أزمات اللاجئين والنزوحالأزمات الإقليميةالأمن القومي والدفاع العسكريالأمن والدفاعالاستخباراتالحركات المسلحةالسيادة والنزاعات الحدوديةالسياسات الاقتصادية والتنمويةالمخابرات والتحريات الأمنيةالنزاعات الداخلية والإقليميةالنزاعات الداخلية والاجتماعيةتقدير المواقفصنع السلام

مستقبل الإرهاب في منطقة بحيرة تشاد

ملخص:

تعد منطقة بحيرة تشاد إحدى المناطق الاستراتيجية في وسط إفريقيا، إذ أنها تمثل بوابة أساسية للتعاون الأفريقي الأفريقي- ومنطقة ذات حضارة عتيقة تعود إلى الآلاف السنين، وملتقى للتواصل الحضاري بين شعوب الساو، وقد مرت منطقة بحيرة تشاد بعدد من التحولات المهمة بسبب تقلص مياه البحيرة وبحسب بيانات وزارة التنمية الاجتماعية في تشاد فإن خطة إنقاذ بحيرة تشاد يكلف ٥٠ مليار دولار أمريكي.

تمثل منطقة بحيرة تشاد معلماً بارزاً لفهم طبيعة الحدود الجغرافية بين تشاد ودول الجوار الغربي، إذ تشترك البحيرة في طول الحدود الجغرافية لدولة تشاد من جهة الغرب ويشمل ذلك كلاً من نيجيريا والنيجر والكاميرون، وقد سمح الموقع الجغرافي للبحيرة أن تتحكم حكومة جمهورية تشاد في الملفات الأمنية لتلك المنطقة وتؤسس للتحالف الأمني للدول المطلة على بحيرة تشاد عام ١٩٩٩ في العاصمة التشادية أنجمينا.

الكلمات المفتاحية: بحيرة تشاد – الإرهاب – القوات المسلحة التشادية – بوكو حرام 

بحيرة تشاد

تقع بحيرة تشاد في المنطقة الشمالية الوسطى من قارة أفريقيا، وتمتد على أراضي أربع دول أفريقية متجاورة، هي الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، غير أن النسبة الأكبر من مساحة البحيرة تقع ضمن حدود تشاد، ينظر العلماء المختصون لبحيرة تشاد باعتبارها الجزء المتبقي من إحدى البحيرات الهائلة‏ التي كانت موجودة حتى أوائل العصر الجيولوجي الرابع، وكانت تعتبر واحدة من كبرى بحيرات المياه العذبة في أفريقيا. لا يزيد عمق البحيرة عن سبعة أمتار بسبب حوضها الضحل، حيث يتدفق الماء إلى المناطق الريفية، وتظهر على سطح البحيرة عدة جزر تغطيها الأعشاب والحشائش، وهذا السطح المتلبد جعل معظم الناس يطلقون عليها اسم “بحيرة المروج الغريقة”.

وبحسب الدكتور أمين إسماعيل بركة (أستاذ الجغرافيا الاقتصادية بجامعة الملك فيصل – تشاد)  فإن بحيرة تشاد تعتبر مصدرا اقتصادياً هاماً، حيث تعد موردا مائيا لأكثر من عشرين مليون شخص‏ يقطنون الدول الأربع التي تمتد فيها البحيرة.

وتصل الكمية الأكبر من المياه إلى بحيرة تشاد عبر نهري شاري (90%) ولوغون‏، والاثنان ينبعان من جبال جمهورية أفريقيا الوسطى‏، إلا أن نهر شاري تعرض لانخفاض واضح في مستوى المياه الجارية به نتيجة مواسم الجفاف الطويلة التي ضربت منطقة الساحل الأفريقي‏، بالإضافة إلى التغطية المستمرّة لكثبان الرمال لمسارات النهر، التي تحول دون جريان المياه فيه بالكميّة والسرعة الكافية لتدفّقها نحو البحيرة.

وبسبب الجفاف المستمر منذ عام 1962، تعاني بحيرة تشاد من انحسار مساحتها، التي فقدت منها 90% على مدى بضعة عقود، وتراجعت من 25 ألف كيلومترمربع في ستينيات القرن الماضي إلى أقل من ألفي كيلومتر مربع في 2017.

الإرهاب

يعرف الإرهاب حسب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأنه: كل إجراء يشمل تخويف السكان أو الحكومات أو إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف. وقد يؤدي ذلك إلى الوفاة أو الإصابة الخطيرة أو أخذ الرهائن، لذلك يجب منع هذه الأعمال، ووقف تمويلات الشبكات الإرهابية والتصدي لحركتها ونشاطاتها من أجل منع انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل.

القوات المسلحة التشادية 

يصعب على الباحث أن يجد معلومات دقيقة عن القوات المسلحة التشادية منذ الاستقلال لعدة أسباب منها: غياب التدوين باللغة العربية والفرنسية، وصعوبة الوصول إلى المعلومات العسكرية في تشاد، وعدم وجود باحثين متخصصين في الشأن العسكري والحربي، وتعطل القوات المسلحة التشادية عن العمل فترة طويلة، وانتشار المليشيات، لذلك فإنّ الباحث والمؤرخ التشادي الأستاذ الدكتور عبدالله بخيت صالح أشار في كتابه  ( تشاد في عهد الرئيس إدريس ديبي ) يرى بأنه من عدم الواقعية أن نطلق على القوات المسلحة التشادية بأنها قوات وطنية لأنها لا تستحق ذلك، حيث لم تؤسس لخدمة وحماية المواطن التشادي، و لم يقم الاستعمار الفرنسي بتدريب كفاءات تشادية عسكرية هدفها الدفاع عن الأرض والذود عن حياض الوطن، إنما كان عدد المنتسبين للقوات المسلحة التشادية عشية الاستقلال 341 جنديا تشادياً يدربهم 200 مدرب فرنسي.

وهذا دليل آخر على أن الاستقلال الفرنسي لتشاد كان زائفا، إذ أنه ومن خلال معرفة حجم الجيش التشادي بعد الاستقلال، نتيقن بأن الجيش لا يستطيع أن يؤمن مساحة تبلغ مليونا وربع المليون كليو متر مربع.

وبحسب كتاب ماريو ازيفيدو ( جذور العنف تاريخ  الحرب الأهلية في تشاد)  فقد ساهم أول رؤساء الجمهورية أنقارتا تمبلباي في استقطاب العسكريين التشاديين الذين درسوا العلوم العسكرية في الكونغو في أكاديمية ليكليرك العسكرية ذائعة الصيت، ولما عادوا أتيحت لهم فرص العمل في القوات المسلحة التشادية، وأصبحت فرنسا هي المعنية بالترقيات العسكرية، وتم تقسيم مهام القوات المسلحة في عنصرين أساسيين هي إخماد الثورات وتحصيل الضرائب، أو مساندة القوات المسلحة في حال رفض بعض القرى عدم الاستجابة لمطالب الدين الوطني، و يرى الدكتور محمد الهادي عبدالرحيم في بحثه عن أسباب نشأة جبهة التحرير الوطنية ( فرولينا ) بأن الرئيس تمبلباي أساء استخدام السلطة العسكرية عندما أمر الجيش بالنزول إلى الشارع وقمع المتظاهرين بعد أحداث سبتمبر 1963 وأسفر عن ذلك القمع سقوط عدد من الضحايا والجرحى.

 زاد تعداد الجيش التشادي عام 1964 وأصبح عدد المنتسبين للقوات المسلحة التشادية 500 جندي معظمهم من إثنية ( سارا مباي ) تليهم إثنية الحجراي، ورفض الشماليون الانضمام في صفوف القوات المسلحة التشادية اعتقادا منهم بأنها تساهم في قتل ذويهم ورفضا للتعليم الغربي، ولم يكن حتى عام 1969 في الجيش التشادي سوى 600 شمالي مقابل 3400 جنوبي ـ استناداً على تقرير صندوق التأمين الاجتماعي الفرنسي ـ قدمت فرنسا رواتب تقاعدية لأكثر من 2000 تشادي ساهموا في تحرير باريس أثناء الحرب العالمية الثانية، بينما رفضت دمج الشماليين في قائمة المحاربين القدامى و اعتبرت مشاركتهم في الحرب من باب التطوع الإنساني، وعلى الرغم من أن تمبلباي كان يزدري العسكر ولا يشعر بأهميتهم فقد استغلهم استغلالا سيئا أثناء وصوله إلى السلطة وقلص ميزانية وزارة الدفاع التشادية إلى أقل من 6% ولم يشيد أي مدرسة عسكرية حتى شعر بخطورة جبهة التحرير الوطنية  ( فرولينا ) فزاد من عدد التجنيد وفرص الالتحاق بالقوات المسلحة التشادية، لعل أحداث منقلمي والتعامل السيئ الذي تعرضت له قبيلة الموبي يفسر تعقد العلاقة بين القوات المسلحة والمواطنين التشاديين، أمر تمبلباي القوات المسلحة بقتل سكان القرية فامتثلوا للأمر وقتلوا 500 مواطن تشادي من دون أي مبرر، فقرر معظم القادرين على حمل السلاح الانتماء لجبهة التحرير الوطنية فرولينا.

 يرى الباحث التشادي محمد شريف جاكو في كتابه العلاقات التشادية الليبية بأنّ  قبيلة التوبو من أوائل القبائل التي اندمجت في القوات المسلحة التشادية بعد السارا والحجراي ويعود ذلك إلى التعاون الوثيق بين الرئيس التشادي أنقارتا تمبلباي والدردي سوقيمي تشيايمي، كان تشيايمي هو المنافس الأبرز لودي كشيديمي، وبعد الخلافات التي حدثت بين تمبلباي و كشيديمي إبان حادثة برداي، وجد تشيايمي الفرصة السانحة للتقرب إلى تمبلباي فعرض على الرئيس تجنيد 250 شابا من قبيلة التوبو للعمل في القوات المسلحة التشادية ولكي يشكلو النواة الأساسية لقوات الرحل التشادية، وافق تمبلباي على الفور واعتبر مقترح تشيايمي ذكيا فعينه نائبا في الجمعية الوطنية التشادية وممثلا لأقليم ( بوركو ـ إنيدي ـ تبيستي ) في مجلس شؤون الصحراء.

تشير المصادر في القاموس التاريخيّ لجمهورية تشاد للباحث الأميركي صامويل ديكالو بأن القوات المسلحة التشادية اعتمدت منذ الاستقلال ( أغسطس 1960 ) حتى سقوط المجلس الأعلى العسكري ( أغسطس 1979 ) على أربع تشكيلات عسكرية مهمة: 

الحرس الجمهوري: وهي من أكثر القوات تنظيما وتسليحا هدفها الأساسي حماية رئيس الجمهورية وتأمين المقرات المهمة التابعة لرئاسة الجمهورية، واستقبال الوفود الرسمية.

قوات الدرك الوطني التشادي : وهي قوات تشبه في مهامها عمل الشرطة الوطنية، تهتم بالبحث عن القضايا الجنائية وتعاقب المخالفين للأنظمة واللوائح وفضّ النزاعات بين المواطنين، وتسهر لتحقيق العدالة .

الجيش النظامي: يعتبر الكيان العام للقوات المسلحة يوجد بها 4 كتائب، ومهمتها حماية الأراضي التشادية من أي اعتداء، تطورت القوات المسلحة التشادية لتشمل عدداَ من القوارب البحرية في منطقة بحيرة تشاد، وتم شراء طائرات للشحن الجوي منتصف الستينات، تكون الجيش النظامي من 4 كتائب من المشاة، وكتيبة المظليين، وفيلق من الهجانة (الهجانة هي قوة عسكرية تمتطي الإبل وتشق الصحراء لتنفيذ عملياتها العسكرية ) يقع معسكر  (كوفرا) الخاص بالجيش التشادي في وسط العاصمة أنجمينا مع حاميات أخرى تقع في موسورو ومونقو وفايا.

حرس الرحل: قوة عسكرية تهتم بالسيطرة على القرى والبوادي في الشمال التشادي، وقد تم تأسيسها لتمثل مصدر معلومات للحكومة التشادية بشأن القرى المتمردة التي تتعاون مع جبهة التحرير الوطنية ( فرولينا ِ)  

فقد تمبلباي الثقة بالجيش التشادي بعد تأسيس جبهة التحرير الوطنية وتحقيقها انتصارات قوية في الشرق والشمال، وقرر التعاون مع الإسرائيليين لإنشاء شركة أمنية خاصة تهتم بحمايته وتأمين قصره عام 1967 أطلق عليها الشركة التشادية للأمن، واصطفى للشركة الأمنية الجديدة خيرة المقاتلين في القوات المسلحة التشادية وأرسلهم لتل أبيب لتلقي دورة تدريبية مكثفة في الأمن وحماية الشخصيات وقمع المظاهرات، ثم بالتزامن مع الثورة الثقافية أسس تمبلباي قوات عسكرية عام 1971 أطلق عليها ( مليشيات القرية ) لردع كل من يعارض مشروع الثورة الثقافية من القساوسة في الجنوب أو المسيحيين المتشددين في الوسط.

يقول تومبسون مؤلف كتاب الصراع السياسي في تشاد: بأن تمبلباي كان يزدري قواته ويرى أنها غير قوية لأنها فشلت في إخماد ثورة جبهة التحرير الوطنية وكان يفضل الاستعانة بالمغاربة والمتقاعدين الفرنسيين لحمايته.

بعد اغتيال الرئيس تمبلباي 1975 ووصول الرئيس مالوم إلى السلطة، قرر دمج قوات الدرك الوطني إلى وزارة الداخلية، وعمل على تطوير القوات المسلحة التشادية بتوقيع سلسلة من الاتفاقيات مع الدول الصديقة، استفاد مالوم من خبراته العسكرية المتراكمة في تطوير سلاح الجو التشادي، و بدأ مشروع صقور الجو التشادي الذي قدمه الرئيس مالوم، كان الرئيس إدريس ديبي أحد المستفيدين من مشروع تطوير السلاح الجوي الذي أطلقه الرئيس مالوم عام 1977.

يروي الأستاذ الدكتور إبراهيم برمة في بحثه عن فرولينا الواقع والماضي  بأنّ الرئيسَ فليكس مالوم أرسل عدداً من خريجي الأكاديميات العسكرية إلى فرنسا لدراسة الطيران العسكري وأخذ دورات متقدمة في صيانة الطائرات العسكرية من طراز سي 42 ـ الطائرات الوحيدة في سرب السلاح الجوي التشادي، وفتح المجال للشماليين للانضمام في القوات المسلحة التشادية، بلغ عدد الجيش التشادي في عهد الرئيس فليكس مالوم 12 ألف مقاتل وألحق حوالي 2000 جندي إلى قوات الدرك الوطني لتطوير النظام الأمني في العاصمة أنجمينا والأقاليم ذات التعداد السكاني الكبير، لم يقم مالوم بإصلاحات جذرية لانشغاله بالتفاوض مع الشماليين بشأن مصير الحكم في تشاد، لكنه قدم ما بوسعه لتدارك أخطاء تمبلباي في الشأن العسكري، وأعاد للمؤسسة العسكرية روحها وما لبث أن واجهت القوات المسلحة التشادية أزمة أخرى تتعلق بكيفية تعاملها مع قوات أخرى مسلحة تتبع لفصائل الثورة، وقع مالوم اتفاقية الخرطوم عام 1978 ووافق بجلب قوات حبري إلى أنجمينا، وهنا بدأت علامات الوهن التي اعترت القوات المسلحة التشادية، ثم حدث الانهيار الكبير في القوات المسلحة بعد أحداث 12 فبراير 1979 واستفاد كاموغي وزير خارجية المجلس الأعلى العسكري والجنوبي المتمرد من انشقاقات الجيش وانسحب بثلث الجيش التشادي من العاصمة إلى مدينة مندو، وغادر رئيس الجمهورية وقائد الجيش التشادي مالوم قصره إلى نيجيريا بلا عودة.

وصل قوكوني إلى السلطة بقوات غير نظامية تسمى القوات المسلحة الشعبية، وبقيت في العاصمة قرابة السنتين، وقع قوكوني إتفاقية تعاون مع القوات المسلحة الليبية واستفاد من التسليح والعتاد العسكري الليبي، لكن مع الاضطرابات السياسية ورفض دول منظمة الوحدة الإفريقية للدعم الليبي والتدخل في الشأن التشادي، أوقف العقيد القذافي الدعم العسكري الذي كان يقدمه للقوات المسلحة الشعبية، انتشر التسليح مطلع الثمانينات وأغدق العالم على المجتمع التشادي  بكافة أنواع الأسلحة والطائرات والمروحيات، لم يبق سلاح شرقي أو غربي إلا وله وجود في تشاد، أكثر من 15 فصيل عسكري عاد من لاغوس للمشاركة في الحياة السياسية الجديدة، اندلعت المعارك بين الفرقاء السياسيين الجدد، وتحولت العاصمة إلى ركام وتحطمت البنية التحتية العسكرية فجاء حسين حبري بوشلامي بإصلاحلاته العسكرية التي ما زالت مستمرة حتى اليوم.

استفاد حبري من تعيينه في منصب وزير الدفاع بعد إتفاقية لاغوس، ودرس مكامن الخلل في القوات المسلحة التشادية، ولما آلت له السلطة قرر دمج القوات الشمالية مع عدد من الفصائل المتحالفة معه إلى الكيان الرسمي للدولة (القوات المسلحة التشادية) بلغ تعداد القوات المسلحة التشادية في عهد الرئيس حسين حبري 28 ألف مقاتل، وقام حبري بتقسيم جمهورية تشاد إلى 12 منطقة عسكرية، لكل منها قائد عسكري، ويشرف بصفته وزيرا للدفاع على جميع المناطق العسكرية، ويجمع بذات الصفة القيادة العسكرية لمنطقة بوركو إنيدي تبيستي لخصوصيتها ولأنها موطن حركات التمرد، يجتمع حبري بصورة دورية مع قادة المناطق العسكرية لمناقشة الوضع الأمني ووضع الحلول الممكنة التي يمكن مواجهتها، صقلت الحرب الليبية التشادية الجيش التشادي الذي استفاد من تدفق الأسلحة الأميركية والفرنسية، وبرزت سيارات التويوتا التي أصبحت فيما بعد أحد أبرز الوسائل استخداما في الحروب التقليدية، وعمل حبري بربط نظام الترقيات بآلية مباشرة مع قيادته للجيش، وانتشرت الغنائم الليبية في المعسكرات التشادية، واستعان حبري من خبرة الفصائل العسكرية التي عقدت برنامجا للتصالح معه حتى حقق بفضلها إصلاحات واسعة ولم يعد هناك عدو خارجي يتربص به، حتى اندلعت حركة الأول من إبريل فغيرت الحسابات واختلفت المعادلات.

فيما يلي نذكر عدد الفصائل العسكرية والقوات المسلحة التشادية منذ الاستقلال حتى وفاة الرئيس إدريس ديبي حسب إحصائية وزارة الدفاع التشادية:

بلغ عدد القوات الفرنسية في تشاد خلال الفترة من 1969 ـ 1978 ( 2500 جندي )

بلغ عدد القوات المسلحة التشادية في عهد الرئيس أنقارتا تمبلباي 1960 ـ 1975   ( 4000 جندي )

بلغ عدد القوات المسلحة التشادية في عهد الرئيس فليكس مالوم 1975 ـ 1979     (12000 جندي )

بلغ عدد القوات المسلحة الشمالية بقيادة حسين حبري في الفترة من 1979 ـ 1981 ( 6000 جندي )

بلغ عدد القوات المسلحة الشعبية بقيادة قوكوني ودي في الفترة من 1979 ـ 1982 ( 5000 جندي )

بلغ عدد قوات المجلس الديموقراطي الثوري بقيادة أصيل أحمد أغبش في الفترة من 1979 ـ 1982 ( 5000 جندي )

بلغ عدد القوات المسلحة التشادية المنشقة مع الجنرال عبدالقادر كاموغي ودال في الفترة من 1979 ـ 1982 ( 4000 جندي)

بلغ عدد القوات المسلحة الغربية بقيادة أبوبكر عبدالرحمن في الفترة من 1979 ـ 1982 ( 1000 جندي )

بلغ عدد القوات الفرنسية بعد إطلاق عملية مانتا عام 1983 ( 3800 جندي )

بلغ عدد قوات حفظ السلام من زائير 1985 ( 1800 جندي )

بلغ عدد القوات المسلحة التشادية أثناء الحرب التشادية الليبية عام 1987 ( 28000 جندي )

بلغ عدد القوات المسلحة التشادية بعد وصول إدريس ديبي إلى السلطة وتنظيم المؤتمر الوطني المستقل 1993 ( 40 ألف جندي) 

بلغ عدد القوات المسلحة التشادية بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي إتنو في إبريل 2021 ( 165 ألف جندي ) 

يحتاج الجيش التشادي لإصلاحات واسعة حتى يتغير من جيش قبلي إلى جيش وطني، والمؤسف حقا أن نظام الترقيات في الجيش التشادي يعتمد في المقام الأول على الأمية وعدم التعليم، إذ أن هناك طائفة من الجنرالات في مختلف الحقب السياسية لم يملكو حظا وافرا من التعليم والدراسة النظامية في الأكاديميات العسكرية، أظن أن مقياس الشخصية العسكرية في العرف التشادي ترتبط بالولاء الذي يقدمه العسكري للرئيس لا بالكفاءات التي يملكها، كما أنه يجب ألا نغفل دور القبيلة في التعيينات العسكرية بدءا من الرئيس تمبلباي الذي جعل الجيش حاضنة لأبناء مدينتي سار وكمرا، مرورا بمالوم الذي رسخ لفكرة العسكري الجنوبي أولا، ثم حبري الذي خصص ميزانة الدولة العسكرية لأبناء عمومته وقرابته من عشيرة الأنكازا، وختاماً كان ديبي الذي استعان بأبناء عمومته من السودان لتشكيل حاضنة سياسية عسكرية ما زالت تواصل استفرادها بالشأن التشادي طوال العقود الماضية، نستثني من هذه المعادلة قوكوني ودي الذي لم يستغل قرابته في الجيش التشادي أو القوات المسلحة الشعبية التي أسسها لاحقا، ونجد أن معظم الشخصيات العسكرية التي عملت مع قوكوني تنحدر من مختلف المناطق الجغرافية التشادية، فطائفة منهم من كانم وآخرون من وداي حتى أن بعضهم ينحدر إلى الأقاليم الجنوبية وهذا التنوع العسكري في صبغة القوات الشعبية يحسب إيجابا في سجل الرئيس قوكوني ودي.

ما زالت هناك محطات عسيرة ليتحول الجيش التشادي من جيش يخدم مصالح الرئيس إلى جيش وطني يهتم لأمر الدولة ويساهم في تصويب الروح المعنوية الوطنية، ويتعلم من الأخطاء الكارثية التي وقع فيها حتى يتجنبها في قادم الأيام.

بوكو حرام 

جماعة بوكو حرام جماعة إسلامية نيجيرية تعني بلهجة قبائل الهوسا “التعليم الغربي حرام” تنشط في شمال نيجيريا وتسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية وهي حركة محظورة رسميا وتوصف بالإرهابية.

تأسست جماعة بوكو حرام عام 2002 في ولاية بورنو بشمال نيجيريا بزعامة محمد يوسف‏، لكن الوجود الفعلي للحركة بدأ عام 2004 بعد أن انتقلت إلى ولاية يوبي على الحدود مع النيجر‏، حيث بدأت عملياتها ضد المؤسسات الأمنية والمدنية النيجيرية.

ترفض الجماعة اسم “بوكو حرام” الذي أطلقه الإعلام عليها، وتفضل اسم “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”.‏ لا يعرف عدد أعضاء الحركة بالتحديد، لكنها تتكون أساسا من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربوية الغربية

في 7 مارس/آذار2015 أعلنت جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد المعروفة إعلاميا باسم بوكو حرام في تسجيل صوتي منسوب لزعيمها أبو بكر شيكاو، مبايعتها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي‏ الذي سمته بـ”خليفة المسلمين”، وأكد شيكاو في التسجيل “نعلن مبايعة الخليفة على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر”.

ويحسب كتاب الباحثة البريطانية فرجينيا كومولي ( بوكو حرام والتمرد في إفريقيا ) فإنّ الولايات المتحدة الاميركية تتهم جماعة بوكو حرام بأنها من أعنف الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل وقدّمت دورات تدريبية مكثفة للجيش التشادي للقضاء على الإرهاب في الساحل.

كيف بدأ التدخل التشادي في نيجيريا ؟

 بدأ التدخل التشادي في نيجيريا سلمياً قبل أن يتحول إلى مسار آخر، شكّل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تشاد بقيادة رئيس المجلس الدكتور حسين حسن أبكر في شهر مارس ٢٠٠٩  لجنة مناصحة للجماعة، وجلست مع مؤسسها، واستمعت لآرائه وأفكاره، يقول الدكتور محمد شريف طه أحد أعضاء لجنة المناصحة:  بأن اللجنة أيقنت أنه من المستحيل أن يتراجع الشيخ (محمد يوسف)  عن أقواله، وقررت العودة إلى تشاد، بعد عودة اللجنة حدث التصادم بين الحكومة النيجيرية ومؤسس الجماعة، ودون سابق إنذار وقفت الحكومة التشادية مع نيجيريا بدل تهدئة الوضع، وتقريب وجهات النظر، اليوم تتضرر دول حوض بحيرة تشاد بصورة كبيرة من هذه الجماعة، فقد أغلق مصدر تجاري كبير كانت تعتمد عليه الحكومة التشادية منذ الاستقلال وهو بيع المواشي إلى نيجيريا.

المواجهة المباشرة بين بوكو حرام والحكومة التشادية 

هجوم بوكو حرام على انجمينا 2015 

شنت القوات المسلحة التشادية هجمات عسكرية ضد جماعة بوكو حرام في الكاميرون بتاريخ 15/ فبراير / 2015 كجزء من برنامجها العسكري للحد من انتشار تمدد الجماعة المتطرفة في منطقة وسط إفريقيا، أصاب القوات المسلحة التشادية الغرور نتيجة ما أحرزوه في مالي وقيامهم تحرير بعض القرى من المتطرفين في نيجيريا، دخلت القوات التشادية إلى شمال الكاميرون واستطاعت تأمين بعض المدن الصغيرة دون أي مساعدة تذكر من الحكومة الكاميرونية التي تأخذ نسبة 18% من عائدات النفط التشادي ثم تدخلت القوات التشادية دون أن تحصل على أي مساعدات مالية أو تتناقش مع الكاميرون في تخفيض نسبتها من النفط التشادي مقابل الحماية، أظن أن الساسة التشاديين لا يفقهون في لغة السياسة والمصالح حتى يناقشوا قضايا بهذا العمق.

كان رد جماعة بوكو حرام عنيفا على الحكومة التشادية إذ قام عدد من الانتحاريين بتاريخ 15 يونيو 2015 بتنفيذ هجوم  انتحاري على أكاديمية الشرطة الوطنية ومقر إدارة الجوازات وإدارة المخابرات التشادية نجم عن هذه التفجيرات وفاة 27 شخصا وجرح المئات، وأعلنت تشاد على لسان وزير الداخلية عبدالرحيم بريمة حامد إعلان حالة الطوارئ الأمنية.

عملية غضب بوما 2021

 أعلنت الحكومة التشادية مساء الثلاثاء الموافق 25/ مارس / 2021 أنها أرسلت جنودا إلى النيجر ونيجيريا في إطار عملية مكافحة جماعة بوكو حرام التي قتلت نحو مائة عسكري تشادي في 23 مارس/ 2021. وقال وزير الدفاع التشادي آنذاك محمد أبا علي صلاح للتلفزيون الوطني “لدينا موافقة بلدين آخرين هما النيجر ونيجيريا، ولدينا رجال في هذين البلدين”.

حديث الوزير التشادي جاء بعد إطلاق الرئيس إدريس ديبي إتنو، لعملية عسكرية يقودها بنفسه، في منطقة بحيرة تشاد، سماها غضب بوما. ويريد بها أن تكون ردا على قتل مسلحي بوكو حرام نحو مئة جندي في معركة وقعت في 23 مارس/آذار الماضي، تكبد فيها الجيش التشادي خسارة لم تقع له من قبل في تاريخ المواجهة مع مسلحي بوكو حرام.

دارت معركة الانتقام‏ في المثلث الحدودي بين النيجر ونيجيريا وتشاد على الشاطئ الشمالي لبحيرة تشاد، وتمثلت في هجمات متتالية شنتها التنظيمات المسلحة على قوات الدول الثلاث خلال السنتين الماضيتين. وكان أعنفها هجوم بوكو حرام على الجيش التشادي وتكبيده خسائر غير مسبوقة، وهو ما دعا الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى قيادة عملية عسكرية بنفسه وقال إن الهدف منها هو القضاء تماما على المسلحين وأطلق عليها “غضبة بوما”.

وحشد الرئيس التشادي قوات برية وجوية وأرسل قوات إلى النيجر المجاورة حتى يتم تطويق الجماعة من عدة جهات، وقرر استخدام الزوارق في مياه البحيرة التي خبر المسلحون مستنقعاتها أكثر من قواته المعتادة على المعارك البرية. وأعلن دبي انتهاء عملية غضب بوما في يونيو 2021 وتمت ترقيته إلى رتبة مشير من البرلمان التشادي.

عملية حسكنيت 2024 

أعلن الجيش التشادي عن بدء عملية “حسكنيت ” العسكرية محددة الهدف والدقة ضد أهداف لجماعة بوكو حرام المسلحة في منطقة بحيرة تشاد بالقرب من المناطق الحدودية في غرب البلاد. 

وجرت العملية العسكرية بإشراف مباشر من رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنرال محمد إدريس ديبي الذي قام بهذه العملية رداً على هجوم مسلح لجماعة بوكو حرام على معسكر بول والذي راح ضحيّته أكثر من ١٢٤ جنديا تشاديا على حدود بحيرة تشاد، حيث يشرف شخصيا على عملية “حسكنيت”.  

وشهد الاجتياح العسكري تعزيز قدرات القوات المسلحة من خلال إنشاء مركز للعمليات بمشاركة القوات البرية والجوية، من مختلف التشكيلات العسكرية، منخرطة بشكل كامل على الأرض. 

وبينما تقوم القوات البرية بمسح منطقة البحيرة بعناية، لضمان عدم تمكن أي عنصر من عناصر بوكو حرام، سواء هارباً أو مختبئاً، من الهروب من العملية.

وكشف الجيش أن الساعات القادمة ستكون حاسمة، في الوقت الذي تستعد فيه القوات  لتطويق عناصر بوكو حرام بتصميم متزايد.  

ووفق الجيش التشادي فإن عملية “حسكنيت” هي جزء من معركة ديناميكية ضد الإرهاب، بهدف استعادة الأمن والسلام في هذه المنطقة الاستراتيجية.

أعلنت الحكومة التشادية بتاريخ ١٨ فبراير ٢٠٢٥ نهاية العملية في بحيرة تشاد وأنّ حصيلة القتلى من جماعة بوكو حرام بلغ ٢٩٧ بينما عدد المصابين ٦٣ عنصراً

الخاتمة

يبدو مستقبل الإرهاب في تزايد في منطقة بحيرة تشاد بسبب ازدياد عامل الفقر والبطالة وعدم معالجة المشاكل الاجتماعية، وممارسة الولاة العسكريين الذين تعينهم الحكومة التشادية في ولاية البحيرة ( منطقة بحيرة تشاد ) إلى الطغيان والاضطهاد واعتقال الضعفاء من دون أدلة وبراهين كافية.

وبحسب الوفاق التشادي لحقوق الإنسان فإن هناك تجاوزات خطيرة قام بها الوالي آدم نوكي شرف  الدين بحق سكان منطقة بحيرة تشاد في الفترة بين ٢٠١٧- ٢٠١٩ وينبغي للحكومة أن تقدم مشاريع تنموية واجتماعية للحد من تزايد ظاهرة الإرهاب في منطقة حوض بحيرة تشاد.

يجب على الحكومة التشادية الاستفادة من التقنيات الذكية في تحسين مراقبة الحدود البحرية، وتعزيز قدراتها الدفاعية مع الشركاء الدوليين حتى تستطيع السيطرة الكاملة على الحدود البحرية وتأمين قواتها المتمركزة حتى لا تتكرر مأساة 2021 ومأساة 2024 إذ أنّ إهمال الجانب التقني والتأهيل يؤدي إلى ازدياد الهجمات من الجماعات المتطرفة.

المصادر والمراجع  

  • عبد الله بخيت صالح – جغرافية تشاد – دار مدبولى للنشر- الطبعة الأولى – القاهرة – ٢٠٠٧ 
  • عبدالله بخيت صالح – الجغرافية السياسية لجمهورية تشاد – وزارة التعليم العالي بتشاد- منشورات الوزارة -٢٠١٦ 
  • عبدالله بخيت صالح – شخصيات تشادية بارزة في القرن العشرين – دار الكتاب العربي – الطبعة الأولى -القاهرة – ٢٠١٦ 
  • عبدالله بخيت صالح – تشاد في عهد الرئيس إدريس دبي – دار الكتاب العربي – الطبعة الأولى – ٢٠٢٠ 
  • أمين إسماعيل بركة – الجغرافية الاقتصادية لجمهورية تشاد – دار المعارف – الطبعة الأولى. ٢٠٢٣ 
  • إبراهيم برمة – التاريخ السياسي الحديث لجمهورية تشاد – دار السلام للطباعة والنشر الطبعة الأولى – ٢٠٢٢ 
  • ماريو أزيفيدو – جذور العنف – تاريخ الحرب في تشاد- منشورات  جامعة ديوك – الولايات المتحدة الأمريكية – ١٩٩١ 
  • صامويل ديكالو – القاموس التاريخي السياسي لجمهورية تشاد – النسخة الثانية – ناثال للطباعة والنشر – الولايات المتحدة الأمريكية – ١٩٩٩ 
  • تومبسون – تاريخ الصراع السياسي في تشاد – الولايات المتحدة الأمريكية- دار كامبريدج للنشر –  ٢٠٠٦ 
  • فرجينيا كومولي – بوكو حرام والتمرد في نيجيريا – الطبعة الأولى – ٢٠١٧- منتدى العلاقات العربية والدولية – قطر 
  • مقابلة الدكتور محمد شريف طه  عضو لجنة المناصحة في قضية بوكو حرام – انجمينا – الساعة الرابعة والنصف مساء – يوم ٢٢/ يناير / ٢٠٢٣ 
  • موقع رئاسة الجمهورية في تشاد ٢٠٢١ إطلاق عملية بوما 
  • موقع رئاسة الجمهورية في تشاد ٢٠٢٤ إطلاق عملية حسكنيت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى