تجارب التدخلات الأممية في القرن الأفريقي: بين النجاح والفشل
مقدمة
القرن الأفريقي منطقة ذات أهمية استراتيجية، يشمل دولًا مثل الصومال، إثيوبيا، إريتريا، وجيبوتي. تعاني هذه المنطقة من تحديات متعددة تشمل النزاعات المسلحة، الإرهاب، والفقر، مما جعلها منطقة هشة ومستهدفة بتدخلات الأمم المتحدة لتحقيق السلام والاستقرار. تعد منطقة القرن الإفريقي إحدى أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، حيث تتعدد فيها الصراعات التي تشمل قضايا الإرهاب، والنزاعات العرقية، والمشاكل الاقتصادية. وقد دفعت هذه الصراعات المزمنة إلى تدخلات متعددة من قبل القوات الأممية في محاولة لإعادة الأمن والاستقرار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كانت هذه التدخلات فعّالة في تحقيق السلام الدائم، أم أنها لم تتجاوز سوى حدود التخفيف المؤقت للاضطرابات ، أو المساهمة بشكل أو بأخر في تعقيدها.
تتناول هذه الورقة الأكاديمية التدخلات الأممية في القرن الأفريقي، وتستعرض تجاربها بين النجاح والفشل، وتحلل أسباب النتائج المتباينة لتلك التدخلات.
أهداف الورقة
- استعراض أهم التدخلات الأممية في القرن الأفريقي.
- تحليل أسباب النجاح والفشل في هذه التدخلات.
- تقييم أثر التدخلات الأممية على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
خلفية عن القرن الأفريقي و التدخلات الأممية
يمتاز القرن الأفريقي بأهمية جغرافية نظرًا لموقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي، مما يجعله محور اهتمام القوى الدولية يُعتبر القرن الأفريقي من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم بسبب موقعه الجغرافي، فهو يطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويمر عبره مضيق باب المندب الذي يُعدّ أحد أهم الممرات البحرية العالمية، حيث تعبر من خلاله نسبة كبيرة من حركة التجارة العالمية، وخاصة شحنات النفط التي تصل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا.’1′
وتكمن أهمية القرن الأفريقي في عدة جوانب:’2′
- الموقع الجغرافي: يقع القرن الأفريقي بالقرب من شبه الجزيرة العربية، ما يجعله قريبًا من الخليج العربي والبحر الأحمر، ويربط بين الشرق الأوسط وأفريقيا. وهو ممر استراتيجي لطرق التجارة الدولية بين آسيا وأوروبا.
- الموارد الطبيعية: يحتوي القرن الأفريقي على موارد طبيعية مهمة مثل النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى الثروات البحرية، مما يجعله محط أنظار الدول الكبرى والمستثمرين.. كما تشكل الصراعات الداخلية، وتهديدات الإرهاب، ونقص التنمية تحديات كبرى للمنطقة .
التدخلات الأممية: الدوافع
تعاني عدة دول في القرن الأفريقي من اضطرابات ونزاعات سياسية وعسكرية داخلية، مثل النزاع المستمر في إثيوبيا، وخصوصاً إقليم تغيراي، وحالة عدم الاستقرار الطويلة في الصومال. التدخل الأممي هنا يأتي بهدف إحلال السلام والمساعدة في بناء مؤسسات الدولة. تمثل حركة الشباب الصومالية تهديداً أمنياً كبيراً، إذ تعمل على زعزعة الاستقرار في الصومال والمناطق المجاورة. تسعى الأمم المتحدة من خلال تدخلاتها إلى دعم الحكومة الصومالية عسكرياً وأمنياً، بالتعاون مع قوات الاتحاد الأفريقي، لمكافحة الإرهاب.’3′
تُعد السواحل الصومالية نقطة ساخنة للقرصنة التي تؤثر على التجارة العالمية، وخصوصاً أن باب المندب يعد ممراً استراتيجياً لنقل النفط والبضائع. لذا، أنشأت الأمم المتحدة تحالفات بحرية لحماية السفن وضمان الملاحة الآمنة. يعاني ملايين الأشخاص في المنطقة من الفقر والجفاف وسوء التغذية، إلى جانب النزوح الداخلي الكبير بسبب النزاعات. تقوم المنظمات الأممية بتقديم الدعم الإنساني الطارئ، وتوفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية في عدة مناطق.’4′
التدخلات الأممية في القرن الأفريقي
- الصومال: (UNOSOM I، UNOSOM II، AMISOM)
الوضع قبل التدخل: شهد الصومال انهياراً حكومياً في عام 1991 أعقبه حرب أهلية، مما أدى إلى فوضى شاملة وانهيار الخدمات الأساسية. تدخلت الأمم المتحدة عبر بعثة حفظ السلام (UNOSOM I) في عام 1992 لتقديم المساعدات الإنسانية، ثم أطلقت (UNOSOM II) في 1993 لتعزيز الاستقرار. واجهت البعثة صعوبات كبرى بسبب تناحر الفصائل القبلية وتزايد المقاومة المحلية للتدخل الأجنبي. انتهى التدخل الأممي بالفشل عام 1995 بعد انسحاب القوات. عاود الاتحاد الأفريقي التدخل في 2007 عبر بعثة (AMISOM) بدعم من الأمم المتحدة، إلا أن الاستقرار لم يتحقق بشكل كامل بعد.’5′
- إريتريا وإثيوبيا (بعثة الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا – UNMEE)
الوضع قبل التدخل: اندلعت حرب حدودية بين إثيوبيا وإريتريا عام 1998 واستمرت حتى 2000، مما خلف آلاف الضحايا وأزمة إنسانية على الحدود. أنشأت الأمم المتحدة بعثة (UNMEE) عام 2000 لمراقبة وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة عازلة على الحدود. رغم أن البعثة ساهمت في حفظ السلام مؤقتاً، إلا أن التوترات ظلت قائمة، وانسحبت البعثة عام 2008 بعد أن فرضت إريتريا قيوداً على أنشطتها. استمر التوتر حتى توقيع اتفاق سلام بين الدولتين عام 2018 دون تدخل أممي مباشر.’6′
- جنوب السودان (بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان – UNMISS)
الوضع قبل التدخل: حصل جنوب السودان على استقلاله عن السودان عام 2011، لكنه دخل في نزاع داخلي عام 2013 بين القوات الحكومية والمعارضة. أُنشئت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) لحماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية ودعم جهود المصالحة. عانت البعثة من قيود على حركة قواتها وصعوبات في التعامل مع الأطراف المتنازعة. ورغم جهود الأمم المتحدة، لا يزال الصراع مستمراً مما جعل التدخل غير ناجح تمامًا في تحقيق السلام الشامل.’7′
التدخلات الأممية في القرن الأفريقي: عوامل النجاح والفشل
- عوامل النجاح
تعاون الأطراف المحلية: يساعد قبول الأطراف المحلية لبعثات الأمم المتحدة في تيسير عملها وتحقيق أهدافها. يساهم دعم المجتمع الدولي ودول الجوار في نجاح البعثات، مثل جهود الاتحاد الأفريقي في دعم السلام والاستقرار في الصومال. يساهم تحديد الأهداف بشكل واضح وتوفير الموارد المناسبة في تحسين فاعلية البعثات الأممية.’8′
- عوامل الفشل
التعقيدات الداخلية للصراعات: تشكل الانقسامات القبلية والعرقية في بعض الدول تحديًا كبيرًا أمام نجاح التدخلات الأممية، مثلما حدث في الصومال. قد ترفض بعض الحكومات أو الجماعات المسلحة التدخل الأممي، ما يزيد من صعوبة تحقيق السلام، كما حدث في حالة بعثة UNMEE بين إثيوبيا وإريتريا. تواجه بعض البعثات نقصًا في التمويل والتجهيزات، مما يحد من قدرتها على أداء مهامها.’9′
تقييم الأثر العام للتدخلات الأممية في القرن الأفريقي
وذلك من خلال النقاط التالية :’10’
- أثر إيجابي في بعض الحالات: حققت بعثات الأمم المتحدة بعض النجاح في إرساء السلام النسبي أو تقديم المساعدات الإنسانية، كما في إثيوبيا وإريتريا خلال فترة UNMEE، حيث تم تجميد النزاع لبعض الوقت.
- أثر سلبي بسبب الإخفاقات: أسهمت الإخفاقات في فقدان الثقة بالأمم المتحدة في بعض الحالات، مثلما حدث في الصومال، حيث انسحبت بعثات الأمم المتحدة بعد فشلها في تحقيق الاستقرار، مما أدى إلى تعميق الفوضى والانقسامات.
- نتائج مختلطة في جنوب السودان: رغم نجاح بعثة UNMISS في حماية المدنيين وتقديم المساعدات، إلا أن استمرار النزاع الداخلي يجعل تأثيرها محدودًا في تحقيق السلام الدائم.
الخاتمة
تعكس التدخلات الأممية في القرن الأفريقي أهمية الجهود الدولية لحفظ السلم والأمن الدوليين، إلا أن التحديات الهيكلية والاجتماعية والسياسية في المنطقة تجعل من الصعب تحقيق النجاح الكامل. تُبرز تجارب الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا أن التدخلات الأممية تحتاج إلى مقاربة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار السياقات المحلية وتوفير الدعم اللازم للبعثات لضمان نجاحها في تحقيق الاستقرار. إن الدور الأممي في القرن الإفريقي يمكن وصفه بالمحاولة الشجاعة التي لم تنجح في تحقيق السلام المستدام حتى الآن. ورغم النجاحات الجزئية التي حققتها قوات حفظ السلام، إلا أن الأوضاع لا تزال مضطربة بسبب تعقيد الأزمات وتداخل المصالح. قد يتطلب الوضع في القرن الإفريقي إعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة، مع تركيز أكبر على بناء المؤسسات المحلية وتعزيز التعاون الإقليمي لضمان استقرار طويل الأمد.
المصادر والمراجع
- محمد عبد المؤمن محمد عبد الغنى. القاهرة (2011). مصر والصراع حول القرن الأفريقي 1945-1981. ط1. ص 52.
- عاصم فتح الرحمن. 2012. تغيير موازين القوى في القرن الأفريقي. الخرطوم. مرکز دراسات المستقبل. ص 165
- المصدر نفسه ، 167
- . مصطفى کامل محمد السيد. (2019). التحديات أما استقرار القرن الأفريقي. ورقة بحثية مقدمة إلى ندوة مشترکة حول التطورات في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. القاهرة. المجلس المصري للشؤون الخارجية. ص 27.
- المصدر نفسه ، ص 39.
- إجلال محمود رافت ، إبراهيم احمد نصر الدين ، القرن الإفريقي المتغيرات الداخلية والصراعات الدولية ،ص 85.
- عبدالله عبد المحسن السلطان ، البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي ( التنافس بين استراتيجيتين )، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1988م، ص15.
- الهام الحدابي ، البحر الأحمر صرع النفوذ هل يتحول الي حرب إقليمية ؟ ، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات ، أوراق سياسية 38، ص 7
- عبد القادر العلي ، مضيق باب المندب بين الأهمية الاستراتيجية وتصاعد حدة التهديدات الأمنية ، مجلة افاق علمية ، العدد3، سنة 2019م ، ص 112-
- أماني الطويل وآخرون، العرب والقرن الإفريقي جدلية الجوار والانتماء، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، الدوحة – قطر، 2013م ،ص،319.
تقرير قيم و في محله حيث يستشهد ركائز تاريخية وعلميه حقيقية في تلك المنطقة الملتهبة من شرق القارة الأفريقية. الدولة الحية المفقودة هي جمهورية والتى هي امتداد مهم جدا في القرن الافريقي.