الأمنالإرهابالحركات المسلحةتقدير المواقفصنع السلام

بول كاغامي في ولاية رئاسية رابعة في رواندا:  تحديات محلية وأزمات إقليمية وسيناريوهات متوقعة

في يوم 15 يوليو 2024 أجرت رواندا انتخاباتها العامة لانتخاب رئيس البلاد وأعضاء مجلس النواب. وأظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية انتخاب الرئيس الحالي “بول كاغامي” لولاية رابعة بحصوله على أكثر من 99% من الأصوات, كما حصل “فرانك هابينيزا” مرشح “حزب الخضر الديمقراطي” على 0.5%، بينما حصل “فيليب مبايمانا” المرشح المستقل على 0.32% من الأصوات.

وقد جاء فوز “كاغامي” في تلك الانتخابات في الوقت الذي تمرّ فيه رواندا بتحولات تنموية, وينخرط رئيسها في ملفات إقليمية متعددة. إضافة إلى تزايد الإدانات من المجتمع الدولي وتوتر علاقات كاغامي مع الغرب في السنوات الأخيرة.

أولا: كاغامي والولاية الرئاسية الرابعة

تعكس النجاحات التي شهدتها رواندا منذ العقدين الماضيين على الصعيدين الوطني والإقليمي تجارب الرئيس كاغامي ونشأته؛ إذ ولد في 23 أكتوبر 1957، وقضى سنواته الأولى كلاجئ في أوغندا أثناء الانتفاضة التي قادها إثنية هوتو من عام 1959 إلى عام 1962، والتي أسفرت عن طرد إثنية توتسي من رواندا. وقاد كاغامي قسم الاستخبارات في جيش المتمردين الذي أسسه يوري موسيفيني، سيده وأخوه في السلاح والرئيس الأوغندي الحالي، في عام 1979, وساعد موسيفيني للوصول إلى السلطة في عام 1986([1]).

وتظهر بعض الإنجازات العسكرية – التي حققها كاغامي خارج رواندا على مدى السنوات الثلاث الماضية – وَعْيَه العميق بطبيعة الأعمال العسكرية وديناميكيات الأمور الداخلية في جيرانه؛ إذ تلقّى كاغامي تدريبًا عسكريًا في تنزانيا وأوغندا والولايات المتحدة، ويُعزَى إلى قيادة كاغامي الجزءُ الأكبر من عوامل نجاح الجيش الوطني الرواندي، الفرع المسلح للجبهة الوطنية الرواندية، في إيقاف الإبادة الجماعية عام 1994 التي أودت بحياة نحو مليون من توتسي وهوتو المعتدلين. وشغل كاغامي منصب وزير الدفاع ونائب الرئيس في حكومة ما بعد الإبادة الجماعية, وأصبح رئيسا لرواندا في عام 2000, حيث يقود البلاد في سلام منذ ذلك الوقت, ويفوز بجميع الانتخابات الرئاسية، بما في ذلك انتخابات عام 2017 التي فاز فيها بأكثر من 98 في المئة من الأصوات([2]).

وقد كانت نتائج الانتخابات الأخيرة في يوليو 2024 متوقعة. بل كان موقف الرئيس كاغامي نفسه أن تلك النتائج أظهرت ثقة الروانديين وكشفت أنهم يريدون أن يكون في طليعة من يحلون مشاكل البلاد. وتدعم فوز كاغامي أيضًا كون حوالي 65 في المئة من سكان رواندا هم تحت سن الثلاثين، ما يعني أن معظم الروانديين لا يعرفون أي رئيس آخر سواه, وتشتهر حكومته بالفاعلية وعدم التسامح مع المسؤولين غير الأكفاء والفاسدين, مع إشرافه على معدلات النمو الاقتصادي بمعدل 7.2 في المئة في المتوسط ​​بين عامي 2012 و2022, وتطوير البنية الأساسية الحيوية مثل المستشفيات والطرق. إضافة إلى العديد من الشراكات الدولية التي وضعت رواندا في المقدمة على الساحة العالمية وجعلتها مثالًا حيّا قابلاً للاحتذاء([3]).

ومع ذلك، لم يسلم كاغامي وفوزه المتواصل من الانتقادات، وخاصة على أيد بعض الإعلام الذي يصفه بـ “دكتاتور قاسٍ”([4]) والمحللين السياسيين الذين يرونه “مستبدا عادلا”([5]). واستندت بعض تلك الانتقادات على عدم تكافئ الفرص بين المرشحين الرئاسيين في معظم الانتخابات الرئاسية التي أجريت في البلاد, وأن حصة كاغامي من الأصوات في الانتخابات الأخيرة (يوليو 2024) تجاوزت نسبة 98.7 في المئة التي حصل عليها في انتخابات عام 2017. هذا, إلى جانب نجاحه في عام 2015 بتعديل الدستور بعد تصويت الروانديين في استفتاء لرفع الحد الأقصى للفترتين الرئاسيتين، فاختصر الدستور المعدّل حدود فترة الرئاسة إلى خمس سنوات تبدأ في عام 2024، وهو ما يعني أن بإمكان كاغامي أن يظل في السلطة حتى عام 2034([6]).

ويضاف إلى ما سبق أنه قبل انتخابات يوليو 2024 الأخيرة، منعت لجنة الانتخابات الرواندية ستة مرشحين معارضين من الترشح للرئاسة, بمن فيهم من اعتُبِرُوا لدى المحللين السياسيين كمنافسي كاغامي “الحقيقيين”، مثل السياسي المعارض برنارد نتاغاندا الذي خطط للترشح ضد كاغامي في عام 2010 ولكن قُبِض عليه قبل التصويت وقضى عقوبة بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة تهديد أمن الدولة وتأجيج الانقسامات الإثنية قبل إطلاق سراحه في عام 2014, ورفضت المحكمة أيضا في مارس 2024 إلغاء الإدانات السابقة ضده، ما جعله غير مؤهل للترشح في يوليو 2024. وهناك ديان رويغارا, السياسية المعارضة وناقدة كاغامي البارزة, التي منعتها لجنة الانتخابات من الترشح في انتخابات يوليو الأخيرة بسبب مشاكل في أوراقها([7]).

ثانيا: في سياق التنمية الاقتصادية والاجتماعية برواندا

تقع رواندا في شرق وسط أفريقيا، وهي دولة غير ساحلية تشترك في الحدود مع بوروندي من الجنوب، وتنزانيا من الشرق، وأوغندا من الشمال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبحيرة كيفو من الغرب([8]). وتُعَدّ رواندا سوقًا متواضعة – مقارنة بدول إفريقية متعددة -, حيث يقدر سكان البلاد بـ 13.7 مليون شخص وتعتمد النسبة الكبرى من اقتصادها على قطاع الزراعة الذي يوظف 70 في المئة من القوى العاملة وتمثل قرابة 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومع ذلك, تشهد البلاد أيضا عمليات توسعة كبيرة في السنوات الأخيرة, حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي الحالي لرواندا 13.3 مليار دولار([9]).

ويؤشر على التطور الاقتصادي الذي تمر به رواندا كون اقتصادها واحدًا من أسرع الاقتصادات نموًا في أفريقيا, وحقيقة أن ناتجها المحلي الإجمالي توسّع بنسبة 8.2 في المئة في عام 2023 وحده, مما جعل المنظمات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تشيد بالإنجازات التي حققتها البلاد. ورغم ما تشتهر به البلاد من إنتاج البيريثروم والشاي والقهوة؛ إلا أن الخدمات المالية والتجارة والضيافة والتعدين والطاقة صارت من صناعاتها الرائدة مؤخرا, وخاصة أن الحكومة الرواندية تهدف إلى جعل البلاد مركزًا للمؤتمرات والتجارة والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات المالية في شرق إفريقيا.

ومما يفسر دعم جل الروانديين وإشادتهم بحكومة الرئيس كاغامي أنهم يرغبون منه المزيد من المشاريع التنموية ومواصلة التقدم الذي أحرزته في مجالات الأمن والاستقرار والنمو الاجتماعي والاقتصادي. ومن الواضح أن كاغامي يدرك هذه الرغبة والمطالب وأهميتهما في ولايته الجديدة استنادًا إلى تصريحات أدلى بها قبل الانتخابات وبعدها, ولحقيقة أن بعض أجندات دفع التنمية في رواندا تستند على جلب الاستثمار الإضافي وتوفير المزيد من الفرص للمواطنين., ولكونه ممثّل البلاد بشكل رئيسي في دبلوماسيتها التجارية.

وهناك عدد من المشاريع المهمة التي يُتَوَقَّع تكملتها في رواندا خلال الفترة الرئاسية الجديدة، مثل مشروع المطار الدولي الجديد بقيمة 2 مليار دولار جنوب كيغالي، عاصمة البلاد, ومشروع تطوير برامج البحث والعلاج الطبي عالية التقنية والقائمة على التكنولوجيا الحديثة كجزء من محاولات الحكومة لتوجيه البلاد نحو تحقيق أجندة دولة ذات دخل مرتفع بحلول عام 2050 ودولة ذات دخل متوسط ​​بحلول عام 2035([10]). إضافة إلى مشروع مدينة كيغالي للابتكار بقيمة 2 مليار دولار، والتي تهدف إلى جذب شركات التكنولوجيا الأجنبية إلى الدولة وإنشاء مركز تكنولوجي داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة في كيغالي.

وفي حين أن تحقيق الأهداف التنموية المختلفة من قبل رواندا يستدعي معالجة التفاوت المتزايد بين كيغالي – عاصمة رواندا – وبقية البلاد؛ فإن إدارة كاغامي ستحتاج أيضا إلى تعزيز القدرة المؤسسية للدولة على النمو الوطني. وهناك قضية استدامة الاستقرار وتعزيز الأمن الوطنيين, واللذين يشكلان حجر الزاوية للتقدم الاقتصادي للبلاد, حيث تقدم رواندا يعتمد على أمن حدودها في ظل ما تتعرّض له حالياً من تهديدات بقايا الإبادة الجماعية في عام 1994 وتوتر علاقاته مع الجارتين – بوروندي والكونغو الديمقراطية – اللتين تتهمهما رواندا بتقديم الدعم للجماعات المعارضة للرئيس كاغامي.

جدير بالذكر أن مما يهدد اقتصاد رواندا ما تواجهه البلاد من اتهامات بيع معادن ثمينة منهوبة من جارتها؛ إذ أشارت تقارير من عام 2022 إلى عام 2024 إلى أن كميات كبيرة من الذهب والكولتان – وهما معدنان ضروريان لبناء الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وغيرها – يتم تهريبها إلى رواندا من الكونغو الديمقراطية المجاورة التي تواجه الصراع المسلح, وأن هذه المعادن تجد طريقها إلى سلاسل التوريد العالمية، بما في ذلك أوروبا، حيث أبرمت رواندا والاتحاد الأوروبي اتفاقية لتوريد المعادن اللازمة في دفع عجلة التكنولوجيا النظيفة([11]).

ثالثا: تفاقم الأزمات الإقليمية ومناورتها

إلى جانب إنجازاته في رواندا؛ يُشاد بالرئيس بول كاغامي لإطلاقه جهود إصلاح الاتحاد الأفريقي ومساهماته في مبادرات الاستقرار في موزمبيق, مع توفير رواندا أكبر عدد من قوات حفظ السلام لعمليات الأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان([12]).

بل في حالة جمهورية إفريقيا الوسطى, ساعدت القوات الرواندية والجيش الأفرو-وسطي وقوات فاغنر الروسية, حكومة البلاد خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، في صد حركة “تحالف الوطنيين للتغيير” المسلحة التي أسسها الرئيس الأفرو-وسطي السابق فرانسوا بوزيزيه([13]).

وفي حالة موزمبيق, تحركت القوات الرواندية إلى كابو ديلغادو في شمال موزمبيق في 2021 وساعدت في هزيمة المتمردين المسلحين. بل أوكل الرئيس الموزمبيقي فيليب نيوسي على القوات الرواندية مهمة حماية مصنع معالجة الغاز التابع لشركة توتال إنيرجيز في شبه جزيرة أفونغي بمقاطعة كابو ديلغادو([14]). إضافة إلى أن كاغامي أبدى لجمهورية بنين في أبريل 2023 استعداد رواندا لتقديم الدعم العسكري لمحاربة الإرهابيين النازحين من بوركينا فاسو([15]).

على أن تزايد التوترات مع جيران رواندا القريبين يشكّل تحديات خطيرة لإدارة الرئيس كاغامي نفسه؛ إذ أجريت الانتخابات الأخيرة برواندا في خضم اتهام كاغامي بالتورط في الاضطرابات الجارية في جارتها, الكونغو الديمقراطية لتحقيق مصالح اقتصادية، وخاصة مصالح المعادن الاستراتيجية، وذلك من خلال دعم كيغالي لمتمردي حركة “23 مارس” الذين يقاتلون في شرق الكونغو الديمقراطية. وهي تهمة نفتها رواندا, حتى وإن كان تدخلها في الكونغو الديمقراطية لم يكن جديدا؛ إذ في عام 1994 دخلت كيغالي شرق الكونغو الديمقراطية مطاردة ميليشيات هوتو والمسلحين المتشددين عن الإبادة الجماعية لعام 1994.

جدير بالذكر أن الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي وصف نظيره الرواندي كاغامي بـ “مجرم”, واتهم رواندا باستغلال الماس الدموي الموجود على الأراضي الكونغولية وبيعه لشركات أجنبية. وفي المقابل، صرّح الرئيس كاغامي بأن احتمال وقوع الإبادة الجماعية “قضية اليوم”, مُتَّهِمًا كينشاسا بمهاجمة إثنية توتسي في شرق الكونغو الديمقراطية. ويدعم موقف كينشاسا بتورط كيغالي في أزمة شرقها تقرير يوليو 2024 من قبل مجموعة الخبراء التابعة للأمم المتحدة بشأن الكونغو الديمقراطية, والذي ذكر([16]) أن ما بين 3000 إلى 4000 جندي رواندي كانوا يقاتلون مع متمردي حركة “23 مارس”, وأنهم كانوا يستخدمون معدات حديثة لصد القوات الحكومية والإقليمية التي تكافحهم، بما في ذلك قوات “بعثة مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي في الكونغو الديمقراطية”.

هذا, إضافة إلى أزمة رواندا مع أوغندا وبوروندي. بل عزز الرئيس البوروندي إيفاريست ندايشيميي علاقاته مع نظيره الكونغولي تشيسكيدي، وأغلق حدود بلاده بوروندي مع رواندا في يناير 2024، متهماً كيغالي بتأجيج حالة عدم الاستقرار في شرق الكونغو الديمقراطية عبر دعمه لمتمردين “23 مارس”, والمساعدة في تدريب متمردي “المقاومة من أجل سيادة القانون في بوروندي” (ريد تابارا)، الذين يقاتلون حكومة بوروندي منذ عام 2015([17]).

رابعا: التعامل مع انتقادات المجتمع الدولي وتراجع الدعم الغربي

لقد أثنى المجتمع الدوليبمساهمة الرئيس كاغامي الإيجابية داخل بلاده وخارجها, واعترف بنجاح القوات الرواندية في موزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى. وقد استغل كاغامي هذا الاعتراف العالمي لترسيخ قدم بلاده كحليف جدير بالثقة للمجتمع الدولي، وخاصة الغرب, وهو ما أتاح لرواندا فرصة تأمين اتفاقيات ومعاهدات دولية, بما في ذلك الحصول – بدعم فرنسي – على حوالي 20 مليون يورو من التمويل من الاتحاد الأوروبي في عام 2022([18])، والاتفاقية الرواندية البريطانية في أبريل 2022 لمعالجة طلبات اللجوء من المملكة المتحدة في رواندا([19]).

على أن هناك مؤشرات على تراجع الدعم الغربي لكاغامي الذي يتعرض مؤخرا لانتقادات شديدة في وسائل الإعلام الغربي. وقد يرتبط هذا التطور بالقوة والنفوذ المتزايدين لكاغامي في شرق إفريقيا ووسطها، وخاصة في الكونغو الديمقراطية المجاورة، حيث تنافس العديد من الدول الغربية من أجل النفوذ للحصول على المعادن الحيوية. وتُلاحَظ هذه النقطة من إحدى التهم الموجهة لكاغامي والمتمثلة في تأسيس العديد من شركات التعدين والبناء الرواندية في موزمبيق متزامنا مع أنشطة رواندا العسكرية في كابو ديلغادو. وهناك من القوى الأجنبية في جمهورية أفريقيا الوسطى من تعتبر الوجود الرواندي العسكري تهديدا لمصالحها، وخاصة في ضوء مساعي الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى للعودة إلى بانغي.

ومما يؤشر على حالة علاقات كاغامي بالغرب أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد من حزب العمال كير ستارمر, أعلن في أعقاب الانتخابات البريطانية الأخيرة أنه سينهي اتفاقية اللاجئين مع رواندا([20]). بينما اتخذت الاتحاد الأوروبي وبلجيكا موقفًا أكثر صراحة ضد كاغامي فيما يتعلق بمزاعم دعمه لحركة “23 مارس” في شرق الكونغو الديمقراطية. بل انتقدت ستيفاني سوليفان، ممثلة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة, في 23 في يوليو 2024 الرئيس كاغامي فيما يتعلق بأزمة شرق الكونغو الديمقراطية([21]), كما فرضت واشنطن عقوبات مالية وعقارية على ستة أشخاص في 28 أغسطس 2023، بمن في ذلك قائد عسكري كبير في رواندا. وهناك إشارات بأن سبب رفض بلجيكا الترحيب بفينسنت كاريغا – كسفير لرواندا في عام 2023 – هو أنه خدم كسفير في بريتوريا في عام 2013 أثناء اغتيال باتريك كاريغا، رئيس الاستخبارات الرواندية السابق والمنشق عن كاغامي، في جوهانسبرغ([22]). هذا, بالإضافة إلى التقارير التي تقول إن هناك انقسام داخل الاتحاد الأوروبي([23]) حول مقترح تقديم 40 مليون يورو (الذي أُعلِن عنه في 15 يونيو 2024) كتبرع لرواندا لجهودها العسكرية في موزمبيق.

ويمكن القول إن استمرارية الانحدار في الدعم الدولي, وخاصة الغربي قد يؤثر على إدارة كاغامي, وذلك باعتبار أن علاقاته الإيجابية مع الغرب أدت إلى الحصول على مساعدات خارجية كبيرة، تمثل نحو 40 في المئة من ميزانية رواندا.

خامسا: السيناريوهات المتوقعة

من خلال ما سبق وفي ظل التطورات المحلية والإقليمية؛ يتوقع سيناريوهان ريسيان في ظل حكم الرئيس بول كاغامي وإدارته في رواندا في السنوات القادمة, وهما:

  • السيناريو الأول: استمرارية سياسة إدارة كاغامي دون أي تحولات رئيسية.

وهذا هو الأرجح باعتبار أن كاغامي مستمر في الحكم ودولة رواندا لم تكن مُجهَّزة حتى الآن لقبول التغييرات السياسية الجوهرية. وهذا يعني أيضا أن إدارته ستستمرّ في توسيع القطاع الخاص الذي تحتاجه رواندا لتقليل اعتماد البلاد على المساعدات وتعزيز الآليات التي ستجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر, وخاصة من المستثمرين المتشككين في إمكانات البلاد بسبب موقعه الجوغرافي غير الساحلي وعلاقات رواندا العدائية مع جيرانها.

ويدخل في هذا السيناريو أيضا إمكانية تصالح إدارة كاغامي مع الجيران, وخاصة الكونغو الديمقراطية وبورندي؛ ومناورة المجتمع الدولي, وخاصة  الغرب, من خلال استغلال أدوات رواندا الاستراتيجية على الساحة الدولية, والمتمثلة في نفوذ البلاد في مجالي الأمن والاستقرار الإقليمي, ومشاركتها في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بنحو 6 آلاف جندي وشرطي، مما يجعلها مساوية للهند ونيبال.

  • السناريو الثاني: ظهور منافسات داخلية حول الخلافة, وتأزم العلاقات مع الجيران.

هذا السيناريو وارد لحقيقة أن شخصية كاغامي ومركزية سلطته وقوتها تشكلان عنصراً أساسياً في النظام السياسي الرواندي الحالي. وقد تطفو على السطح في السنوات المقبلة توترات داخلية داخل الحزب الحاكم أو إدارته بشأن خلافته. ويدعم هذه النقطة حقيقة أن الرئيس كاغامي سيبلغ 70 عاما من عمره في أواخر عام 2027, وهناك احتمال ظهور قضايا اجتماعية واقتصادية جديدة تعرقل قدرة الدولة على استدامة النمو السريع وتشجيع المزيد من الاستثمار الخاص، وتوحيد المالية العامة, مما يدفع روانديين شباب للمطالبة بفتح المجال السياسي أمام منافسة حقيقية لكي تقود البلاد وجوه جديدة وأصحاب خبرات ورؤى مناسبة لتحديات ذلك الوقت.

ويدعم هذا السيناريو أيضاً تأزّم علاقات رواندا مع بوروندي والكونغو الديمقراطية وأوغندا. كما يشكك جيران آخرون في نفوذ كاغامي المتزايد وقوته، وهو ما قد يترك رواندا معزولة ومحاصرة من قِبَل أولئك الذين يريدون مغادرة كاغامي. هذا, بالإضافة إلى أن التوتر الجاري بين رواندا والكونغو الديمقراطية نتيجة الصراع المسلح في شرق الكونغو الديمقراطية قد يتصاعد فينفجر الوضع إلى داخل رواندا, وهو ما سيعيق التقدم المحرز وازدهارها داخل رواندا، ويخنق المساعدات والاستثمارات وقطاعي السفر والتجارة في المنطقة. بل في في حالة انفجار الوضع الأمني سيتضرر أحد القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلاد – وهو قطاع الزراعة الذي يعتمد عليه العديد من الروانديين.

خاتمة

يستنتج مما سبق أن تداعيات انخراط الرئيس بول كاغامي في الملفات والأزمات الإقليمية المتعددة قد تصرف انتباهه عن التركيز على الاحتياجات المحلية والوطنية في السنوات القادمة. كما أن جميع المؤشرات الخاصة برواندا تؤكد على أن إدارة كاغامي قد نجحت في عدة أمور رئيسية, منها إنشاء مؤسسات حكومية لتنفيذ السياسات العامة والحوكمة والتي يتوقع أن تستمر عليها لسنوات قادمة. ومن مزايا هذه المؤسسات أنها تضم جيل الألفية في رواندا والذين يحتلون مناصب مرموقة كمسؤولي الوكالات الحكومية. ومع ذلك, فإن تقوية عمليات تلك المؤسسات والحفاظ على نجاحاتها واستمراريتها في المستقبل البعيد يتطلبان من الرئيس كاغامي فتح المجال أمام منافسين جادّين وخلفاء قادرين محتملين لمواصلة الجهود وتنفيذ الرؤى بعده.


[1] – حكيم نجم الدين (2017). “بول كاغامي.. من طفل لاجئ إلى زعيم رواندا القوي”. قراءات إفريقية, متوفر عبر الرابط https://rb.gy/8p0vui (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[2] – المصدر السابق.

[3] – “Rwanda’s Kagame wins fourth presidential term: Provisional results.” Aljazeera, retrieved from https://rb.gy/7jufmw (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[4] – Anjan Sundaram (2023). “He’s a Brutal Dictator, and One of the West’s Best Friends.” The New York Times,  retrieved from https://rb.gy/urvfba (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[5] – حمدي عبدالرحمن حسن (2021). “متلازمة الرجل القوي.. دبلوماسية القوة الناعمة في رواندا”. قراءات إفريقية, متوفر عبر الرابط https://rb.gy/w5rvsj (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[6] – Tracy McVeigh (2015). “Rwanda votes to give President Paul Kagame right to rule until 2034.” The Guardian UK, retrieved from https://rb.gy/gyfbaa (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[7] – Amnesty International (2024). “Rwanda: Repression in the context of elections.” retrieved from https://shorturl.at/eLzG8 (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[8] – “Republic of Rwanda.” The East African Community (EAC), retrieved from https://shorturl.at/1vYsI (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[9] – The International Trade Administration (2024). “Rwanda – Country Commercial Guide.” Retrieved from https://shorturl.at/w4Xbv (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[10] – Enoch Randy Aikins, & Alize le Roux (2023). “What is standing between Rwanda and achieving its Vision 2050 targets?”. ISS Africa, retrieved from https://shorturl.at/ghMaG (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[11] – Lorraine Mallinder (2024). “‘Blood minerals’: What are the hidden costs of the EU-Rwanda supply deal?”.  Aljazeera, retrieved from https://shorturl.at/2hFWa (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[12] – Rwanda National Police (2024). “425 Rwandan Police peacekeepers awarded UN service medal”. Retrieved from https://shorturl.at/ElJfM (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[13] – Crisis Group (2023). “Rwanda’s Growing Role in the Central African Republic.” Retrieved from https://shorturl.at/7rZmO (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[14] – Crisis Group (2024). “What Future for Military Intervention in Mozambique?”. Retrieved from https://shorturl.at/m5cXr (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[15] – Jeune Afrique (2023). “Rwanda pledges to help Benin fight ‘terrorist threat’.” The Africa Report, retrieved from https://shorturl.at/lYzvp (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[16] – Edith M. Lederer (2024). “UN experts: Between 3,000 and 4,000 Rwandan troops are in Congo operating with the M23 rebel group”. AP, retrieved from https://shorturl.at/YdvTQ (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[17] – Patrick Hajayandi (2024). “Burundi-Rwanda rivalry: RED-Tabara rebel attacks add to regional tensions”. The Conversation Africa, retrieve from https://shorturl.at/u5TLE (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[18] – المصدر سابق:

Crisis Group (2024). “What Future for Military Intervention in Mozambique?”.

[19] – BBC (2024). “What is the UK’s plan to send asylum seekers to Rwanda?” Retrieved from https://shorturl.at/FF4xU  (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[20] – AP (2024). “New UK PM says Rwanda deportation plan is ‘dead and buried’”. VOA News, retrieved from https://shorturl.at/QQnLp (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[21] – Stephanie Sullivan (2024). “Remarks at a UN Security Council Briefing on the Situation Concerning the Democratic Republic of the Congo.” United States Mission to the United Nations, retrieved from https://shorturl.at/HlALo (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[22] – Margherita Bassi (2023). “Belgium rejects new Rwandan Ambassador Vincent Karega”.  The Brussels Times, retrieved from https://shorturl.at/Xz7ER (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

[23] – Africa Intelligence (2024). “EU split over further funding for Rwandan troops in Cabo Delgado”. Retrieved from https://shorturl.at/Ttlt5 (اطلع عليه في 13 سبتمبر 2024)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى