الأزمات السياسية والإنسانية

صراع الرايات السوداء: حركة الشباب وتنظيم داعش في قلب الصومال

حسن محمد حاجي

الجهة: منصة الدراسات الأمنية وابحاث السلام

الرقم: ٢٧/٢٥

مقدمة:

في ظل التحديات الأمنية التي تواجه الصومال في العقدين الأخيرين، برزت جماعتان إرهابيتان هما حركة الشباب وتنظيم داعش، واللتان تؤثران بشكل مباشر في استقرار الدولة والمنطقة ككل. اذ يستعرض هذا المقال مقارنة بين حركة الشباب وتنظيم داعش في الصومال، مع التركيز على أوجه التشابه والاختلاف بينهما، وتأثير تنافسهما على استقرار الصومال والمنطقة.  كما يهدف المقال إلى تحليل الإمكانيات المتاحة لمواجهة تهديدات هذين التنظيمين بشكل مستدام.

بدأت حركة الشباب الصومالية في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، حيث نشأت إثر الفوضى التي اجتاحت الصومال بعد سقوط الحكومة المركزية في عام 1991.  ففي البداية، كانت الحركة فرعًا من الاتحاد الإسلامي الصومالي الذي تأسس في أوائل التسعينات. لكن مع مرور الوقت، وتحولات سياسية عميقة، انفصلت حركة الشباب عن الاتحاد الإسلامي في عام 2006. كانت الحركة في مراحلها الأولى تتسم بقوة خطابها المتطرف، وذلك جراء تزامنها مع سعيها للهيمنة على أراض في الصومال وتشكيل دولة إسلامية بالقوة. 

بحلول عام 2008، أصبح هذا التنظيم يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الصومال، إذ أعلن ولاءه للقاعدة في وقت لاحق من ذلك العام، مما منح الحركة طابعًا عالميًا يتجاوز الحدود الصومالية. (1)  أما تنظيم داعش في الصومال، فقد ظهر في عام 2015 حين أعلن عدد من مقاتلي الشباب البيعة لأبو بكر البغدادي أمير التنظيم في العراق والشام.

هذا ا الإعلان كان له دلالات عميقة، فهو تَوج انتقالًا من الولاء لتنظيم القاعدة، ليتحالف مع مشروع جديد أكثر شمولية وطموحًا في المنطقة، إذ كان يسعى للتوسع في إفريقيا والشرق الأوسط. ورغم أنه بدأ فرعًا صغيرًا في الصومال، إلا أن تنظيم داعش بسرعة أخذ يتسم بأيديولوجية متشددة، ويعمل وفق هيكل منفصل عن تنظيم الشباب، مُسلحًا برؤية تتمحور حول إقامة خلافة إسلامية تتجاوز الحدود القومية. (2)

من حيث الهيكل التنظيمي، تُظهر حركة الشباب نظامًا داخليًا يشبه الهرم، حيث يوجد قيادة مركزية تتبعها وحدات محلية، تمتاز بالترابط بين أعضاء التنظيم ودورهم في العمليات اليومية، كما تضم قيادات ميدانية تُشرف على النواحي العسكرية. 

يترأسها أمير يولي في أحيان عدة بالإعلان عن الفتاوى وتوجيهات القيادة. إضافة إلى ذلك، يعتمد التنظيم على المجندين الذين يتم تربيتهم على يد قادة ميدانيين ينتمون إلى مجموعات متشابهة فكريًا. (3) بينما تنظيم داعش، بشكل عام، يعتمد هيكلية تتسم بقدرة أكبر على إدارة العمليات بشكل خفي ودقيق، عُرف عن عناصره السرية وانتهاج أسلوب تفخيخ الضباط وقادة المجموعات الميدانية ببنية تحتية معقدة. 

يعتمد داعش على المبادرة الجماعية بأعضاء يدينون جميعهم بالولاء المباشر للمركز في بغداد، ولديهم اهتمام واسع بالتكنولوجيا ومجالات الدعاية، مع تكنولوجيا تشفير تتجاوز الطرق التقليدية المتبعة في الجماعات الإرهابية الأخرى. (4)

أما القيادة، فعادة ما تكون مستقرة، ولكنها تسمح في الوقت نفسه بالتحركات العسكرية السريعة باستخدام الفروع المنتشرة في المنطقة. أما بالنسبة للأهداف والاستراتيجيات، فإن حركة الشباب تختلف في أطروحتها عن داعش بشكل ملحوظ، فعلى الرغم من تشابه الرؤية الجهادية لكل منهما، تركز حركة الشباب في المقام الأول على إخراج القوات الأجنبية من الصومال وفرض قوانين الشريعة. 

وتحظى حركة الشباب بشعبية لدى بعض الأوساط القبلية بفضل قدرتها على تطبيق الشريعة المحلية في الأراضي التي تسيطر عليها، وقدرتها على خلق نوع من الدولة المركزية الصومالية على الرغم من حكم الفصائل المشتتة. وهو الأمر الذي يمنحها استنادًا واسعًا في مناهضتها لحكومة الصومال المدعومة دوليًا. (5)

لكن استراتيجية داعش تبدو أكثر اتساعًا وطموحًا؛ إذ يسعى تنظيم داعش إلى بناء “خلافة إسلامية” تتجاوز الصومال فحسب، بل تسعى إلى نقل الحرب إلى مناطق واسعة. كما أن استراتيجية داعش تعتمد على إقامة خلايا نائمة داخل مدن مختلفة، مستغلين الاضطرابات والصراعات الموجودة بين الفصائل في الصومال ليحصدوا دعماً للغزو المستقبلي. 

وكانت إستراتيجيات داعش تشمل تعزيز مصادر الدخل من بيع الفحم، فضلاً عن حملات دعاية إعلامية لخلق الانقسام في صفوف الأعداء. ورغم اشتراك حركة الشباب وتنظيم داعش في كره الأنظمة والحكومات الشرعية وتطويق مقوماتها الأمنية، فإن كل واحد منهما يتبنى سياسات متباينة تعكس خصائصه التنظيمية وأهدافه الساعية لتحقيق تحول أكبر في خرائط الصراع بالمنطقة. (6)

من حيث النطاق الجغرافي، يمثل موقع حركة الشباب في الصومال محورًا رئيسيًا من أنشطتها. تمتلك الحركة وجودًا قويًا في العديد من المناطق الريفية والقروية في الصومال، وتركز بشكل رئيسي على المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية. 

تستفيد حركة الشباب من التضاريس المعقدة في هذه المناطق لتجنب القوات الحكومية وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي، ما جعل من الصعب محاربتهم بشكل فعال. ومع أن الحركة فقدت بعض الأراضي لصالح القوات الحكومية المدعومة دوليًا في السنوات الأخيرة، إلا أنها ما زالت تسيطر على مناطق مهمة في جنوب ووسط الصومال. 

تختار الحركة توجيه أنشطتها نحو الهجمات الانتحارية والكمائن في المناطق ذات الحكم الضعيف، مستغلة حالة الفراغ الأمني والاقتصادي الذي تعاني منه البلاد. (7) أما داعش، فمنذ نشأته في الصومال عام 2015، اقتصر وجوده الجغرافي بشكل أكبر على المناطق الشرقية والشمالية.  لا يزال هذا التنظيم يعمل على إقامة قواعد ومناطق نفوذ صغيرة نسبياً مقارنة بحركة الشباب، التي تتمتع بحضور أكبر على الأرض. 

تمثل سواحل خليج عدن ومنطقة بوصاصو أبرز الأماكن التي ظهرت فيها عناصر داعش، وهو يخطط للتمدد داخل الصومال على المدى البعيد من خلال العمليات السرية والهجمات المتفرقة التي تهدف إلى تعزيز وجوده بين الأوساط المحلية. 

مع تقدم قوات حركة الشباب في المناطق الوسطى والجنوبية، يبقى وجود داعش أقل تأثيرًا، لكن الأمل يكمن في إعادة ترتيب قواته في شكل خلايا نائمة تساعد على توفير قاعدة انطلاق جديدة في المستقبل. (8)  فيما يتعلق بالعلاقة بين الجماعتين، ورغم ما يبدو من التنسيق في بعض الأحيان بين التنظيمات الجهادية، كانت العلاقة بين حركة الشباب وتنظيم داعش متوترة، ويرجع ذلك إلى وجود اختلافات عقائدية استراتيجية بين التنظيمين. 

حركة الشباب، التي تبنت في البداية أيديولوجية تنظيم القاعدة، لم تجد راحتها في موقف داعش الذي أعلنت بيعتها للخلافة في العراق وسوريا. وبدأت التوترات بينهما بعد أن أعلن بعض أفراد حركة الشباب الولاء لداعش في 2015، فاندلعت بعد ذلك العديد من الهجمات والاشتباكات بين أتباع التنظيمين، حيث كان كل طرف يسعى لإظهار قوتهم أمام الجماهير المحلية.  حاول تنظيم داعش إقامة هيكل خاص به مستقلًا عن حركة الشباب، وهو ما خلق أرضية خصبة للنزاع بين الطرفين رغم أن بعض التكتيكات والأساليب العسكرية قد تتشابه بينهما. 

أما فيما يخص العلاقة مع الجهات الخارجية، فحركة الشباب تسعى إلى دعم وتنفيذ سياسات تفضي إلى إخراج القوى الأجنبية من الصومال. لذلك، تجد الحركة نفسها في حالة من التعاون غير المعلن مع أطراف قد تنتهج سياسة معادية للغرب وخاصة أمريكا. 

على صعيد الدعم العسكري، تأخذ حركة الشباب التمويل والتسليح أساسًا من خلال التحكم في الأرض والموارد الطبيعية التي تتمتع بها المناطق التي تسيطر عليها.  وفي المقابل، يسعى التنظيم لأن ينأى بنفسه عن أي علاقة مهيمنة من قبل أطراف دولية، فنجاحه يعتمد على تنفيذ سياسته المحلية والأيدلوجية الخاصة دون تدخل. (9)

في المقابل، يسعى تنظيم داعش إلى تعزيز روابطه بالخارج، خاصة مع فروعه المنتشرة في الدول الإفريقية والعربية. وإضافة إلى الدعم الذي يأتي من التنظيم الأم في العراق وسوريا، يشدد داعش على ربط ممارساته بالجهاد الأممي، مستقطبًا أفرادًا من الدول الأخرى ومن مناطق مختلفة. 

أيديولوجيًا، يُبدي داعش تمسكًا أكبر بمنهج الخلافة العالمية؛ وهذا ما يدفعه للبحث عن علاقات وطيدة مع تنظيمات جهادية أخرى خارج الصومال، كمثيله في نيجيريا وليبيا. وفي الوقت ذاته، يعاني داعش في الصومال من ضعف في تشكيل شبكاته المحلية، ويفقد زخمه تدريجيًا أمام الحضور القوي لحركة الشباب. 

وفي النهاية، تظهر صورة تعكس التنافس والتباين بين هذين التنظيمين في الصومال على مستوى الأرض والخطط والارتباطات الخارجية. لا يتوقف الصراع بينهما على الجانب العسكري فقط، بل يمتد ليشمل معركة لفرض الهيمنة على الأوساط الجهادية في المنطقة، وكل منهما يحاول تمديد نفوذه في صراع عميق يفاقم من تدهور الوضع الأمني في الصومال (10).

عندما ننظر إلى التأثير الذي أحدثته حركة الشباب وتنظيم داعش في الصومال، يمكننا ملاحظة حجم الضرر الذي ألحقه كل منهما بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد. حركة الشباب، ومنذ بداية ظهورها، أحدثت تأثيرًا كبيرًا على استقرار الصومال. إذ شكلت تهديدًا دائمًا للحكومة المركزية وكادت أن تسقط النظام الحالي في العديد من المرات، من خلال شن هجمات دامية على المرافق الحكومية والأمنية. 

الحركة اثرت بشكل مباشر في تعزيز الشقاق داخل المجتمع الصومالي، وخاصة عندما فرضت قوانين متشددة على المناطق التي سيطرت عليها، مثل فرض الحجاب على النساء ومنع بعض الأشكال الثقافية والاجتماعية التي تعارض رؤيتها. 

وعلى الجانب الآخر، تسبب نشاط الحركة في تعزيز التدخلات العسكرية الأجنبية في الصومال، مثل تواجد قوات الاتحاد الإفريقي (AMISOM) والدعم المستمر من القوات الأمريكية لمكافحة التنظيمات الإرهابية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. (11)

أما تأثير تنظيم داعش في الصومال، فرغم أنه أقل وضوحًا وموثوقية من حركة الشباب في الوقت الحالي، إلا أن نشاطه المتزايد يحمل تهديدًا مماثلًا.  في المناطق التي يسيطر عليها داعش، مثل شمال شرق البلاد وبعض المناطق الساحلية، تسببت الخلايا النائمة للتنظيم في إضعاف الأمن المحلي، وأدت إلى مزيد من القلق بشأن انزلاق البلاد نحو حالة من الفوضى متعددة الجبهات. 

يعمل داعش على نشر أفكاره ويغري المقاتلين الجدد باستخدام استراتيجيات وحملات دعائية قوية. ورغم تراجع تأثيره مقارنة بالشباب، إلا أن المستقبل قد يحمل تحولات جديدة تسمح له بالاستفادة من ظروف الصراع الداخلية والخارجية في البلاد. (12) فيما يتعلق بنقاط القوة والضعف، تتمتع حركة الشباب بقدرة كبيرة على التكيف مع الظروف المعقدة في الصومال. 

من خلال استخدام شبكة ضخمة من المجندين المحليين، وبنية ميدانية مرنة، والاعتماد على قاعدة شعبية في بعض المناطق التي تسيطر عليها، تظل الحركة قادرة على تنفيذ عمليات شبه يومية.  قوتها الحقيقية تكمن في التفوق التكتيكي على الحكومة والقوات الأجنبية، إضافة إلى قدرتها على تنفيذ العمليات الانتحارية والتفجيرات والسيطرة على بعض المدن لفترات طويلة. 

إلا أن أبرز نقطة ضعف لها تتمثل في التآكل المستمر لعلاقاتها مع المجتمعات المحلية، وتعثر اقتصادها بسبب هجمات مكثفة من الجيش الصومالي، بالإضافة إلى الضغوط التي فرضتها العمليات العسكرية المحلية والدولية. (13)

أما بالنسبة لتنظيم داعش، فقد أظهر هو الآخر قوة في الجوانب التكنولوجية والقدرة على إنتاج دعاية إعلامية تستقطب الشباب من الصومال ومن دول أخرى. ولا يمكن تجاهل استعداد أعضائه للقتال على مدى طويل والقدرة على تنفيذ عمليات مفاجئة باستخدام موارد محدودة. 

لكن نقطة الضعف الأبرز لدى داعش هي عزلته الجغرافية في الصومال وصعوبة إرساء علاقات ثابتة مع باقي الفصائل الإسلامية المتواجدة في المنطقة، ما جعله أقل قدرة على أن يصبح “قوة محورية” مقارنة بحركة الشباب. 

إضافة إلى ذلك، فإن غياب الدعم المحلي وعدم القدرة على تأمين التمويل الكافي جعل تنظيم داعش في الصومال يعتمد بشكل كبير على دعم أذرعه خارج البلاد. (14) ومع تقدم الصراع الجهادي في الصومال، يظهر في هذا السياق مجموعة من الشخصيات البارزة التي لعبت أدوارًا مؤثرة في مسار كل من “حركة الشباب المجاهدين” و”داعش”، لتصبح هذه الأسماء محورية في المعركة المستمرة التي تهدد الأمن الإقليمي والعالمي. 

تاريخ هؤلاء القادة والحركات يعكس بشكل واضح المسار المأساوي الذي مر بهما، ويجسد النقاط التحولية التي شكلت واقع الصراع في الصومال. 

حركة الشباب المجاهدين: القادة الرئيسيون 

1. أحمد عبدي غوداني (مختار أبو الزبير) من أبرز القادة في “حركة الشباب المجاهدين”، تولى مختار أبو الزبير زعامة الحركة في 2008 بعد مقتل الزعيم السابق. تحت قيادته، نمت الحركة لتصبح واحدة من أقوى التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي. 

تميزت فترته بتوسيع نفوذ “الشباب” في مناطق متعددة من الصومال، وإعلان ولائها لتنظيم القاعدة عام 2012. ولكن مع استمرار الحرب ضد الحكومة الصومالية وقوات الاتحاد الإفريقي، تلقى التنظيم ضربات موجعة بدءًا من عام 2013، ما أدى إلى مقتل أبو الزبير في قصف جوي أمريكي في سبتمبر 2014.

2. أبو بكر أسماعيل (أبو مصعب) من القادة العسكريين البارزين في “حركة الشباب”، وكان يشغل منصب كبير القادة العسكريين للتنظيم حتى تم الإعلان عن مقتله في 2014. لعب دورًا محوريًا في معركة “مقديشو” وما أعقبها من محاولات حشد الجهود لتحقيق السيطرة على العاصمة.

3. أبو عبد الله (عبد القادر محمد عبد الله) واحدة من أبرز القيادات التنفيذية في الحركة، تميز بأسلوبه القاسي في الإشراف على تنفيذ العمليات الانتحارية داخل العاصمة الصومالية وعلى الحدود مع كينيا. وهو يعد أحد الأسماء التي دفعت الحركة إلى مزيد من التعقيد في العلاقات الإقليمية والمواجهة العسكرية داخل المنطقة.

فيما يتعلق بأعداد “حركة الشباب المجاهدين”، تشير تقديرات الأمم المتحدة في 2020 إلى أن عدد عناصر الحركة يتراوح بين 5,000 و7,000 مقاتل، يتوزعون في جنوب ووسط الصومال. (15)

داعش في الصومال: القادة وأثرهم 

1.الشيخ عبد القادر مومن:

هو أحد القادة الذين انشقوا عن حركة الشباب المجاهدين في الصومال في فترة مبكرة من العقد الماضي، وهو ما جعله يُعتبر شخصية محورية في التحولات الداخلية لهذه الجماعة. وعُرف بميوله الجهادية منذ صغره، حيث انضم إلى حركة الشباب في مرحلة مبكرة وكان من الأفراد الذين تدرّجوا في صفوف الحركة بسرعة، لكونه قد تميز بقدراته العسكرية، ويعتبر المؤسس لتنظيم داعش شرق إفريقيا في عام 2015، والاب الروحي لفرع التنظيم في الصومال. 

لعب مؤمن دورًا كبيرًا في اجتذاب مقاتلين غير راضين عن قيادة حركة الشباب، خاصة في منطقة بونتلاند. استغل اسمه وتأثيره كرجل دين سلفي لجذب عدد محدود من المقاتلين من الداخل والخارج، رغم محدودية الموارد. ومع ذلك، واجه صعوبات كبيرة في توسيع نفوذ التنظيم بسبب نقص الدعم الميداني مقارنة بحركة الشباب 

2. أبو عبد الله الهاشمي (الزعيم الداعشي في الصومال) على الرغم من أن داعش لم يتمكن من تحقيق الانتشار الكبير في الصومال، إلا أن شخصيات مثل أبو عبد الله الهاشمي شكلت رأس الحربة في تنفيذ خطط داعش العسكرية داخل الصومال. وفقًا لتقارير صحفية ومصادر استخباراتية، فقد عمل الهاشمي على بناء شبكة داعمة لمحاولة بسط نفوذ التنظيم في المناطق التي شهدت تزايدًا في النشاط الجهادي، وخاصة في المناطق القريبة من مناطق الشباب.

3. عبد الله محمد حسّان 

أحد أبرز الأعضاء المرتبطين بتنظيم داعش، وشارك في تأسيس أول خلية تابعة للتنظيم في الصومال عقب انشقاقه عن “حركة الشباب المجاهدين” في 2015.  نالت جماعته “الداعشية الصومالية” دعماً مالياً وتقنياً من شبكات داعمة لداعش في العراق وسوريا.  ومصيره غير معروف حتى اليوم، لكن مصادر تقول إنَّه قد أُصيب في إحدى الهجمات التي نفذتها القوات الأمريكية في 2017.

بالنظر إلى أن داعش في الصومال لا يزال أقل تنظيماً وفاعلية من “حركة الشباب”، أظهرت تقديرات عالمية في 2022 أنه لا يتجاوز عدد أفراد التنظيم في الصومال 300 إلى 500 مقاتل منتشرين بشكل متفرق في مناطق نائية في الشمال الشرقي وبعض مناطق الحدود مع كينيا.  في فترة سابقة، كانت حركة الشباب المجاهدين تشهد تدريجيًا تصاعدًا في قدرتها العسكرية من خلال السيطرة على عدة مناطق، واغتيالات لبعض القادة الحكوميين. 

ولكن في الأعوام الأخيرة من 2015 وحتى 2020، بدأت الحركات المسلحة تتلقى ضربات قوية، سواء من الهجمات العسكرية الصومالية أو غارات الطائرات من دون طيار من قبل الولايات المتحدة، ما قلل بشكل كبير من النفوذ العسكري للحركة في أغلب المدن الرئيسية، خصوصًا في الجنوب. 

ووفقًا للتقارير، فإن عام 2019 شهد أقل حصيلة عمليات قتالية لمقاتلي حركة الشباب، الأمر الذي يرجع إلى الضغط الدولي والإقليمي، فضلًا عن تنامي حركة القوى العسكرية الأخرى مثل الاتحاد الإفريقي. 

أما في حال “داعش” في الصومال، فيظهر على الرغم من افتقاره للقدرة على بسط السيطرة كما فعلت “حركة الشباب”، إلا أنه من الممكن أن يستغل الصراع المستمر والوضع الأمني المتدهور من خلال استمالة المزيد من الشباب في المدن العشوائية. 

وهناك تقارير توضح في عام 2020 أن التنظيم الداعشي بدأ يظهر مؤشراته مرة أخرى مع بعض العمليات المحدودة ضد القوات الحكومية والميليشيات المحلية. (16) إذا نظرنا إلى النتائج الجغرافية لمجمل العمليات الإرهابية في الصومال، يُحتسب وجود “حركة الشباب” في أكثر من 80% من المناطق الريفية، بينما تراجع وجود داعش إلى أقل من 10% في صراعات واضحة لم تُمنح الفرصة لتوسيع الرقعة الجغرافية تحت سيطرتها. 

وبحلول 2024، تزايدت العمليات الجهادية في شكل تفجيرات استهدفت المدنيين وأهدافًا استراتيجية في أكبر مدن الصومال مقديشو وبلدوين، مما أطلق شرارة المزيد من التدخلات الأمنية والإنسانية من قبل الأمم المتحدة. ووسط هذا كله، يبقى الخوف من المستقبل سمة غالبة، في ظل التهديدات المستمرة التي تمثلها الحركات الجهادية في المنطقة. وفيما يتعلق بالتطورات الحالية في 2025، يبدو أن الوضع في الصومال لا يشهد تغييرات استراتيجية من كلا التنظيمين. حركة الشباب ما تزال تشكل قوة رئيسية في جنوب ووسط الصومال، مستغلة انهيار أي جهود لإرساء نظام حكم مستقر. 

ومع ذلك، يواجه التنظيم تحديات مستمرة في الحفاظ على قوته العسكرية ضد العمليات المنسقة من الحكومة الصومالية المدعومة دوليًا، بالإضافة إلى اشتداد الضغوطات الأمنية التي فرضتها تدخلات إقليمية ودولية متزايدة، بما في ذلك الهجمات الجوية المكثفة والمداهمات العسكرية. 

ففي 2025، قد نرى حركة الشباب تعمل على زيادة هجماتها المتعددة على العاصمة مقديشو وتحاول إظهار قوتها ضمن حرب استنزاف. أما تنظيم داعش، فيبدو أن هدفه في الصومال خلال 2025 سيكون توسيع قاعدة مؤيديه في المناطق التي تتسم بالفوضى، مثل شمال شرق البلاد، حيث يواصل جهوده لبناء خلية قادرة على تحدي تأثير حركة الشباب. 

بالإضافة إلى العمل على تعزيز قدرته القتالية، سواء من خلال الهجمات المفاجئة أو بناء تحالفات ضعيفة مع مجموعات جهادية أخرى. وقد يبدأ التنظيم في محاولة نشر أفكار مختلفة عن الأفكار التي يتبناها خصمه اللدود “حركة الشباب”، مما يفتح الباب للمزيد من التوترات والصراعات الداخلية بين الفصائل المتطرفة. 

وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن الصومال يظل في دائرة من الصراع العميق والمتواصل بين مختلف الجماعات الجهادية، مع بروز كل من حركة الشباب وتنظيم داعش كأبرز القوى المتحكمة في ملامح الفوضى الحالية، رغم صعوبة التكهن بمآلات هذه التطورات في ظل تنوع اللاعبين على الساحة.

عند النظر في الحركتين الإرهابيتين في الصومال: حركة الشباب وتنظيم داعش، نجد أن هناك العديد من الجوانب المشتركة بينهما، لكنها أيضًا تنطوي على فروقات جوهرية واضحة، تؤثر على نوعية أنشطتهما وأسلوب تأثيرهما في الصومال والمنطقة بشكل عام. 

تتمثل الجوانب المشتركة في أيديولوجية الجهاد العنيف، فكل من حركة الشباب وتنظيم داعش يعتنقان أفكارًا متشددة ترتكز على فرض الشريعة الإسلامية عبر العنف، وكلاهما يعمل على محاربة الأنظمة الحاكمة في الصومال والوجود العسكري الأجنبي الذي يتدخل لمساعدة الحكومة. 

كلا التنظيمين كذلك يعتمد على استخدام الإرهاب لتحقيق أهدافهما، سواء من خلال الهجمات الانتحارية أو التفجيرات أو الهجمات المسلحة ضد المؤسسات الحكومية والمرافق المدنية. 

هناك أيضًا تنسيق غير رسمي في بعض الأحيان بين عناصر التنظيمين الذين قد يتعاونون في قضايا محددة دون بالضرورة التنازل عن استقلالية كل منهما. مع ذلك، تنطوي العلاقة بين حركة الشباب وتنظيم داعش على فروقات جوهرية قد تحد من أي تعاون طويل الأمد بينهما. 

على المستوى العقائدي، لا يزال ولاء حركة الشباب للقاعدة قويًا حتى الآن، رغم بعض المحاولات من بعض عناصرها للإعلان عن ولائهم لداعش، وهو ما أثار خلافات بينها وبين داعش بسبب الاختلافات الاستراتيجية حول القيادة والعلاقات الدولية. 

بينما يتبنى داعش في الصومال أيديولوجية قائمة على تطبيق مفهوم الخلافة الإسلامية، ويتبنى نهجًا أكثر أيديولوجية عالمية، حيث ينظر إلى الصراع في الصومال كجزء من حملة جهادية عابرة للحدود تهدف إلى إقامة إمارة إسلامية أكبر. 

حركة الشباب في المقابل تركز بشكل رئيسي على إنشاء دولة إسلامية في الصومال أولاً، ومن ثم تنفيذ الجهاد المحلي ضد القوات الأجنبية وخصومها في الداخل الصومالي.  من جهة أخرى، تتعلق تداعيات التنافس بين تنظيم داعش وحركة الشباب في الصومال بتفاقم حالة انعدام الاستقرار والفوضى في البلاد. 

يخلق هذا التنافس بيئة غير آمنة تؤدي إلى تصاعد الهجمات ضد المدنيين والقوات المحلية والإقليمية. على سبيل المثال، فإن الاشتباكات بين الطرفين يمكن أن تؤدي إلى توزيع الجهود العسكرية والأمنية على جبهتين، مما يزيد من صعوبة القضاء على أي منهما في مناطق معينة. 

من ناحية أخرى، يخلق التنافس أيضًا حالة من الانقسام بين فصائل إرهابية في الصومال، مما يسهل على السلطات المحلية أن تراقب الصراعات الداخلية أكثر، لكنها في الوقت ذاته يجعلها تواجه تحديات كبيرة في التنسيق والعمل مع القوى الإقليمية والدولية. 

إلى جانب ذلك، يؤدي التنافس بين الجماعتين إلى زيادة الضغط على الحكومة الصومالية والحلفاء الإقليميين والدوليين، الذين ينفقون موارد ضخمة لدعم الأمن والاستقرار المحلي في ظل فشل الحكومة المركزية في فرض السيطرة. 

أما بالنسبة للإمكانيات التي يمكن استخدامها لمواجهة تهديدات هذه الجماعات بشكل مستدام، فإن أحد الأبعاد الرئيسية في المواجهة يشمل ضرورة تحسين التنسيق بين الحكومة الصومالية والقوات العسكرية الإقليمية. 

إضافة إلى استخدام الأساليب الأمنية المتقدمة مثل تقنيات المراقبة والاستخبارات الإلكترونية للكشف عن الخلايا النائمة للجماعات المتطرفة. يمكن كذلك تعزيز الدعم للقطاع الأمني المحلي من خلال تدريب القوات الصومالية على محاربة الإرهاب.  (17) ولكن لا تقتصر الحلول على الجانب العسكري فقط؛ بل يتطلب الوضع أيضًا حلولاً سياسية وأيديولوجية مستدامة لمكافحة الفكر المتطرف، مثل البرامج التي تهدف إلى إعادة إدماج المقاتلين السابقين في المجتمع عن طريق مبادرات التوعية والتعليم والرعاية الاجتماعية. 

في المجال الاقتصادي، من الممكن تعزيز عملية التنمية المحلية من خلال دعم المشاريع التنموية في المناطق الفقيرة والريفية، مما يساعد في تقليل أرضية دعم هذه الجماعات.  إذا استطاعت الحكومة توفير فرص اقتصادية حقيقية في المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات، فقد ينجح ذلك في خفض الإقبال على الانضمام لهذه الحركات. 

وفي نفس الوقت، يجب ألا تقتصر المجابهة على الحلول الأمنية فحسب، بل يجب اتخاذ سياسات تنموية واجتماعية تسهم في بناء دولة صومالية ديمقراطية قائمة على القيم الحديثة، الأمر الذي يمكن أن يوفر ردًا حاسمًا على التطرف وإفرازات العنف. (18)

باختصار، بالرغم من تقاسم حركة الشباب وتنظيم داعش نفس الرؤية المتمثلة في إقامة دولة إسلامية بالقوة، فإن الاختلافات العميقة بينهما تكمن في الأيديولوجية والولاء الإقليمي، وهو ما يتسبب في صراعات معقدة على الأرض. 

ومع ذلك، يمكن مواجهة هذا التهديد بشكل مستدام من خلال استراتيجية شاملة تتضمن التعاون بين الفاعلين المحليين والدوليين في تعزيز الأمن وإعادة بناء المجتمعات المتأثرة بالصراع. (19) ورغم الجهود المبذولة لمكافحة تهديدات حركة الشباب وتنظيم داعش في الصومال، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن فعلاً القضاء على هذه الجماعات في ظل الانقسامات الداخلية والتحديات الأمنية المستمرة؟.  وهل ستكون الحلول العسكرية والتنموية كافية لإعادة الاستقرار أم أن الصومال سيظل ساحة لصراع دائم بين القوى الإرهابية التي لا تكف عن التكيف مع الظروف المتغيرة. وإن كانت القوى المحلية والدولية تعمل على التنسيق لمحاربة هذه التنظيمات، فهل يمكن إحداث تغيير حقيقي أو سيكون الطريق طويلاً وشاقاً لتحقيق السلام الدائم؟

المصادر: 

1 – حركة الشباب المجاهدين في الصومال نشأتها وواقعها ومساراتها المستقبلية
https://l24.im/Go26


2 – هل يعكسُ التواجدُ الداعشى فى الصومال مزيداً من القلق والتهديد الدولى ؟ https://l24.im/GdS5rN

3- حركة الشباب المجاهدين

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2015/4/حركة-الشباب-الصومالية

4- داعش ـ الهيكل التنظيمي: مجلس الشورى واللجنة المفوضة

https://l24.im/pXuBS

5- “حركة الشباب المجاهدين: الصعود والتأثير في القرن الأفريقي”

المؤلف: عبد القادر محمد

دار النشر: دار الفكر العربي

6- دراسة : مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط

استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية: باقية وتتمدُّد

https://carnegieendowment.org/research/2015/06/the-islamic-states-strategy-lasting-and-expanding?center=middle-east&lang=ar

7- الصومال.. خريطة الانحسار الجغرافي لحركة “الشباب” (تقرير)

https://l24.im/VQY73

8-تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال: الرد على تهديد متطور

https://l24.im/dCZJDl

9- من اليمن للصومال.. حديث عن “جسر أسلحة” بين الحوثي والشباب

https://l24.im/NDkGi

10- توسع داعش في ولاية بونتلاند، جولة جديدة من الصراع الجهادي في الصومال

https://epc.ae/ar/details/featured/twssue-daeysh-fi-wilayat-puntland-jawla-jadida-min-alaiqtital-aljihadi-fi-alsuwmal

11-ماذا يعني تكثيف حركة «الشباب» هجماتها في الصومال؟

https://l24.im/xIo4

12- المصدر السابق رقم (8)

13- مواجهة مفتوحة : وقائع وتعقيدات حملة الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب.

https://epc.ae/ar/details/featured/muajaha-maftuhata-waqie-wataeqidat-hamlat-alhukuma-alsuwmalia-dhid-harakat-alshaba

14- تنظيم الدولة ومخاطر عودته إلى الواجهة في الصومال

https://l24.im/zhmlH

15-  “أبو الزبير الرجل الغامض وزعيم الشباب المجاهدين”

الموقع: عربي21

الرابط: https://l24.im/5TUs8o

16- الرجل القوي في تنظيم ‘داعش’: ممول صومالي يتلاعب بخيوط القيادة

الموقع: عرب 48

الرابط: https://www.arab48.co m/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1–%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/2025/01/06/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4–%D9%85%D9%85%D9%88%D9%84-%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A8-%D8%A8%D8%AE%D9%8A%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D

17- “داعش فرع الصومال.. كابوس خرج من رحم ‘الشباب’ (تحليل)”

الموقع: الأناضول https://l24.im/qbJ47

18- عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج

https://peacekeeping.un.org/ar/disarmament-demobilization-and-reintegration?utm_source=chatgpt.com

19-الصومال يطالب المؤسسات الإغاثية بتنمية المناطق «المحررة من الإرهاب»

https://l24.im/IJZQ3V5
زر الذهاب إلى الأعلى