة، المرتبطة بتنظيم القاعدة، المسؤولية عن الهجوم، في محاولة لتقويض أي جهود خارجية تدعم الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار. تأتي مشاركة الإمارات ضمن برنامج تعاون عسكري أُبرم بين الإمارات والصومال، يهدف إلى تقديم الدعم والتدريب للجيش الصومالي، وتطوير قدراته على مواجهة التحديات الأمنية.
ورغم أن هذا الدعم يحظى بترحيب رسمي من الحكومة الصومالية، إلا أنه يواجه اعتراضات من جهات مسلحة، وخاصة حركة الشباب التي تستهدف أي تواجد أجنبي في البلاد، معتبرةً إياه عائقاً أمام تحقيق أهدافها.
وأعربت وزارة الدفاع الإماراتية عن أسفها العميق لخسارة الجنود، مؤكدة التزامها بتقديم الدعم الضروري للحكومة الصومالية. وتزامن ذلك مع تنديد واسع من منظمات ودول عربية عدة، حيث قدم أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، تعازيه، وأكد البرلمان العربي دعمه لدولة الإمارات ومملكة البحرين في مواجهة الإرهاب.
وكان الهجوم الذي استهدف الجنود الإماراتيين والضابط البحريني في الصومال قد أثار اهتماماً دولياً واسعاً، حيث يعكس التحديات المستمرة التي تواجه القوات الأجنبية والمحلية في مواجهة الجماعات المسلحة المتطرفة.
وهذا الهجوم، الذي وقع في معسكر “الجنرال غوردن” بمقديشو، لم يكن فقط هجوماً تقليدياً من قبل حركة الشباب، بل يظهر استراتيجية جديدة تستهدف القوات الأجنبية الداعمة للحكومة الصومالية.
وبالتزامن مع استهداف الإمارات لزيادة الاستقرار في الصومال، تعتبر حركة الشباب وجود القوات الإماراتية عائقاً أمام تحقيق سيطرتها في المنطقة، حيث ترى أن أي دعم خارجي يُقوّي الحكومة الفيدرالية ويضعف موقفها العسكري والسياسي.
كما ان هجوم معسكر التدريب يظهر أيضاً تطوراً في تكتيكات حركة الشباب، التي باتت تلجأ إلى توظيف عناصر مدربة قد تكون متغلغلة في بعض أجهزة الدولة لتنفيذ عملياتها، كما في حالة الجندي الصومالي الذي أطلق النار.
فيما يخص الإمارات، فإن مشاركتها في تدريب القوات الصومالية ليست جديدة، لكنها تعرضت لانتقادات بسبب التنافسات الإقليمية حول النفوذ في الصومال، إذ تدخل الإمارات ضمن دول أخرى تسعى لتعزيز مكانتها في القرن الأفريقي، مثل تركيا وقطر.
ورغم أن التعاون العسكري الإماراتي الصومالي يأتي ضمن اتفاقيات رسمية، إلا أن هذا التواجد الأجنبي غالباً ما يشعل توترات داخلية بسبب تأييد بعض الجهات له ورفضه من قبل جماعات أخرى. وكان لهذا الحدث تداعيات دبلوماسية وسياسية، حيث توالت ردود الفعل العربية والدولية من خلال إدانة الهجوم، مع التأكيد على أهمية دعم الصومال في مواجهة الإرهاب.
وكان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قد بعث برسالة تعزية إلى الإمارات والبحرين، مشدداً على ضرورة التعاون لمحاربة التهديدات المتطرفة التي تستهدف استقرار البلاد. من جهتها، أكدت الإمارات أنها ستواصل تنسيقها مع الصومال للتحقيق في الحادثة، ما يشير إلى رغبتها في ضمان محاسبة الجهات المسؤولة ومنع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
والحقيقة ان الحادثة أظهرت أن الأمن في الصومال يظل هشاً رغم الجهود المبذولة من الأطراف المحلية والدولية. ويبدو أن هذا التحدي يستدعي مراجعة آليات التعاون الأمني في الصومال، وضمان حماية أكبر للمدربين العسكريين الأجانب والقوات المحلية من مثل هذه الهجمات المباغتة، فضلاً عن دراسة كيفية دمج هذه القوات في استراتيجية دفاعية شاملة.
وكانت التحقيقات الأولية في حادثة استهداف الجنود الإماراتيين والضابط البحريني في الصومال قد كشفت تفاصيل مهمة حول ملابسات الهجوم والعوامل المؤثرة فيه. فقد وقع الهجوم داخل معسكر “الجنرال غوردن” للتدريب في مقديشو، حيث أطلق عنصر من الجيش الصومالي النار على مجموعة من المدربين والمستشارين العسكريين الإماراتيين أثناء أداء مهامهم لتدريب الجيش الصومالي ضمن اتفاقية بين البلدين.
كما كانت التحقيقات التي أشرفت عليها وزارة الدفاع الإماراتية بالتنسيق مع السلطات الصومالية أوضحت أن منفذ الهجوم كان عنصراً تابعاً للجيش الصومالي، وتمكن من التغلغل في المعسكر دون إثارة الشكوك. وقد أكدت حركة الشباب المتطرفة مسؤوليتها عن الهجوم، وهو ما يشير إلى إمكانية أن يكون هذا العنصر متأثراً بإيديولوجيتها أو تحت تأثيرها.
وكل هذه التفاصيل تعكس مخاطر التحديات الأمنية في الصومال، حيث تتنامى ظاهرة اختراق الجماعات المتطرفة لأجهزة الدولة ومحاولتها استهداف الجهود الدولية والمحلية لدعم استقرار البلاد. من الناحية الأمنية، دفعت هذه الحادثة إلى مراجعة الإجراءات الأمنية والبروتوكولات المعتمدة لحماية القوات الأجنبية، خاصة مع تصاعد حدة العنف في الصومال نتيجة للأنشطة المتزايدة لحركة الشباب، والتي تسعى لتعزيز سيطرتها وتأثيرها من خلال استهداف الأجانب والمؤسسات الأمنية الداعمة للحكومة الصومالية.
كما أعادت هذه الحادثة النظر في برامج التدريب وآليات التحقق من خلفيات الأفراد المشاركين في العمليات الأمنية. وفيما يتعلق بالعلاقات بين الإمارات والصومال، شهدت العلاقة بين البلدين تقلبات على مدى السنوات الماضية، خاصة منذ اندلاع الأزمة الخليجية في عام 2017
وتعد العلاقات بين الدول مسألة معقدة تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية، ومن أبرز هذه العلاقات التي تشهد تطورات متسارعة هي العلاقة بين الصومال والإمارات العربية المتحدة. فعلى الرغم من مظاهر التعاون الاقتصادي والمساعدات الإنسانية التي تقدمها الإمارات للصومال، إلا أن هناك تساؤلات عديدة حول الأبعاد الحقيقية لهذه العلاقة ومدى تأثيرها على السيادة الوطنية الصومالية وعلى استقرار البلاد.
1. خلفية تاريخية
قبل أن نتناول مستقبل العلاقة بين الصومال والإمارات، يجدر بنا أن نفهم الخلفية التاريخية لهذه العلاقة.
فقد شهدت السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في التعاون بين الصومال والإمارات، خاصة بعد فترة من الصراعات الداخلية التي مرت بها الصومال. وقد استغلت الإمارات هذه الظروف لتوسيع نفوذها في المنطقة، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاقتصادية.
2. المساعدات الإنسانية: سيف ذو حدين
تعتبر المساعدات الإنسانية التي تقدمها الإمارات جزءاً من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في الصومال. فعلى الرغم من أن هذه المساعدات تأتي في شكل مساعدات غذائية وصحية، إلا أنها قد تحمل في طياتها أهدافاً سياسية. بالتالي يمكن أن تؤدي هذه المساعدات إلى تعزيز النفوذ الإماراتي على حساب السيادة الصومالية، مما يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية الصومال في اتخاذ قراراته السياسية.
3. الاستثمار العسكري: القلق من الأجندات الخفية
إحدى النقاط الأكثر إثارة للجدل في العلاقات بين الصومال والإمارات هي الاستثمارات العسكرية التي تقوم بها الإمارات في المنطقة. فقد تم الكشف عن وجود قواعد عسكرية إماراتية في الصومال، مما يزيد من القلق بشأن وجود أجندات خفية. هل تهدف الإمارات إلى تحقيق استقرار حقيقي في الصومال، أم أنها تسعى فقط إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة؟
4. تأثير العلاقات على السياسة الداخلية الصومالية
تتجاوز آثار العلاقة مع الإمارات الجوانب الاقتصادية إلى تأثيرها على السياسة الداخلية للصومال. فالكثير من المراقبين يشيرون إلى أن بعض القوى السياسية في الصومال قد أصبحت تتعامل مع الإمارات كحليف استراتيجي، مما يؤثر على توازن القوى السياسية الداخلية. وهذه الديناميات يمكن أن تؤدي إلى تفكيك الوحدة الوطنية، وزيادة التوترات بين الفصائل المختلفة.
5. النزاع حول مناطق النفوذ
تعتبر مناطق النفوذ جزءاً لا يتجزأ من العلاقات بين الدول. وفي حالة الصومال، يتنافس عدد من الدول، بما في ذلك الإمارات، للسيطرة على بعض المناطق الاستراتيجية.ويثير ذلك تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة الصومالية على حماية مصالحها الوطنية في وجه التنافس الإقليمي والدولي.
والسؤال هنا هو كيف يمكن للصومال أن يحافظ على سيادته في ظل هذه التحديات؟
6. الصومال: بين شراكة استراتيجية وإملاءات خارجية
على الرغم من أن التعاون مع الإمارات قد يوفر بعض الفوائد الاقتصادية للصومال، إلا أنه يجب النظر إلى هذه العلاقة بحذر. فيجب أن تكون الشراكة قائمة على مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.ومن هنا، يتوجب على الحكومة الصومالية أن تسعى إلى تعزيز قدراتها الوطنية وتقوية مؤسساتها لتجنب التبعية.
7. ردود الفعل الشعبية
يواجه التعاون مع الإمارات ردود فعل متباينة من قبل المجتمع الصومالي. فقد يعبر البعض عن تقديرهم للمساعدات التي تقدمها الإمارات، بينما يشعر آخرون بالقلق من التبعات السياسية والاقتصادية لهذه العلاقات.
وهنا يجب أن تأخذ الحكومة الصومالية هذه الآراء بعين الاعتبار وتعمل على إشراك المجتمع المدني في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشراكات الدولية.
8. مستقبل العلاقات بين الصومال والإمارات
يبقى المستقبل غير مؤكد، إذ يمكن أن تتأثر العلاقات بين الصومال والإمارات بعوامل عدة، منها التطورات السياسية الداخلية في الصومال، والتغيرات في السياسة الإقليمية والدولية. ويجب أن تكون الحكومة الصومالية مستعدة للتعامل مع هذه التحديات، والعمل على تعزيز سيادتها واستقلاليتها.
9. الحاجة إلى إستراتيجية وطنية
تتطلب العلاقات الدولية التي تسعى الدول إلى تحقيقها وجود رؤية استراتيجية وطنية واضحة. لذا، يجب على الصومال أن يعمل على تطوير استراتيجية شاملة تعزز من سيادته وتحافظ على مصالحه الوطنية.ويمكن أن تشمل هذه الاستراتيجية تعزيز القدرات العسكرية، وتنمية الاقتصاد الوطني، وتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى بشكل متوازن.
10 . دعوة للتفكير النقدي
إن العلاقة بين الصومال والإمارات ليست مجرد شراكة اقتصادية، بل هي علاقة تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية. ومن هنا، يجب على الصوماليين أن ينظروا بعين النقد إلى هذه العلاقة، وأن يكونوا حذرين من التبعات المحتملة.
لذا فانه فقط من خلال التفكير النقدي والتحليل العميق يمكن للصوماليين أن يحققوا مصالحهم الوطنية في عالم مليء بالتحديات. وتتطلب هذه العلاقات الجهد الجماعي من جميع أطياف المجتمع الصومالي لضمان تحقيق السيادة والاستقلالية، وعدم الانجرار وراء الإملاءات الخارجية.
إن المستقبل يعتمد على قدرة الصوماليين على التعامل مع التحديات التي تواجههم بروح من الوحدة والتعاون. وترتكز وجهة النظر المعارضة لدور الإمارات العربية المتحدة في الصومال على مجموعة من الأدوات التي يُقال إن حكومة أبوظبي تستخدمها لتعزيز نفوذها وتوسيع مصالحها في المنطقة، وذلك على حساب السيادة الوطنية الصومالية.
وفقًا لهذه الرؤية، فإن أدوات النفوذ الإماراتي تشمل الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية التي تمكّن الإمارات من تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
1. النفوذ السياسي والتلاعب بالقيادات المحلية
يرى النقاد أن الإمارات تتدخل في السياسات الداخلية للصومال من خلال دعم بعض الشخصيات السياسية والتنظيمات المعارضة. وغالبًا ما تُتهم الإمارات بمحاولة استغلال الانقسامات الداخلية وتعزيز النزاعات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، مما يعزز من عدم الاستقرار الداخلي.
ووفقًا لهذه الرؤية، فإن الإمارات تعمل على دعم الحكومات الإقليمية في مناطق مثل بونتلاند وأرض الصومال، مما يضعف من موقف الحكومة المركزية ويزيد من قوة الولايات الانفصالية، وبالتالي يحد من سيطرة الحكومة الفيدرالية على البلاد.
2. الاستثمار والسيطرة الاقتصادية
تشمل أدوات النفوذ الإماراتي استخدام الاستثمارات الضخمة والبنية التحتية، حيث تسعى الإمارات إلى السيطرة على الموانئ والمطارات الصومالية الاستراتيجية. وتتمثل أبرز استثمارات الإمارات في مشاريع إدارة الموانئ في مقديشو وبربرة من خلال شركة “موانئ دبي العالمية”.
ويؤكد المراقبون أن الإمارات تستغل هذه الاستثمارات للتأثير على الاقتصاد الصومالي بشكل يعزز نفوذها الإقليمي، إذ تتحكم في ممرات النقل البحري وتستخدم ذلك كورقة ضغط على الحكومة المركزية، خصوصًا في حال وجود خلافات سياسية بين الطرفين.
ومن وجهة نظر معارضة، أيضا يُعتبر وجود الشركات الإماراتية الكبيرة في الاقتصاد الصومالي بمثابة وسيلة للسيطرة والاستغلال، حيث يتم توجيه الموارد الاقتصادية لصالح هذه الشركات بدلًا من تحقيق التنمية الحقيقية للشعب الصومالي.
3. الدور العسكري ودعم الميليشيات
تعتبر التدخلات العسكرية والأمنية أحد أدوات النفوذ الإماراتي التي يثير حولها الكثير من الجدل. إذ تشير تقارير إلى أن الإمارات قامت بتدريب وتسليح قوات خاصة وجماعات مسلحة في الصومال كجزء من استراتيجيتها لمواجهة القوى المنافسة في المنطقة، مثل تركيا وقطر، التي لها تأثير متزايد في الشأن الصومالي.
ووفقًا لهذه الرؤية ، فإن الإمارات قد تدعم بعض الجماعات المسلحة لتحقيق مصالحها، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي وزيادة العنف. ومعنى هذا أن هذه السياسة تؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية وزيادة انعدام الاستقرار، حيث يتم استغلال الأراضي الصومالية كجزء من صراع النفوذ بين دول الخليج.
4. التأثير الإعلامي ونشر الدعاية
تعتمد الإمارات، على وسائل الإعلام لنشر أجندتها وتوجيه الرأي العام المحلي والإقليمي لصالحها. إذ تدعم الإمارات بعض القنوات والمنصات الإعلامية لنشر أخبار وتقارير تُظهرها كداعم للصومال وتُقلل من شأن أي جهود أخرى تعارض مصالحها.
ويعتبر النقاد أن هذه الوسائل تُستخدم لتشويه سمعة الحكومة الصومالية المركزية ووضعها في إطار ضعيف أو غير قادر على إدارة شؤون البلاد، في محاولة لتعزيز دور الإمارات كقوة فاعلة في المنطقة.
5. التحالفات الخارجية والإقليمية
تسعى الإمارات أيضًا، من وجهة نظر معادية، إلى تعزيز نفوذها في الصومال من خلال التحالفات الإقليمية والدولية. ومن خلال التنسيق مع دول أخرى، خاصة تلك التي لها أهداف مشابهة مثل السعودية، تستطيع الإمارات الضغط على الحكومة الصومالية وتوجيه مسار السياسة الخارجية للصومال.
وتشير بعض التقارير إلى أن الإمارات تدعم تعزيز الانقسام الداخلي وتعمل على استغلال كل فرصة لتقويض الاستقرار. ويجادل معارضو الوجود الإماراتي بأن أدوات النفوذ الإماراتي في الصومال تعتمد بشكل رئيسي على التدخل المباشر في السياسات الداخلية، واستغلال الانقسامات، والهيمنة الاقتصادية، ودعم القوات المحلية، والإعلام الموجه.
ويعتبرون أن هذه السياسات لا تخدم مصلحة الصومال بقدر ما تسعى لتحقيق أجندة إقليمية للإمارات، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وإطالة أمد الفوضى في البلاد. في حين يرى أصحاب النظرة المتفائلة أن العلاقات بين الصومال والإمارات تحمل فرصاً كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المستدامة في الصومال.
ويعتبرون أن الإمارات، بما تملكه من خبرات واسعة واستثمارات ناجحة في المنطقة، قادرة على دعم البنية التحتية للصومال، خاصةً في مجالات مثل الطاقة، والموانئ، والنقل، مما يسهم في توفير فرص عمل جديدة وتحسين الظروف المعيشية للسكان.
كما يُعتقد أن تعزيز التبادل التجاري بين البلدين يمكن أن يدفع النمو الاقتصادي ويشجع الاستثمار في القطاعات غير المستغلة، مثل الزراعة والصناعات التحويلية، وهو ما يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي العام في الصومال.
من جانب آخر، يعتقد المتفائلون أن دعم الإمارات يمكن أن يلعب دوراً مهماً في استقرار الصومال على المستوى السياسي والأمني، خاصةً مع توجيه الإمارات مساعدات إنسانية وبرامج تنموية تستهدف تعزيز السلام وبناء المؤسسات.
ويرون أن تحسين العلاقات مع الإمارات، وتبادل الزيارات الرسمية والمشاريع المشتركة، يمكن أن يسهم في بناء الثقة ودعم العملية السياسية في الصومال، وهو ما يعود بالنفع على استقرار المنطقة بشكل عام. واذا حاولنا استشراف سيناريوهات المستقبل للعلاقة بين الصومال والإمارات فهناك ما يثير العديد من التساؤلات حول مدى استدامة هذه العلاقة والاتجاهات التي قد تتخذها في ظل التعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تحيط بها.
وتتضمن السيناريوهات المحتملة علاقات مضطربة، وارتباطات قصيرة الأجل، واستغلال غير مستدام للموارد الصومالية.
1. سيناريو التصعيد والتوتر المتواصل
قد تؤدي التوترات السياسية والأمنية بين الصومال والإمارات إلى تصعيد جديد يؤثر سلباً على التعاون بين البلدين. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في التوترات بسبب تدخل الإمارات في الشؤون الداخلية الصومالية، خاصة من خلال دعمها للحكومات الإقليمية مثل بونتلاند وأرض الصومال، مما يضعف موقف الحكومة المركزية الصومالية.
وفي هذا السيناريو، من المتوقع أن تؤدي هذه التدخلات إلى مزيد من الانقسام الداخلي، وقد تتجه العلاقات نحو القطيعة أو إلى أشكال من المواجهة الدبلوماسية أو حتى الاقتصادية. وفي ظل التنافس الإقليمي، قد تلجأ الصومال إلى توثيق علاقاتها مع دول منافسة للإمارات مثل تركيا وقطر، ما يجعل احتمالية التقارب مع أبوظبي أقلّ، ويزيد من حدة الاستقطاب والتوتر في المشهد السياسي الصومالي.
ووفقاً لهذه الرؤية، فإن هذا السيناريو سيكون له تأثيرات سلبية على الاستقرار الإقليمي ويضعف من فرص التنمية الداخلية في الصومال.
2. سيناريو الاستمرار في علاقة هشّة غير مستقرة
في هذا السيناريو، قد تستمر العلاقات بين الصومال والإمارات ولكن بشكل هشّ وغير مستقر، حيث تظل مواقف الطرفين متباعدة حول عدة قضايا رئيسية. فمن جهة، قد ترغب الإمارات في الاحتفاظ بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة من خلال دعم المشاريع التجارية واللوجستية مثل إدارة الموانئ، بينما تحاول الصومال الحفاظ على سيادتها واستقلال قرارها الوطني.
وبالتاكيد فإن هذه العلاقة الهشّة ستظل عرضة للانهيار في أي لحظة، خاصة إذا تغيّرت الظروف الإقليمية أو الداخلية في أحد البلدين. وقد يؤدي استمرار هذه العلاقة الضعيفة إلى تذبذب في المشاريع والاستثمارات المشتركة، ما يعطل فرص النمو ويؤدي إلى خسائر متبادلة للطرفين على المدى البعيد.
3. سيناريو الاستغلال والاعتماد الاقتصادي غير المتوازن
تعتبر الإمارات من أهم المستثمرين في البنية التحتية للصومال، خاصة في مجال الموانئ والنقل البحري. ومن وجهة نظر المتشككين، قد تستمر الإمارات في استغلال هذه العلاقة لصالحها، مع التركيز على المشاريع التي تحقق لها السيطرة والنفوذ الاستراتيجي في المنطقة، بينما تظل المكاسب التي تحققها الصومال محدودة وغير مستدامة.
ويشير المتشككون إلى أن هذه السياسة الإماراتية قد تؤدي إلى تحول الصومال إلى سوق للاستهلاك غير المتوازن، مما يضعف من قدرتها على تحقيق نمو اقتصادي حقيقي ومستدام. ويرى أصحاب هذه النظرة المتشككة أن الإمارات ربما تستفيد من عدم الاستقرار الداخلي الصومالي، حيث تقوم بتقديم بعض المساعدات المالية والاقتصادية بشكل مشروط لضمان تأثيرها المستمر، مما يجعل الصومال عرضة للضغوط الاقتصادية.
وفي ظل هذا السيناريو، ستظل الصومال تعتمد على الدعم الاقتصادي الإماراتي بشكل غير متوازن، مما يؤدي إلى تراجع في سيادة القرار الاقتصادي المحلي.
4. سيناريو التحالفات المتغيرة والانقلاب على النفوذ الإماراتي
في ظل تصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بالصومال، قد تتغير خارطة التحالفات بشكل مفاجئ، حيث يمكن أن تتوجه الصومال إلى شراكات استراتيجية مع دول أخرى، ما يقلل من نفوذ الإمارات في المنطقة.فقد أثبتت الشراكة الصومالية مع دول كتركيا وقطر وجود بدائل للمساعدات والاستثمارات الإماراتية.
وإذا اختارت الصومال تعزيز هذه الشراكات البديلة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقليص تأثير الإمارات في المنطقة وربما فقدانها للعديد من مصالحها الاستراتيجية. وقد تؤدي التوترات المستمرة إلى عودة الصومال نحو تعزيز السياسات الوطنية والتركيز على شركاء بديلين، ما قد ينجم عنه تقليل دور الإمارات في المشهد السياسي والاقتصادي للصومال.
ووفقًا للكثيرفإن هذا السيناريو قد يكون الأكثر استدامة بالنسبة للصومال، لكنه سيواجه مقاومة من الإمارات التي قد تلجأ إلى وسائل ضغط مختلفة لمحاولة استعادة تأثيرها.
الخلاصة
بشكل عام، توضح السيناريوهات المختلفة للعلاقات بين الصومال والإمارات مدى هشاشة هذه العلاقة واحتواءها على عناصر غير مستقرة تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل مستدام لها. فمن خلال منظور متشكك، تظهر العلاقات بين البلدين كعلاقات مؤقتة وهشّة وغير متوازنة، تفتقر إلى أسس قوية ودائمة للتعاون.
وتواجه الصومال تحديات في تحقيق استقلالية حقيقية في علاقاتها الخارجية، في ظل النفوذ الإماراتي القائم على المصالح الاقتصادية والسياسية. في النهاية، قد يكون تحقيق الشراكة المتوازنة بين البلدين أمرًا صعبًا، خاصة إذا استمرت الإمارات في السعي لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب مصلحة الصومال.
المصادر
1. موقع العين الإخبارية: يتحدث عن العلاقات الإنسانية والتعاون بين الإمارات والصومال، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية تعاون عسكري وأمني بين الجانبين في يناير 2023.
https://al-ain.com/article/uae-somalia-cooperation-agreement
2. سبوتنيك عربي: يناقش أسباب توقيع الإمارات والصومال للاتفاقية العسكرية والأمنية في سياق التهديدات https://sarabic.ae/news/2023/1/5/uae-somalia-agreement
3. مركز الجزيرة للدراسات: يقدم تحليلًا حول التوترات الدبلوماسية بين الصومال والإمارات وآثارها، بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية والسياسية للعلاقات. https://studies.aljazeera.net/en/reports/2023/3/3/uae-somalia-relations
4. الصومال اليوم: يعرض آراء حول الدور الإماراتي في دعم الصومال وما يمكن أن تسفر عنه العلاقات الثنائية في المستقبل بعد التوترات السابقة. https://alsomalalyaum.com/uae-somalia-relationship
5. المركز الديمقراطي العربي: يستعرض تاريخ العلاقات بين الإمارات والصومال، بما في ذلك الجوانب الأمنية والاقتصادية. https://democraticac.de/?p=58168