حول مآلات المساعي البريطانية للاعتراف بصوماليلاند (إقليم أرض الصومال)
مع قيام وزير الخارجية البريطاني “ديفيد كاميرون” بعقد لقاء مع أحد كِبار أعضاء البرلمان البريطاني من حزب المحافظين لمناقشة إمكانية الاعتراف البريطاني الرسمي بإقليم أرض الصومال، وذلك في فبراير 2024 الماضي -في ظل تصاعد الأزمة في البحر الأحمر والتهديد الحوثي هناك- عقب فترة قليلة من تكرار إثيوبيا لخطة مماثلة مطلع العام الجاري 2024، والتي أثارت إدانة السلطات الصومالية، تبرز تساؤلات حول مدى احتمالية تحقق هذا الاعتراف، وما قد يترتب عليه من تداعيات حال إنفاذه، سواء على المستوى الإقليمي المحتدم بالفعل منذ توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال -التي من شأنها منح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى أحد موانئ أرض الصومال على البحر الأحمر وفي المقابل ستحصل أرض الصومال على الاعتراف بها كدولة مستقلة- أو على مستوى الفواعل الدولية التي يعنيها كثيرًا جُل التفاعلات بمنطقة ذات ثقل جيواستراتيجي كالقرن الأفريقي.
الباحثة: نِهاد محمود
عطفًا على ما سبق، يسعى المقال إلى التعرف على دلالات التحرك البريطاني وجديّة هذه المساعي الرامية للاعتراف بأرض الصومال، مع الوضع في الاعتبار متغيرات البيئتين الإقليمية والدولية، وتداعيات القرار المُحتمل، حال تحققه سواء على المستوى الإقليمي (لاسيما إثيوبيا وجمهورية الصومال الفيدرالية وغيرهما) أو على المستوى الدولي.
هل تُمَهِّد مُذكرة التفاهم للمهمة البريطانية للاعتراف بصوماليلاند؟
يرجح في هذا الشأن أن خطوة آبي أحمد تجاه الاعتراف بصوماليلاند عبر الاتفاق التاريخي بين البلدين (إثيوبيا- أرض الصومال) تمثل تمهيدًا حقيقيًا لغيرها من الدول الساعية لتوطيد علاقتها بالإقليم الانفصالي والاعتراف به، وعلى رأسها المملكة المتحدة، التي أعلنت بشكل أو آخر، أنها لن تعترف بصوماليلاند إلا في حال كانت الخطوة الأولى للاعتراف “أفريقية”، بما يعنيه أن الاتفاق بين آبي أحمد وموسى بيهي عبدي يُسهِّل كثيرًا مهمة المملكة المتحدة. وقد أكد ذلك اللورد جولدسميث عندما غرد قائلًا: “باعتباري وزير خارجية سابق في المملكة المتحدة، كان من الواضح لي دائمًا أننا سنعترف بسيادة أرض الصومال بمجرد الاعتراف رسميًا بها من قبل دولة (دول) أفريقية، وهذا يحدث الآن وآمل أن تحذو المملكة المتحدة حذوه”.
من جهة أخرى وتأكيدًا لما سبق، طالب رئيس الوزراء البريطاني الحالي “ريشي سوناك” خلال جلسة لمجلسيّ البرلمان البريطاني في 16 يناير من العام 2024، عقب حوالي أسبوعين من مذكرة التفاهم سالفة البيان، بضرورة التحرك من الحكومة البريطانية لبدء الاعتراف الرسمي بأرض الصومال كدولة حُرة وذات سيادة، لاسيما بعد عقد الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال. كما أكد على أن حكومته ستواصل الحوار مع كافة الأطراف المعنية لضمان ازدهار وأمن المنطقة.
ترحيب بريطاني بالاعتراف:
في هذا الإطار يقول السير “غافين ويليامسون” (مسئول حكومي بارز، وزير دفاع سابق في الحكومة البريطانية استقال في العام 2022، عضو برلمان المملكة المتحدة منذ عام 2010): “أرض الصومال دولة تفعل كل ما يعتقد الناس أنه يتوقع من دولة ديمقراطية حرة أن تفعله، ولكنها تطلب شيئًا في المقابل، وهو الاعتراف بها. لقد كان شعب أرض الصومال، على مدى عقود عديدة، على استعداد للنظر إلى بريطانيا كصديق. وفي الواقع، عندما كنا في أشد الحاجة إليهم خلال الحرب العالمية الثانية، انضموا إلينا (شعب أرض الصومال) في معركتنا ضد الفاشية. لقد قاتلوا جنبًا إلى جنب مع الجنود البريطانيين.” ويضيف مستكملًا: “عندما كنت في هرجيسا، قمت بزيارة مقبرة مقابر حرب الكومنولث، وخلال هذه الزيارة شاهدت أسماء بريطانية وكذلك أسماء سكان أرض الصومال. لقد أراقت دماء بلدينا من أجل تلك القيم والمصالح المشتركة. نحن الآن بحاجة إلى تكثيف جهودنا كأمة والقيام بشيء أكثر من مجرد التواجد هناك. لقد حان الوقت للاعتراف بأرض الصومال، إذا لم نغتنم هذه الفرصة فسيفعل الآخرون ذلك، وسنخسر حليفًا في بقعة استراتيجية للغاية تحمل نوايا حسنة تجاه المملكة المتحدة”. كما أعرب ديفيد كاميرون (وزير الخارجية البريطاني الحالي ورئيس الوزراء السابق) عن تعاطفه الكبير مع الاعتراف بأرض الصومال، قائلًا: “يجب أن يترجم ذلك الآن إلى شيء إيجابي”.
يعزز من موقف المملكة المتحدة للاهتمام بأرض الصومال، الاستهداف الحوثي لسفن الشحن المارة عبر خليج عدن ومضيق باب المندب، ما يدفع إلى مزيد من الأنظار إلى هذه المنطقة. كما تؤكد فواعل دولية عدة كالمملكة المتحدة (والولايات المتحدة والصين) عن قلقهم إزاء تفاقم الوضع بخليج عدن، الممر الحيوي للتجارة والملاحة البحرية العالمية.
تحرك مباشر وزيارة رسمية:
في ظل مساعي المملكة المتحدة للاعتراف؛ قام وفد من البرلمانيين والدبلوماسيين والصحفيين من المملكة المتحدة في أبريل الحالي من العام 2024، الذين يدافعون عن استقلال أرض الصومال، بزيارة إلى هذه الدولة غير المعترف بها. وكان في استقبالهما نائب وزير الخارجية والتعاون الدولي في صوماليلاند، “رودا جاما علمي”. ترأس “الوفد ألكسندر ستافورد” و”تيم لوتون” من البرلمان البريطاني. ورافق النائبان صحفيون دوليون وأعضاء آخرون في الحركة البريطانية للاعتراف بجمهورية أرض الصومال. ظل الفريق هناك لأيام، وخلال الزيارة تم عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في مختلف المؤسسات في البلاد؛ المسؤولين الحكوميين والمنظمات العامة. من أجل أن يتمكن البريطانيون من تقدير مدى صلابة وأحقية شعب أرض الصومال في تحقيق الاستقلال والاعتراف الدولي بهم. كما أنه بالتوازي مع زيارة كبار البريطانيين للمنطقة الانفصالية، ألغت لندن ديون الصومال ووعدت بالاستثمار في هذه الدولة الواقعة في القرن الأفريقي وتطوير اقتصادها.
من الهام التأكيد على أن الرغبة المتبادلة بين لندن وهرجيسا للاعتراف بالأخيرة لم تبرز خلال هذه الفترة فقط، فقد دعا رئيس أرض الصومال “أحمد محمد سيلانيو” في وقت سابق خلال عام 2016 بريطانيا إلى الاعتراف بإدارته وبلاده، وأشار إلى أن ذلك يصب ضمن مصالح بريطانيا التجارية في منطقة القرن الإفريقي. في هذا الإطار وصف “سيلانيو” انضمام أرض الصومال بعد حصولها على الاستقلال من بريطانيا إلى المستعمرة الإيطالية السابقة (الصومال) بأنه كان خطأ كبير أدى إلى تدمير أرض الصومال وقتل 50 ألف من سكانها على أيدي قوات النظام العسكري بقيادة الرئيس الراحل محمد سياد بري. وأشار إلى أن حصول أرض الصومال على الاستقلال قد يساهم في جهود بريطانيا والمجتمع الدولي في محاربة الإرهابيين والقراصنة في القرن الإفريقي.
جدير بالإشارة أن هذه التصريحات جاءت عقب تأكيد السفيرة البريطانية لدى الصومال آنذاك “هارييت ماثويس” بأن بلادها لن تتخذ خطوة أحادية الجانب للاعتراف بأرض الصومال، مشيرة إلى أن كلمة الفصل في تلك القضية للاتحاد الأفريقي. وهو لا يختلف كثيرًا عن التصريحات الأحدث المذكورة أعلاه، من ضرورة الاعتراف الأفريقي أولًا، قبل اتخاذ الجانب البريطاني أية خطوات رسمية في هذا الشأن.
الموقف الراهن تجاه الاعتراف بصوماليلاند:
لا تعترف أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو منظمة عالمية باستقلال أرض الصومال رسميًا حتى الآن. في الوقت نفسه، لا تدعم الولايات المتحدة، على عكس المملكة المتحدة، رغبة أرض الصومال في الاستقلال، كما يفعل جيران الصومال، باستثناء إثيوبيا. ومع ذلك، لا يزال لدى الإقليم علاقات دبلوماسية غير رسمية مع مختلف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. كما أنه يحافظ على علاقات مع الدول والأقاليم المهمشة الأخرى، كما يعترف جزئيًا بتايوان. علاوة على ذلك يمتلك العديد من الدول الأجنبية مكاتب تمثيلية في عاصمة أرض الصومال “هرجيسا”. ولديهم مكاتب اتصال في حوالي 20 دولة تمتد عبر خمس قارات.
أما على مستوى تصنيفات المنظمات الدولية؛ ففي العام الماضي صنفت مؤسسة فريدوم هاوس، التي تصدر تقييمًا سنويًا للحريات السياسية والحريات المدنية، أرض الصومال على أنها “حُرة جزئيًا” بحصولها على 44 نقطة من أصل 100. على صعيد آخر أعلنت أن الصومال الفيدرالية “غير حُرة” بحصولها على 8 من أصل 100 نقطة فقط.
في الأخير نرى أنه في حال أقدمت المملكة المتحدة على هذه الخطوة التاريخية وقامت بالاعتراف بإقليم أرض الصومال، رغم أن القرار سيُحدِث الكثير من التوترات أبرزها زعزعة الاستقرار والتأثير على وحدة وسلام الدولة في جمهورية الصومال الفيدرالية وإثارة الاضطرابات في منطقة القرن الأفريقي برمتها، بل وخارجها (وهو ما دفع إثيوبيا إلى الإشارة أنها قد تتراجع عن الاعتراف حال تزايدت الضغوط تجاهها وفقًا لمقال نشرته بلومبيرغ مارس الماضي)، إلا أنه بالتوازي مع ذلك، قد يفتح الاعتراف البريطاني الباب أمام بعض الدول التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع الإقليم الانفصالي للاعتراف بها، لكنها لا ترغب في أخذ زمام المبادرة في هذا الأمر، كالإمارات التي تمتلك استثمارات هناك (كتدشين شركة موانئ دبي بقيمة 101 مليون دولار في عام 2018)، وأيضًا إثيوبيا التي ترى في هذا الاعتراف البريطاني انفراجة لها، خاصة أنها لم تعلن عن اعترافها بصورة رسمية إلى الآن انتظارًا لتهيّئ الوضع إقليميًا ودوليًا، رغم نص مذكرة التفاهم المبرمة على الاعتراف الرسمي بهرجيسا مقابل الولوج للبحر الأحمر بمساحة تبلغ 20 كيلو مترًا تقريبًا من الأراضي الصومالية.
قائمة المراجع:
المراجع باللُغة العربيّة:
كمال أتاتورك، “ما ورا الكواليس اتفاقية التعاون الدفاعي بين تركيا والصومال؟”، الجزيرة، 25 فبراير، 2024، متاح على: https://rb.gy/f0q5nt، تم الاطلاع في 15 مايو 2024.
“الرئيس سيلانيو يدعو بريطانيا إلى الاعتراف بأرض الصومال”، موقع الصومال الجديد، 25 يونيو، 2016، متاح على: https://rb.gy/i8m48n ، تم الاطلاع في 15 مايو، 2024.
“وصل الوفد البريطاني الرسمي إلى أرض الصومال غير المعترف بها”، وكالة المعلومات (المبادرة الأفريقية)، 11 أبريل، 2024، متاح على: https://rb.gy/zb2udw، تم الاطلاع في 15 مايو، 2024.
“موانئ دبي العالمية تطلق مشروعا لتوسعة ميناء في أرض الصومال”، رويترز، 12 أكتوبر، 2018، متاح على: https://rb.gy/ktkios ، تم الاطلاع في 16 مايو 2024.
المراجع باللُغة الأجنبيّة:
Eliot Wilson, “Recognize Somaliland as an independent nation”, THE HILL, Feb 12, 2024, On: https://rb.gy/kzo2wv , accessed in May 16, 2024.
Nimco Ali, “Somaliland is my home country — Britain has a moral duty to recognise it”, The Standard, Jan 9, 2024, On: https://rb.gy/83qpzq, accessed in May 15, 2024.
Simon Marks and David Herbling, “Ethiopia Mulls Dropping Somaliland Recognition After Uproar”, Bloomberg, Mar 8, 2024, On: https://rb.gy/7tfpfy, accessed in May 16, 2024.
“UK FM Cameron attends discussion on formal recognition of Somaliland”, Somali Guardian, Feb3, 2024, On https://rb.gy/1bbrpj, accessed in May 15, 2024.
“UK to recognise Somaliland”, UK Somalian Alliance “official page”, X Platform, Jan 16, 2024, On: https://rb.gy/g1o5bb, accessed in May 16, 2024.
“UK Foreign Secretary Lord Cameron met with a senior Tory MP to discuss the formal recognition of a Somaliland as the Red Sea crisis escalates”, Horn Diplomat, Feb 4, 2024, On: https://rb.gy/asxqkd, accessed in May 16, 2024.