تفاقم الأزمات السوسيواقتصادية في نيجيريا: تداعياته لإدارة الرئيس “بولا تينوبو” والتوقعات المستقبلية
تشهد نيجيريا أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، وهذه الأزمة تعقّد المعاناة والغضب ضد حكومة الرئيس “بولا أحمد تينوبو” الذي وصل إلى السلطة في 29 مايو 2023 عبر عملية انتخابية شابتها مزاعم وقوع مخالفات. ومنذ وصوله إلى السلطة لم تتوقف إدارة “تينوبو” من إطلاق سلسلة من السياسات التي تراها مهمة رغم أنها تفاقم الأوضاع المعيشية وتعزز فقدان الشباب ثقتهم في الحكومة, مع تزايد الهوة والخلاف بين الشمال والجنوب, إضافة إلى ما تؤشره من توقعات حيال فرصة “تينوبو” في رئاسيات 2027.
أولا: الأزمة الاقتصادية الصعوبات المعيشية
كان هناك شبه اتفاق على أن الرئيس “تينوبو” ورث اقتصادًا مريضًا, ولكن تدابير التقشف التي أعلنتها حكومته منذ وصوله إلى السلطة زادت من المرض الاقتصادي. وقد بدأ هذا الوضع في اليوم الأول من تسلمه السلطة الرئاسية, حيث أعلن في حفل تنصيبه عن إلغاء فوري لدعم الوقود، وهي سياسة اقتصادية متبعة منذ عقود لحماية المواطنين من أسعار الواردات المرتفعة نظرًا لقدرة المعالجة النفطية المنخفضة المزمنة لنيجيريا (أكبر منتج للنفط في إفريقيا)([1]). وكان موقف إدارة “تينوبو” أن الأموال التي يتم توفيرها من إزالة دعم الوقود ستُوَجَّه إلى قطاعات أخرى لتحقيق تنمية البنية التحتية للبلاد وخلق بيئة اقتصادية أكثر تمكينًا([2]).
على أنه فور إعلان نهاية سياسة دعم الوقود زادت أسعار المنتجات البترولية وارتفع سعر البنزين إلى حوالي أربعة أضعاف السعر الأولي, بينما لم تطرح الحكومة في الأسابيع الأولى أي مبادرات على أرض الواقع لتخفيف الصدمة الاقتصادية التي يخلفها التغيير المفاجئ على النيجيريين البسطاء, وخاصة أن النيجيريين يعتمدون على العديد من مولدات الكهرباء التي تزوّد المنازل والمكاتب والمستشفيات بطاقة الكهرباء.
فكان تأثير رفع دعم الوقود محسوسًا على الفور، ممتدا إلى مختلف القطاعات، مع ارتفاع التضخم إلى معدل ينذر بالخطر. وعلى سبيل المثال، ارتفع معدل التضخم للسلع الأساسية, مثل الغذاء, في يناير 2024، إلى 40 في المائة من معدله السابق البالغ 25 في المائة في يناير 2023. وزادت تكاليف النقل وممارسة الأعمال التجارية، مما أثّر في تكلفة توصيل المنتجات والخدمات إلى مستهلكيها النهائيين, واضطرت الشركات إلى زيادة أسعار السلع والخدمات لكي تتمكن من البقاء في الخدمة.
وهناك عامل آخر يساهم في الأزمة الاقتصادية, وهو النقص طويل الأمد في النقد الأجنبي نتيجة انخفاض صادرات النفط الخام، المصدر الرئيسي للإيرادات في نيجيريا. وهذا النقص أدى إلى مغادرة العديد من المستثمرين والشركات الأجنية لنيجيريا, بما في ذلك شركات الأدوية العملاقة, بما في ذلك شركتي “جلاكسو سميث كلاين” البريطانية و “سانوفي” الفرنسية، اللتين أوقفتا عملياتهما في نيجيريا في عام 2023.
وفي حين أن مسؤولي الحكومة يصرون على أن إزالة دعم الوقود بدأت تأتي بنتائج إيجابية؛ فإن الواقع يظهر أن انخفاض قيمة العملة النيجيرية (نَيْرَا) يؤدى إلى تآكل جزئي للمدخرات من إزالة دعم الوقود, وذلك لحقيقة أن تكلفة استيراد الوقود مرتفعة عند تحويلها (من العملة الأجنبية) إلى عملة نَيْرا, إضافة إلى المتغيرات الأخرى, وكون مصفاة دانغوتي لم تحدث أي تحوّل إيجابي خلافا للتوقعات قبل تكملة المشروع, بينما تواجه المصفاة أزمات جارية مع مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية وأطراف وطنية أخرى.
ويربط بعض النيجيريين المصاعب الاقتصادية الحالية أيضا بالتزام إدارة “تينوبو” لما اعتقدوه إرشادات من صندوق النقد الدولي, حيث سبق أن أكّدت المنظمة على ضرورة تركيز الحكومة النيجيرية على تعبئة الإيرادات والرقمنة لتحسين تقديم الخدمات العامة وحماية الاستدامة المالية، وأشار إلى إصلاحات أخرى من شأنها أن تساعد في احتواء نقاط الضعف المتعلقة بالديون والحاجة للتمويل([3]). ومن المقترحات المعزوّة لصندوق النقد الدولي أيضا إلغاء الحكومة النيجيرية بشكل تدريجي لبعض السياسات الهادفة إلى تخفيف العبء على المواطنين, بما في ذلك دعم طاقة الكهرباء. وكانت النتيجة أنه في أبريل 2024 زادت تعريفة الكهرباء لفئة معينة من المستهلكين بنسبة 240 في المائة وسط ضعف العرض الكهربائي وسوء الأداء وقلة وصوله للنيجيريين([4]).
ومع ذلك، فقد أوضح صندوق النقد الدولي مؤخرًا أنه لم ينصح الرئيس “تينوبو” برفع دعم الوقود, حيث صرّح مدير منطقة أفريقيا في الصندوق، “أبيبي سيلاسي” في مؤتمر صحفي على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن يوم الجمعة 25 أكتوبر 2024, أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة النيجيرية كانت قرار الرئيس “تينوبو” وحده, وأن دور الصندوق يقتصر على الحوار المنتظم كما هو حاله مع دول أخرى([5]).
ويضاف إلى ما سبق أن العديد من الصحف الوطنية في نيجيريا نشرت في 12 أبريل 2023، أن صندوق النقد الدولي طلب من نيجيريا زيادة الدخل عبر الضرائب، وخاصة من خلال ضمان الامتثال وتوسيع شبكة الضرائب من أجل توليد المزيد من الإيرادات وخفض الديون المتنامية, حيث تحتل نيجيريا مرتبة من بين أدنى المعدلات على مستوى العالم من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي(debt-to-gdp ratio)، بينما نما الدين العام لنيجيريا خلال سبع سنوات (2017 و2023)، بنحو 78%, من 64.2 مليار دولار أميركي إلى 114.4 مليار دولار أميركي.
وقد نفّذت إدارة الرئيس “تينوبو” منذ توليه السلطة إصلاحات كبيرة في إدارة الضرائب، بدءا بإنشاء اللجنة الرئاسية للسياسة المالية والإصلاحات الضريبية في عام 2023, والتي أسفرت عن أربعة مشاريع قوانين لإصلاح الضرائب أحالها “تينوبو” إلى الجمعية الوطنية. ويقترح جزء من مشاريع القوانين توفير إعفاءات من ضريبة القيمة المضافة لصادرات النفط والغاز، والنفط الخام والغاز المستخدم في تغذية جميع الغاز المعالج، وكذلك السلع المشتراة لاستخدامها في المشاريع الإنسانية الممولة من المانحين.
وبالرغم من أن أحد مشاريع قوانين الإصلاح الضريبي الجديدة يميل لصالح جميع الولايات النيجيرية من خلال تقليل حصة الحكومة الفيدرالية من 15 في المائة إلى 10 في المائة عند تقاسم ضريبة القيمة المضافة؛ فإن جميع مشاريع قوانين الإصلاح الضريبي الأربعة تواجه معارضة كبيرة من شمال نيجيريا, إذ في اجتماعٍ عقده حكام الولايات الشمالية (البالغ عددها 19 ولاية) ومجلس حكامها التقليديين تحت منصة “منتدى حكام الشمال” في 28 أكتوبر 2024، أعلنوا رفضهم للنموذج الجديد([6]) الذي يقترحه أحد مشروع القانون الجديد والمتمثل في تقاسم ضريبة القيمة المضافة وفق المبلغ أو القيمة المشتقة والمتحصّلة من كل ولاية, وهو نموذج تقترحه حكومة “تينوبو” (الفدرالية) بهدف تشجيع حكومات جميع الولايات على العمل لجذب الشركات والاستثمارات.
وقد برّر الحُكّام الشماليون موقفهم الرافض لمشاريع القوانين الضريبية المقترحة على “معارضة أي مشروع قانون يمكن أن يعرض رفاهية شعبنا للخطر”. وفي 31 من أكتوبر 2024 أوصى “المجلس الاقتصادي الوطني” الرئيس “تينوبو” بسحب مشاريع قوانين الإصلاح الضريبي الأربعة من البرلمان لكي تُجْرَى مشاورات وطنية أوسع نطاقًا([7]). ولكن الرئيس “تينوبو” رفض وصية “المجلس الاقتصادي الوطني”, قائلا: إن وجود مشاريع القوانين أمام البرلمان وخضوعها للعملية التشريعية التي بدأت بالفعل ستوفّر فرصة للمدخلات الوطنية والتغييرات الضرورية, مما يعني أنه لا داعي لسحبها من البرلمان([8]).
ثانيا: التحديات الأمنية والاجتماعية الأخرى
تؤثّر الأزمة الاقتصادية في نيجيريا على قطاعات أخرى, بما في ذلك الرعاية الصحية, حيث ارتفعت أسعار بعض الأدوية المستوردة بنسبة 1000 في المائة. وهناك تحديات مرتبطة بعدم وجود نظام شامل للضمان الاجتماعي الذي يتماشى مع حقوق المواطنين ويخفف العبء في الأوقات الحرجة ويوفر دعم الدخل للمحتاجين له طوال حياتهم. ورغم أن جميع حكومات البلاد السابقة والحالية تعلن تقديم برامج مخصصة لمعالجة أزمات محددة, مثل الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والتضخم الجاري في البلاد, إلا أن مبادرات الحكومات غالبًا ما تكون غير كافية وتُجْرَى مؤقتة دون وصولها إلا إلى جزء ضئيل فقط من المواطنين الفقراء.
ويمكن ملاحظة تداعيات التضخم وأزمات البترول وانخفاظ قيمة عملة “نَيْرَا” الوطنية في الزيادة الهائلة للبطالة بين الشباب وإغلاق التجارات متوسطة الحجم والصغيرة لأبوابها. بينما يغادر العديد من الشباب والمتخصصين في القطاعات الاستراتيجية (كالصحة والتعليم والطاقة والتكنولوجيا) البلاد, متجهين إلى أوروبا ودول أخرى يمكنها استيعاب مهاراتهم وتخصصاتهم.
وقد وافق الرئيس “تينوبو” في يوليو 2024 على زيادة الحد الأدنى للأجور للعمال النيجيريين من 30 ألف نيرا (18 دولار أمريكي بعد تعويم عملة نيرا) إلى 70 ألف نيرا (43 دولار). ومع ذلك، لم تعتمد بعض الولايات هذا الحد الأدنى الجديد للأجور. وفي حين أن الهدف من الزيادة هو تحسين مستويات معيشة العمال، إلا أن العديد من العمال يواجهون صعوبة بالغة فيما يتعلق بالحد الأدنى الجديد للأجور نتيجة ارتفاع نسبة التضخم وأسعار الوقود والتحديات الاقتصادية الأخرى، وذلك لأن التفاوض على الحد الأدنى الجديد للأجور وقع قبل صدور بعض السياسات الاقتصادية التي فاقمت الأوضاع الحالية([9]).
وهناك زيادة ملحوظة في انتشار انعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد، حيث انضم بعض الشباب والعاطلين عن العمل إلى العصابات الإجرامية وشاركوا في أنشطة غير قانونية لتلبية احتياجاتهم المعيشية. وتؤكد على هذه النقطة أرقام الحكومة الرسمية والتقارير المختلفة, إذ أفادت تقارير استقصائية عن الإبلاغ عن اختطاف ما لا يقل عن 2140 شخصًا في 24 ولاية نيجيرية بين يناير ويوليو 2024 فقط([10]). وظلت مستويات الصراع مرتفعة مع استمرار الهجمات المسلحة وعمليات الاختطاف وتفجير العبوات الناسفة من قبل الحركات الإرهابية والجماعات المسلحة – بما في ذلك “بوكو حرام” وفصائلها في الشمال، وحركات التمرد والانفصال في جنوب الشرق ودلتا النيجر في الجنوب، وشبكات أخرى من الجماعات الإجرامية والصراعات الطائفية في منطقة الحزام الأوسط.
ويواجه المزارعون والتجار صعوبة في الوصول إلى الأراضي الزراعية ومصائد الأسماك البحرية والعمالة الزراعية بسبب قضايا انعدام الأمن التي تؤثر أيضًا على سبل العيش وأسعار المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية. ونتيجة لذلك, يعاني أكثر من 31 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحادّ([11]).
ويضاف إلى ما سبق أن قطاع التعليم لم يسلم من تداعيات الأزمات الاقتصادية، حيث زادت الجامعات وكليات الحكومة الفيدرالية خلال عام 2023 رسوم الدراسة بنسبة تصل إلى 100 في المائة.
وقد وقّع الرئيس “تينوبو” في أبريل 2024 على مشروع قانون قروض الطلاب (للوصول إلى التعليم العالي), والذي اقترح إنشاء صندوق قروض التعليم النيجيري (NELFUND) ككيان مؤسسي يوفر قروضًا للنيجيريين المؤهلين للرسوم الدراسية والتكاليف والصيانة في المؤسسات الأكاديمية العليا المعتمدة ومؤسسات اكتساب المهارات والمهنية النيجيرية. ويُلغِي مشروع القانون شَرْطَي دخل أسرة الطالب والضامن كمعايير لأهلية الطلاب للقروض الدراسية([12]). ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن الاستدامة المالية طويلة الأجل لصندوق قروض التعليم النيجيري، وخاصة بالنظر إلى الزيادة المحتملة في صرف القروض والتحديات المرتبطة بإدارة الصندوق واسترداد القروض من الطلاب في حالة عدم تمكّنهم من تأمين الوظائف بعد فترات من تخرّجهم.
ثالثا: ماذا يعنيه لإدارة تينوبو؟
من خلال سلسلة من الأحداث في الأشهر القليلة الماضية والتطورات المتوقعة في السنتين القادمتين يمكن إدراك ما تعنيه التحديات الراهنة لحكومة الرئيس “بولا أحمد تينوبو” وطموحه المحتمل لخوض سباق عام 2027 في النقاط الرئيسية التالية:
أ- استمرار الغضب العام واحتجاج الشباب: إن إصرار إدارة “تينوبو” على مواصل تنفيذ سياساتها المثيرة للجدل, وتصريحات مسؤوليها على عدم التراجع عنها رغم التحذيرات المختلفة من الشخصيات السياسية المؤثرة في أقاليم نيجيريا المختلفة؛ كلها تؤشر على احتمال استمرار الغضب العام وتنظيم الشباب لاحتجاجاتهم.
ويؤكد هذه النقطة ما شهدته نيجيريا في الأسابيع الأخيرة من صرخات عامة وانتقادات واسعة ضد صندوق النقد الدولي والإرشادات المنسوبة إليه لإعادة هيكلة الاقتصاد النيجيري؛ إذ “مؤتمر العمال النيجيري” – وهي مظلة لنقابات العمال في نيجيريا – أعرب عن معارضته لإرشادات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المرتبطة بالتخلص التدريجي من دعم الكهرباء وغيره من الإجراءات التي تضر بالقدرة التنافسية لقطاع التصنيع النيجيري والذي يعاني بالفعل من انخفاض الإنتاجية وارتفاع التكاليف وضعف البنية الأساسية، واصفًا المنظمتين الماليتين الدوليتين بـ “قوى معادية” للشعب النيجيري تسعى إلى دفع نيجيريا نحو حافة الانهيار الاقتصادي من خلال تلك النصائح والإرشادات.
ومما يثير استياء الكثيرين أيضا تنفيذ الحكومة لهذه السياسات في وقت واحد دون إرفاقها بالإمدادات اللازمة القادرة على تخفيف أعبائها إلا بعد شكاوى من النيجيريين, متسائلين عن منطق خفض قيمة عملة نيرا رغم أنه سيؤدي إلى زيادة عبء خدمة الديون الخارجية وتغذية التضخم. وأدت تداعيات كل هذه السياسات إلى تراجع ثقة العوام في الحكومة والمظاهرة ضدها, مثل سلسلة احتجاجات إنهاء الحكم السيئ (#EndBadGovernance أو #EndBadGovernanceInNigeria) التي حدثت من 1 أغسطس إلى 10 أغسطس 2024 في مختلف المدن النيجيرية، ولا يزال منظموها يخططون لتنيظم احتجاجات جديدة وأنشطة لفرض الضغط على الحكومة للتراجع عن بعض قراراتها الاقتصادية, مثل إزالة دعم البنزين وتعويم عملة نَيْرا([13]).
ب- تعديلات وزارية غير مقنعة: عيّن الرئيس “تينوبو” 48 وزيراً في أغسطس 2023 (أي بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه)، وعلّق في يناير 2024 واحدة من وزرائه، “بيتا إيدو” (وزيرة الشؤون الإنسانية وتخفيف حدة الفقر)، بينما استقال وزير آخر، “سيمون لالونغ” (وزير العمل والتشغيل)، بعد فوزه بعضوية مجلس الشيوخ. ومع ذلك, اضطر “تينوبو” في أكتوبر 2024 إلى إعادة ترتيب حكومته بعد أشهر من دعواته لتبديل بعض وزرائه ذوي الأداءات الضعيفة. وشهدت الخطوة التي تمت في أكتوبر 2024 إقالة 5 وزراء، وإعادة تعيين 10 وزراء في حقائب وزارية جديدة, وتعيين 7 وزراء جدد وتقديم أوراقهم لمجلس الشيوخ للفحص والموافقة([14]).
على أن العديد من النيجيريين لا يزالون غير معجبين بالتعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس “تينوبو” في أكتوبر، حيث يرون أن الوزراء الذين أقيلوا لم يكونوا في الأساس الوزراء الرئيسيين المرتبطين بالصعوبات الاقتصادية والأزمة الأمنية, وأن إقالة 5 وزراء لم يؤد المطلوب حتى الآن من حيث إيقاظ الوزراء ضعيفي الأداء. وهذا الموقف من النيجيريين إلى جانب تصريحات مختلفة من مسؤولي الحكومة يجعلان من المحتمل إجراء “تينوبو” المزيد من الإقالات لبعض وزرائه بهدف ترويض مشاعر الغضب العام وسدّ الفجوة التي قد يستغلها معارضو حكومته.
ج- الإصلاح الضريبي وتزايد الهوة الطائفية والإقليمية, وهذا باعتبار الخلافات المتزايدة بين بعض السياسيين من شمال نيجيريا وجنوبها, حيث أن الرئيس “تينوبو” ينتمي إلى إثنية يوروبا بجنوب غرب نيجيريا (الرئيس السابق “بخاري” ينتمي إلى إثنية الفلاني في شمال غرب نيجيريا), بينما يحمّل بعض النيجيريين غير المسلمين مسؤليات الأزمات والإخفاقات الحالية على كون الرئيس (تينوبو) ونائبه (كاشم شتيما) من متعقد واحد (الإسلام).
ويمكن ملاحظة هذه النقطة أيضا في رفض حُكّام الولايات الشمالية جميعَ مشاريع قوانين الإصلاح الضريبي الجديدة بسبب معارضتهم لمشروع واحد فقط من المشاريع الأربعة. وهذه الخطوة قادرة على توسيع الانقسامات بين الولايات الجنوبية المؤيدة لمشاريع القوانين والولايات الشمالية المعارضة لها, وخاصة أن بعض الجنوبيين يرون أن صيغة التقاسم الحالية لضريبة القيمة المضافة (VAT) تصبّ لمصلحة الشمال الذي يعاني انخفاض معدل نمو الدخل وشعف الجهود من حكام ولاياته للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق فرص الاستثمار، إضافة إلى وجود منتجات محرّمة (مثل الكحول والخنازير) في الولايات الشمالية التي تطبّق الشريعة الإسلامية, بينما هذه السلع مستهلكة في الولايات الجنوبية وتدرّ دخلا وضرائب لها.
ويضاف إلى ما سبق أنه بعد إعلان الشماليين رفضهم مشاريع قوانين الإصلاح الضريبي الجديدة أعرب “منتدى دلتا النيجر” (Pan-Niger Delta Forum = PANDEF)، و “منتدى الحزام الأوسط” (Middle Belt Forum = MBF)، والأمين العام السابق لـ “مجلس شيوخ يوروبا” (Yoruba Elders Council = YCE) و “حركة أريوا للحقوق المدنية” (Arewa Civil Rights Movement = ACRM) عن تحفظاتهم بشأن موقف الحُكّام وأصحاب المصلحة الآخرين في الشمال تجاه مشاريع القوانين الجديدة، قائلين إن مثل الإصلاح الضريبي ضروري من أجل العدالة والإنصاف, وداعين البرلمان بالمضي قدمًا في تعديل مشاريع القانون بما يتماشى مع الواقع وأنماط الاستهلاك وقدرة الولايات, لأنه من غير الطبيعي أن تستفيد الولايات التي تدمّر المنتجات الكحولية من تقاسم ضريبة القيمة المضافة المتراكمة من استهلاك الكحول([15]).
د- “تينوبو” في سياق 2027: إن تزايد انتقاد سياسيين من شمال نيجيريا للرئيس “تينوبو” رغم أنه لم يقضِ عامين على الرئاسة يؤشر على طبيعة السياسة النيجيرية ومركز الانتقادات التي غالبا ما تأتي من الإثيات والأقاليم غير إثنية الرئيس الحاكم وإقليمه. وقد انتشرت في نيجيريا مخاوف من إمكانية وقوع انقلاب عسكري خلال احتجاجات أغسطس الماضية (2024)، وخاصة أن بعض المحتجين في مدن شمالية شوهدوا وهم يلوحون بالعلم الروسي، مما يوحي بأنهم يقترحون للجيش النيجيري أن يسير على نفس خطى جمهورية النيجر المجاورة التي شهدت في يوليو 2023 عزل الجيش لرئيسها “محمد بازوم”، المنتخب في انتخابات مثيرة للجدل بين عامي 2020 و2021.
ويضاف إلى ما سبق أن رفض الولايات الشمالية للإصلاحات الضريبية بسبب اعتبارها أنها تضع الولايات الشمالية في وضع غير مؤات، وزيادة انفصال حلفاء “تينوبو” السابقين عنه في الشمال([16])، إلى جانب ما يقوم به بعض الشخصيات في الشمال من تحركات تشاورية في جميع أقاليم نيجيريا؛ كلها تشير إلى إمكانية تحالف الزعماء الشماليين لتقديم مرشح متفق عليه في الانتخابات الرئاسية لعام 2027 لمواجهة الرئيس “تينوبو” الذي يُتَوقّع سعيه نحو تأمين ولاية رئاسية ثانية وأخيرة.
جدير بالذكر أنه لا يزال أمام الرئيس “تينوبو” الوقت الكافي لاستعادة الدعم من شمال نيجيريا, كما أن السنوات القادمة قد تشهد تزايد الرفض من الأقاليم الجنوبية أو المزيد من الدعم من أجل فوز “تينوبو” بفترة ولايته ثانية استكمالا لسنوات الجنوب الثماني في المنصب الرئاسي، تماما مثل الرئيس السابق “محمد بخاري”، وذلك لأن الزعماء السياسيين في الشمال أيضا يواجهون معضلة حول المرشح الذي قد يدعمونه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
خاتمة
إن كون ما تمرّ به نيجيريا حاليا تُعدَ أسوأ أزمة في تكاليف المعيشة منذ ما يقرب من 30 عامًا, وكون حدوثه في عهد الرئيس “بولا تينوبو”، الذي أشيد به كـ “مجدد الأمل” في عام 2023؛ كلهما يفسران الإحباط والغضب الشعبي والخلافات التي تجعل البلاد عند نقطة تحول. وفي حين أن مسؤولي الحكومة وأنصار “تينوبو” يرون أن ما يقوم به منذ عامين من تولّيه السلطة ضروريّ لإعادة تحديد مسار البلاد, وأن السياسات والإصلاحات التي ينفّذها اليوم هي الإجراءات نفسها التي ابتعدت حكومة “بخاري” السابقة عن تنفيذها تفاديا لرد الفعل الشعبي والغضب العام. ومع ذلك, يحذر خبراء الاقتصاد حكومةَ “تينوبو” من أن تنفيذ مثل هذه الإصلاحات يتطلب درجة كبيرة من الحنكة السياسية وإقناع الشعب النيجيري على ضرورته، مع بذل المزيد من الجهود لضمان تنفيذها بالتعاطف مع البسطاء واعتبار الأوضاع المعيشية التي يتحملها الكثيرون في الوقت الحالي.
وبالرغم من أن “تينوبو” والمقربين منه يكرّرون في تصريحاتهم أنهم لا يفكرون حاليا في رئاسيات 2027, وأن جميع جهودهم الراهنة تتركز في وضع الأمور في نصابها الصحيح اقتصاديا وتنمويا وأمنيا؛ إلا أن التحركات المحلية والإقليمية بين الأطياف المختلفة تكشف أن المعارضين السياسيين بدأوا يعيدون ترتيب أوراقهم لاستغلال إخفاقات الحكومة, بينما النخبة السياسية في الشمال يدرسون مكامن مصالحهم التي يرونها مهدّدة تحت إدارة “تينوبو” الذي أيّدوه بقوة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2023.
[1] – حكيم نجم الدين (2024). “أزمة الطاقة في نيجيريا.. ماذا يحدث في أكبر دولة نفطية في أفريقيا؟”. الجزيرة نت, متوفر عبر الرابط https://shorturl.at/2zBfI (آخر الزيارة في 3 نوفمبر 2024)
[2] – Nigerian Economic Summit Group (2023). “Cost and Benefits of Fuel Subsidy in Nigeria.” Retrieved from https://shorturl.at/e7y5c (last visited on 3 November 2024)
[3] – IMF (2024). “IMF Executive Board Concludes 2024 Article IV Consultation with Nigeria.” Press Release No. 24/144, retrieved from https://shorturl.at/bgKR4 (last visited on 3 November 2024)
[4] – Chika Izuora, BUKOLA ARO-LAMBO, & Samson Elijah (2024). “Amid Outcry, Tinubu Navigates IMF Advice On Petrol, Power Subsidies.” Leadership, retrieved from https://shorturl.at/Zlgp7 (last visited on 3 November 2024)
[5] – Emmanuel Egobiambu (2024). “UPDATED: It Was A Domestic Decision, IMF Denies Being Behind Subsidy Removal”. Channels TV, retrieved from https://shorturl.at/Q1lYw (last visited on 3 November 2024)
[6] – Aghogho Udi (2024). “Northern Governors reject proposed derivation model for VAT distribution in new tax bill.” Nairametrics, retrieved from https://shorturl.at/8HPWS (last visited on 3 November 2024)
[7] – AriseNews (2024). “NEC Urges Tinubu To Withdraw Tax Reforms Bill, Cites Need For More Consultation, National Consensus.” retrieved from https://shorturl.at/qOSoZ (last visited on 3 November 2024)
[8] – Kabir Yusuf (2024). “Tinubu rejects NEC’s advice, won’t withdraw tax reform bills.” The Premium Times, retrieved from https://tinyurl.com/eh57z647 (last visited on 3 November 2024)
[9] – Deborah Tolu-Kolawole (2024). “Minimum wage: Workers can no longer survive on N70,000, says TUC.” Punch, retrieved from https://tinyurl.com/4x92rxze (last visited on 3 November 2024)
[10] – “2,140 Nigerians kidnapped in seven months as insecurity worsens.” Punch, retrieved from https://tinyurl.com/mr33v2jw (last visited on 3 November 2024)
[11] – Julie Osagie-Jacobs (2024). “31.8m Nigerians suffering from acute food insecurity.” Ministry of Budget and Economic Planning, retrieved from https://tinyurl.com/2kthtt92 (last visited on 3 November 2024)
[12] – Proshare (2024). “President Tinubu Signs Student Loan Scheme into Law.” Retrieved from https://tinyurl.com/yuj6hfct (last visited on 3 November 2024)
[13] – Moses Adeniyi (2024). “#EndBadGovernance protesters vow to fight on despite treason charges.” Punch, retrieved from https://tinyurl.com/um5hdduj (last visited on 3 November 2024)
[14] – Kayode Oyero (2024). “Tinubu Sacks Five Ministers, Redeploys 10, Makes Seven Fresh Nominations.” Channels TV, retrieved from https://tinyurl.com/2zyr8h5x (last visited on 3 November 2024)
[15] – Isaac Shobayo, Akin Adewakun, ‘Yomi Ayeleso, Collins Nnabuife, & Taiwo Amodu (2024). “Fresh controversies over northern govs’ opposition to tax reform bills.” Nigerian Tribune, retrieved from https://tinyurl.com/ypry5ntw (last visited on 3 November 2024)
[16] – John Owen Nwachukwu (2024). “Tax reform bill: We made him President – Gov Sule on North moving against Tinubu.” Daily Post, retrieved from https://tinyurl.com/4pppkkh5 (last visited on 3 November 2024)