الأزمات الإقليميةالأزمات الاقتصادية والاجتماعيةالأمن القومي والدفاع العسكريالأمن والدفاعالاستخباراتالجغرافية الاقتصاديةالجغرافية السياسيةالسيادة والنزاعات الحدوديةسياسات الهجرة واللجوء

الحرب الإثيوبية الأرتيرية .. الاحتمالات والمآلات

مقدمة

التطورات الجارية على  الساحة الاثيوبية الإريترية تنبىء عن احتمالات انزلاق البلدين لتوتر قد يصل مرحلة الحرب، حيث حذّر مراقبون من أن اندلاع قتال بين الفصائل في شمال إثيوبيا، قد يدفع ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان إلى شفا حرب أهلية، ويُنذر بإعادة إشعال الصراع مع إريتريا المجاورة، حيث استولى فصيل منشق عن «جبهة تحرير شعب تيغراي»، الحزب الحاكم في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، على أجزاء من عاصمة الإقليم، ميكيلي، وسيطر على أديغرات، ثاني أكبر مدينة في الإقليم.

هذه الأحداث المتتالية في البلدين وصفها مسؤولون وخبراء بأنها بمثابة “انقلاب”، وأنها مؤشر واضح على أن الحرب بين إثيوبيا وإريتريا باتت على وشك الاندلاع، وأن الاستعدادات العسكرية بين الطرفين بلغت مراحلها النهائية. وفي الأثناء، حذّرت دول عدة، منها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، من تصاعد التوتر، مؤكدة ضرورة “عدم العودة إلى العنف”. ([1])

ستناقش هذه الورقة الصراع الإثيوبي الأريتري من حيث الجذور والسياقات، وهل هناك ثمة عوامل ومؤشرات يمكن الاعتماد عليها لترجيح فرضية اندلاع الحرب بين البلدين، مثل الأحداث في إقليم تيغراي وما سمته الورقة بـ(متلازمة الموانىء) التي تقض مضجع إثيوبيا منذ عقود، وكيف تنظر كل من إثيوبيا وأريتريا لسيناريوهات الحرب حال إندلاعها، ومن ثم تلخص الورقة في ختامها السيناريوهات المحتملة للحرب وما يمكن أن تسفر عنه من أثر على البلدين والمنطقة.

الصراع الإثيوبي الأريتري .. الجذور والسياقات

ظلت العلاقات الإثيوبية في حالة جمود منذ إنفصال إرتريا عن إثيوبيا في 1992م، لكن في عام 2018، وقع رئيس الوزراء الصاعد إلى الحكم حينها آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي اتفاق سلام أنهى القطيعة بين البلدين، ولكن هذا الإتفاق كانت عليه مآخذ رئيسية منها أنه كان شخصيا بين الزعيمين، دون مشاركة من أحد من أصحاب المصلحة في البلدين، وكانت هناك مآخذ رئيسية على هذا الإتفاق، منها أنه لم يتم الإفصاح عن القضايا التي تم الاتفاق عليها، ولم يتم الحديث عن الأجندة الرئيسية المتسببة في النزاع أصلاً ووضع حلول جذرية لها، مثل ترسيم الحدود، واستخدام الموانئ، والقضايا المتعلقة بالتجارة، وغيرها، مما جعله اتفاقا ملغوما. ([2])

في الثاني من نوفمبر 2022، وقعت الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي اتفاقية سلام في بريتوريا بجنوب أفريقيا، برعاية الاتحاد الأفريقي لتنهي بذلك حربا استمرت عامين في الإقليم، وتمددت ألسنتها لأقاليم أخرى في إثيوبيا مثل إقليم أمهرة والأورومو واقتربت من العاصمة أديس أبابا، وقد أسفرت تلك الاتفاقية عن تراجع العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا إلى حالة الجمود مجددا، واعتبرت أسمرا هذه الاتفاقية طعنة في ظهرها، من قبل حليف الأمس في الحرب على جبهة تحرير تيغراي، وعبرت عن قلقها في ذلك، حيث كان الإريتريين يتوقعون أن يكونوا شركاء مع الإثيوبيين في إنهاء الحرب التي بدؤوها معا.

وعلى الأرض ذكرت مصادر إعلامية أن حكومتي إثيوبيا وإريتريا قد حركتا قواتهما في الحدود المشتركة بين البلدين، ونشرت مواقع إخبارية إثيوبية مقاطع فيديو تظهر حشوداً عسكرية إثيوبية تتجه إلى المناطق الحدودية مع إريتريا، تشمل دبابات ومضادات طيران إضافة إلى عربات تحمل وحدات من الجيش الإثيوبي، وذلك استعداداً لحرب محتملة في أعقاب إطلاق البلدين حملات إعلامية معادية.

وذكرت إذاعة “صوت أميركا” الناطقة باللغة التغرينية، أن الحكومة الإريترية أصدرت تعليمات النفير العام في أوساط الجيش ومنتسبي الخدمة العسكرية. ونقلت الإذاعة عن شهود عيان تحركاً كبيراً للآليات العسكرية الإريترية نحو الحدود المشتركة للبلدين، فيما شوهدت طائرات الاستطلاع في منطقة زالمبسا الحدودية.

نائب رئيس حكومة إقليم تيغراي اللواء صادقان قبري تنساي، حذر من أن الحرب بين إثيوبيا وإريتريا باتت على وشك الاندلاع، مؤكداً أن الاستعدادات العسكرية بلغت مراحل متقدمة، وأشار تنساي الذي سبق أن شغل منصب قائد أركان الجيش الإثيوبي، إلى أن الحرب في حال اندلاعها قد تمتد إلى دول الجوار، ولن تبقى جغرافية الدول كما نعرفها الآن، بل ستشهد منطقة القرن الأفريقي بأكملها، وما وراءها، إعادة تنظيم سياسية كبرى في منطقة البحر الأحمر ككل، وذلك في إشارة إلى إمكانية احتلال إثيوبيا لمؤانى إرترية، مشيرا إلى أن قادة إقليم تيغراي يسعون جاهدين لتجنيب البلاد ويلات الحرب وتعزيز السلام، لكن الخيارات المتاحة تضيق بسرعة، مما يجعل النزاع المسلح احتمالاً قائماً. ([3])

وأتهم تنساي الحكومة الإريترية بانتهاج سياسة توسعية عدوانية، تسعى إريتريا  من خلالها للإعداد لحرب تهدف إلى إنهاء ما اعتبره الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إحباطًا لمخططاته بعد اتفاقية بريتوريا، مشيرًا إلى أن أسمرا تسعى لاستغلال الدول المجاورة، وخاصة إثيوبيا والسودان، لتعزيز نفوذها الإقليمي. 

ورأى تنساي أن الانقسامات الداخلية داخل إقليم تيغراي قد تعقد المشهد السياسي، حيث تسعى بعض قيادات جبهة تحرير تيغراي للتحالف مع أسياس أفورقي لحماية مصالحها، رغم إدراكها للمخاطر التي قد تترتب على ذلك، واصفا إقليم تيغراي بأنه العقبة الرئيسية أمام طموحات الرئيس الإريتري.

ودعا تنساي إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي والحكومة الإثيوبية لمنع اندلاع الحرب، محذرا من أن أي صراع جديد بين إثيوبيا وإريتريا قد يؤدي إلى “تغييرات جغرافية وسياسية كبرى في القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر”، في ظل انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط، وقال:” العلاقات بين أديس أبابا وأسمرا شهدت تدهورًا كبيرًا منذ توقيع اتفاقية بريتوريا للسلام، مما يزيد من احتمالية اندلاع مواجهات عسكرية واسعة النطاق، والتنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا يظل الخيار الأفضل لتلافي سيناريو الحرب. ([4])

مؤشرات الحرب

هناك عدد من العوامل والمؤشرات التي ترجح فرضية اندلاع الحرب بين البلدين الجارين، منها:

  • الأحداث في تيغراي:

بداية الأحداث في تيغراي كانت بايقاف رئيس الإدارة المؤقتة لإقليم تيغراي، (غيتاشيو رضا) لثلاثة من كبار القادة العسكريين في جبهة تحرير تيغراي هم اللواء يوهانس وولدجورجس، واللواء ماشو بييني واللواء ميجبي هايلي، والذي اتهمتهم الإدارة بالانخراط في أنشطة “تبتعد عن قرارات الحكومة”، وحذرت من أن أفعالهم قد “تجر المنطقة إلى صراع داخلي”، وقال رئيس الإدارة المؤقتة لإقليم تيغراي أنه يعتزم الكشف عن أدلة تُثبت تعاون بعض قيادات الجبهة  الشعبية لتحرير تيغراي مع النظام الإريتري.

وتزايدت المخاطر في أعقاب اندلاع اشتباكات جديدة في إقليم تيغراي الإثيوبي، مما أثار مخاوف من حدوث أزمة إنسانية أخرى. وقد تصاعدت التوترات بعد أن اتهم معارضون تيغيرنيون، استولوا مؤخرًا على مدينة أديغرات، الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بخيانتهم. في المقابل، اتهمت الإدارة المؤقتة في تيغراي هؤلاء المعارضين بالتعاون مع إريتريا، مما زاد من تعقيد الوضع المتأزم. ([5])

وتواصل تفاعل الأحداث بقرار آخر لرئيس الإدارة المؤقتة لإقليم تيغراي المعين من قبل الحكومة المركزية غيتاشيو رضا، بإقالة رئيس مكتب السلام والأمن في الإقليم، اللواء فسها كيدانو، عقب رفضه قرار إيقاف القادة الثلاثة، حيث قال كيدانو أن القرار “لا يتبع الإجراءات المؤسسية والقانون”، وقد تم اتخاذه لأن “الإجراءات العملية ضد المجرمين قد بدأت”. كما أدانت الجبهة تحرير الشعبية لتحرير  تيغراي قرار إيقاف الضبط الثلاثة ووصفته بأنه “غير قانوني”، وحذرت من أن “مؤامرة تفكيك جيش تيغراي تصاعدت إلى مستوى عال وخطير”.([6])

غير أن رئيس الإدارة المؤقتة لإقليم تيغراي أكد التقدم الإقليمي للفصيل المنافس من جبهة تحرير شعب تيغراي، الذي سيطر على أديجرات ومطار العاصمة ميكيلي، وأطلق نداءاً إلى أديس أبابا قال فيه:” يجب على الحكومة الفيدرالية أن تفهم أن أولئك الذين يتصرفون باسم قوات الأمن هم عملاء لزمرة متخلفة وإجرامية لا تمثل الشعب أو الإدارة المؤقتة في تيغراي ولا تقدم الدعم اللازم”. وندد الرئيس الإقليمي بالهجوم ووصفه بأنه “قرار غير مدروس من قبل مجموعة من ضباط الجيش لأخذ القانون بأيديهم وتفكيك هياكل الدولة في جميع أنحاء تيغراي”. وقال رضا إن “هذه الأعمال الإجرامية هي جزء من خطة مجنونة لتنصيب فصيل غير شرعي من جبهة تحرير شعب تيغراي في السلطة، وهي خطوة تتعارض تماما مع تطلعات شعب تيغراي واتفاقية بريتوريا للسلام. ([7])

وقد اتهم المسؤولون العسكريون الموقوفون عن العمل، إلى جانب رئيسهم المباشر، بمحاولة انقلاب داخلي على الإدارة المؤقتة، وتصاعدت التوترات عندما سيطرت مجموعة من المسلحين على مكتب رئيس مدينة عدي غرات، وسلمته إلى راداي قبري أقزابهير، رئيس البلدية المعين من قبل فصيل دبرصيون قبري ميكائيل رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، حيث أعرب عدد من  كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في إقليم تيغراي مؤخرا، عن ولائهم لفصيل دبرصيون قبري ميكائيل من خلال بيان رسمي  قبل فترة تناقلته وسائل الإعلام في إقليم تيغراي والدولة الإثيوبية.

ويأتي التصعيد بين فصيل دبرصيون والذي يتهم بمولاته لمجموعات من خارج المنطقة، وفصيل قيتاجو رضا والذي يتهم بمولاتهم للحكومة الفيدرالية التي يقودها حزب الأزدهار الحاكم في إثيوبيا، مما يشكل تهديدا كبيرا لتعطيل إتفاق بريتوريا للسلام الموقع بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الإثيوبية في فبراير 2022 بجنوب إفريقيا . 

  • متلازمة الموانىء

التمظهر الحديث للحرب المتوقعة بين إثيوبيا وأرتيريا بدأ بتصريح لرئيس أركان الجيش الإثيوبي المشير برهانو جولا أن بلاده تعمل على استعادة موانئها التاريخية، حتى تعود كقوة ضاربة في استراتيجيات البحر الأحمر، وذلك في إشارة إلى سعي إثيوبيا لاستعادة الموانئ الإريترية التي فقدتها في عام 1993 بعد إعلان استقلال إريتريا، إثر استفتاء شعبي رعته الأمم المتحدة. وهذا التصريح لجولا يتسق مع استراتيجية رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، التي أعلنها أمام البرلمان الإثيوبي عام 2023 حول أحقية إثيوبيا للمطالبة بمنفذ بحري سيادي، معتبراً أن “حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ملس زيناوي ارتكبت خطأ تاريخياً باعترافها باستقلال إريتريا”، مشيراً إلى أن ذلك أفقد بلاده “ميزات استراتيجية”.

يمكن لسيناريو الحرب أن يعزز المساعي الإثيوبية لاحتلال موانئ إريترية على البحر الأحمر، خاصة ميناء عصب، ومن ثم التفاوض حول الأحقية التاريخية لإثيوبيا في موانىء على البحر، حيث ترجو إثيوبيا من الحرب تحقيق عدة أهداف، خاصة وأن جهات إثيوبية كثيرة ترى أن المطالب الإثيوبية المتعلقة بالمنافذ البحرية أضحت تكتسب تفهماً دولياً كبيراً، فضلاً عن أن أديس أبابا ظلت تقود جهوداً دبلوماسية وقانونية على المستوى الدولي من أجل الوصول الآمن للبحر. كما يبدو من قرائن الأحوال أن إثيوبيا قد تكون أعدت استراتيجية واضحة للمعركة خاصة أنها طورت من قدراتها العسكرية بإنتاج مسيرات قتالية محلية الصنع، إضافة إلى إبرامها صفقات سلاح خلال العامين الماضيين، وبالتالي ربما تتوقع تنفيذ خطة معركة خاطفة بأقل تكلفة ممكنة.

اثيوبيا والرؤية تجاه الحرب

الخلافات السياسية بين أسمرة وأديس أبابا ظهرت على السطح منذ توقيع اتفاقية “بريتوريا” للسلام بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا و”جبهة تحرير تيغراي”، الذي ترى فيه أسمرا أنه أحبط خطتها الهادفة للقضاء كلياً على “جبهة تيغراي”، بجانب أن أديس أبابا لم تلتزم بتعهداتها بالاتفاقات العسكرية، خاصة المتعلقة بتعويض خسائر الجيش الإريتري، حيث دعمت أسمرا الحرب بعتاد عسكري كبير كلفها حوالى 160 مليون دولار بجانب الخسائر البشرية.

كما تتهم أديس أبابا أسمرا بدعم لجماعات إثيوبية مسلحة خاصة في إقليم أمهرا، فضلاً عن استيلائها على معدات عسكرية ثقيلة كانت على متن ثلاث سفن شحن أذرية في طريقها إلى ميناء جيبوتي قالت أريتريا أن تلك السفن دخلت المياه الإريترية في البحر الأحمر، إلا أنها وعوضا عن التفاوض حول موجبات ذلك الاختراق الذي جاء نتيجة سوء الأحوال الجوية، قررت تحويلها إلى مخازن السلاح التابعة للجيش الإريتري، واعتقال طاقم تلك السفن، مما أدى إلى تصعيد خطير للعلاقات بين البلدين.

على الصعيد الداخلي مهدت إثيوبيا لموضوع الحرب بحملات إعلامية مكثفة خلال العامين الماضيين حول الحصول على المنافذ البحرية، وضمان الحصول على تأييد شعبي كبير للموضوع، مما يعزز من القدرة القتالية والروح المعنوية للجيش الإثيوبي المنهك من الحروب الداخلية المتوالية، حيث باتت مسألة المنافذ البحرية موضع إجماع وطني واسع في الداخل الإثيوبي، كما أن الدخول في حرب خارجية قد يعزز من اللحمة الوطنية، ويسهم في تسكين الأزمات الداخلية ولو بشكل مؤقت، حيث يعتقد القادة الإثيوبيين أن امتلاك ميناء على البحر الأحمر سيسهم في توحيد الشعب الإثيوبي حولهم، ولذلك لا يبالون بالمخاطر الناتجة من انتهاك سيادة الدول المجاورة والاعتداء عليها واحتلال أراضيها.

ومن ثم فإن التحركات الإثيوبية تجاه الحرب تهدف إما إلى دفع إريتريا وإجبارها على التفاوض بشأن ميناء عصب أو غيره، أو التدخل العسكري المباشر لاحتلالها وضمّها إلى السيادة الإثيوبية ومن ثم التفاوض حول الأحقية التاريخية لإثيوبيا بامتلاكه، 

وهناك من يرى أن اندلاع حرب  إثيوبية مع إريتريا قد يمهد لإطلاق الشرارة الأولى للحرب في إقليم تيغراي، فقد يسعى قادة “جبهة تحرير شعب تيغراي” للإطاحة بحكومة الإقليم المؤقتة الموالية لآبي أحمد، مما  قد يدفع الأخير إلى إرسال جيشه لحماية الموالين له هناك، وفي المقابل، قد تتحالف “جبهة تيغراي” مع النظام الإريتري وبعض فصائل المعارضة المسلحة في إقليمي أمهرة وأوروميا ومناطق أخرى، مما قد يؤدي إلى إشعال الحرب داخل إثيوبيا وإرباك الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. ([8])

غير أن هناك من يرى أن التحركات الإثيوبية في هذه المرحلة تهدف إلى إعادة بناء التوازنات الإقليمية والمحلية من خلال الإيحاء بإمكانية قيام حرب مع أسمرا، وأن أديس أبابا ليست في وضع يؤهلها لخوض حرب جديدة بخاصة في ظل الوضع الدولي والإقليمي الرافض للحروب، وحالة الانهاك التي يعاني منها الجيش الإثيوبي من الحروب الداخلية بخاصة في إقليمي أمهرة وأروميا، ومن ثم لا يتمتع باللياقة الكافية لخوض حرب خارجية، فضلاً عن التحديات المالية والاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا بعد توقف المساعدات الأميركية الموجهة لها، وانهيار سعر العملة المحلية.

أريتريا والرؤية تجاه الحرب

ترى القيادة الأريترية ممثلة في وزير الإعلام الإريتري يماني قبرى مسقل إن هناك هوساً بالحرب يجتاح بعض الدوائر السياسية في إثيوبيا، واصفاً التصريحات الصادرة من مسؤولين إثيوبيين حول الحرب بأنها “حالة غريبة حقاً”، مؤكداً أن هذا المسعى لن يؤدي إلا إلى زعزعة استقرار المنطقة ككل”، وحذر الوزير الإريتري عن مغبة الانجرار لتلك الدعوات.

وقال يماني في تدوينة على منصة “إكس”: “نشهد يومياً تقريباً تصاعداً في التشويه والمراجعات للتاريخ القديم والوسطي والحديث للمنطقة، والرفض الصارخ للأحكام ذات الصلة بالقانون الدولي، وإعادة التدوير غير المسؤول للدعاية التحريضية”، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في إطار التبرير للحرب بغرض تحقيق أهداف غير قانونية لامتلاك موانئ وأراض سيادية. 

كما نفى يماني مزاعم بقاء جنود نشطين من بلاده داخل الحدود الإثيوبية في تيغراي، وقال إن أي حرب أخرى بين إريتريا وإثيوبيا ستكون «عبثية»، لكنه أضاف أن هذه الاتهامات قد تكون ذريعة لإثيوبيا لإطلاق هجمات ومحاولة استعادة السيطرة على موانىء إريترية مثل مصوع وعصب، اللذين فقدتهما عندما نالت إريتريا استقلالها عام 1992 بعد حرب تحرير استمرت 30 عاماً. وقال: ” إن التهديد المستمر بالحرب شديد للغاية لدرجة لا يمكن تجاهله باعتباره مجرد موقف، وإذا تدخلت القوات الفيدرالية الإثيوبية في تيغراي نيابة عن قوات رضا، فقد يؤدي ذلك إلى جر إريتريا إلى حرب إقليمية”.

كما رفض وزير الخارجية الإريتري، عثمان صالح، الاتهامات التي أشارت إلى استعداد إريتريا لدخول صراع جديد مع إثيوبيا، مؤكدا أن وراء هذه الاتهامات أهدافا سياسية ترمي إلى تحميل أسمرا مسؤولية الأزمات الداخلية الإثيوبية، وقال أن قوات بلاده إعادت انتشارها على الحدود المعترف بها دوليا بين البلدين فور انتهاء النزاع في نوفمبر 2022، والادعاء بأن القوات الإريترية لا تزال في الأراضي الإثيوبية هو محض افتراء، يروج له أفراد من جبهة تحرير شعب تيغراي، الذين يرفضون قرار لجنة الحدود الإريترية الإثيوبية الذي تم التوصل إليه عبر آلية قانونية دولية ووافق عليه الطرفان بشكل نهائي.

وفيما يخص الاتفاقية الموقعة في بريتوريا بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي، أكد صالح أن إريتريا لا تعتبر نفسها طرفا فيها ولا ترغب في التدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا، مشيرا إلى أن تصريحات ربط إريتريا بهذه الاتفاقية هي مجرد افتراءات، وأكد أن إريتريا ترفض أي محاولة لتوريطها في النزاع الإثيوبي الداخلي.

وعن الطموحات الإثيوبية للحصول على منفذ إلى البحر، عبّر صالح عن استغرابه من استمرار إثيوبيا في السعي لتحقيق هذه الطموحات التي وصفها بأنها “قديمة وغير واقعية”، وأن إريتريا ترفض أي محاولة لزعزعة الوضع الراهن أو المساس بسيادتها على أراضيها، داعيا المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على إثيوبيا لوقف هذه الطموحات التي تضر بالأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. ([9])

ويسود رأى عام في الداخل الأريتري أن السياسة الإثيوبية تاريخياً درجت على إثارة الحروب الخارجية لتسكين الأزمات والاستحقاقات الداخلية للشعب الإثيوبي، وإطالة عمر النظام الذي يحكم أديس أبابا وذلك منذ نشوء الدولة الإثيوبية الحديثة، حيث تتهم النخب الإثيوبية الحاكمة بأنها تسعى للتوسع على حساب الدول والشعوب المجاورة، وظلت مصدراً رئيساً للتوترات وعدم الاستقرار الداخلي والإقليمي لمئات السنين. ومن ثم من غير المستبعد أن تلجأ أديس أبابا إلى إشعال حرب جديدة مع إريتريا، بخاصة في ضوء التصريحات الصادرة من آبي أحمد وقائد الجيش وآخرين، عن عزمهم الاستيلاء على موانئ إريترية على البحر الأحمر .

الحرب الإثيوبية الاريترية .. السيناريوهات المحتملة

  • السيناريو الأول : تجدد الحرب بين إثيوبيا وأريتريا والتهاب المنطقة مجددا، وتمكن إثيوبيا من هزيمة أرتريا واحتلال موانىء على البحر الأحمر، وهو سيناريو صعب التحقيق، ولو تحقق لن يستمر طويلا لحيثيات عديدة .
  • السيناريو الثاني: اندلاع الحرب وصمود أسمرا وتمكنها من إلحاق الهزيمة بالجيش الإثيوبي، وهو ما يعني احتمال الإطاحة برئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد وإعادة تشكيل الدولة الإثيوبية أو حتى انهيارها كلياً وتفككها إلى دويلات عدة، وقد تجد الحركات المسلحة في الأقاليم الإثيوبية فرصتها لتوسيع نطاق نفوذها وربما الإعلان عن الانفصال عن إثيوبيا، مستندةً إلى المادة 39 من الدستور الإثيوبي، التي تسمح بممارسة طحق تقرير المصير حتى الانفصال”.
  • السيناريو الثالث: أن تكون نذر الحرب الماثلة حاليا هي مجرد فرقعة إعلامية لجلب الاهتمامين الدولي والداخلي، وتقليص حجم التدخلات الإريترية في الشؤون الإثيوبية، خاصة الإسهام الإريتري في الأزمات السياسية التي يشهدها إقليم تيغراي بين فصيلي “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”. 

المراجع:

  1.  مكي معمري، القتال في إثيوبيا يُنذر بالعودة إلى حرب أهلية وإقليمية، الامارات اليوم، 19 مارس 2025، الرابط:  https://www.emaratalyoum.com/politics/weekly-supplements/world-press/2025-03-19-1.1929632
  2. محمد صالح عمر، إثيوبيا وإريتريا من خندق التحالف إلى ساحة الخصومة، الجزيرة نت، 7/3/2025م، الرابط: https://shorturl.at/YgO9F . 
  3. صراع «تيغراي» الإثيوبي يهدد بـ«حرب إقليمية» في القرن الأفريقي، العين الإخبارية، 2025/3/14 ، الرابط: https://al-ain.com/article/ethiopia-conflict-new-development
  4. نور الدين، إريتريا وإثيوبيا تقتربان من حرب شاملة، موقع الدفاع العربي، 16/3/2025، الرابط:  https://shorturl.at/Z4dNb
  5. اتهام عدد من قيادات جبهة تيغراي بالتعاون مع إريتريا، قراءات إفريقية، 19 مارس2025، الرابط: https://shorturl.at/ddQ04 
  6. أجينزيا نوفا، إثيوبيا.. قوات تيغراي تتقدم والإدارة تدعو إلى تحرك دبلوماسي، نوفا نيوز، 13 مارس2025، الرابط: https://www.agenzianova.com/ar/news/etiopia-avanzata-delle-forze-del-tigre-lamministrazione-chiede-unazione-diplomatica-e-chiama-addis-abeba/  
  7. محمود أبو بكر، نذر حرب جديدة بين إريتريا وإثيوبيا… السيناريوهات المحتملة، إندبندنت عربية،  13 مارس 2025 ، الرابط:  https://shorturl.at/DdzDt . 
  8.  إريتريا تنفي الاتهامات بالتورط في النزاع الإثيوبي وتحذر من طموحات أديس أبابا، الجزيرة نت، 19/3/2025، الرابط: https://shorturl.at/vqIKs 
  9. مكي معمري، القتال في إثيوبيا يُنذر بالعودة إلى حرب أهلية وإقليمية، الامارات اليوم، 19 مارس 2025، الرابط:  https://www.emaratalyoum.com/politics/weekly-supplements/world-press/2025-03-19-1.1929632 
  10. محمد صالح عمر، إثيوبيا وإريتريا من خندق التحالف إلى ساحة الخصومة، الجزيرة نت، 7/3/2025م، الرابط: https://shorturl.at/YgO9F . 
  11. صراع «تيغراي» الإثيوبي يهدد بـ«حرب إقليمية» في القرن الأفريقي، العين الإخبارية، 2025/3/14 ، الرابط: https://al-ain.com/article/ethiopia-conflict-new-development
  12. المرجع السابق. 
  13. () نور الدين، إريتريا وإثيوبيا تقتربان من حرب شاملة، موقع الدفاع العربي، 16/3/2025، الرابط:  https://shorturl.at/Z4dNb
  14. اتهام عدد من قيادات جبهة تيغراي بالتعاون مع إريتريا، قراءات إفريقية، 19 مارس2025، الرابط: https://shorturl.at/ddQ04
  15. أجينزيا نوفا، إثيوبيا.. قوات تيغراي تتقدم والإدارة تدعو إلى تحرك دبلوماسي، نوفا نيوز، 13 مارس2025، الرابط:https://www.agenzianova.com/ar/news/etiopia-avanzata-delle-forze-del-tigre-lamministrazione-chiede-unazione-diplomatica-e-chiama-addis-abeba/  
  16. محمود أبو بكر، نذر حرب جديدة بين إريتريا وإثيوبيا… السيناريوهات المحتملة، إندبندنت عربية،  13 مارس 2025 ، الرابط:  https://shorturl.at/DdzDt . 
  17. إريتريا تنفي الاتهامات بالتورط في النزاع الإثيوبي وتحذر من طموحات أديس أبابا، الجزيرة نت، 19/3/2025، الرابط: https://shorturl.at/vqIKs  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى