العلاقات السعودية الإثيوبية: من الاحتواء إلى الشراكة الاستراتيجية
تمثل العلاقات السعودية- الإثيوبية واحدة من أهم العلاقات الثنائية وأكثرها تأثيرًا في عدة دوائر جغرافية متقاطعة وهي إقليم البحر الأحمر، والقرن الأفريقي، والشرق الأوسط، وتمتد بديهيًا إلى التأثير في مجمل الأوضاع في حوض النيل (حيث تملك الرياض علاقات “متميزة” مع القاهرة وأديس أبابا وهما قطبا الإقليم الأخير). وتكتسب العلاقات الثنائية، وبشكل متزايد للغاية، أهمية كبيرة لدى الرياض، الساعية لتوسيع دوائر نفوذها بشكل غير مسبوق باعتبارها اللاعب الشرق أوسطي والعربي الأبرز ومع قدرتها على تنويع علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين والهند وتحقيق اختراقات في تعقيدات هذه العلاقات لصالح حماية مصالح الرياض وتقوية تناسقها دوليًا لاسيما على هوامش التنافس الأمريكي- الصيني، وكذلك لدى أديس أبابا، التي تتبنى رؤية تقليدية للدولة الإثيوبية كرأس جسر نحو القارة الأفريقية بشكل عام والقرن الأفريقي وحوض النيل على وجه الخصوص. وتلتقي هذه العلاقات، راهنًا على الأقل، برغبة الرياض وأديس أبابا في حلحلة الأوضاع في إقليم البحر الأحمر وحوض النيل لصالح مكانة أكبر لهما سواء على حساب دول كبيرة ومصالحها وأمنها القومي (عبر شغل فراغ تلك الدول الملحوظ) أم على عبر استغلال أزمات سياسية وأمنية متفاقمة في دول أخرى (وتنسيق العمل بينهما في جميع هذه الملفات على نحو بات واضحًا للعيان كما في الأزمة السودانية وفي تهديد مصالح مصر في البحر الأحمر ونهر النيل، وتهديد سيادة الصومال على أراضيه).
إثيوبيا ومتغيرات سياسات الرياض الأفريقية
باتت إثيوبيا، لاسيما منذ تولي رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد مقاليد الحكم بها في ربيع 2018، محل اهتمام واضح من قبل السعودية لاعتبارات متنوعة من بينها مساعي الأخيرة المستمرة لفرض هيمنة إقليمية لا تبارى على مجمل إقليم حوض البحر الأحمر عبر تقديم أفكار ومشروعات للتعاون (مثل مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر) أو اتخاذ خطوات تقسيم “الحدود البحرية” مع عدد من دول الإقليم، ورعاية محادثات السلام بين إريتريا وإثيوبيا وصولًا للاتفاق التاريخي الموقع بين البلدين في العام 2018 وكان من أبرز أوراق اعتماد الدور الإقليمي لآبي أحمد وقدرته على مراوغة المصالح الاستراتيجية لدولتي مصب نهر النيل (مصر والسودان) مما اكسب الرياض بشكل مباشر يدًا عليا في شئون الإقليم وقدرة غير مسبوقة على احتواء أطرافه ذات المصالح الاستراتيجية المتضاربة.
ومع حدوث العديد من التغيرات الإقليمية المتلاحقة التي برهنت على واقعية الفرضيات السابقة نحت الرياض إلى تبني خطاب سياسي “جديد” تجاه القارة الأفريقية بشكل عام نهاية العام الماضي في ختام ما عرفت بالقمة السعودية الأفريقية (الرياض 10 نوفمبر 2023) عمل على إعلاء صورة السعودية كقوة دافعة للتنمية والاستقرار في أرجاء القارة، لاسيما أن القمة مثلت، حسب بيانها الذي وقعه عدد كبير من قادة الدول الأفريقية، منعطفًا “تاريخياً هاماً في علاقات الدول الأفريقية مع المملكة العربية السعودية قلب العالم الإسلامي النابض، وأنها ستفتح آفاقاً أرحب لمستقبل العلاقات بينهم وتطويرها في كافة المجالات” إذ جدد القادة الالتزام بتعزيز التعاون بين الدول الأفريقية والمملكة العربية السعودية على أساس الشراكة الاستراتيجية والمصالح المشتركة والروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية التي تتقاسمها القارة الأفريقية مع المملكة العربية السعودية. وبدورها أكدت المملكة العربية السعودية على الروابط التاريخية مع القارة الأفريقية واهتمامها بتطوير علاقاتها مع كافة دولها في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية والتنموية والثقافية والاجتماعية. وأشاد قادة الدول الأفريقية بدعم وتأييد المملكة العربية السعودية المبكر لانضمام الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين.
وأبرز البيان، الذي عد بمثابة ورقة سياسات سعودية في القارة، أهمية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحسن الجوار على أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الدول وفقاً للقانون الدولي، والعزم على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، والتأكيد على توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله. وتعميق البحث في سبل تعزيز التعاون وتنسيق الجهود، وتبادل الخبرات، بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة، ويسهم في تحقيق الأمن والسلم في العالم، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع وقوع الجرائم الإرهابية بالتعاون الوثيق فيما بين دولهم، وتعزيز العمل في مجال نشر ثقافة الاعتدال والتسامح وتحقيق الأمن والسلام ومحاربة التطرف والغلو والإرهاب. وعلى تكثيف التعاون في مجال الأمن البحري كأحد عوامل الاستقرار والتنمية للدول، وبما يساهم في تعزيز وسلامة البيئة البحرية والعمل المشترك لمكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والمؤثرات العقلية وغسيل الأموال وشبكات التهريب الدولية، ومعالجة وضع اللاجئين والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وقرصنة السفن، بما يكفل مساهمة ذلك في تنمية واستقرار الدول الأفريقية، ومكافحة الجرائم العابرة للحدود بكافة أشكالها، وتعزيز ذلك بما يحقق الأمن والاستقرار لهذه الدول وشعوبها.
وبمراجعة جوانب العلاقات السعودية الإثيوبية -كما سيلي- مع بنود “ورقة السياسات السعودية” سيلاحظ وجود تقارب في أغلب هذه الجوانب والبنود بشكل كبير فيما عدا المتعلق باحترام سيادة الدول الأفريقية على نحو متكافئ إذ تعمل إثيوبيا على الاستفادة من علاقاتها بالسعودية لتحقيق مكاسب إقليمية تنتقص من سيادة بعض الدول مباشرة مثل الصومال والتدخل في الشأن السوداني بأجندة مشتركة.
تقارب الرياض وأديس أبابا: رؤية في الفرص والتهديدات المشتركة
يمثل التقارب السعودي- الإثيوبي المتزايد، على حساب مقتضيات ما يعرف بنظام الأمن القومي العربي لاسيما لدولتي مصب نهر النيل السودان ومصر، تجسيدًا لتعاظم الفرص والتهديدات المشتركة بين البلدين من عدة نواح: فالسعودية توفر حاضنة استثمارية وتجارية هامة للاقتصاد الإثيوبي الذي يشهد تحسنًا ملموسًا في السنوات الأخيرة (بات في قائمة الخمسة الكبار في أفريقيا للمرة الأولى في تاريخه)، كما تمثل إثيوبيا ممرًا مثاليًا لتنفيذ سياسات الرياض “الأفريقية” لاعتبارات الجوار ودور إثيوبيا الذي يعول عليه في التدخل في ملفات متشابكة تخص دول جوارها على الأقل (في السودان وإريتريا وجيبوتي والصومال وربما جنوب السودان، وباستثناء كينيا التي تتمتع بعلاقات تنسيق ممتازة مع إثيوبيا) ومواجهة ما تعتبره الرياض تهديدًا لمصالحها ودورها الإقليمي، كما كشفت تداعيات الأزمة في السودان وتحولات الرياض لدرجة تأكيد تقارير تعاونها مع قوات الدعم السريع في مواجهة حكومة مجلس السيادة الانتقالي رغم تبني الرياض ما يعرف بمنصة جدة لمحادثات السلام بين “طرفي الصراع”، وهو الموقف الذي يتسق تمامًا مع مجمل سياسات إثيوبيا في السودان من زاوية رئيسة وهي تهميش مؤسساته الوطنية لصالح تكريس الاستغلال والهيمنة وثغرات الافتئات على سيادته على أراضيه.
- ترتيبات الأمن في البحر الأحمر
حضرت مسألة أمن البحر الأحمر (وفق الرؤية السعودية والأطماع الإثيوبية المعروفة) في ملف العلاقات الثنائية بين البلدين في الفترة المذكورة (منذ تولي آبي أحمد منصب رئيس الوزراء في العام 2018)؛ وبدا ذلك واضحًا في مجيئها في صلب محادثات مايو 2024 رفيعة المستوى (والتي جاءت بدورها استكمالًا لتقارب إثيوبي سعودي واضح في أبريل 2024 مع توجه وفد إثيوبي برئاسة تيميسجن تيرونا Temesgen Tiruneh (نائب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد) إلى الرياض لنقل رسالة هامة من آبي أحمد لمحمد بن سلمان ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي بخصوص العلاقات الثنائية و”استراتيجيات تعزيز التعاون” (تلقاها فيصل بن فرحان). وسعت محادثات تيرونا مع بن فرحان إلى استشراف سبل تعميق الصلات بين البلدين وجهود إثيوبيا لتحسين التعاون مع السعودية في المجالات الاقتصادية والأمنية ومجال فرص العمل التي توفرها السعودية للعمالة الإثيوبية. كما لمست المحادثات مسألة بالغة الأهمية؛ المتبادلة في واقع الأمر مع التصعيدات الجارية في البحر الأحمر وبدء العودة القوية لإيران في الإقليم خارج مجال نفوذها التقليدي جنوبي الإقليم إلى جار إثيوبيا الكبير: السودان، ألا وهي مسألة مساعي إثيوبيا “المشروعة” للوصول إلى ميناء بحري “من أجل التكامل الاقتصادي الإقليمي” حسب الادعاءات الإثيوبية (وعلى حساب سيادة جارة إثيوبيا على حدودها الشرقية والجنوبية: الصومال). كما أكدت أديس أبابا على أهمية دورها كجسر ولاعب رئيس في العلاقات السعودية- الأفريقية “وأهمية “الجهود التعاونية بين البلدين في قطاعات متنوعة”.
ويبدو ان السعودية باتت أكثر انفتاحًا على مساعي أديس أبابا للوصول إلى البحر الأحمر حسبما يؤشر له وجود هذا البند بشكل دائم على أجندة اللقاءات الثنائية بين البلدين في الآونة الأخيرة، وربما في ضوء تراجع الشراكة الاستراتيجية بين الرياض والقاهرة في الإقليم أو في ظل ضمان الرياض لمواقف القاهرة مسبقًا. ودل على ذلك عقد معهد الشئون الخارجية The Institute of Foreign Affairs (IFA) ما يعرف بحوار البحر الأحمر الثاني 2nd Red Sea Dialogue في أديس أبابا (30 مايو الفائت) تحت عنوان “الحاجة لتعاون إقليمي في وقت التغيرات الجيوسياسية” The Need for Regional Cooperation at a Time of Geopolitical Shifts في حضور علماء ومسئولون وخبراء لمناقشة الأمن البحري والتطلعات الاقتصادية في إقليم البحر الأحمر الاستراتيجي. وتناول المنتدى أربعة قضايا رئيسة تعبر في مجملها عن رؤية إثيوبيا لدورها وموقعها في الإقليم (والتي تحظى بدعم خليجي متزايد) وهي: تطور أثر بيئة الأمن في الإقليم؛ والوصول إلى موانئ بحرية والمشاركة في الموانئ port-sharing، والثغرات في إطار الأمن الإقليمي القائم، ونماذج تعاون بحري إقليمي ناجح ([1]).
- دعم الدور السعودي في السودان
تنظر الرياض لأديس أبابا كفاعل رئيس ومهم ومستدام في الأزمة الراهنة في السودان، لاسيما أن إثيوبيا تملك علاقات “عضوية” وطيدة مع ما تعرف “بمكونات المعارضة المدنية” وقنوات تأثير مباشرة أو غير مباشرة (في إطار التخادم مع الإمارات والسعودية وإسرائيل) على تلك المكونات عبر التمويل أو الدعم اللوجيستي أو إملاء المواقف والأجندات (لاسيما منذ فشل ما عرفت بالورشة الأمنية قبيل الأزمة الراهنة بأسابيع). وفي المقابل فإن الرياض باتت أكثر اعتمادًا -حسب قراءة المشهد المتسارع حاليًا- على إثيوبيا في ملف السودان بعد التدخل الإيراني القوي لإرفاد مجلس السيادة الانتقالي والقوات المسلحة السودانية بدعم عسكري وأمني في إطار التعاون المتنامي بين البلدين في الشهور الأخيرة في سيناريو معاكس لفترة نهاية عهد البشير وما بعد ثورة ديسمبر 2019، ومتسقًا مع مواقف قوات الدعم السريع التي قدمت نفسها منذ بداية “ما بعد البشير” كقوة مناهضة لإيران (حسب زيارة حميدتي للسعودية في العام 2019 وتأكيده دعم قواته للسعودية ضد إيران والحوثيين)([2]).
ومع الأخذ في الاعتبار “العامل الأمريكي”، الذي يعتبر “منصة جدة” بكل عوارها التنظيمي والمبدئي مسارًا وحيدًا لأية عملية سلام سودانية مرتقبة، وارتباطه بدور السعودية في السودان من جهة، وطبيعة العلاقات التقليدية القائمة مع إثيوبيا (وملاحظة التقارب الروسي- السوداني الأخير والذي ستتضح معالمه وحدوده في يونيو الجاري) فإنه يتوقع بشكل قاطع تعميق التنسيق الإثيوبي السعودي في الملف السوداني وأن تصطف إثيوبيا كلية خلف المواقف السعودية كفرص مشتركة بين البلدين.
- التعاون العسكري والاستخبارات والأمني
ارتبط تعميق العلاقات السعودية الإثيوبية منذ مطلع العام 2024 بمسار تعاون استخباراتي وأمني واضح وربما غير مسبوق بين البلدين منذ قيام الدولة السعودية، ويؤشر بدوره إلى أفق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وحجم المتغيرات الإقليمية (لاسيما حال اكتمال معادلة السعودي- الإسرائيلي وجوانبه التي تتجاوز حدود العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط والبحر الأحمر). وعقدت في مايو 2024، في خطوة وصفتها وسائل الإعلام الإثيوبية بالهادفة إلى تقوية العلاقات الثنائية مع الرياض، مناقشات هامة بين عدد من كبار المسئولين العسكريين في البلدين في الرياض خلال زيارة وفد إثيوبي بقيادة الجنرال جيتاتشو جودينا Getachew Gudina رئيس إدارة الاستخبارات الدفاعية. وحدد الجانبان الإثيوبي والسعودي خلال الزيارة المجالات المحتملة لتحقيق تعاون عسكري بين قواتهما وتشمل تبادل المعلومات العسكرية ومبادرات بناء القدرات والتعاون التقني والدعم المتبادل. ولم تقتصر أجندة الاجتماع على المسائل “الفنية” بل تعدتها على أبعاد سياسية أوسع تشمل المسائل الأمنية القومية والإقليمية والعالمية “محل الاهتمام المشترك”. وأكدت المناقشات على أهمية تعميق تحسين التعاون الاستخباراتي العسكري والأمني بين البلدين ورفع مستوى المحادثات الثنائية والاستفادة من تجارب المرافق العسكرية السعودية التي زارها الوفد الإثيوبي ([3]).
ويعزز تعمق هذا التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي غير المسبوق فرضيات دعم السعودية لإثيوبيا في مسائل الوصول لمنفذ على البحر الأحمر (سواء عبر إقليم أرض الصومال، أم في حال تجدد التفاهمات الإثيوبية- الإريترية برعاية سعودية رافعة للاستثمارات في البلدين)، والتمتع بدور أكبر في ترتيبات الأمن في إقليم البحر الأحمر “الفرعي” (والذي تفرض فيه السعودية هيمنة واضحة) سواء بالتنسيق عبر القيادة العسكرية الأمريكية- الأوروبية وعملياتها المتنوعة (لمواجهة القرصنة بالأساس) أو عبر الترتيبات التي تقودها السعودية نفسها في إطار ما عرف “بمجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر” (وهمشت فيها مصر في الأعوام الأخيرة رغم لعب القاهرة دور رئيس مع الرياض في تكوين المجلس). وفي المقابل توفر إثيوبيا رافعة رئيسة لدور السعودية الأمني- العسكري المرتقب تصاعده في البحر الأحمر وفي الشأن السوداني من جهة حدوده الشرقية (بعد اختراق الإمارات لسيادته في دارفور في غربي البلاد)، وملف “مكافحة الإرهاب”.
الصلات الاقتصادية: نحو توازن أكبر
لا تزال التجارة المتبادلة بين إثيوبيا والسعودية في حدود منخفضة نسبيًا إذ بلغت في العام 2022 حدود 750 مليون دولار مثلت الصادرات السعودية منها 482 مليون دولار (لا تتجاوز 0.14% من إجمالي الصادرات السعودية التي بلغت في العام نفسه 362 بليون دولار) بينما بلغت الصادرات الإثيوبية 268 مليون دولار (مثلت نحو 6.3% من إجمالي صادرات إثيوبيا التي بلغت في العام نفسه 4.24 بليون دولار). وتركزت صادرات السعودية في منتجات البترول (278 مليون دولار)، ومنتجات البتروكيماويات، مع ملاحظة زيادة الصادرات السعودية لإثيوبيا في العقود الثلاثة الأخيرة بنسبة 4.87% سنويًا من 134 مليون دولار في العام 1995 إلى 482 مليون دولار في العام 2022. أما الصادرات الإثيوبية للسعودية فقد تركزت في البن (208 مليون دولار) والماشية (34.3 مليون دولار)، وارتفعت هذه الصادرات سنويًا من العام 1995 حتى العام 2022 بنسبة 7.43% (من 38.7 مليون دولار على 268 مليون دولار) ([4]).
وبالنظر إلى بنية الصادرات والواردات السعودية- الإثيوبية يلاحظ أنها بالغة البساطة ولا تمثل علاقات تجارية معقدة، وتكشف ذلك الأمر في نهاية العام 2023 حيث تركز التعاون الاقتصادي بين البلدين في إقدام السعودية على توقيع اتفاق للتعاون مع إثيوبيا في قطاع الوقود والطاقة (الذي يمثل المكون الأكبر في تجارة البلدين بالفعل في العقود الأخيرة)، وحسب الاتفاق، الذي وقعه وزير المالية الإثيوبي أحمد شايد ووزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان آل سعود في الرياض في نوفمبر 2023، فإن الشركات السعودية ستعمل في مجالات إمدادات البترول ونقل تكنولوجيا الطاقة والاستثمارات في الطاقة في إثيوبيا. كما غطى الاتفاق الشراكة في مشروعات مشتركة في قطاع الكهرباء (الذي تعول عليه إثيوبيا بشكل واضح في السنوات الأخيرة لتحقيق التكامل الإقليمي في القرن الأفريقي وفق رؤيتها الوطنية)، والابتكار، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي ([5]).
ويبدو من القطاعات المستهدفة من التعاون السعودي- الإثيوبي اقتصاديًا رغبة البلدان في تعميق الاعتماد المتبادل وصولًا لصيغة تعاون استراتيجية أكثر تعقيدًا وتنوعًا مع ملاحظة طرح إثيوبيا نفسها مركزًا للأمن السيبراني (بخبرات إسرائيلية واضحة، وهو القطاع الذي سلكه رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد ولا زال فاعلًا في سياساته باعتباره ضابطًا مرموقًا في الاستخبارات الإثيوبية). وفي المقابل تسعى الرياض لتوسيع حضورها في السوق الإثيوبي الواسع واقتناص الفرص المرتقبة في السنوات التالية لاسيما في قطاعات الطاقة والإنتاج الزراعي (الذي يمثل وجهة تقليدية للاستثمارات السعودية منذ عقود طويلة بالفعل) والبنية التحتية.
كما شهدت العلاقات السعودية الإثيوبية الاقتصادية دفعة جديدة نهاية مايو 2024 بقمة ضمت وزيري خارجية البلدين فيصل بن فرحان وتاي أتسكي سيلاسي في الرياض حيث ناقش الوزيران سبل رفع مستوى العلاقات الثنائية واتفقا على تقوية العلاقات الاقتصادية والشعبية على وجه التحديد حسب تصريحات لوزارة الخارجية الإثيوبية. وشملت المحادثات سبل ضمان تحقيق السلام والأمن في القرن الأفريقي وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. وجاء اجتماعهما مختتمًا لأعمال البعثة الوزارية الإثيوبية السعودية المشتركة Ethio-Saudi Joint Ministerial Commission في دورتها السادسة التي ركزت بدورها على أجندة مقاربة من قبيل تعزيز التعاون في السلم والأمن، والتجارة، والاستثمار، والماشية الحية، والزراعة، والبنية الأساسية، والطاقة، والمعادن ([6]).
كما عقد وزير الخارجية الإثيوبي اجتماعًا مع حسن مجيب رئيس غرفة التجارة السعودية وأكد الأول خلال الاجتماع اتخاذ إثيوبيا خطوات كبيرة للإصلاح بهدف تكوين مناخ استثماري ملائم للمستثمرين الأجانب ودعا الشركات السعودية للمشاركة القوية في أنشطة التجارة والاستثمار في إثيوبيا. فيما أكد رئيس الغرفة التجارية السعودية تحمس المستثمرون السعوديون للعمل في إثيوبيا لاسيما في قطاع معالجة المنتجات الزراعية والتصنيع. وكشف في الوقت نفسه عن استعداد وفد سعودي مختار (من المستثمرين السعوديين) لزيارة إثيوبيا في أغسطس المقبل ([7]). كما تعهد الوزيران بتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي ([8])؛ وهو بند يكتسب أهمية فائقة في سياسات أديس أبابا والرياض الخارجية بناء على منطلقات مختلفة بطبيعة الحال فالسعودية تعمل بقوة على ريادة إقليم فرعي يضم دولًا كبيرة بحجم مصر وإثيوبيا والسودان (في أفريقيا) فيما تعمل إثيوبيا على الفكاك من ازماتها الداخلية (ومع دول الجوار) عبر تبني مسار مواز بتحقيق تكامل اقتصادي إقليمي (غير عملي ومشوه في واقع الأمر).
خلاصة
يتسق النمو الكبير في العلاقات السعودية الإثيوبية مع إعلان الرياض نهاية العام الماضي تبنيها سياسات أفريقية “جديدة” لتعزيز شراكاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية- العسكرية مع دول القارة. وعند الاستقراء المدقق للبيان ومتابعة تطورات تلك العلاقات يلاحظ وقوع إثيوبيا في قلب الاهتمامات السعودية بالقارة لاعتبارات متعددة أبرزها قدرة أديس أبابا على لعب أدوار فاعلة في القضايا القارة (ولاسيما في دائرة دول جوارها) على نحو تخادمي كامل للسياسة السعودية في القارة، وعلى نحو يمثل تهميشًا أكبر لأدوار دول عربية فاعلة في القارة، وهي استراتيجية تخدم مصالح الرياض وأديس أبابا على نحو كامل وتمثل ضغوطًا ناجعة على تلك الدول العربية للانصياع لمجمل تصورات الرياض الإقليمية، كما أنها تمثل دعمًا وتمويلًا لا يقارن إلا بنظيره الإماراتي لإثيوبيا في مساعيها تمدد هيمنتها الإقليمية على دول الجوار ووصولها في النهاية لمنفذ بحري على البحر الأحمر كهدف استراتيجي رئيس من وراء “الشراكة الإثيوبية- السعودية”.
الهوامش
[1] Ethiopia hosts 2nd annual conference on Red Sea regional cooperation amid geopolitical shifts, Addis Standard, May 31, 2024 https://addisstandard.com/ethiopia-hosts-2nd-annual-conference-on-red-sea-regional-cooperation-amid-geopolitical-shifts/
[2] Eric Lob, Iran’s intervention in Sudan’s civil war advances its geopolitical goals − but not without risks, Insight News, June 3, 2024 https://www.insightnews.com/news/iran-s-intervention-in-sudan-s-civil-war-advances-its-geopolitical-goals-but-not-without/article_dcec2eec-2168-11ef-91e8-ff06e0085699.html
[3] Ethiopia, Saudi Arabia Engage In High-Level Discussions On Intelligence Matters, Fanabc, May 21, 2024 https://www.fanabc.com/english/ethiopia-saudi-arabia-engage-in-high-level-discussions-on-intelligence-matters/
[4] https://oec.world/en/profile/bilateral-country/sau/partner/eth
[5] Ethiopia, Saudi Arabia Sign Fuel, Energy Cooperation Deal, Ethiopian Monitor, November 9, 2023 https://ethiopianmonitor.com/2023/11/09/ethiopia-saudi-arabia-sign-fuel-energy-cooperation-agreement/
[6] Ethiopia, Saudi Arabia Eye Enhanced Diplomatic and Economic Ties, Ethiopian Monitor, May 24, 2024 https://ethiopianmonitor.com/2024/05/24/ethiopia-saudi-arabia-eye-enhanced-diplomatic-and-economic-ties/
[7] Ethiopia, Saudi Arabia Eye Enhanced Diplomatic and Economic Ties, Ethiopian Monitor, May 24, 2024 https://ethiopianmonitor.com/2024/05/24/ethiopia-saudi-arabia-eye-enhanced-diplomatic-and-economic-ties/