الصراع الحدودي المالي الموريتاني
المقدمة
تصاعد الصراع مؤخرا بين سلطات نواكشوط وكذلك سلطات باماكو وكدولتين متجاورتين تجمع بينهما حدود مشتركة تزيد على 2200 كليو وتنشط فيها العديد من الجماعات المسلحة الانفصالية أو الجهادية ، حيث تعمل في الاختطاف والتهريب والاتجار في المخدرات بالرغم من ذلك ظل البلدين في حالة من التفاهم والاستقرار في الشريط الحدودي ، لكن وسط تحولات جيواسترانيجة تمر بها منطقة الساحل الافريقي عقب الانقلابات العسكرية التي سيطرت على الحكم في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر شهدت العلاقات بين البلدين مؤخرا تأزم في العلاقات بين البلدين لاسيما على الصعيد الأمني حيث تتهم موريتانيا الجيش المالي وكذلك الفيلق الأفريقي في الجيش الروسي باختراق الحدود والدخول في أراضيها وفي الجانب الاخر تقول السلطات المالية بأن نواكشوط تحتضن الجماعات الانفصالية من جبهة تحرير الازواد فضلا عن الجماعات الإرهابية ، التحركات الدبلوماسية كانت حاضرة بين الدولتين لكن النتائج كانت زيادة حدة التوترات وتعميق الفجوة بين الجارتين ، لذا سوف اتناول في هذه الورقة التحليلية ابعاد الصراع ودوافعه وآثاره على أمن منطقة الساحل الإفريقي .
العلاقات الثنائية بين مالي وموريتانيا
العلاقات الثنائية بين البلدين تتميز بالتشابك والترابط بسبب وحدة المعتقدات الدينية والثقافية والتداخل العرقي والقبلي والتاريخ مشترك، إذ تستضيف موريتانيا حالياً 150 ألف لاجئ من مالي ،وعلى المستوى الاقتصادي تعتمد باماكو على ميناء نواكشوط في عمليات الاستيراد من الخارج والتصدير باعتبار أن موريتانيا دولة حبسيه، كما أن مالي تستقبل شاحنات محمّلة بالبضائع قادمة في كل من الجزائر والمغرب عن طريق الأراضي الموريتانية وتعتبر الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في نواكشوط جاذبة للعمالة من مالي، بالأخص المهن الحرفية والأعمال المنزلية.’1′
في ذات السياق يعتمد الرعاة الموريتانيون وتجار المواشي في المناطق الشرقية على الأراضي المالية التي تتميز بوفرة المراعي الخصبة والغابات الكثيفة، كما تستورد موريتانيا من مالي أعلاف المواشي وبعض المنتجات الزراعية، وتنشط في باماكو جالية موريتانية معظمهما من التجار، ولديهم استثمارات متنوعة المجالات.’2′
التوتر الراهن : الأسباب و الدوافع
في يناير 2023 ذكرت بعض التقارير عن مقتل 7 رعاة من موريتانيا في الأراضي المالية علي يد الجيش ، فخرجت مظاهرات في “عدل بكرو ” الموريتانية علي الشريط الحدودي تطالب الحكومة بتوفير الحماية والأمن للمواطنين وقد أرسلت السلطات في نواكشوط وفدا رسمياً إلى باماكو للبحث عن خلفيات الحادث والظروف وتعهدت الحكومة المالية بالقبض على المجرمين وفي ذات السياق اتهمت بعض الصحف المحسوبة على المجلس العسكري بتوجيه أصابع الاتهام للمخابرات الفرنسية قائلة إنها تهدف لإفساد العلاقة بين البلدين .’3′
في مارس 2023 اي بعد أقل شهرين على الحادث المذكور ، قتل عدد من الموريتانيين في التراب المالي ، فأعلنت السلطات في باماكو عن فتح تحقيق وإرسال وفد إلى نواكشوط للتوضيح ، وفي أبريل 2024 وردت تقارير عن قيام جنود من الجيش المالي بذبح موريتانيين على الشريط الحدودي بين البلدين ، وبعد ذلك استمرت أحداث مشابهة من القتل والاختطاف داخل القري والأراضي المالية .’4′
في بداية أبريل 2024 وردت تقارير عن قيام جنود من القوات المسلحة المالية بذبح موريتانيين على الشريط الحدودي بين البلدين، وتوالت بعد ذلك أحداث مشابهة من القتل والاختطاف داخل القرى والأراضي المالية، وفق تقارير وشهادات في الجانب الموريتاني ، كثفت باماكو من اتصالاتها بالحكومة الموريتانية لتلافي التصعيد، فأجرى الرئيس الانتقالي في مالي مكالمة هاتفية مع الرئيس الموريتاني، وبعث وفدا دبلوماسيا وعسكريا ضم وزيري الخارجية والدفاع نحو نواكشوط في أبريل2024 ، وحسب الصحافة المحلية الموريتانية، فإن زيارة الوفد لم تكن ناجحة، إذ لم يتوصل الطرفان على صيغة مشتركة من شأنها حماية الموريتانيين المقيمين في مالي من الهجمات المتكررة التي تقف خلفها قوات موالية للنظام في باماكو، بحسب المسؤولين في نواكشوط.’5′
في تطور مثير أوقفت نواكشوط دخول الماليين غير الحاصلين على إقامات أو تصاريح إلى أراضيها ، وفي ذات السياق طالب رئيس الجالية الموريتانية في مالي من الموريتانيين في القرى والمخيمات الواقعة على الشروط الحدودي الابتعاد والمغادرة إلى دولتهم، وتحدث عن نية الجيش المالي القيام بعمليات أمنية واسعة قرب الحدود المشتركة. وفي 16 أبريل 2024 قام محتجون ماليين باعتراض سيارات موريتانية ومنعوها من المرور، كما تم اختطاف رعايا من حافلات نقل تتبع لموريتانيين. وردا على هذه الأحداث استدعت نواكشوط السفير المالي وأصدرت وزارة الخارجية بيانا حملت فيه الدولة المالية مسؤولية ما حدث، وأكدت أن استمرار هذه الأحداث ليس مقبولاً.
‘6’
أثر ذلك أوفد الرئيس الموريتاني وزير دفاعه مصحوبا بمدير المخابرات الخارجية إلى باماكو حاملا رسالة خاصة إلى رئيس الفترة الانتقالية في مالي العقيد آسيمي غويتا.ورغم أن فحوى الرسالة لم يتسرب، فإن وزير الدفاع الموريتاني قال في تصريحاته للصحافة إنه ناقش مع رئيس المرحلة الانتقالية المالية العلاقات التاريخية بين البلدين وسبل تطويرها.وتحدث المسؤول الموريتاني عن أهمية العلاقات بين البلدين والروابط التاريخية التي تجمع بين الشعبين، وقال إن المحافظة على ذلك مسؤولية الجميع.’7′
الدور الروسي في الأزمة
في أبريل 2024 دخلت قوات من الجيش المالي مصحوبة بعناصر من مجموعة فاغنر الروسية إلى الأراضي الموريتانية الواقعة قرب الحدود مع مالي وخاصة قرية تسمى “مد الله” وأطلقت النار على السكان، فأثار ذلك موجة من الاستياء داخل الأوساط السياسية والأمنية في موريتانيا. ووفقا لتقارير إعلامية، فإن فاغنر كانت تطارد بعض الجماعات المسلحة في مالي ودخلت الحدود الموريتانية عن طريق الخطأ ،في الجانب الاخر وصلت كتائب من الجيش الموريتاني لمكان الحاد وأعلنت جاهزيتها وقدرتها على حماية السكان والمواطنين ، وفي نواكشوط، قال الوزير الناطق باسم الحكومة الناني ولد اشروقة أن قوات من فاغنر دخلت الأراضي الموريتانية عن طريق الخطأ، وإن الجيش الموريتاني سيرد الصاع صاعين لمن حاول دخول الأرض الموريتانية عن قصد .’8′
يرتبط المجلس العسكري الحاكم في باماكو بشراكات أمنية وعسكرية مع مجموعة فاغنر، ويوجد في مالي نحو ألف مقاتل من قوات فاغنر يعملون مع الجيش المالي في محاربة الجماعات المسلحة والحركات الانفصالية ،وبعد خروج قوات “مينوسما” الأممية من مالي وكذلك إنهاء عملية برخان الفرنسية ، أصبحت باماكو تعتمد على القوات الروسية الخاصة، واستعانت بها في استعادة مدينة كيدال معقل الأزواديين الانفصاليين .’9′
تعتبر الأزمة الأمنية والسياسية في شمال مالي (إقليم أزواد) من أبرز الملفات التي أعاقت تقدم العلاقات الموريتانية المالية مع بداية استلام الرئيس “كيتا” لمقاليد الحكم في البلاد. تتهم باماكو موريتانيا باحتضان الحركة الوطنية لتحرير أزواد (المتمردين الطوارق)، وبالسماح للأمين العام للحركة العربية لتحرير أزواد بالإقامة في العاصمة نواكشوط، ما يتيح لهذه القيادات التي تعارض الغالبية منها السلطة المركزية في باماكو التحرك ورسم خططها وتحالفاتها المعارضة لنهج الحكومة المالية.’10’
كما أن رفض نواكشوط لاستغلال موقعها الريادي وعلاقتها مع قبائل الشمال لصالح الحكومة المالية زاد من توتر العلاقات، وأعطى مبرراً لاتهامها بالتواطؤ مع الحركات المتمردة التي كانت تحارب إلى جانب التنظيمات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي سيطر على شمال مالي، تزامناً مع الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق “آمادو توماني تورى”.’10’
مستقبل العلاقات بين البلدين
من خلال التوترات التي سيطرت على العلاقات بين كل من مالي وموريتانيا يكمن قراءة مستقبل العلاقات من عدة جوانب منها :
اولا : التفاهم والتعاون بين البلدين في القضايا محل الخلاف والتوصل إلى صيغة مشتركة ، وذلك من خلال إدارة التوتر في الأطر السلمية ، ورغم عمليات استهداف الموريتانيين في مالي، أن العلاقات الموريتانية –المالية تعيش أزهى فتراتها، من خلال الزيارات المتتالية لوزير الخارجية المالي عبد الله ديوب إلى موريتانيا مرات متعددة وكذلك الحالة بالنسبة لرئيس الحكومة المالي شوغل مايغا، كما وقع البلدان في العاصمة نواكشوط م اتفاقا لتسهيل التبادل التجاري وتلاه تصدير القطن المالي إلى موريتانيا ، بعدها بأيام وقعت العملية الأعنف ضد الموريتانيين، وهو ما يعزز موقف بعض الموريتانيين الذين يحملون فرنسا والجماعات المسلحة المسؤولية عن الحوادث الأخيرة ،كنوع من الضغط على نظام ولد الشيخ الغزواني من أجل الدخول في الصف المناهض لمالي وإغلاق الحدود أسوة بالسنغال وساحل العاج وغيرها، فالعمليات ضد الموريتانيين جاءت من أجل إجبار موريتانيا على إغلاق حدودها، وإبداء موقف رسمي واضح من التدخل الروسي هناك، وقد لمح لذلك بيان الخارجية الموريتانية الذي أكدر رفض موريتانيا القاطع لحصار مالي .’11’
ثانياً: اندلاع مواجهات عسكرية بين البلدين ، وذلك يعود إلى الاستقطاب الحاد بين القوى العظمى في المنطقة ، بدأ الحديث مؤخرا يكثر عن تواجد مقاتلين روس في مالي بعد تعاقد الحكومة الانتقالية المالية معهم كبديل لفرنسا، وهو تحرك أغضب المستعمِرة السابقة لمالي وموريتانيا ، فصب حكام “قصر الإليزيه” غضبا جمًا على حكومة مالي، وبدأ ما يشبه الحرب الباردة بين روسيا وفرنسا في مالي والساحل الأفريقي، نجحت فرنسا في جمع موقف إفريقي موحد ضد مالي ممثلا في حصار فرضته مجموعة غرب إفريقيا الاقتصادية “إيكواس” على مالي، مصحوبا بإغلاق الحدود، في محاولة للضغط على الحكومة المالية، فكان الموقف الموريتاني رافضا لحصار لمالي،
فلم تغلق موريتانيا حدودها واستمرت في تبادلها التجاري مع مالي، واستمر “المزارعون” و”الرعاة؛ الموريتانيون على حدود جارة موريتانيا الشمالية الشرقية “مالي” في عملهم عن طريق دخولهم الأراضي المالية، كما اعتادوا على ذلك ، فمالي هي قلب القطاع الزراعي في موريتانيا ، توصل الطرفان إلى اتفاق على مراقبة الحدود وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة، فيما يبدو قبولا موريتانيا بالأوضاع على ما هي عليه، ولم تطلب السلطات ولم تبد موقفا رسميا من مقاتلي “فاغنر” الذين يتهمون بحسب ما رواه شهود عيان على الحدود بالوقوف وراء عمليات الاختطاف والقتل الأخيرة ، اعتماد الجيش المالي على مقاتلين فاغنر سيعمق الاستقطاب بين الجانبين الروسي الفرنسي ومما يدفع بكل سيناريوهات المواجهة العسكرية حاضرة لاسيما أن موريتانيا مقبلة على الانتخابات الرئاسة .’12’
ختاما يمكن القول بأن التوتر الذي يسود العلاقات الثنائية بين البلدين له تداعيات أمن واستقرار على دول غرب أفريقيا والتأثير الأكبر على دول الساحل الافريقي في ظل توافر عدد من العناصر المشتركة كالأصل العرقي والحدود المشتركة فضلا عن العوامل الثقافة لكن المتغيرات الإقليمية والدولية ستعمل جاهدة للتنافس بكل الطرق والأدوات من أجل إحكام السيطرة على الأوضاع في سبيل المحافظة على نفوذها ومصالحها.
المصادر والمراجع
1- حبيب الله مايابي ، حقيقة الأزمة بين موريتانيا ومالي ، الجزيرة نت
2- المصدر نفسه
3- اماني الطويل ، ابعاد الخلافات بين مالي وموريتانيا ، اندبندنت عربية .
4- المصدر نفسه
5- عبدالله مولود ، موريتانيا ومالي الأزمة الحدودية ، صحفية القدس العربي .
6- المصدر نفسه
7- اقريني امينوه ، الحدود بين موريتانيا ومالي. … توتر ببصمة فاغنر ،اندبندنت عربية .
8- المصدر نفسه
9- محمد المختار ، موريتانيا ومالي …. اي مستقبل للعلاقات ، صحيفة القدس العربي.
10- المصدر نفسه
11- صباح موسى ، موريتانيا… علاقات على رمال متحركة ، العين الإخبارية.
12- المصدر نفسه.