ايران والبديل الوحيد للحرب الامريكية المحتملة

استثمرت ايران لاكثر نحو ثلاثة عقود، استراتيجية بقاء النظام في ثلاثة مجالات رئيسية في مقدمتها برنامجها النووي، وشبكة الوكلاء، وترسانتها الصاروخية. واستخدمتها لتهديد دول المنطقة، ومحاولة تقويض الوجود الأمريكي في المنطقة وتهديد أسرائيل، لفرض هيمنتها الاقليميه في الشرق الأوسط.
تجربة ترامب
استفادت الإدارة الامريكية الجديدة من تجربتها السابقة مع طهران، لتبنى أستراتيجية جديدة تجاه إيران، بدأت بإعادة تفعيل حملة “الضغط الأقصى”، مع تصريحات جدية لاستخدام القوة العسكرية، ، فضلًا عن تبادل الرسائل بين ترامب والمرشد الخامنئي، ويرى المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين إلى أن الوقت بات مناسباً لعمل عسكري ضد إيران.
ايران وحصاد الصبر الاستراتيجي
لم يأتي حصاد “الصبر الإستراتيجي” الإيراني لصالحها، بل أرتد عليها بـ”هزيمة إستراتيجية”، ومنح التردد الإيراني إسرائيل والولايات المتحدة، من الانفراد بجبهة غزة وجبهات الإسناد الاخرى، وسقط مفهوم “وحدة الساحات”وحل مفهوم تعاقب سقوطها، بدءًا بغزة ولبنان، مرورًا في سوريا، واستهداف أنصار الله من إسرائيل، ثم من الولايات المتحدة، لتصبح طهران في زاوية ضيقة، وتبدو ايران الان مرتبكة لأنها استنفدت كل أساليب المناورة السابقة التي أستخدمتها في عدة مناسبات، ولعبت على الوقت، وعلى التوازنات والمعادلات القائمة في المنطقة، وعلى العلاقات مع الصين وروسيا وتركيا. وباتت طهران في ذروة ضعف لم تبلغها منذ ربع قرن، وأمام أيام حاسمة لا تحتمل خطأ في تقدير الحساب، والتعامل مع فرصة الوصول إلى اتفاق، لأن البدائل كارثية.
حملت رسالة ترامب للقيادة الإيرانية، ضرورة التفاوض حول البرنامج النووي وإيجاد حلول لاتفاق جديد يفضي إلى تخلي إيران عن أمتلاك أسلحة نووية، مع إعطاء برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة مكانة في أي مفاوضات على إيران أن تبدأ بها وإلا فإنها ستتعرض خلال شهرين إلى مواجهة عسكرية مدمرة.
أقتربت العلاقات الأميركية – الإيرانية من لحظة الحقيقة، حيث أظهر حجم إعادة الانتشار العسكري الأمريكي بدءا من قاعدة غوام إلى الخليج العربي والبحر الابيض والبحر الأحمر وتطويق جميع المجالات البحرية والجوية والانتشار بالقرب من الأراضي الإيرانية. انها عازمة على التعامل الجدي للوصول إلى المفاوضات المباشرة، او أنها ستكون تحت طائلة الخنق الاقتصادي والجحيم العسكري.
جدل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة
أعلن الرئيس ترامب، يوم 7 أبريل، خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، أن الولايات المتحدة تجري محادثات مباشرة مع إيران. وقال: “محادثاتنا مع إيران تجري على أعلى مستوى. نحن نتفاوض معهم مباشرة. وسنتواصل يوم السبت 12 نيسان، مع إيران على أعلى مستوى”.
أيران ترى ان أي مفاوضات مباشرة ستكون نقطة قوة لواشنطن ونقطة ضعف لطهران، لان الجلوس لطاولة مفاوضات مباشرة، سيكون الانسحاب منها أكثر تعقيدا عليها، فالمفاوضات غير المباشرة ستوفر مساحة لإيران من المناورة وأختبار نوايا الامريكان لعدم وجود أي ثقة بين الطرفين، لدلك أعلنت طهران أنها سترسل وزير خارجيتها الى سلطنة عمان لاجراء”مفاوضات غير مباشرة” ضمن المساحه التكتيكيه على أن تنتقل بسرعه الى المباشره، لأنها تدرك أن الجلوس مع الاميركي وجها لوجه سيضع على الطاولة الارادة الامريكية وقدرة فرضها، وسيكون الإيراني أمام خيارين القبول بالطرح الامريكي أو المغادرة التي ستكون أشبه بكارثه لطهران، بالمقابل فأن كل مايجري هو تحت ظل التحشيد الامريكي الهائل وتهديدات إسرائيلية مباشرة لإيران وأستنفار أيراني.
قال البيت الأبيض في 8 نيسان، إن واشنطن ترى أن إيران تسير في اتجاه التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي، لكنها إذا لم تمض فيه فإن العواقب وخيمة. وأكدت أن المفاوضات مع إيران ستكون مباشرة، ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول أميركي أن ويتكوف قد لا يسافر إلى سلطنة عمان إذا لم تكن المحادثات مباشرة، وإن فريق ويتكوف أرسل عبر عُمان رسائل يحث فيها على إجراء محادثات مباشرة، لأن هناك حاجة إلى تفاهم وحوار شامل وأن واشنطن لن تقبل الخداع من قبل الإيرانيين.
تحضيرات قادت للبدء بالمفاوضات
المعلومات تشير أن عدة لقاءات جرت في سلطنة عمان بين الجانبين على عدة مستويات قادت إلى هذا التطور.و بدأت اللقاءات غير الرسمية بين وفدين، أميركي وإيراني، في 28 مارس الماضي في عُمان،حيث أتفق الوفدين على عقد لقاء أمني، وعلى ضوء نتائجه سيعقد لقاء دبلوماسي غير مباشر قد يتحول إلى مباشر عند أتساع دائرة التوافقات، عقدت المفاوضات على المستوى الأمني يومي 30 و31 مارس بشكل غير مباشر، لكنها تحولت إلى مباشرة بعد موافقة طهران وواشنطن على التسريع في التوصل إلى نتيجة.وتم الاتفاق في ختامها على الانتقال إلى المستوى الدبلوماسي وبعد هذا التطور، اختار ترامب إعلان موعد الاجتماع خلال استقباله نتنياهو.
تشير المعلومات أن التنازلات التي سهلت الوصول لبدء المفاوضات إعلان إيران بشكل ضمني، أنها مستعدة لنوع من فك الارتباط مع الميليشيات في اليمن والعراق ولبنان، في المقابل، حصلت طهران على تعهد أميركي بأنه في حال التوصل لاتفاق يرضي الطرفين فإن الرئيس ترامب مستعد لتحويله إلى معاهدة عبر تصديقه من الكونغرس مما يصعب الانسحاب منه.
شغلت المكاسب الاقتصادية المحتملة من أي صفقة جزءاً كبيراً من المناقشات في اجتماعات مسقط وهو الموضوع الذي يتصدر أولويات إدارة ترامب. حيث قال إن إيرن تعهدت بفتح قطاعات النفط والغاز والنقل والاتصالات والطاقة، إضافة إلى استخراج المعادن النادرة والحيوية، أمام الاستثمارات الأميركية، وأن واشنطن تتوقع الحصول على تريليونات من الدولارات من الاستثمارات في القطاعات المختلفة من الاقتصاد الإيراني الذي يفتقر للاستثمارات منذ نحو خمسين عاماً.
التجربة الليبية
صرح نتنياهو قبل مغادرته واشنطن في 8 نيسان، “نحن متفقون على ضرورة عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. يمكن تحقيق ذلك من خلال اتفاق، ولكن فقط إذا كان الاتفاق على غرار النموذج الليبي: تدخل قوات، تفجَّر المنشآت، وتُفكَّك المعدات بالكامل تحت إشراف وتنفيذ أمريكي. وفي حال ماطل الإيرانيون في المفاوضات، فإن البدائل ستكون عسكرية.
الحرب المحتملة على ايران والتجربة العراقية
المشهد الان بين واشنطن وطهران يستدعي للداكرة نفس المشهد مع العراق عندما جرى اللقاء المباشر والحاسم بين وزير خارجية العراق ووزير الخارية الأمريكي بيكر عام 1991 عندما ابلغ العراق بخيارين الانسحاب من الكويت أو الطرد، ما يعني أن الاميركان يرجوون لسياسة الرغبة بالسلام واجراء المفاوضات وعند رفضه يتم الإعلان انها وصلت الى طريق مسدود ولا خيار الا الحرب، وهو ماجرى على العراق.
الاستراتيجية الاميركيه تقوم على ثلاث ركائز رئيسية تحقق لها الحرب، وهي عدو مفترض وهو موجود ” ايران”، وتحالف دولي والاقرب بالانضمام للاميران هو فرنسا وبريطانيا، وشرعية دولية من الأمم المتحدة، قد يتجاوزه ترامب، وبوجود اغلبية جمهوريه في الكونغرس والشيوخ يكون الطريق سالكا للقيام بخيار الحرب، لان المطلوب من ايران يبدو أنها قد تكون عاجزة عن تنفيده على غرار تجربة ليبيا بتفكيك برنامها النووي ونقل اليورانيوم الى اميركا او غيرها، لانها تحديدات دولية على ايران لامجال الا بتنفيدها لانها ستسبب بسعي دول أخرى مثل السعودية وتركيا لامتلاك سلاح نووي وهو غير مقبول، فضلا عن تفكيك البرنامج الصاروخي وشبكة الوكلاء الاقليميه في اليمن والعراق، وهي ملفات شديدة التعقيد بالنسبة لإيران، واميركا ودول المنطقة والغرب ترغب بانهائه.
قد يتأخر قرار الضربة والحملة العسكرية في حال رفضت أو ماطلت أيران الاستجابة لكن أنهاء المشرع النووي الايراني قرار أمريكي وأسرائيلي ودولي.
التحرك الأمريكي الحالي حيال إيران متعدد الأبعاد، ويوازن بين إيران وحلفائها وتحديداً في العراق واليمن، وهذا ان دل فإنما يدل على أن إدارة ترامب تبحث عن شكل جديد لإيران في المنطقة، وكذلك أدوار جديدة لحلفائها في هذه الدول.
الولايات المتحدة لديها مشكلة مع سلوك النظام في إيران، وليس مع النظام نفسه، قد يهدد ترامب بضرب إيران أو مفاعلاتها النووية، ولكن لن يسمح بإسقاط النظام، ليس لأن النظام مهم لأمريكا، بل لأنه مهم للمصلحة الأمريكية في المنطقة.
خيارات أخرى تؤدي للحرب
في حال فشل المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن آثار اليورانيوم في مواقع لم تعلن عنها طهران، ستقدم الوكالة تقريرها بهذا الخصوص إلى مجلس الأمن الدولي وسيجري تفعيل الية الزناد من قبل “فرنسا، بريطانيا، ألمانيا” وإعادة العقوبات الدولية التي كانت تحت الفصل السابع.