الأمن البحري في مواجهة الإرهاب: تقييم المخاطر واستراتيجيات الوقاية
مدخل:
نظراً للأهمية الهائلة للتجارة البحرية الدولية بالنسبة للنظام التجاري العالمي، هناك مخاوف كبيرة بشأن تداعيات الهجوم الإرهابي على الموانئ وخطوط المواصلات البحرية والملاحة البحرية. والأهم من ذلك، في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية على الأراضي الأمريكية، وسعت التنظيمات المتشددة نطاقها من الهجمات الجوية والأرضية لتشمل القطاع البحري. وقد أثار ذلك مخاوف المجتمع الدولي بشأن الهجمات الإرهابية المحتملة ضد سفن الشحن وسفن الحاويات وناقلات النفط والبنى التحتية البرية والبحرية، والتي يمكن أن تتسبب في اضطرابات كبيرة لتدفق الشحن الدولي والتجارة البحرية العالمية.
استنادًا إلى الحوادث الإرهابية السابقة المتعلقة بالفضاء البحري، وضعت الدراسة أربعة سيناريوهات محتملة للإرهاب البحري:
- ضعف السفن البحرية والموانئ.
- البنية التحتية الحيوية ومنصات النفط والغاز.
- غرق ناقلة نفط أو مهاجمة ناقلة الغاز الطبيعي المسال أو سفينة الحاويات في القنوات الضيقة.
- الهجوم الإلكتروني على الموانئ والبنية التحتية الحاسمة لتكنولوجيا المعلومات.
إن تعزيز الأمن المادي لمرافق الموانئ، وزيادة الدوريات في الممرات المائية والموانئ والمرافق الساحلية، وأمن الحاويات والحماية من المتفجرات، وإنشاء قواعد بيانات لتتبع البضائع والسفن والبحارة كلها تدابير حاسمة للتخفيف من هذا التهديد. هناك حاجة ماسة لإعادة تشكيل عالمي للترتيبات الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب البحري. إن استراتيجية الأمن الحالية تفاعلية وغير متطورة في تطبيقها. يجب على المنظمة البحرية الدولية أن تزيد من جهودها وتغير نهجها “من التفاعل إلى الوقاية المسبقة” لمعالجة التهديدات الناشئة للأمن البحري. ومن ثم، ينبغي تجاهل المفاهيم التاريخية للقرصنة والإرهاب وإدخال نظام أمني جديد.
المقدمة
من العصور القديمة وحتى يومنا هذا، لعبت البحار والمحيطات دورًا محوريًا في التقدم الاقتصادي للحضارات الإنسانية. فمن بلاد الرافدين إلى حضارة وادي السند، ازدهرت جميعها على طول الأنهار والبحار. لذلك، لن يكون مبالغة القول إن تقدم الحضارة الإنسانية وازدهارها الاقتصادي وبقائها ظلاً متشابكاً مع التجارة البحرية، واستمر هذا الاتجاه ونمط نقل السلع والخدمات حتى العصر الحديث.
يُذكر عادة في الأدبيات المتعلقة بهذا الأمر أن البحار والمحيطات هي وسائل رئيسية للنقل البحري وتجارة السلع بين الدول، توفر البحار الطرق البحرية لنقل كميات كبيرة من السلع بتكلفة أقل من النقل الجوي أو البري. وبالتالي، تلعب التجارة البحرية دورًا حاسمًا في تحفيز الاقتصادات الوطنية وتعزيز تبادل التجارة بين الدول.
حاليًا، تمر أكثر من 90٪ من التجارة العالمية عبر البحار والمحيطات والأنهار والممرات المائية، تبلغ مساحة المنطقة البحرية 139.768.200 ميل مربع، وهذا يعادل حوالي 2.4 مرة مساحة اليابسة على الكوكب. قدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أن 60٪ من سكان العالم يعيشون على بعد أقل من 60 كم من السواحل. يشير المسار الصعودي للتجارة البحرية الدولية (البضائع والحبوب والنفط والغاز الطبيعي المسال والمواد الأخرى) بوضوح إلى أن التقدم الاقتصادي العالمي المستقبلي سيبقى مرتبطًا بشكل مستمر بالتجارة البحرية الدولية. يعتمد الازدهار والرفاهية العالميان على السلاسل اللوجستية العالمية وخطوط المواصلات البحرية الآمنة، وأي اضطراب، سواء كان صغيراً أم كبيراً، سيرسل موجات صدمة حول العالم ويؤثر على معيشة مليارات الأشخاص.
في العقود الأخيرة، وخاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية على برجي التجارة العالمي في نيويورك، تغيرت أنماط الأمن الدولي ومصفوفة التهديدات العالمية بعدة طرق. ضد هذا الهجوم الإرهابي، أعلنت الولايات المتحدة حربًا عالمية على الإرهاب ضد تنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية التابعة له. علاوة على ذلك، أثار ذلك مخاوف المجتمع الدولي بشأن الهجمات الإرهابية المحتملة ضد سفن الشحن وسفن الحاويات وناقلات النفط والبنى التحتية البرية والبحرية، والتي يمكن أن تتسبب في اضطرابات كبيرة لتدفق الشحن الدولي والتجارة البحرية العالمية.
منذ عام 2002، تم الإبلاغ عن حوادث إرهابية على طول سواحل العديد من البلدان، كما أصبحت القرصنة على السفن التجارية وسفن الشحن منتشرة على نطاق واسع مؤخراً. ومع ذلك، هناك مخاوف الآن من أن الجماعات الإرهابية المنظمة مثل القاعدة تخطط لعمليات في أعالي البحار. وفي هذا الصدد، لا تزال التحقيقات جارية في عدد من الهجمات في المضائق والممرات، وأحيانًا تتحمل بعض الحركات أو المنظمات المسؤولية، مثل حركة الحوثي التي تتخذ من سواحل اليمن وقرن أفريقيا وبالقرب من مضيق باب المندب مقراً لها. ومع ذلك، في كثير من الحالات، تقوم بعض الأيدي الخفية أو المعروفة بهذه الهجمات في البحر، وتمر أسابيع وأشهر دون الكشف عن أي معلومات واضحة عنها.
تم تناول هذه المخاوف منذ فترة طويلة، منذ التسعينيات وما بعدها، خلال ارتفاع القرصنة البحرية بالقرب من السواحل الصومالية، وتم تشكيل تحالفات دولية للحد من هذا النوع من القرصنة. ومع ذلك، أدت أحداث ما يسمى “الربيع العربي” والتطورات الهامة اللاحقة إلى تحويل انتباه المجتمع الدولي إلى حد ما عن هذه الظاهرة. ومن الجدير بالذكر أن أحد التحذيرات الأولى خلال تلك الفترة جاء من كريستيان كوتش، مدير قسم الدراسات الدولية في مركز الخليج للأبحاث في دبي في ذلك الوقت، في عام 2010، وأكد على أنه لا ينبغي تجاهل الأعمال الإرهابية في أعالي البحار.
الإرهاب البحري
الأمن البحري يشير إلى “حماية السفن داخلياً وخارجياً” من الأنشطة غير القانونية مثل القرصنة، الاتجار بالبشر، السطو المسلح، والإرهاب. وعلى الرغم من أن هذه الأعمال كانت معروفة لصناعة الشحن العالمية لعدة قرون، إلا أنه لم يبدأ الاهتمام الواسع من قبل العديد من الحكومات والمنظمات الدولية حول العالم بمشكلة عدم قانونية الإرهاب حتى التسعينات. وقبل شرح ماهية الإرهاب البحري، سيكون من المناسب تعريف الإرهاب أولاً، لأن مصطلح الإرهاب مثير للجدل للغاية وينطوي على مجموعة من التعقيدات والخلافات. وبالنسبة لتعريف الإرهاب، لا يزال العالم حتى اليوم يفتقر إلى تعريف موحد وشائع ومتفق عليه عالميًا لهذه الظاهرة التي استمرت منذ العصور القديمة. والسبب في عدم اتفاق العالم وحتى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تعريف عالمي للإرهاب هو أن “مقاتل الحرية لدى شخص ما هو إرهابي لدى شخص آخر”. ومع ذلك، وفقًا للجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن الأعمال الإرهابية تُعرَّف بأنها “أعمال إجرامية تهدف إلى أو تحسب لإثارة حالة من الرعب في الجمهور أو مجموعة من الأشخاص أو أشخاص معينين لأغراض سياسية”. ويُعرّف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الإرهاب بأنه “أعمال إجرامية، بما في ذلك ضد المدنيين، ترتكب بقصد التسبب في موت أو إصابات بدنية خطيرة، أو أخذ الرهائن، بهدف إثارة حالة من الرعب في الجمهور أو في مجموعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو ترهيب السكان أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام به“.
في القرن الحادي والعشرين، بدأ الإرهاب المرتبط دينياً في جذب الانتباه والتوسع في النطاق، حدث هذا تحت إهمال أو جهل متعمد أو دعم سري من بعض القوى وأولئك الذين لديهم مصالح في زعزعة استقرار مناطق معينة من العالم والتأثير على استقرارها وأمنها. بدأت بعض القوى العالمية في دعم بعض المنظمات الإرهابية لتحقيق مصالحها الخاصة، حتى وقعت أحداث 11 سبتمبر عام 2011، وبعد ذلك، بدأ الإرهاب المتطرف دينياً في الظهور، ثم أخذ الإرهاب منحى جديداً اجتاح العالم بأسره، وخاصة الدول الإسلامية، مما جعل الإرهاب روتيناً يومياً.
يخلط بعض الخبراء في بعض الأحيان بينه وبين القرصنة، وأحيانًا يتم استخدام مصطلحي القرصنة والإرهاب بالتبادل. رأى عدد من الخبراء وجود ارتباط وثيق بين القرصنة والإرهاب، ولكن إن الدوافع الرئيسية للقراصنة هي الحصول على المال والموارد، بينما تلعب الدوافع السياسية والدينية والأيديولوجية دورًا أكبر في حالة الإرهاب.
عند تعريف الإرهاب البحري، يشير معظم العلماء إلى اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية (المادة 3)، والتي تنص على “الاستيلاء على السفن بالقوة؛ أعمال العنف ضد الأشخاص على متن السفن؛ ووضع الأجهزة على متن سفينة من المحتمل أن تدمرها أو تلحق بها الضرر”، على الرغم من أنها لا تذكر كلمة الإرهاب بوضوح؛ لذلك، لا يمكن معادلتها بتعريف الإرهاب. ومع ذلك، فإن مجلس الأمن والتعاون في آسيا والمحيط الهادئ قد عرّف الإرهاب البحري، وذكر أن الإرهاب البحري هو “…. القيام بأعمال وأنشطة إرهابية داخل البيئة البحرية، باستخدام أو ضد السفن أو المنصات الثابتة في البحر أو في الميناء، أو ضد أي من ركابها أو موظفيها، ضد المرافق الساحلية أو المستوطنات، بما في ذلك المنتجعات السياحية والمناطق المينائية والمدن المينائية“.
تهديد الإرهاب المعاصر في المجال البحري
الإرهاب البحري ليس ظاهرة جديدة، يعود تاريخ الإرهاب البحري إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما نفذت “منظمة مناهضة الفاشية ودعمًا لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية” أكثر من 20 عملية اغتيال على متن السفن التجارية للدول الفاشية. وفي عام 1984، شنت حركة نمور تحرير تاميل إيلام – حركة قومية تسعى إلى استقلال شعب التاميل عن سريلانكا- ، كما أنها جماعة مسلحة تتخذ من سريلانكا مقراً لها وتقاتل ضد دولة سريلانكا من أجل وطن مستقل، هجمات بحرية ضخمة ضد البحرية السريلانكية وأهداف بحرية أخرى. في عام 1990، نفذ فرعهم البحري المتمثل بـ “نمور البحر” أكثر من أربعين عملية انتحارية بحرية ضد الأهداف الساحلية والبحرية، ووفقًا لبعض التقديرات، كانوا فعالين للغاية لدرجة أنهم دمروا 40-50٪ من سفن سريلانكا الساحلية وقتلوا أكثر من 60 ألف شخص.
أهم المناطق والتهديدات على خريطة الأمن البحري العالمية
كانت هناك بعض الهجمات الإرهابية الناجحة والمعروفة ضد أهداف الشحن البحري:
- في أكتوبر 2000، حدث هجوم انتحاري بقارب صغير على المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن، ونتيجة لهذا الهجوم، قُتل 17 شخصًا وأُصيب 17 آخرون.
- في أكتوبر 2002، تعرضت الناقلة الفرنسية للنفط Limburg لهجوم في خليج عدن، مما أسفر عن مقتل بحار واحد.
- في أبريل 2004، فجر مهاجمون انتحاريون ثلاثة قوارب محملة بالمتفجرات بالقرب من منشآت التصدير الجنوبية العراقية في البصرة وخور العمية، مما أسفر عن مقتل اثنين من بحارة البحرية الأمريكية وخفر السواحل الأمريكي. وقد أشار ذلك إلى نهج جديد يركز على البنية التحتية البحرية ومرافق الموانئ والمنشآت الساحلية.
- في أكتوبر 2005، تعرضت سفينة الرحلات البحرية Seaborne Spirit لهجوم على بعد 160 كم من سواحل الصومال.
- في عام 2009، أصدرت القاعدة رسالة عالمية تدعو جميع المقاتلين في جميع أنحاء العالم إلى مهاجمة النقاط البحرية الاستراتيجية المضادة كجزء من حرب اقتصادية أوسع ضد الولايات المتحدة والغرب.
- في يوليو 2010، هاجم لواء عبد الله عزام، وهي جماعة مسلحة تابعة للقاعدة، ناقلة نفط يابانية M.star في مضيق هرمز وأصاب الطاقم وألحق أضرارًا بالسفينة.
- في عام 2013، شن لواء الفرقان هجمات بقذائف صاروخية على السفينة البضائع Cisco Asia أثناء مرورها عبر قناة السويس، لكن لم يبلغ عن أي إصابات.
- في يونيو 2018، هاجم الإرهابيون الموانئ النفطية الليبية في راس لانوف والبريقة، وأضرموا النار في خزان تخزين واحد على الأقل، على إثر ذلك تم إغلاق وإخلاء 16 منشأة.
ومع ذلك، فيما يتعلق بسجل المصفوفة العالمية للإرهاب البحري، فقد وقع 212 حادثًا إرهابيًا فقط في الفترة من 11 يونيو 1970 حتى تاريخ بدء العمل بقانون أمن السفن والمرافق ، ووفقًا لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي، فقد وقع أقل من 2٪ من الهجمات في البحر على مدى أربعين عامًا. على الرغم من أن نسبة الهجمات الإرهابية ضد السفن والبنى التحتية البحرية ضئيلة، إلا أن الهجمات الإرهابية البحرية يمكن أن تتسبب في سقوط ضحايا جماعية، وتعطل التجارة العالمية، وتلحق أضرارًا جسيمة بالبنى التحتية الحيوية. حتى لو حدث هجوم واحد فقط.
لذا، يُعتبر الإرهاب في المجال البحري تهديدًا قويًا، وقد وضعت المنظمة البحرية الدولية والأمم المتحدة (القراران 1540 و 1373) و تدابير لتأمين خطوط المواصلات البحرية العالمية الحيوية والملاحة البحرية ومنع آثار أي هجمات إرهابية محتملة والاستجابة لها وتخفيفها.
ارتفاع معدلات الإرهاب البحري في جنوب شرق آسيا (دراسة حالة)
قبل ظهور تهديد الإرهاب البحري الحديث، كانت منطقة جنوب شرق آسيا تعاني بشدة من أنشطة القرصنة والجريمة البحرية، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو الجغرافيا والتضاريس الإقليمية والممرات المائية الضيقة والحافز أمام الجريمة المنظمة لإخفاء هويتها والانزلاق إلى المناطق الساحلية المكتظة بالسكان.
تضم منطقة جنوب شرق آسيا 523 ميناء بحري دولي ولا تزال مركزًا تجاريًا عالميًا رئيسيًا للتجارة العالمية والشحن، تقع ثلاثة مضائق حيوية بها، وهي مضيق سنغافورة ومضيق سوندا ومضيق ملقا، وغيرها الكثير في المنطقة البحرية لجنوب شرق آسيا. وبالتالي، فإن أي اضطرابات في هذه نقاط الاختناق لها تأثير كبير على سلسلة التوريد العالمية وتؤثر سلبًا على الحكومات والصناعة والأفراد على حد سواء. علاوة على ذلك، فإن الظروف السياسية والاقتصادية في بعض الدول الإقليمية ليست مثالية، مما يوفر أرضية مثالية للإرهاب والقرصنة المسلحة.
يبلغ طول مضيق ملقا 1000 كيلومتر، وهو واحد من أكثر خطوط الشحن البحري ازدحامًا في العالم، يمر عبره 50% من أكبر السفن في العالم كل عام، يمر حوالي 80٪ من إمدادات النفط عبر هذا المضيق، ويمر ثلثا صادرات الغاز الطبيعي المسال عبر مضيق ملقا، يربط المحيط الهندي ببحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ، وهو أهم طريق تجاري بين الشرق الأقصى ودول الخليج وأوروبا.
يتميز مضيق سنغافورة بمداخل ومخارج ضيقة، مما يوفر سهولة نسبية للقراصنة والإرهابيين لمهاجمة السفن التي تمر ببطء. بالإضافة إلى تهديدات سفن الشحن وناقلات النفط، هناك تهديدات خطيرة للموانئ والمرافق المرتبطة بها. في حالة وقوع حوادث إرهابية، ستكون العواقب بعيدة المدى على سلسلة التوريد العالمية من الناحية المالية.
نظرًا للأهمية المتزايدة للموانئ البحرية في التجارة العالمية والاقتصاد، ستكون المنظمات الإرهابية أكثر اهتمامًا باختطاف سفن الغاز البترولي المسال ثم تفجير الناقل لتعطيل عمل الميناء، وتدمير البنية التحتية الحيوية للموانئ، والتسبب في خسائر بشرية كبيرة.
هناك العديد من الجماعات الإرهابية في جنوب شرق آسيا لديها الخبرة والتطور لتنفيذ هجوم بهذا الحجم، بما في ذلك: جماعة أبو سياف، ولواء الجهاد، وجماعة الجهاد الإسلامي، وكومبولان ميلتان ماليزيا، والقاعدة، وجبهة تحرير مورو الإسلامية، التي شاركت في أنشطة إجرامية وإرهابية منذ عام 2000. يعتبر الهجوم الذي شنته جماعة أبو سياف على سوبر فيري 14 مثالاً واضحًا على خبرتها وكفاءتها في تنفيذ العمليات الإرهابية، حيث كانت العبارة تقل حوالي 900 راكب، وقتلت المجموعة 116 منهم بالإضافة إلى أفراد الطاقم. كان هذا الهجوم الإرهابي الأكثر فتكًا من حيث الخسائر البشرية وأثر سلبًا على تقويض الثقة في صناعة الشحن البحري.
وفقًا لتقرير المكتب البحري الدولي السنوي، سُجل 115 حادث قرصنة وسرقة مسلحة ضد السفن في عام 2022، ووقع نصفها في المياه الآسيوية الجنوبية الشرقية، ولا سيما في مضيق سنغافورة، حيث استمرت الهجمات في الازدياد.
الارتباط المعقد بين القرصنة والإرهاب في أفريقيا
إن القارة الأفريقية محاطة بخمسة مسطحات مائية هي : المحيط الأطلسي والمحيط الهندي والبحر الأحمر وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، وكلها لها أهمية تاريخية للقارة الأفريقية والشرق الأوسط وبقية العالم من حيث التجارة والشحن الدولي والقرصنة والهجرة القسرية والطوعية. في السنوات الأخيرة، أصبح المجتمع الدولي أكثر قلقًا بشأن حالة الأمن البحري في المحيطات والبحار والمياه الإقليمية وسلامة خطوط المواصلات البحرية و نقاط الاختناق الحيوية.
علاوة على ذلك، تأثرت القارة الأفريقية بشكل كبير في السنوات الأخيرة بالقرصنة والإرهاب المنظمين والمعقدين، خاصة مع سقوط تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث وسع الإرهابيون قضيتهم المتطرفة عبر القارة، بشكل رئيسي في منطقة الساحل وخليج غينيا وخليج عدن. كما كان الإرهاب البحري نقطة تقاطع بين السياسة والعنف المحليين، وهنا تكمن المشكلة، حيث أن آثارها هيكلية وتتجاوز الحدود الوطنية والأقاليم. ولعدة سنوات، ظل خليج غينيا منطقة بحرية غير آمنة من حيث ارتفاع معدل العنف والهجمات. اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرارات 2018 (في عام 2011) و 2039 (في عام 2012) و 2634 (في عام 2022)، معربًا عن القلق البالغ إزاء تزايد القرصنة والسطو المسلح في المنطقة وآثاره على الأمن الإقليمي والعالمي.
وفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية، يعبر حوالي 6.2 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والبترول و 50 مليون طن من المنتجات الزراعية مضيق باب المندب باتجاه آسيا والولايات المتحدة وأوروبا. يبلغ عرض المضيق 28 كيلومترًا فقط عند أضيق نقطة ويفصل اليمن في شبه الجزيرة العربية عن جيبوتي وإريتريا في شرق إفريقيا. يعد المضيق أحد نقاط الاختناق الحيوية لتجارة النفط والتجارة الدولية، في حالة أي هجوم إرهابي على هذا الممر الحيوي الذي يربط البحر الأحمر وقناة السويس والبحر العربي، سيتم إجبار حركة الشحن البحري على السفر حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لأفريقيا، مما يعطل تدفق الشحن الدولي و يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين.
وبالتالي، وسط التوترات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، والحكومات الضعيفة، والمؤسسات الهشة، وعدم الاستقرار الاقتصادي المتزايد، أعطى ذلك الجماعات الإرهابية الثقة لاستكشاف المجال البحري لتحقيق أجندتها الأيديولوجية والسياسية، وابتزاز الأموال، وتعويق حرية تدفق التجارة البحرية الدولية. في عام 2019، وفقًا للمكتب البحري الدولي ، تم الإبلاغ عن 162 حادثًا من القرصنة والسطو المسلح ضد السفن في جميع أنحاء العالم، سُجل 40% منها في القارة الأفريقية. وبسبب ضعف سلطة الدولة في البحر، زاد الارتباط بين القرصنة البحرية والإرهاب في المياه القارية، وخاصة في المنطقة الغربية من القارة.
يمتد مجال عمليات القراصنة الصوماليين من خليج عمان إلى البحر الأحمر، جنوب جزر المالديف إلى قناة موزمبيق، وعلى طول المياه الإقليمية الهندية في الشرق. وتشمل البلدان المتضررة من الخصوصية الصومال وتنزانيا وجزر القمر ومدغشقر وموريشيوس وجيبوتي وكينيا وموزمبيق وسيشيل واليمن، بالإضافة إلى باكستان ودول الخليج الفارسي.
منذ يناير 2005، نفذ القراصنة الصوماليون 1068 هجوماً أسفر 218 منها عن عمليات اختطاف ناجحة، مع اختطاف ما لا يقل عن 3741 من أفراد الطاقم من 125 جنسية مختلفة ودفع فدية تتراوح بين 315 و 385 مليون دولار. وبالنظر إلى القرصنة الصومالية على أنها تكلفة متزايدة للتجارة، فإنها تترجم إلى خسارة تقدر بنحو 18 مليار دولار سنويًا للاقتصاد العالمي.
تُعتبر العلاقة الفعلية والكامنة بين القراصنة والإرهابيين مصدر قلق عالمي آخر، ولا يمكن الاستخفاف بالتعاون بين القراصنة وبعض أعضاء الجماعة المتطرفة الشباب، حيث يساهم في عدم الاستقرار في الصومال. وتشمل الجماعات الإرهابية المرتبطة بالقرصنة والقرصنة المسلحة والإرهاب حركة تحرير دلتا النيجر التي تتخذ من منطقة دلتا النيجر مقراً لها، والجماعة المتطرفة الشباب في الصومال، التي توسعت عملياتها إلى شرق إفريقيا، وخاصة في القرن الأفريقي. ووفقًا لتقرير مسجل في غرب إفريقيا عام 2021، بلغ أعلى عدد لحوادث القرصنة واختطاف السفن 38 حادثًا وقعت في المياه الدولية لتلك المنطقة.
التهديدات الإرهابية الناشئة في منطقة الخليج العربي (دراسة حالة)
تعد منطقة الخليج العربي ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لسلسلة إمداد الطاقة العالمية والتجارة البحرية الدولية، وتشمل المنطقة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت والعراق وإيران؛ وهي تحتوي على حوالي 50% من احتياطيات النفط العالمية و 40% من احتياطيات الغاز وبالتالي تلعب أدوارًا جيوسياسية واستراتيجية في السياسة الإقليمية والعالمية. ومن المفاهيم الجيوسياسية الجديدة، أصبحت المنطقة قلبًا ومركزًا وتربط بين أكثر خمس مناطق حيوية في العالم: إفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا.
مضيق هرمز، الذي يبلغ عرضه 33 كيلومترًا، هو المخرج الوحيد الذي يربط الخليج العربي بخليج عمان والمحيط الهندي. ووفقًا للتقديرات، يمر سدس إنتاج النفط العالمي (18 مليون برميل من النفط) وثلث الغاز الطبيعي المسال في العالم عبر هذا المضيق الصغير. وتعد حرية تدفق التجارة البحرية العالمية وممرات الشحن والعبور عبر مضيق هرمز أمرًا بالغ الأهمية للرخاء الاقتصادي في المنطقة والعالم بأسره.
بسبب التحول في المشهد الأمني العالمي والإقليمي، شهدت المنطقة العديد من التقلبات، وشهد الخليج العربي مؤخرًا زيادة سريعة في الهجمات على السفن ومصافي النفط، مما هدد سلسلة إمداد النفط العالمية والتجارة البحرية. أدت الحرب في اليمن وسوريا والمنافسة الجيوسياسية الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى الإلقاء بظلال كثيفة على أمن منطقة الخليج، ولا سيما على صناعة النفط والبتروكيماويات.
في أبريل 2004، فجر مهاجمون انتحاريون ثلاثة قوارب محملة بالمتفجرات بالقرب من محطة تصدير النفط الجنوبية العراقية في البصرة. وفي 14 سبتمبر 2019، ضربت طائرات بدون طيار وصواريخ منشآت النفط الأكبر في المملكة العربية السعودية، وهي أبقيق، أكبر منشأة لتكرير النفط في العالم، وحقول الخريص النفطية (كلا الموقعين أبقيق والخريص ينتجان 5.7 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل نصف إجمالي إنتاج النفط في المملكة ويمثل أكثر من خمسة بالمائة من إمدادات العالم) في شرق المملكة العربية السعودية. ألقت المملكة باللوم على إيران والمتمردين الحوثيين الوكلاء لها في هذا الهجوم. وفي عام 2019، تعرضت أربع سفن تجارية تابعة للمملكة العربية السعودية والنرويج والإمارات العربية المتحدة للتخريب بالقرب من ميناء الفجيرة، خارج مضيق هرمز. وأكدت حكومة الإمارات العربية المتحدة أن هذا الحادث كان “محاولة لتقويض أمن إمدادات النفط الخام” وأنه أيضًا اعتداء على “الإمارات العربية المتحدة وسلامة الملاحة”.
لذلك، فإن أي حدث، سواء كان عملاً إرهابياً أو عملاً سرياً للدولة لتعطيل تدفق حركة المرور البحري أو إغلاق منشآت النفط والغاز (هجوم الحوثيين على مصفاة أرامكو عام 2022)، يمكن أن يسبب الفوضى والاضطراب المحتملين في أسواق النفط العالمية، وقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام بشكل كبير وزعزعة الاستقرار المالي العالمي.
على الرغم من أن الهجمات التي نفذها الجهات الفاعلة في الخليج العربي على الأهداف البحرية وحقول النفط والغاز والمنصات لا تندرج بالضرورة تحت المعايير الدولية للإرهاب البحري، إلا أنها حققت نفس النتائج السياسية والنفسية والاستراتيجية التي تسعى معظم الجماعات الإرهابية إلى تحقيقها من خلال أهدافها. وتشكل هذه الحوادث سابقة للمنظمات الإرهابية والميليشيات لاتباع نفس السلوك.
التهديدات الإرهابية للموانئ
نظراً للأهمية الهائلة للتجارة البحرية الدولية بالنسبة للنظام التجاري العالمي، هناك مخاوف كبيرة بشأن تداعيات الهجوم الإرهابي على الموانئ. أدى إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية وتوسيع التشكيلات المسلحة نطاقها من الهجمات الجوية والأرضية لتشمل القطاع البحري، وضرب البنية التحتية للموانئ وحركة الحاويات وسفن الشحن. وكان التغيير في الأهداف والتكتيكات يرجع إلى الاهتمام العالمي الموجه نحو الأرض والسماء، بينما كان المجال البحري العالمي معرضًا للهجمات الإرهابية. يوجد حاليًا ما لا يقل عن 4000 ميناء بحري حول العالم تستخدمه السفن للتجارة في جميع أنحاء العالم. وتختلف معايير أمن الموانئ اختلافًا كبيرًا عن أمن الطيران من نواحٍ عديدة، على سبيل المثال، تمتلك المطارات معايير أمنية إقليمية محددة، ولكن في حالة الموانئ، يتعين على الجهات التنظيمية مراعاة الأبعاد البرية والجوية والبحرية للأمن. وعلى الرغم من أنه يمكن ضمان الأمن المادي للأرض حتى حد ما، إلا أنه من الصعب للغاية تأمين ومنع الهجوم من البحر، خاصة إذا كانت هناك أنشطة للقوارب الصغيرة في الميناء.
الموانئ البحرية هي أصعب المناطق تأمينًا لثلاثة أسباب رئيسية:
- تتمتع بمساحات كبيرة، ولديها نقاط دخول متعددة، ومليئة بالنشاط على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وهذا يسهل إلى حد كبير حدوث نشاط إرهابي تحت الرادار.
- هناك العديد من المخاطر التي تهدد الموانئ والسفن على عدة مستويات، وأثناء تحليل الحوادث الإرهابية السابقة في البحر، لوحظ أن الإرهابيين يضعون خططهم قبل الهجمات الإرهابية، حيث يراقبون مرافق الموانئ والسفن قبل بدء الهجوم.
- قد يقومون بتجنيد موظفي الموانئ وأفراد الطاقم وزراعة وكلائهم في السفن والموانئ، مما يجعل جميع مرافق الموانئ والسفن عرضة للهجمات الإرهابية، ولا سيما سفن الشحن التي تكون أقل حماية من سفن الركاب. وبالتالي، فإن تنظيم الوصول إلى مرافق الموانئ والسفن أمر بالغ الأهمية لضمان سير سلسلة التوريد العالمية للبضائع والمواد بسلاسة من خلال المياه.
في أبريل 2004، فجر مهاجمون انتحاريون ثلاثة قوارب محملة بالمتفجرات بالقرب من محطة نفط العراق في البصرة. وفي نوفمبر 2008، وفي سلسلة من الهجمات المتزامنة والمدبرة جيدًا، قتل مسلحو لشكري طيبة أكثر من 170 شخصًا وأصابوا أكثر من 300 في مومباي، العاصمة التجارية للهند. أبحر هؤلاء الإرهابيون عبر البحر ووصلوا إلى الشاطئ دون أن يقبض عليهم خفر السواحل والسلطات البحرية. وفي مايو 2011، تعرض أكبر قاعدة جوية بحرية باكستانية، بي إن إس مهران، لهجوم إرهابي دمر طائرتي مراقبة بي 3 سي أوريون، وقتل عشرة من أفراد الأمن في الهجوم. وبعد أشهر من التحقيق في الهجوم، اكتشف المحققون أن الإرهابيين حصلوا على دعم داخلي لهذا الهجوم الإرهابي الوقح على هدف عالي القيمة ذي أهمية استراتيجية. وأعلن تنظيم تحريك طالبان باكستان مسؤوليته عن الهجوم، وذكر المتحدث باسمه أنه “كان انتقامًا لاستشهاد أسامة بن لادن”. وفي سبتمبر 2014، هاجم مسلح مرتبط بالقاعدة الحوض البحري وحاول اختطاف بي إن إس ذو الفقار، وهي فرقاطة تابعة للبحرية الباكستانية راسية في ميناء كراتشي، وأرادوا استخدامها لمهاجمة السفن الحربية الأمريكية في المحيط الهندي. وفي وقت لاحق، حكمت محكمة البحرية الباكستانية بإعدام خمسة ضباط بحريين لضلوعهم في هجوم بي إن إس ذو الفقار.
أن الإرهاب هو التحدي الملِح للقرن الحادي والعشرين، و يعد تعزيز الأمن المادي لمرافق الموانئ، وزيادة الدوريات في الممرات المائية والموانئ والمرافق الساحلية، وأمن الحاويات والحماية من المتفجرات، وإنشاء قواعد بيانات لتتبع البضائع والسفن والبحارة جميعها تدابير حاسمة للتخفيف من هذا التهديد.
تقييم المخاطر واستراتيجيات الوقاية
نظراً لأن أكثر من 80% من التجارة العالمية والنفط والغاز الطبيعي المسال يبحران عبر المياه الوطنية والدولية، فإن الازدهار والرفاهية العالميين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالسلاسة وحرية حركة الشحن، وخطوط المواصلات البحرية المفتوحة الآمنة، والموانئ الآمنة. قد يكون تهديد الإرهاب البحري “حقيقيًا أو متصورًا أو مبالغًا فيه” قابلاً للنقاش، ولكن المخاطر في أي سيناريو حقيقية إلى حد ما وتدعو إلى تحليل دقيق.
كما كان الحال قبل 11 سبتمبر 2001، كانت الهجمات المتطورة للغاية والمخططة بعناية والمنفذة بدقة التي شنها تنظيم القاعدة على القوة العالمية العظمى أمرًا لا يمكن تصوره. ولم تستطع أي وكالة استخبارات، على الرغم من امتلاكها أدوات مراقبة متقدمة وقوة بشرية، التنبؤ بالهجمات. وبالمثل، من الصعب للغاية التنبؤ بالمستقبل على وجه اليقين، ولكن كبشر، يمكننا تقييم الأنماط والتهديدات والأوجه القابلة للاختراق والنتائج المحتملة في المستقبل، ثم التخطيط لاستراتيجيات محتملة لمنع وتخفيف النتائج السلبية.
ووفقًا لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي، وقع 0.2٪ فقط من الحوادث المتعلقة بالإرهاب البحري في الأربعين عامًا الماضية. ومع ذلك، تكمن المشكلة في أنه إذا لم يحدث ذلك في الماضي، فهذا لا يضمن عدم حدوثه في المستقبل. نحن نعيش في وقت لا يمكن التنبؤ به في التاريخ، لذلك يجب أن نكون مستعدين لمواجهة أي حالات غير متوقعة.
وفي مواجهة التهديدات الإرهابية ضد السفن والموانئ والبنى التحتية البحرية، تنفق الشركات العامة والخاصة مليارات الدولارات لحماية أصولها من الهجمات المسلحة وفقدان البضائع. ووفقًا للتأثير الاقتصادي المحاكى للإرهاب على الشحن، في حالة الهجوم بالقنبلة القذرة على ميناء لوس أنجلوس الأمريكي، سيتم إغلاق جميع موانئ أمريكا البحرية لمدة أسبوع، وستستغرق تسعين يومًا لإزالة الازدحام المروري. والأهم من ذلك أن الضرر المالي التراكمي سيكون 58 مليار دولار أمريكي.و من ثم، فقد أثر تهديد الإرهاب على ثقة نظام اللوجستيات الدولي والنقل البحري خلال العقدين الماضيين.
تم تناول أعمال الإرهاب المعاصرة المتعلقة بالبيئة البحرية، وأيضاً هناك أربعة سيناريوهات إرهابية محتملة يمكن للإرهابيين اختيارها كأهداف:
- ضعف السفن والموانئ:
السفن هي الأهداف الأكثر ضعفًا للإرهاب البحري، بما في ذلك الناقلات العملاقة وحاملات الحاويات والعبارات وسفن الركاب. ومن ثم، من خلال ضرب الناقلات العملاقة، يمكن للمهاجمين تحقيق هدفي الضرر الأقصى للمواد والخسائر البشرية وإخراج خط إمداد الطاقة العالمي مع الآثار المالية الهائلة. كما تعتبر الشحن بالحاويات هدفًا مثاليًا للإرهابيين لإخفاء المواد النووية والكيميائية والبيولوجية والإشعاعية في الحاوية وتفجيرها بالقرب من الميناء. هناك الملايين من الحاويات قيد الاستخدام، ومن المستحيل عمليًا فحص أو مسح كل حاوية. عادة ما تفحص الجمارك الحاويات بشكل عشوائي، ولا يتم فحص سوى 8٪ من جميع حاويات الشحن الواصلة إلى الموانئ البحرية الأمريكية كل عام. ووفقًا لتقدير واحد، يمكن أن تصل تكلفة الهجمات إلى ثمانية وخمسين مليار دولار أمريكي، وتشير تقديرات أخرى إلى أنه في حالة تسرب حاوية شحن واحدة، سيكلف ذلك الشركات أكثر من تريليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن سفن الشحن ليست الهدف الوحيد، حيث يمكن أن تكون العبارات أيضًا هدفًا رئيسيًا للإرهابيين، كما يتضح من مجموعة أبو سياف في عام 2004 عندما استهدفت عبارة في مانيلا.
تحتوي الموانئ على بنى تحتية معقدة ومتطورة داخل المناطق المحيطة بها، بما في ذلك مستودعات النفط والغاز الطبيعي المسال والمرافق الخطرة. يمكن لأي هجوم إرهابي أن يدمر محطة الوقود، مما يتسبب في خسائر بشرية ومادية وبيئية. في أغسطس 2020، تسبب انفجار في ميناء بيروت، وهو ميناء مركزي في لبنان، في تفجير 2750 طنًا من نترات الأمونيوم، مما أسفر عن مقتل 218 شخصًا وإصابة أكثر من 6000 شخص وتدمير أجزاء كبيرة من بيروت. تم تشريد 300 ألف شخص، مما تسبب في خسائر مالية تقدر بنحو 4.6 مليار دولار.
- غرق ناقلة نفط أو مهاجمة ناقلة غاز طبيعي مسال أو سفينة حاويات في القنوات الضيقة:
بالإضافة إلى تدمير السفن واختطافها واستهداف البنية التحتية للموانئ، يمكن للإرهابيين استخدام الطائرات بدون طيار تحت الماء لمهاجمة ناقلات النفط العملاقة أو ناقلات الغاز الطبيعي المسال في المياه الضيقة وتدمير السفينة وهيكلها. لن يؤدي هذا فقط إلى سد الممر البحري، بل سيضر أيضًا بالبيئة في المناطق. وبسبب القيود القسرية على السرعة في هذه الممرات المائية المزدحمة و نقاط الاختناق الضيقة، يُطلب من السفن الحفاظ على سرعات منخفضة، مما قد يزيد من المخاطر على السفن. ولا يمكن استبعاد احتمال وقوع مثل هذا الهجوم في مضيق ملقا ومضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.
في عام 2021، اصطدمت سفينة بطول 400 متر (1312 قدمًا) بالرياح القوية في قناة السويس، مما أدى إلى تعطيل تدفق التجارة البحرية العالمية. وتتدفق من قناة السويس الاستراتيجية 12٪ من التجارة البحرية العالمية إلى أوروبا وآسيا. وكانت مهمة ضخمة بالنسبة لسلطات الموانئ، واستغرق الأمر ما يقرب من ستة أيام لفتح الممر المسدود. ووفقًا للتقديرات، تسبب ذلك في خسائر مالية قدرها 54 مليار دولار للتجارة البحرية العالمية.
- الهجوم الإلكتروني على الموانئ والبنية التحتية الحاسمة لتكنولوجيا المعلومات:
بالإضافة إلى التهديدات المادية التي تواجه الموانئ والسفن، هناك تهديد آخر متطور على الأفق، وهو التهديد الإلكتروني على البنية التحتية البحرية. تعد البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الخاصة بالموانئ، مثل أنظمة تتبع الحاويات ومعالجة الشحن، عرضة للاختراقات الإلكترونية المحتملة. ومع تزايد الأتمتة وتطبيق الذكاء الاصطناعي في القطاع البحري، تزداد احتمالات قيام الجهات الإرهابية أو غير الحكومية المدعومة من الدولة بشن هجمات إلكترونية على نظام تكنولوجيا المعلومات البحري للعدو. وفي عام 2017، تعرضت شركة ميرسك لانقطاع كامل لنظام الاتصالات المعلوماتية بسبب هجوم الفدية. وتم تشفير جميع أجهزة الكمبيوتر المحمولة وخوادم النسخ الاحتياطي، مما أجبر ميرسك على تلقي الطلبات عبر المكالمات الهاتفية.43
صنف تقرير المخاطر العالمي لمنتدى الاقتصاد العالمي لعام 2020 الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية البحرية في المرتبة الخامسة. ووفقًا لشركة مقرها سنغافورة، تقدر الخسائر الناجمة عن المخاطر الإلكترونية بأكثر من 110 مليار دولار وإخراج إمدادات العالم العالمية عن المسار الصحيح مع إلقاء الموانئ البحرية والسفن في حالة من الارتباك. لذلك، من الضروري أن يزيد قطاع الشحن البحري الدولي مستوى الوعي والفهم المتعلق بالمخاطر الإلكترونية الحقيقية.
الاستراتيجية الوقائية
يعتمد الازدهار والتقدم الاقتصادي العالمي على حرية تدفق النقل البحري الدولي، والخدمات اللوجستية، والملاحة البحرية، وخطوط المواصلات البحرية الآمنة. لكن ما نلاحظه هو أنه مع مرور كل يوم، تتزايد التهديدات في المجال البحري، سواء من القرصنة أو الإرهاب، بشكل مطرد. وبالتالي، فإنها تشكل مخاطر جسيمة على التجارة العالمية والتجارة، وقبل كل شيء على بقاء العديد من البلدان حول العالم. وإذا كان التاريخ دليلاً حقيقيًا لنا، فإن الهجمات السابقة التي نفذتها الجماعات الإرهابية تظهر أنه يمكن تحويل وسائل النقل العادية إلى أسلحة إرهاب قاتلة في أيدي الإرهابيين . ويمكن الجدل حول ما إذا كان خطر الإرهاب في المجال البحري “مبالغ فيه” أو “متصور” أو “إمكانيات حقيقية” – في المستقبل، لكن لا ينكر أحد حقيقة أن أكثر من مائة منظمة إرهابية وميليشيا موجودة في العالم بأسره وأن 30.000 مقاتل جزء من هذا التنظيم الإجرامي.
ولمعالجة التهديد المتزايد للإرهاب بشكل فعال، من المقبول عمومًا أن التعاون عبر الوطني الصريح والمستمر أمر ضروري، وهذا التعاون الدولي حيوي للغاية عند محاولة تخفيف التهديد البحري بسبب خصائصه العالمية. يعد تعزيز الأمن المادي لمرافق الموانئ، وزيادة الدوريات في الممرات المائية الدولية والإقليمية والموانئ والمرافق الساحلية، وأمن الحاويات والحماية من المتفجرات، وإنشاء قواعد بيانات لرصد البضائع والسفن والبحارة جميعها إجراءات مهمة للغاية في التخفيف من الخطر الوشيك. ومع ذلك، فإن كل ذلك سيكون بلا جدوى تقريبًا إذا لم يتم الحفاظ على الترتيبات والتعاون الدولي.
وفي الجهود المبذولة للاستعداد الوقائي ضد الهجمات الإرهابية في البحار، هناك بعض التعاون العسكري بين الدول في غرب ووسط آسيا. ووفقًا للمتحدث باسم البحرية الباكستانية، تعاون كل من المملكة العربية السعودية وباكستان في هذا الجانب، وقامتا قوات الكوماندوز البحرية السعودية والباكستانية بإجراء تدريبات عملية على مختلف العمليات القتالية، بينما أجريت التدريبات في منطقة العمليات لتدمير مخابئ الإرهابيين وتنفيذ العمليات ضد العدو في ظلام الليل. وفي المرحلة الثانية من تمرين عفة ساحل، نفذت قوات العمليات الخاصة بالبحرية الباكستانية والقوات البحرية السعودية عمليات تهدف إلى منع ومكافحة الإرهاب والقرصنة في عرض البحر. وفي عام 2018، نجحت التدريبات المشتركة بين مشاة البحرية الباكستانية ومشاة البحرية السعودية في التدريبات الخاصة على زوارق الهبوط على الشواطئ. وهذا النوع من التدريب يعد إعدادًا لمهاجمة الإرهابيين الذين يمارسون القرصنة البحرية على الشواطئ، ومداهمة أوكارهم والأماكن التي يستعدون فيها لعملياتهم العدوانية، وليس فقط في البحر.
وفي عام 2020، أحبط التحالف العربي الذي تم تشكيله دفاعًا عن الحكومة الشرعية في اليمن مخططًا إرهابياً بحرياً للحوثيين من خلال ضبط وتحييد لغم بحري. وصرح المتحدث باسم التحالف العربي في ذلك الوقت بأن ميليشيا الحوثي زرعت لغمًا خطيرًا جنوب البحر الأحمر لاستهداف السفن والقوارب، وتمكن التحالف من تحييد وتعطيل 157 لغمًا، محذرًا من أن ميليشيا الحوثي واصلت تهديد حركة الملاحة والسفن التجارية الدولية في مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر.
خلاصة القول، هناك حاجة ملحة لإعادة تشكيل عالمية للترتيبات الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب البحري، إن استراتيجية الأمن الحالية تفاعلية وغير متطورة في تطبيقها. وقد حدث تحول بارز في النموذج حيث يتطور الإرهاب البحري كنوع جديد من الجريمة المنهجية التي تعمل بالتوافق مع الكيانات الإرهابية الشهيرة. لذلك، من الضروري التغلب على التصورات التاريخية للقرصنة والإرهاب، وإدخال نظام أمني جديد قادر على التغلب على جميع العقبات ومعالجة التهديدات المحتملة بجميع أشكالها.
مع التحول الرقمي للعالم، تتغير التكنولوجيا في المجال البحري والنقل الدولي والخدمات اللوجستية بسرعة. ومع تزايد الاعتماد على الأتمتة وتطبيق الذكاء الاصطناعي، والأنظمة الرقمية، والتكنولوجيا، فإن الموانئ البحرية عرضة للتهديدات الإلكترونية. ويمكن للقراصنة الإلكترونيين محاولة تعطيل الموانئ، والوصول إلى المعلومات الحساسة، واختطاف السفن.
يواجه القطاع البحري اليوم تهديدات متعددة الأوجه تتراوح من القرصنة والإرهاب إلى المجال الإلكتروني. هناك حاجة ملحة لتطوير الفهم الإقليمي والعالمي للمعرفة والمعلومات وأفضل الممارسات المشتركة لمعالجة التهديدات المتصورة أو الموثوقة للإرهاب على البيئة البحرية والبنية التحتية والشحن الدولي والخدمات اللوجستية والاستجابة لها وتخفيف آثارها.
استنادًا إلى حوادث الإرهاب البحري السابقة المتعلقة بالفضاء البحري، وضعت الدراسة أربعة سيناريوهات إرهابية محتملة: ضعف السفن والموانئ، والبنية التحتية الحيوية ومنصات النفط والغاز، وغرق ناقلة نفط أو مهاجمة ناقلة غاز طبيعي مسال أو سفينة حاويات في القنوات الضيقة، والهجوم الإلكتروني على الموانئ والبنية التحتية الحاسمة لتكنولوجيا المعلومات. لا يزال الجدل قائمًا حول ما إذا كانت مخاطر الإرهاب في المجال البحري “مبالغ فيها” أو “ملموسة” أو “إمكانيات حقيقية” في المستقبل، لكن لا أحد ينكر أن الإرهاب هو التحدي الأكبر في القرن الحادي والعشرين. يعد تعزيز أمن مرافق الموانئ، وزيادة الدوريات في الممرات المائية والموانئ والمرافق الساحلية، وأمن الحاويات والحماية من المتفجرات، وإنشاء قواعد بيانات لتتبع البضائع والسفن والبحارة تدابير ضرورية وأساسية للتخفيف من تأثير التهديدات الإرهابية.