الأمنالإرهابالاستخباراتالحركات المسلحةتقدير المواقفصنع السلام

تهديد نجامينا:  كيف يُمكِن قراءة الهجوم على قصر الرئاسة في تشاد؟

لا تزال العاصمة التشادية “نجامينا” تعيش أجواء من التوترات بعد ما أعلن المدعي العام في البلاد إن هجومًا غير ناجحًا على القصر الرئاسي في العاصمة ليل الخميس 9 يناير 2025 نفذته مجموعة من نحو عشرين مسلحًا “ذوي نوايا سيئة” تمكنت قوات الأمن من تحييدهم، لكن تفاصيل الحادث لا تزال غير واضحة. كما سُمِعَ دوي إطلاق نار قرب مكتب الرئيس في العاصمة نجامينا مساء الأربعاء 8 يناير 2025 بينما أغلق الجيش الشوارع المحيطة. وقالت الحكومة في وقت لاحق إنها أحبطت المحاولة المستهدفة زعزعة استقرار البلاد وإن الوضع تحت السيطرة.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن المهاجمين ينتمون إلى جماعة بوكو حرام التي تقاتلها قوات الأمن التشادية في منطقة بحيرة تشاد (غرب) المتاخمة لكل من الكاميرون ونيجيريا والنيجر. وقال المدعي العام في بيان إن التحقيقات بدأت لتحديد جميع المحرضين والمتواطئين. وفي مقابلة سابقة على التلفزيون الوطني، قال المتحدث باسم الحكومة عبد الرحمن كلام الله إن المهاجمين، الذين بدوا في حالة سُكر وغير منظمين، كانوا مسلحين فقط بالسكاكين والسواطير.

جاء الهجوم بعد ساعات من لقاء وزير الخارجية الصيني وانج يي بمسؤولين حكوميين في إنجامينا خلال زيارة للبلاد، وبعد أسبوع من الانتخابات البرلمانية التي قاطعها حزب المعارضة الرئيسي Les Transformateurs. كما يأتي هذا الهجوم في وقت حساس لتشاد بعد طرد البلاد لمئات الجنود الفرنسيين في نهاية ٢٠٢٤. حيث كانت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة والحليف الوثيق، تدير قواعد عسكرية في البلاد منذ عقود.

سياق داخلي محتدم:

تتصاعد هذه الأحداث في وقت تعاني فيه، الدولة غير الساحلية بوسط أفريقيا، من حالة من عدم الاستقرار منذ فترة طويلة في صورة حركات تمرد وجماعات مسلحة وانقلابات ومقاطعة أحزاب المعارضة للانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل. ويشير الخبراء إلى إن الوضع في تشاد يعتمد حاكمه للحفاظ على السلطة على قمع التمردات من خلال توزيع الوظائف على المتمردين السابقين وأعضاء المعارضة السياسية؛ حيث تُنفِق تشاد الكثير من ميزانيتها على المحسوبية لضمان بقاء الحكومة.

وجدير بالذكر أن ديبي الابن، وهو جنرال عسكري، قد استولى على السلطة في أبريل 2021 بعد أن قتل المتمردون والده الرئيس الراحل إدريس ديبي إتنو، في ساحة المعركة. وقبل وفاته، حكم ديبي الأب تشاد بقبضة من حديد لمدة 30 عامًا. ورغم أن الحكومة العسكرية وعدت بإجراء الانتخابات وأوفت بها، فقد اتسمت فترة حكم ديبي الابن بالاضطرابات، الذي يحاول استمالة الدعم الشعبي في البلاد؛ حيث يعتقد الكثيرون أنه استولى على السلطة بشكل غير دستوري. وفي مايو 2024، فاز ديبي الابن في انتخابات متنازع عليها ليصبح رئيسًا للبلاد، الغنية بموارد النفط والتي تعد في الوقت ذاته واحدة من أفقر البلدان في إفريقيا. حيث ينظر المراقبين لحكمه باعتباره لم يفعل أكثر من تمديد حكم سلالة ديبي. أما بخصوص قرار حكومته بطرد القوات الفرنسية فيصفه البعض بأنه وسيلة لكسب الدعم وسط مشاعر معادية لفرنسا على نطاق واسع في المستعمرات السابقة في غرب ووسط أفريقيا. 

محاولة للانقلاب وتعتيم متعمد؟

يقول المتخصصون إن التقارير التي تحدثت عن حدوث انقلاب على الحكم من خلال هذا الهجوم قد تكون ذات مصداقية، وأن هجمات الأربعاء والخميس قد تكون “عملًا داخليًا” بهدف “اغتيال الرئيس ديبي” والاستيلاء على السلطة. وبشكل عام فإن الانقلابات ليست نادرة في تشاد. فقد استولى الراحل ديبي على السلطة بخلع الدكتاتور حسين حبري.

من جهة أخرى يلاحظ المتتبع لتصريحات الحكومة التشادية حرصها على التقليل من خطورة وحجم الهجوم على القصر الرئاسي، وهو ما اتضح في تصريح وزير الخارجية التشادي أن المهاجمين كانوا مسلحين بالسكاكين وليس البنادق، كما إنهم كانوا في حالة سُكر. وحتى بتصديق رواية الحكومة بأنهم مسلحين هاجموا القصر بشكل عشوائي للتقليل من أهمية التهديد، فذلك يحمل في طياته دلالات غير مطمئنة على الحالة الأمنية المحيطة بالقصر والمناطق الاستراتيجية بالبلاد. وهو أمر ينظر له بشكل مكثف عقب إنهاء البلاد في نوفمبر ٢٠٢٤ لاتفاقية التعاون الدفاعي مع فرنسا، التي كانت تستضيف آخر القواعد العسكرية الفرنسية في المنطقة، وهي الخطوة التي قال وزير الخارجية إنها ستسمح لتشاد “بتأكيد سيادتها الكاملة”. وكان نحو ألف عسكري فرنسي متمركزين في القاعدة العسكرية الفرنسية، التي استخدمتها فرنسا لتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للجيش التشادي بالإضافة إلى المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية.

من ناحية أخرى تقول مصادر أمنية وباحثون إنه لا يزال هناك الكثير من الارتباك المحيط بالحادث، مما أثار تكهنات بأنه قد يكون مرتبطًا بجماعات جهادية (بوكو حرام) أو توترات عرقية أو استياء من تداعيات الحرب في السودان المجاور. وقال مصدر أمني في نجامينا “من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات بشأن ما حدث بالضبط”. وقال وزير الخارجية كلام الله إنه “ربما ليس” عملاً إرهابيًا.

هجوم أول من نوعه وتعامل سريع:

يُشَكِّل هذا الهجوم الأول من نوعه الذي تنفذه بوكو حرام على القصر الرئاسي في تشاد، بل أن هذا الأمر هو الأول من نوعه في جميع دول الساحل، حيث لم يسبق لهذا التنظيم الإرهابي -حال ثبوت أنه من اضطلع بالهجوم- أن يتمكن من شن هجوم على القصور الرئاسية والأماكن الحساسة بالعواصم، واقتصرت عملياتها السابقة على الثكنات والقواعد العسكرية والمجموعات الجائلة في المناطق البعيدة عن المدن. وتكمن خطورة الهجوم في أنه تم أثناء تواجد الرئيس التشادي محمد ديبي داخل القصر، ما يعني أن المهاجمين حصلوا على معلومات دقيقة عن تحركاته، وأن الأمر ليس مجرد مهاجمين عشوائيين كانوا في حالة سُكر كما أكدت الحكومة التشادية في تصريحاتها لتهدئة الأمر. كما أنهم حاولوا مباغتة الحراس بمهاجمتهم بداية بالسكاكين والسيوف، لمنع أي إطلاق نار قد يثير انتباه بقية الحراس. ونجحوا بالفعل في دخول القصر الرئاسي وتجاوز بوابته الرئيسية، لكن سرعان ما أثار تواجدهم انتباه بقية الحراس فهاجموهم، وبعد اشتباكات دامت نصف ساعة تم القضاء على المهاجمين واعتقال البقية، ونشر الحرس الرئاسي دبابات لإغلاق المداخل المؤدية إلى القصر الرئاسي.

في السياق تضيف الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية “إنريكا بيكو” إن القوة والسرعة التي تم بها تحييد المهاجمين تشير إلى أن الرئاسة في تشاد كانت بالفعل في حالة تأهب، وأن التوترات مرتفعة للغاية في القصر الرئاسي. خاصة أن ديبي يعرف أن لديه الكثير من الأعداء الذين يريدون استبداله أو تغيير الطريقة التي تتعامل بها تشاد مع الأزمات المختلفة.

خاتمة:

في الأخير يخشى المراقبون للوضع في تشاد أن يكون هذا الهجوم بداية لهجمات أخرى، ولاسيما أن المناخ الحالي في البلاد يسمح بذلك من خلال ما تعايشه نجامينا من أجواء لتوترات سياسية واقتصادية وأمنية، وما يتعلق بكثرة الانتقادات التي تطال حكم ديبي الابن. وفي السياق يُذَكِّر الخبراء أن الكثير من الانقلابات العسكرية في تشاد نجحت بعد محاولات للهجوم كالتي حدثت بنجامينا، حيث إن مثل هذه العمليات توفر أرضًا خصبة للمحاولات الجادة الدقيقة، وتُدخِل الشك لدى الرأي العام حول قدرة نظام ديبي الابن على الحفاظ على الأمن والمؤسسات، التي تبدو في وضع هش، خاصة أن الوضع السياسي والأمني في تشاد لايزال يعاني منذ مقتل الرئيس إدريس ديبي في أبريل 2021، ورغم نجاح ابنه في قيادة المرحلة الانتقالية ثم الفوز بالانتخابات الرئاسية، إلا أن تحديات أمنية كبيرة لا زالت تواجهه، بل أن هذه التحديات قد تتفاقم مع الهجوم الأخير الذي يحمل كثير من الدلالات ويرسل برسائل غير مطمئنة فيما يخص وضع البلاد، سواء ما يتعلق بالحالة الأمنية عقب رحيل فرنسا، أو الاحتقان الداخلي من حكومة ديبي وتجاوزاتها وقمعها للمعارضة.

المصادر:

أسرار الهجوم على قصر تشاد الرئاسي.. هل يتكرر سيناريو الرئيس السابق؟، العربية، 10 يناير 2025، متاح على: https://2u.pw/fZzp4qsw

Mahamat Ramadane, Chad investigates foiled attempt to storm presidential compound, Reuters, Jan 9, 2025, Accessible at: https://2u.pw/vjtalEyz

Chad say military foiled armed assault on presidential complex, 19 killed, Aljazeera, Jan 9, 2025, Accessible at: https://2u.pw/Evb65kK0

Carlos Mureithi in Nairobi and agencies, Chad’s government says 19 killed during foiled attack on presidential complex, The Guardian, Jan 9, 2025, Accessible at: https://2u.pw/BGXODbA2

Chad’s presidency attacked: Coup attempt, Boko Haram or ‘drunk’ fighters?, Aljazeera, Jan 9, 2025, Accessible at:https://2u.pw/m10dPja9

Chris Ewokor & Christy Cooney, Chad foils attempt to destabilise country – minister, BBC, Jan 9, 2025, Accessible at: https://2u.pw/DRD6llov

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى