النزاعات الداخلية والإقليمية
الأزمة الصومالية الإثيوبية: التداعيات والسيناريوهات
أقدمت حكومة إثيوبيا الفيدرالية، فيما ظلت الأنظار متجهة للأزمة في فلسطين وتداعياتها المختلفة، على توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال (المطالب بالاستقلال عن جمهورية الصومال) تمنح بمقتضاه الأولى حقوقًا سيادية في استخدام ميناء بربرة الهام الواقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر بالمخالفة للقواعد الإقليمية والدولية المعمول بها وفي انتهاك بالغ الخطورة والدلالة لسيادة الصومال على كامل ترابه الوطني، وفيما عد -على مستوى آخر- استبدالًا لمشروع ممر بربرة الذي كانت تتولاه دولة الإمارات العربية عبر شركة موانئ دبي العالمية بالتعاون مع حكومة أديس أبابا لاقتطاع ممر بري في عمق “أرض الصومال” لنقل تجارة إثيوبيا الخارجية عبر الميناء الصومالي (وهو المشروع الذي أدانته صراحة جامعة الدول العربية باعتباره انتهاكًا لسيادة دولة من أعضاء الجامعة) بمشروع إثيوبي جاء في سياق استغلال براغماتي تقليدي لنظام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للمتغيرات الإقليمية المتسارعة وكذلك بفضل دعم غير مباشر، وإن كان واضحًا، من قبل أطراف دولية كما كشفت مواقفها المتخاذلة إزاء إدانة السلوك الإثيوبي المخالف لقواعد العلاقات مع دول الجوار.

تداعيات الأزمة على الداخل الصومالي والإثيوبي
فاجأت أديس أبابا المراقبين بتوقيعها مذكرة تفاهم مطلع العام الجاري مع إقليم أرض الصومال يمنح الأولى وصولًا مباشرًا لخليج عدن، واعتبر هذا الاتفاق الاستراتيجي ممهدًا الطريق أمام إثيوبيا لإقامة قواعد تجارية وعسكرية على امتداد ساحل الإقليم الصومالي. وتقتضي “مذكرة التفاهم” تخصيص أرض الصومال شريط ساحلي بطول 20 كيلو متر لإثيوبيا تقوم الأخيرة بتأجيره لمدة 50 عامًا مقابل أن تقدم لأرض الصومال حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة، وكذلك -ضمنيًا- الاعتراف بأرض الصومال “دولة مستقلة”. وعُد الاتفاق تعويضًا مرحليًا لمساعي أديس أبابا الحثيثة للحصول على منفذ بحري على السواحل الإريترية ([1])؛ وهو الملف الذي جدده آبي أحمد وأثار تعليقات رافضة وصارمة من أسمرا معتبرة مساعي إثيوبيا -حال جديتها وما أكده آبي أحمد من سعيه بجميع الوسائل لتحقيق هذه الغاية- إعلانًا للحرب.
وأثارت الخطوة تداعيات متباينة في الصومال (بشكل عام وفي إقليم ارض الصومال أيضًا) وإثيوبيا، لاسيما أن التوقيع ميز بداية لاجتماعات مستمرة بين القادة العسكريين في إثيوبيا وأرض الصومال لمناقشة سبل التعاون “بين البلدين”. ففي الصومال، الذي خرجت فيه مظاهرات شعبية مكثفة في كافة أرجاء البلاد منددة بالخطوة ومذكرة بالعداء التاريخي لإثيوبيا تجاه الشعب الصومالي، بادر رئيسه حسن شيخ محمود بإبطال مذكرة التفاهم رسميًا ودعا مواطنيه “للاستعداد للدفاع عن بلادهم”. ورأى مراقبون صوماليون أن الأزمة برمتها باتت اختبارًا جادًا لمدى التزام الاتحاد الأفريقي (الذي تستضيفه إثيوبيا) بمبدأ وحدة وسيادة أراضي دوله الأعضاء، ومدى التزام إثيوبيا -دولة المقر- بمبادئ الاتحاد الأفريقي (وتقدير الموقف الصومالي الداعم لوحدة إثيوبيا في الأعوام الأخيرة وسط أزمة إقليم التيجراي التي هددت بتقسيم إثيوبيا في إحدى مراحلها). ورأى خبراء صوماليون، إلى جانب حكومة بلادهم، أن المذكرة انتهاكًا واضجًا للقانون الدولي بما في ذلك القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي وميثاق الأمم المتحدة، وأن الخطوة في حد ذاتها ستمثل سابقة للدول الأخرى مما سيطلق سلسلة من عدم الاستقرار والصراعات المحتملة في القارة ([2]).
كما اعتبرت الحكومة الصومالية رسميًا الخطوة الإثيوبية مع حكومة إقليم أرض الصومال “عدوانًا” على استقلالها ووحدتها مما يؤشر إلى تفاقم الأزمة في المستقبل القريب بين مقديشو وأديس أبابا. وبالتوازي مع موقف مقديشو الساعي للرد على عدوانية أديس أبابا فإن الأولى، التي ساعدت بقوات عسكرية في الأعوام الثلاثة الأخيرة لدعم نظام آبي أحمد في أزمته في إقليم التيجراي، لا تزال تبقي على خطوط اتصال مع أديس أبابا لتسوية الأزمة “سلميًا” حتى اللحظات الأخيرة؛ فقد طالبت مقديشو إثيوبيا بالتراجع عن مذكرة التفاهم ونقلت “فاينانشيال تايمز” عن وزير الإعلام الصومالي داود عويس قوله أن بلاده ترى أن المخرج للأزمة الحالية دبلوماسيًا يوجد في يد إثيوبيا وحدها بالتراجع عن مذكرة التفاهم تلك “والتراجع عن حالة الفوضى التي صنعتها”، وأن اعتراف إثيوبيا بإقليم أرض الصومال “سينشر الفوضى في كامل القارة الأفريقية”([3]).
أما في إثيوبيا فقد نُظر لمذكرة التفاهم على أنها انتصار دبلوماسي جديد، يضاف لسجل انتصارات نظام آبي أحمد ويذكر في واقع الأمر ببدء سجال إقليمي جديد (بعد طي أديس أبابا فيما يبدو ملف سد النهضة)، ورأت -حتى بعض الدوائر المعارضة في الأورومو مثلًا- في الخطوة مشروعًا وطنيًا إثيوبيًا لفك عزلة إثيوبيا البحرية. ولم تتوقف أديس أبابا عند الاستجابات الصومالية والإقليمية وحتى الدولية الرافضة للخطوة وواصلت -حسب تقارير لصحيفة لوموند الفرنسية محادثات عسكرية مع “إقليم صومالي داع للانفصال”، وانعقدت محادثات هامة وخطيرة بين قادة عسكريين من الجانبين في 8 يناير وصفتها الحكومة الإثيوبية “بالتعاون العسكري مع أرض الصومال” إذ ناقش رئيس الأركان الإثيوبي برهانو جولا مع “نظيره من أرض الصومال” نوح إسماعيل تاني هذا الملف على نحو موسع، وجاءت تلك المناقشات بالتزامن مع بدء الرئيس الصومالي شيخ محمود زيارته لإريتريا، وبعد ساعات من إبطاله لمذكرة التفاهم([4]).
ويبدو أن الموقف الإثيوبي المباغت قد جاء في سياق إعادة ترتيب أوضاع إقليمية ودولية في البحر الأحمر ومحاولة إثيوبية تقليدية من الاستفادة من المتغيرات الراهنة بدعم محتمل -وإن لم يكن قد تم بالفعل- من شركاء إثيوبيا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومناورة مرحلية من قبل الإمارات تحديدًا للعودة إلى أرض الصومال من خلف إثيوبيا وليس تمهيدًا لها (بعد تراجع الحديث عن مشروع ممر بربرة، وعلى نحو لا ينفي استعداد الإمارات للعودة للاستثمار في القطاع الساحلي الذي تنوي إثيوبيا تأجيره من أرض الصومال لمدة 50 عامًا).
الموقف الإقليمي من الأزمة: المصالح المصرية على المحك
نشط الرئيس الصومالي شيخ محمود في دبلوماسية إقليمية لحظية لمواجهة التهديدات الإثيوبية لسيادة بلاده ووحدتها؛ وأجرى على الفور اتصالات هامة بالقاهرة (التي أبدت بدورها انزعاجًا سريعًا واضحًا من الخطوة الإثيوبية رغم تجاهلها الواضح في الأعوام السابقة للترتيبات الإثيوبية- الإماراتية لإقامة ممر بربرة الذي كان سيتجه من قلب الأراضي الإثيوبية قرب أديس أبابا وصولًا لميناء بربرة). وفي تصعيد واضح للاستجابة الصومالية توجه الرئيس شيخ محمود إلى إريتريا (10 يناير) لمناقشة تداعيات الخطوة الإثيوبية وعبر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بلغة واضحة ومحددة للغاية عن كامل دعمه للصومال في مواجهة الأطماع الإثيوبية كما كشفت التقارير رغم عدم إصدار بيان رسمي للحكومة الإريترية بهذا الخصوص مما يؤشر إلى تعقد الموقف البالغ والذي ينذر بمواجهات مفتوحة حال مضي أديس أبابا في مخططها وتجاهلها الكامل لمقديشو.
ولم تكد زيارة الرئيس الصومالي لإريتريا تنتهي إلا وتم الإعلان عن زيارة مرتقبة للأول إلى القاهرة بعد تلقيه دعوة من نظيره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمناقشة مختلفة جوانب الأزمة وتداعياتها وسيناريواتها المتوقعة. وإلى جانب السياق الظرفي المفهوم لهذه الزيارة فإنها تأتي مبدئيًا بلورة لإعلان الرئيس السيسي قبيل إعادة انتخابه رئيسًا لمصر لفترة رئاسة جديدة بعزمه تبني “سياسة خارجية جديدة” (في إشارة لها دلالاتها أفريقيًا وفي محيط دائرة حوض النيل والبحر الأحمر تحديدًا بعد تهديد عدد من حلفاء القاهرة الخليجيون لمصالحها الاستراتيجية في هذه الدائرة).
وتنظر القاهرة، التي أرسلت عددًا من دبلوماسييها ومسئوليها لمقديشو لمناقشة المسألة عن كثب بعد ساعات من بروزها، لتطلعات إثيوبيا التوسعية على حساب الصومال هذه المرة بعين الريبة لا سيما بعد انسداد أفق محادثاتها مع إثيوبيا والسودان بخصوص ملف سد النهضة على نحو مخيب للآمال ويضرب بعرض الحائط جميع جهود القاهرة على امتداد أكثر من عقد كامل للوصول لتسوية “عادلة”. ويمكن رصد تحرك القاهرة النشط هذه المرة، بعد سنوات من فتور مواقفها وتراجع سياسات المبادرة لصالح سياسات ردود الفعل التي خصمت من رصيدها ونفوذها قدرًا لا يستهان به، عبر أكثر من مسار (مرتبط بالحالة الصومالية راهنًا): إطلاق محادثات مباشرة وعاجلة مع حكومة مقديشو، وتوجيه الدعوة للرئيس الصومالي لزيارة القاهرة، ومحاولة إحداث اختراق في جهود إخراج القاهرة تمامًا من قائمة الدول المؤثرة فعليًا في الإقليم عبر إعادة التقارب الوثيق مع إريتريا.
وتمثل الشق الأخير في توجه وزير الخارجية المصري سامح شكري في زيارة هامة -من جهة الأجندة والتوقيت- إلى أسمرة (11 يناير) حاملًا رسالة دبلوماسية من السيسي إلى أفورقي وبعد ساعات من وجود الرئيس الصومالي في العاصمة الإريترية (فيما قد يشير إلى محادثات ثلاثية مباشرة أو غير مباشرة). وحضر الصومال بندًا أوليًا في محادثات أفورقي- شكري، كما دقم الأخير دعوة رسمية للأول لزيارة القاهرة. ولفت النظر أن تصريحات شكري عن الزيارة تعدت الملف الصومالي والاهتمام المصري المفهوم -والمتأخر نسبيًا- بالصومال إلى التأكيد على أنها “جزء من اللقاءات المنتظمة بين البلدين التي تستهدف مراجعة التقدم في تطبيق الاتفاقات الثنائية السابقة” والعمل على تقوية العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وبغض النظر عن زيارة شيخ محمود المرتقبة للقاهرة وما تحمله من دلالة محتملة بعودة قوية للدعم المصري للصومال في مواجهة تهديدات إثيوبيا المباشرة على وحدته فإن مجمل المقاربة المصرية للصومال وأزمته ستظل الاختبار الأول -بعد غزة- لسياسة نظام الرئيس السيسي الخارجية في بدء دورته الجديدة وإظهار مدى قدرته على انتهاج سياسة خارجية متحررة من ضغوط الدول الخليجية (التي نجحت في الواقع في تهميش غير مسبوق للدور المصري وتهديد مصالح القاهرة في أوثق دوائر أمنها القومي: السودان والبحر الأحمر وحوض النيل)، والقدرة على مناطحة الدبلوماسية الإثيوبية التي نجحت في مواجهة مصر بالعلامة الكاملة في ملف سد النهضة.
الدبلوماسية الجيبوتية: الحياد الحذر
أما جيبوتي، التي تضم قطاعًا معتبرًا من السكان الصوماليين، فإنها وازنت مواقفها بين خشية إغضاب جارتها القوية: إثيوبيا، وتهديدات نقل الأخيرة جزء لا يستهان به من تجارتها الخارجية من ميناء جيبوتي (منفذها الوحيد لهذه التجارة التي يمر أكثر من 98% منها عبر البحر حاليًا) حال نجاح مشروع التعاون مع “أرض الصومال”. وقد بادرت جيبوتي في 10 يناير الجاري (بعد أكثر من أسبوع من إعلان مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسيا عاصمة إقليم أرض الصومال) بالإعلان عن موقفها (باعتبارها رئيسًا لكتلة إيجاد بالتأكيد على أهمية حماية استقلال وسلامة أراضي الدول الأعضاء في “إيجاد” وأن جيبوتي ستعمل بعمق على حماية استقلال ووحدة وسلامة أراضي الدول الأعضاء في الكتلة وفي الاتحاد الأفريقي([5])، واتضح هذا الحذر في بيان وزارة الشئون الخارجية والتعاون الدولي الجيبوتية (11 الجاري) الذي استهلته بتقديم موقفها في سياق تجمع “إيجاد” (الذي يتولى الرئيس الجيبوتي عمر جيله رئاسة أمانته حاليًا) والدعوة لعقد قمة غير عادية حول مسالتين رئيسيتين أولهما الوضع الراهن بين إثيوبيا والصومال، ثم الوضع في السودان، وأن أوغندا قبلت استضافة هذه القمة، فيما بدا حذرًا جيبوتيًا من إبداء موقف واضح ترقبًا لقمة إيجاد المنتظر عقدها في 18 يناير. وهكذا يأتي موقف جيبوتي حذرًا للغاية (كما يتضح في تفادي البيانات المعنية ذكر اسم الصومال أو إثيوبيا صراحة).
الموقف الدولي من الأزمة: حسابات معقدة
جاءت أزمة مذكرة إثيوبيا وأرض الصومال بين أزمتين كبيرتين بالأساس وهما الحرب الصهيونية في غزة بفلسطين منذ منتصف أكتوبر 2023 ثم بدء القيادة البحرية المعروفة باسم “حارس الازدهار” هجمات عسكرية مباشرة على اليمن قبالة المدخل الجنوبي الأفريقي للبحر الأحمر. ويستوجب هذا التزامن عدم إغفال حجم المصالح الدولية المتعاظمة في الإقليم وطبيعة صلتها بالتوجه الإثيوبي المحسوب تقليديًا على “الغرب” وإسرائيل وشبكاتهما في المنطقة.
وبعد إعلان المذكرة بادر الاتحاد الأوروبي بإصدار بيان يحث على احترام سيادة الصومال، وأكد الاتحاد “التذكير بأهمية احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية وفق دستورها وميثاقي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة” ما عده الاتحاد شرطًا رئيسًا للسلم والاستقرار في مجمل إقليم القرن الأفريقي
ولم يبرز في المواقف الدولية دعمًا للقضية الصومالية في مواجهة العدوان الإثيوبي الأخير موقفًا واضحًا سوى في حالة الصين (التي تناصب أرض الصومال عداءً مفهومًا على خلفية صلات الإقليم بتايوان). وبعد تأخر في إعلان موقف رسمي أكدت الصين 12 الجاري دعوتها لاحترام سلامة أراضي الصومال، كما أوضح بيان الخارجية الصينية دعم “الصين لحكومة الصومال الفيدرالية في تأمين وحدتها الوطنية، وسيادتها، وسلامة أراضيها”، وعبرت عن أملها في “معالجة الدول الإقليمية (في إشارة لإثيوبيا) شئونها على نحو ملائم عبر حوار دبلوماسي”. وهكذا كان موقف الصين واضحًا للغاية وقيمة حقيقية مضافة إلى إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومصر وتركيا دعوتهم لاحترام سيادة الصومال.
وبأي حال فإنه لا يمكن التعويل بجدية على قمة إيجاد المقبلة لاسيما أن المنظمة لم تتراجع عن بيان أصدره باسمها ورقنه جيبييهو (أمينها التنفيذي إثيوبي الجنسية والذي جعل المنظمة فعليًا “تابعة للخارجية الإثيوبية” حسب مراقبين كثر) ووصفته الخارجية الصومالية بالمتحيز لإثيوبيا إذ “لم يدن صراحة انتهاك الأخيرة لسلامة أراضي وسيادة الصومال بالمخالفة للمبادئ الأساسية للأمم المتحدة و”إيجاد” والاتحاد الأفريقي والقوانين الدولية الأخرى”. إذ اكتفى بيان جيبييهو بدعوة البلدين الشقيقين للتعاون نحو تسوية سلمية وودية للوضع (ما يعني في المحصلة تجاوز أزمة مذكرة التفاهم وتكييف الأوضاع المترتبة عليها كأمر واقع)، وهو أمر يتوقع تكراره في قمة إيجاد المقبلة (كما الحال في مقاربة المنظمة للملف السوداني دون حسم يذكر والارتهان بالأجندة الإثيوبية في المقام الأول).
أما موقف الولايات المتحدة تجاه “مذكرة التفاهم” وتبعاتها فإنه ظل محصورًا في رفض المذكرة دون تعميق موقف محدد لإدانة إثيوبيا ومشروعاتها التوسعية مما يترك الباب مفتوحًا أمام مواقف احتواء تقليدية في السياسة الأمريكية في القرن الأفريقي؛ وفسر متخصصون([6]) هذا الفتور الأمريكي بانشغال واشنطن الأساسي بالوضع في غزة (حيث انتهت جولة مفصلية لوزير الخارجية أنتوني بلينكن لسبعة عواصم عربية لهذا الغرض في 12 يناير اختتمها بتصريح بالغ الخطورة باستعداد الدول العربية للانخراط في عمليات تسوية قصيرة الأجل وبعيدة الأجل مع الولايات المتحدة “بشرط قبول إسرائيل” هذا الانخراط).
وتكشف هذه المواقف الدولية عن تعقيد بالغ وعدم وضوح الرؤية (رغم البيانات المتكررة بإدانة المذكرة)، وانفتاح سيناريوات الأزمة على تعقيد أكبر لا يمكن تداركه، لاسيما مع توقع عجز كتلة “إيجاد” عن فرض حل مقبول خارج توصيات إثيوبيا، التي ستدأب على نهج توسعي واضح بعد نجاحها في ملفات إقليمية مختلفة.
السيناريوات المستقبلية في ضوء تطورات البحر الأحمر
تشي التطورات في جنوبي البحر الأحمر وبدء قوات “حارس الازدهار” عمليات عسكرية ضد اليمن بعدة سيناريوات على النحو التالي:
- دمج مسار منح إثيوبيا لشريط ساحلي استراتيجي في “أرض الصومال” مع توجهات الولايات المتحدة والقوى الحليفة لها سواء تحت مظلة “حارس الازدهار” أم عبر الترتيبات الأمنية والاستراتيجية القائمة والمتقاطعة مع أنشطة الولايات المتحدة في المحيط الهندي؛ ويفترض وفق هذا السيناريو اضطلاع إثيوبيا بأدوار هامة في هذه الترتيبات ضمن مقاربة أمريكية بفرض أوضاع جديدة في مجمل بناء الأمن في البحر الأحمر.
- تمكن الصومال، الذي حقق في الشهور الأخيرة تقدمًا ملفتًا في الملفات الأمنية والاقتصادية والإقليمية تراكمت في قمة بين شيخ محمود ورئيس إقليم أرض الصومال موسى بيحي قبيل الأزمة الحالية بأيام لدعم الوحدة الصومالية، من نيل دعم إقليمي هام لوحدته وتعزيز مقدراته العسكرية والأمنية لمواجهة تهديدات التوسع الإثيوبي يقوم بالأساس على رؤية صومالية- إريترية- مصرية مشتركة على الأقل في المرحلة الراهنة؛ وهو ما سيتضح عقب لقاء شيخ محمود مع السيسي في الساعات المقبلة. ويعزز هذا السيناريو المخاوف المصرية من خلخلة بناء الأمن في البحر الأحمر بوجود عامل إثيوبي منافس.
- اضطلاع دول الخليج العربي (تحديدًا السعودية صاحبة النفوذ التقليدي في الصومال والإمارات التي تربطها علاقات استراتيجية بإثيوبيا) بوساطة “الفوز للجميع” لتهدئة مخاوف الصومال وطمأنة إثيوبيا بتمويل أية خطط إثيوبية للوصول إلى منفذ بحري بالتوافق مع حكومة مقديشو، وهو سيناريو قائم في ظل التجارب السابقة (حيث ضمنت السعودية اتفاقًا مماثلًا بين إثيوبيا وإريتريا في اتفاق السلام التاريخي بين البلدين الذي تم شكليًا برعاية سعودية وإدارة أمريكية على الأرض).
خلاصة:
تشي الأزمة الراهنة بين إثيوبيا والصومال بتداعيات خطيرة على الأرض، وإن كان من المرجح تسوية الأزمة بشكل عام في سياق حزم من الترتيبات الإقليمية والدولية المألوفة بالضغط على الصومال والتوصل لتسوية مرضية لإثيوبيا التي ستتمتع -وعلى نحو تقليدي- بتفهم غربي وإقليمي (عبر كتلة إيجاد) على نحو يتسق مع دورها كرافعة إقليمية بارزة لمشروعات هذه الأطراف منذ عقود.
الأزمة الرواندية الكونغولية: تزايد مشاعر الكراهية ضد رواندا فيما بين دول المنطقة
من الواضح بشكل متزايد تنامي المشاعر المعادية لرواندا في منطقة البحيرات الكبرى بسبب الأزمة المتفاقمة مع الكونغو الديمقراطية، وخاصة في بلدان مثل بوروندي وجنوب أفريقيا وبشكل أقل تنزانيا وأوغندا. وتتغذى هذه المشاعر على مزيج من الديناميكيات السياسية الحالية والصراعات الإقليمية وبالتحديد في دعمها لمجموعة M23 المتمردة والتي توغلت حاليا داخل الأراضية الكونغولية وتهدد بغزو العاصمة كيتشاسا والاطاحة بالرئيس الكونغولي فيليكس تشيكيسيدي.
وقد صرح العديد من كبار قادة حركات التمرد، بمن فيهم رئيس قوات تحرير الكونغو كورنيل نانجا، لوسائل الإعلام الدولية بأن “عام 2025 ليس عام 2012” وأن المجموعة تخطط لمواصلة القتال حتى كينشاسا.([i]) ونشرت الأمم المتحدة نصًا لقائد حركة إم23 يحث القوات على الزحف إلى كينشاسا خلال تجمع حاشد في مايو 2024 كما أقامت حركة إم23 تحالفات مع بعض الجماعات المسلحة في مقاطعة إيتوري في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحاول تجنيد وبناء تحالف أوسع يخلق جبهة موحدة مع الجماعات المسلحة الرئيسية التي تعمل في المنطقة. ولم تكن حركة 23 مارس قادرة على تحقيق هذه الأهداف أو بناء مثل هذه التحالفات عندما استولت على منطقة غوما آخر مرة في عام 2012، وقد أثبتت القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية عدم فعاليتها في مواجهة حركة 23 مارس والقوات الرواندية ذات الامكانيات الأفضل والأرقى تجهيزًا. ومع ذلك فإن حركة 23 مارس تحتاج إلى دعم رواندا لتحقيق هذا الهدف، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت رواندا تسعى إلى تغيير النظام الكونغو الديمقراطية. وأفادت الأمم المتحدة أن الدعم الرواندي أعطى حركة 23 مارس ميزة كبيرة من حيث الأفراد والمعدات، مما ساهم في التقدم السريع للمجموعة.
التوترات بين رواندا جنوب أفريقيا واحتمالات المواجهة العسكرية بين البلدين
تصاعدت التوترات بين رواندا وجنوب إفريقيا بشكل كبير بسبب الصراع الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخاصة فيما يتعلق بجماعة إم 23 المتمردة المدعومة من رواندا. وتدهور الوضع في أعقاب اتهامات من الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، الذي ألقى باللوم على إم 23 في مقتل قوات حفظ السلام الجنوب أفريقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد أدى ذلك إلى مواجهة دبلوماسية، حيث رد الرئيس الرواندي بول كاغامي بالتأكيد على أن جنوب إفريقيا ليست جديرة بالعمل كوسيط أو صانع سلام في المنطقة.([ii])
كما اتهم الرئيس رامافوزا حركة إم23 بالمسؤولية عن مقتل جنود من جنوب إفريقيا. وردًا على ذلك، زعم كاغامي أن الوجود العسكري لجنوب إفريقيا يؤدي إلى تفاقم التوترات ووصف قواتها بأنها “عدوانية” وليست قوات حفظ سلام.
شهد الصراع خسائر بشرية كبيرة، بما في ذلك مقتل 13 جنديًا جنوب أفريقيًا وجنديين من تنزانيا مؤخرًا. وقد دفع ذلك جنوب أفريقيا إلى إصدار تحذيرات صارمة بشأن أي هجمات أخرى على قواتها، وتفسير مثل هذه الإجراءات على أنها إعلان محتمل للحرب. وفي أعقاب هذه التصعيدات، انخرط وزيرا خارجية البلدين في محادثات تهدف إلى تهدئة التوترات. وقد تعهدا بتعزيز الحوار بشأن الأزمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، على الرغم من أن الشكوك لا تزال قائمة بشأن فعالية هذه المناقشات بالنظر إلى السياق التاريخي لعلاقاتهما .
تصريحات شديدة اللهجة لرئيس بوروندي ضد رواندا
وجه الرئيس البوروندي إيفاريست ندايشيميي انتقادا حادا لرواندا، متهما حكومتها بالتسبب بعدم الاستقرار في جميع أنحاء شرق أفريقيا، ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع المنطقة من الانزلاق إلى صراع أوسع نطاقا. وفي حديثه خلال تجمع دبلوماسي بمناسبة العام الجديد 2025 في القصر الرئاسي في بوجومبورا يوم الجمعة 31 يناير 2025، وأمام السلك الدبلوماسي والقنصلي المعتمد، وممثلي المنظمات الدولية المتمركزة في بوروندي، اتهم الزعيم البوروندي رواندا صراحة بدعم الجماعات المسلحة العاملة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وحذر من عواقب وخيمة إذا استمر الوضع دون رادع.([iii])
وأضاف ندايشيميي أنه “يجب وقف تدخل رواندا وزعزعة استقرار المنطقة”. وقال إذا استمرت رواندا في تحقيق انتصارات في أراضيها وفي محيطها، فسوف تصل إلى بوروندي أيضًا. لكن بوروندي لن تقف مكتوفة الأيدي. “سندافع عن سيادتنا وشعبنا”.
في يناير 2024، أغلقت بوجومبورا حدودها البرية مع رواندا، مستشهدة بدعم رواندا المزعوم لجماعات مسلحة تعمل للاطاحة بحكومة بوروندي. وهي التهمة التي نفتها رواندا باستمرار. ورغم الجهود الدبلوماسية المتقطعة لإصلاح العلاقات، فإن العلاقات بين الجارتين لا تزال متوترة. وتمثل اتهامات ندايشيميي الأخيرة تدهورا جديدا في العلاقات الثنائية، مما يثير المخاوف بشأن احتمال نشوب مواجهة مسلحة بين البلدين خاصة في ظل غياب الجهود الإقليمية والدولية المنسقة، فإن الوضع قد يتدهور بسرعة، مما قد يجر الدول المجاورة إلى صراع أوسع.
وأكد الرئيس ندايشيميي أن الأزمة تمتد إلى ما هو أبعد من بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مما يشكل تهديدًا لمنطقة شرق إفريقيا بأكملها. وحذر من أن “المنطقة تواجه تهديدا، وليس بوروندي فحسب، بل تنزانيا وأوغندا وكينيا، والمنطقة بأكملها معرضة للخطر”. وأشار الزعيم البوروندي أيضا إلى نشر قوات جنوب أفريقية تابعة لمجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك) في شرق الكونغو كدليل على تداعيات الأزمة الأوسع نطاقا.
وأضاف أن “مواطني جنوب أفريقيا يعانون في شرق الكونغو. ولكن انظروا إلى أين وصلت جنوب أفريقيا! وهذا يوضح مدى تفاقم الأزمة”. وحذر ندايشيميي من أنه إذا لم يتم التعامل مع الوضع في شرق الكونغو الديمقراطية بشكل عاجل، فقد يتصاعد الأمر إلى حرب إقليمية واسعة النطاق. وقال “أنت ترى ما يحدث بجوارنا مباشرة، فلماذا هذا الصمت من جانب المجتمع الدولي؟ إذا استمر هذا، فإن الحرب قد تنتشر في جميع أنحاء المنطقة لأن الناس لا يستطيعون أن يقفوا مكتوفين الأيدي ولا يفعلون شيئًا. لذا، يجب الاستعداد للعواقب”، حذر.
وفي كلمته، انتقد ندايشيميي ما وصفه بـ “الصمت المطبق” من جانب المجتمع الدولي بشأن العنف المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية والدور الذي يزعم أن رواندا تلعبه في زعزعة استقرار المنطقة.
وأردف “إذا لم يتحرك أحد، فإن كل دولة ستجد نفسها في نهاية المطاف وحيدة في مواجهة عواقب هذه الأزمة”، وحث زعماء العالم والكتل الإقليمية والمنظمات الدولية على دعم المبادرات الرامية إلى تحقيق وقف فوري للأعمال العدائية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتأتي تصريحات الزعيم البوروندي في الوقت الذي تستمر فيه التوترات في الارتفاع في منطقة البحيرات العظمى، حيث تتنافس مجموعات مسلحة متعددة على السيطرة وسط مظالم عرقية وسياسية واقتصادية طويلة الأمد.
وتظل بوروندي منخرطة بشكل نشط إلى جانب جمهورية الكونغو الديمقراطية في العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة في شرق الكونغو.
ردة الفعل الرواندية
وفي رد حاد على الاتهامات الأخيرة التي وجهها الرئيس البوروندي إيفاريست ندايشيميي، رفض وزير خارجية رواندا أوليفييه ندوهونجيري الادعاءات بأن بوروندي تقاتل من أجل استقرار شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، واتهم بدلاً من ذلك قوات الدفاع الوطني البوروندية بالتعاون مع الميليشيات الإبادة الجماعية والتواطؤ في العنف العرقي.
تحدى وزير خارجية رواندا أوليفييه ندوهونجيريه تأكيد ندايشيميي بأن قوات الدفاع الوطني الكونغولية منتشرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية لمحاربة الجماعات المسلحة الأجنبية.
وتساءل قائلا “إذا كانت قوات الدفاع الوطني البوروندية قد تم نشرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية لمحاربة الجماعات المسلحة الأجنبية، فلماذا لم تهاجم أبدا القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي جماعة إبادة جماعية أجنبية؟”، متهما القوات البوروندية بالتعاون مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي جماعة مسلحة مرتبطة بمرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
وفي معرض تسليطه الضوء على الأحداث التي وقعت في أكتوبر 2023، زعم ندوهونجيريه أن القوات البوروندية المتمركزة في إقليم ماسيسي كانت تراقب بشكل سلبي الهجمات التي شنتها الميليشيات المتطرفة، بما في ذلك نياتورا، ووازاليندو، والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، على قرية “نتورو” ذات الأغلبية التوتسية. ولم يقدم ندوهونجيريه أدلة تدعم مزاعمه.
آخر المستجدات:
جماعة إم23 المتمردة المدعومة من رواندا تعلن وقف إطلاق النار
أعلن متمردو حركة إم23 المدعومة من رواندا والذين استولوا على مدينة غوما في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الأسبوع الماضي وقف إطلاق النار من جانب واحد اعتبارا من الثلاثاء 4 فبراير 2025. وقال تحالف نهر الكونغو، وهو تحالف من الميليشيات بما في ذلك حركة إم 23، إنه يعلن وقف إطلاق النار “لأسباب إنسانية”. وقد انقطعت تدفقات المساعدات والأغذية وغيرها من السلع الأساسية إلى المدينة بسبب تقدم حركة إم 23، وفي الأيام الأخيرة كثفت المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي دعواتها لإنشاء ممرات آمنة لإيصال المواد الحيوية.([iv](
ومن جانبها قالت الأمم المتحدة يوم الاثنين إن 900 شخص على الأقل لقوا حتفهم في القتال الذي اندلع الأسبوع الماضي بين المتمردين والقوات الكونغولية. وأضافت أن المستودعات والمكاتب التابعة لمنظمات الإغاثة تعرضت للنهب، وحذرت من انتشار الملاريا والكوليرا والحصبة وأمراض أخرى بسبب نقص القدرة على الحصول على الرعاية الطبية. وحث وزراء خارجية دول مجموعة السبع، أطراف الصراع على العودة إلى المفاوضات ودعوا إلى “مرور سريع وآمن ودون عوائق للإغاثة الإنسانية للمدنيين”.
وبالنظر إلى أن اعلان وقف اطلاق النار جاء من جانب واحد فان احتمالية الالتزام به يظل ضعيفا جدا. خاصة وأن الاعلان أتى عقب تنديد دولي شديد اللهجة، وهناك من يتوقع أن الاعلان مجرد مراوغة لكسب المزيد من الوقت.
تنزانيا تستضيف قمة استثنائية طارئة لمحاولة اخماد الأزمة
أعلن الرئيس الكيني وليام روتو يوم الاثنين 3 فبراير 2025 أن الرئيسين الكونغولي فيليكس تشيسكيدي والرواندي بول كاغامي، الزعيمين الرئيسيين في الصراع المتصاعد في شرق الكونغو، سيحضران قمة استثنائية في مدينة دار السلام التنزانية لمعالجة الصراع المسلح.([v])
وستجمع القمة الاستثنائية المقرر عقدها يومي الجمعة والسبت، رؤساء دول من مجموعة شرق أفريقيا (EAC) المكونة من 6 أعضاء ومجموعة تنمية جنوب أفريقيا (SADC) المكونة من 16 عضوا لمناقشة الأمن الإقليمي والتدخلات الدبلوماسية. ويأتي الاجتماع في أعقاب اتفاق تم التوصل إليه بين رئيس مجموعة تنمية جنوب أفريقيا ورئيس زيمبابوي إيمرسون منانجاجوا، وكذلك رئيس مجموعة شرق أفريقيا ورئيس كينيا ويليام روتو. ومن المتوقع أن يحضر القمة أيضًا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، بالإضافة إلى الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.
وبالرغم من الاعلان عن حضور رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيكيسيدي إلا أن توقعات حضوره تظل ضعيفة خاصة وأنه امتنع عن حضور اي مناسبة يشارك فيه عدوه اللدود كاغامي وآخرها خلال قمة مجموعة شرق أفريقيا، متذرعا باتهام رواندا دعمها لمتمردي حركة 23 مارس.
ومن الجدير بالذكر أن تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية هما الدولتان الوحيدتان اللتان تتمتعان بعضوية كل من مجموعة تنمية دول الجنوب الأفريقي وجماعة شرق أفريقيا. وتتمتع تنزانيا، وهي عضو مؤثر في كلتا الكتلتين، بمصالح أمنية واقتصادية كبيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويضع هذا الموقع الاستراتيجي تنزانيا في دور صعب ولكنه حاسم محتمل كوسيط. وتعتبر تنزانيا ذات دور مهم في هذه الأزمة، وخاصة فيما يتصل بالوساطة خارج الإطار القائم وداخله ومن خلال المشاركة الثنائية. كما يمكنها أن تعمل على خلق منصة محايدة للمجتمع الدولي للتفاعل وبالتحديد فيما يتصل بمصالحها الجيوسياسية. ومع ذلك، ينبغي لتنزانيا أيضا أن تستعد بحزم لأسوأ السيناريوهات.
هل هناك احتمال لتدخل دولي لردع رواندا؟ هذا الاحتمال مستبعد لعدد من العوامل أبرزها:-
- وضع رواندا كمتهم وحيد لسرقة موارد الكونغو الديمقراطية غير صحيح، فالسارق الأكبر هي الدول الغربية وأبرزها أوروبا والولايات المتحدة، ولا نستثني رواندا من هذه السرقات لكونها الممر الذي يعبر فيه تلك الموارد المسروقة، فمن الطبيعي أن يكون لها نصيب من تلك المسروقات وهذا ما يفسر احتلال رواندا المراتب الأولى في العالم كدولة مصدرة للمعادن بالرغم من انها لا تمتلك مناجم وفيرة ([vi]). وبالتالي أمريكا لن تسمح بتدخل دولي لردع رواندا بسبب المصالح المشتركة من نهب الكونغو.
- كما أن رواندا تمتلك علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني الذي يعتبر رواندا بوابة لتغلغلها في شرق أفريقيا([vii])، وبالتأكيد ستضغط من خلال وكلائها بعدم المساس بحكومة الرئيس كاغامي
- ومن المهم أيضا أن نأخذ في الاعتبار المشهد الجيوسياسي. فهناك صراع مستمر بين الصين والغرب من أجل الوصول إلى المعادن الأساسية. وأكثر من 50% من احتياطيات الكوبالت في العالم توجد في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي مادة بالغة الأهمية لصناعة السيارات الكهربائية والطيران وصناعة الدفاع. والجدير بالذكر أن أكثر من 70% من إنتاج الكوبالت العالمي يأتي من جمهورية الكونغو الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، فإن 70% من احتياطيات الكولتان في العالم توجد ايضا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي مادة ضرورية لصناعة الإلكترونيات.
- وفقًا لتقرير البنك الدولي ، تسيطر الصين على 85% من إمدادات الكوبالت العالمية([viii])، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى وجودها في جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال شركتها، China Molybdenum. يثير هذا الصراع الجيوسياسي في حد ذاته يشكل مخاوف بشأن استجابة المجتمع الدولي ونواياه الحقيقية فيما يتعلق بالصراع.
السيناريوهات المتوقعة لمآلات الأزمة
اذا ما نظرنا بعمق الى السياق التاريخي للصراع فالمجتمع الدولي يبدو أنه يميل الى زعزعة الاستقرار في المناطق الغنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية وخاصة الجزء الشرقي منها بدلا من ايجاد حل للأزمة، باعتبارها السبيل الوحيد لتأمين الوصول إلى المعادن الحيوية! وفي حال تأكد هذا السيناريو الأسوأ، فمن المرجح أن تتخذ الصين خطوات لحماية مصالحها، باستخدام الإغراءات المالية والدبلوماسية لضمان دعم الدول الإقليمية لمصالحها في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومن المرجح أن يفعل الغرب الشيء نفسه، مما يفاقم من أزمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولذلك نرى فشل جميع الوساطات المتسلسلة لحل الأزمة. ويزيد وجود المرتزقة الأجانب من تعقيد الموقف، مما يشير إلى أنه إذا تصاعدت الأمور، فقد تخرج عن نطاق السيطرة بسرعة كبيرة.
إن هذا التعقيد الجيوسياسي يتطلب حلاً أفريقياً صادقاً. ولابد أن يتوقف الازدواج في التعامل والطعن في الظهر. فهل ترى بلدان المنطقة أن الحرب المفتوحة وسيلة أكثر فعالية لتحقيق أهدافها؟ بالنسبة لرواندا، يبدو أن هناك مؤشرات بأنها تعمل على ارضاخ جمهورية الكونغو الديمقراطية بقبول الأمر الواقع، وتشير خطاباتها إلى الاعتقاد بأنها تستطيع أن تحول جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى دولة تابعة بكل الوسائل الممكنة. وهذا النهج يعكس شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد وهو أمر غير مقبول.
فضلاً عن ذلك فإن القضية الأكبر المطروحة الآن هي ضعف جمهورية الكونغو الديمقراطية كدولة. فالبلاد تعاني من ضعف الجيش والقيادة، كما تعاني من جماعات أنانية مثل حركة 23 مارس، والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وأكثر من مائة فصيل مسلح آخر. وهذا يجعل آفاق جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر قتامة. فضلاً عن ذلك فإن الصراع الإقليمي الدولي على موارد الكونغو، شجع العديد من الشباب على الاعتقاد بأن الصراع هو الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الوضع. كما أن الفراغ القيادي والافتقار إلى الحلول القابلة للتطبيق، إلى جانب الميل إلى تجاهل المشكلة، لن يؤدي إلا إلى تحويل المنطقة إلى أرض تجارب لأسلحة مختلفة وربما الخطوة التالية للمواجهات العسكرية. ولابد أن تقدم القمة المقترحة في تنزانيا بين مجموعة تنمية دول جنوب أفريقيا وجماعة شرق أفريقيا حلولاً حقيقية.
[i] M23 rebels announce they want to ‘take’ DRC capital Kinshasa 1st Feb. 2025. Access 3rd feb. 2025. https://www.vaticannews.va/en/world/news/2025-01/dr-congo-rwanda-rebels-m23-war-regional-bloc.html.
[ii]Kagame threatens South Africa’s Ramaphosa over DRC intervention, January 30, 2025. Access 3rd feb. 2025. https://www.theafricareport.com/375348/kagame-threatens-south-africas-ramaphosa-over-drc-intervention/
[iii] Burundi leader accuses Rwanda of ‘expansionist’ agenda, February 02, 2025. Access 4th feb. 2025. https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/burundi-leader-accuses-rwanda-of-expansionist-agenda–4910376#google_vignette
[iv] Rwandan-backed M23 rebels declare ceasefire in DRC, 4 Feb 2025. Access 4th feb. 2025. https://www.aljazeera.com/news/2025/2/4/rwandan-backed-m23-rebels-declare-ceasefire-in-drc
[v] Tanzania to host joint EAC-SADC summit on eastern DR Congo crisis, February 04, 2025. Access 5th feb. 2025. https://www.thecitizen.co.tz/tanzania/news/national/tanzania-to-host-joint-eac-sadc-summit-on-eastern-dr-congo-crisis-4912096
[vi]، https://www.swissinfo.ch/ara/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%86-%D9%88%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D8%B2%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86%D8%BA%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9/88820082 ، الدخول: 5 فبراير 2025. 03 فبراير 2025 دور المعادن وشركات التكنولوجيا في نزاع الكونغو الديموقراطية
[vii] رواندا بوابة “إسرائيل” إلى إفريقي، الدخول 5 فبراير 2025 https://www.noonpost.com/18829/ 12 يوليو ,2017ا،
[viii] COBALT IN THE DEMOCRATIC REPUBLIC OF CONGO, access 5th feb. 2025. https://documents1.worldbank.org/curated/en/099500001312236438/pdf/P1723770a0f570093092050c1bddd6a29df.pdf
[1] Bizuneh Yimenu and Robert Mccabe, Ethiopia’s Quest for Access to the Sea – Success Rests On Good Relations With Its Neighbours, All Africa, January 12, 2023 https://www.msn.com/en-xl/africa/top-stories/ethiopias-quest-for-access-to-the-sea-success-rests-on-good-relations-with-its-neighbours-analysis/ar-AA1mQG2k
[2] Ismail D. Osman, Ethiopia- Somaliland MoU Stirs Dispute, Tests African Territorial Unity, Garwoe Online, January 7, 2024 https://www.garoweonline.com/en/opinions/op-ed-ethiopia-somaliland-mou-stirs-dispute-tests-african-territorial-unity
[3] Gioia Shah, Somalia calls on Ethiopia to tear up deal with breakaway Somaliland, Financial Times, January 11, 2024 https://www.ft.com/content/f1a7ffa3-03d8-46e4-a009-3710b4abc27d
[4] Ethiopia holds military talks with separatist region of Somalia, Le Monde, January 8, 2024 https://www.lemonde.fr/en/international/article/2024/01/08/ethiopia-holds-military-talks-with-separatist-region-of-somalia_6413982_4.html
[5] Djibouti Issues Statement On Somalia-Ethiopia Diplomatic Tension, Shabelle Media Network Mogadishu Djibouti, January 10, 2023 https://www.msn.com/en-xl/africa/top-stories/djibouti-issues-statement-on-somalia-ethiopia-diplomatic-tension/ar-AA1mHsC1
[6] Alex de Waal and Mulugeta Gebrehiwot, Red Sea is today’s arena for clash of African-Arab power politics, Responsible Statecraft, January 9, 2024 https://responsiblestatecraft.org/red-sea-africa-middle-east/