الأمنالاستخباراتالحركات المسلحةتقدير المواقفصنع السلام

آثار حرب الخرطوم على قطاعي النفط والطاقة: الانعكاسات الاقتصادية والبيئية على السودان وجنوب السودان

ملخص:

يُعد قطاع الطاقة المحرك الرئيسي للنمو الأفريقي، لا سيما في المناطق التي تشهد صراعات جيوسياسية مثل السودان وجنوب السودان. ويؤثر قطاع النفط والغاز بشكل ملحوظ على اقتصاد وسياسة وهُوية الوضع الإنساني والاستقرار الاجتماعي في هاتين المنطقتين. تسعى هذه الدراسة إلى التحقيق في كيفية تأثير حرب الخرطوم على قطاع الطاقة في كل من السودان وجنوب السودان، مع التركيز بشكل خاص على الاضطرابات الناجمة عن الصراعات الأخيرة وأثرها على إنتاج النفط والاستقرار الاقتصادي والظروف البيئية. تُظهر النتائج الرئيسية للدراسة انخفاضًا كبيرًا في إنتاج النفط والنقل بسبب إغلاق حقول النفط الرئيسية وخطوط الأنابيب، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الأضرار التي لحقت ببنية النفط الأساسية في مخاطر بيئية خطيرة، مما يسلط الضوء على التوازن الدقيق بين إدارة الموارد والاستقرار الإقليمي. في الختام، تؤكد نتائج الدراسة على التأثير الشديد لحرب الخرطوم على قطاع الطاقة في السودان وجنوب السودان، والحاجة الملحة إلى توصيات سياسية للتخفيف من هذه الآثار وتعزيز التنمية المستدامة.

  • منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023، تم تقسيم السيطرة على البنية التحتية النفطية للبلاد بين مختلف الجماعات المسلحة، احتفظ الجيش الوطني ( القوات المسلحة السودانية) بالسيطرة على محطة التصدير في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.
  • في الوقت نفسه، سيطرت مجموعة مسلحة منافسة، قوات الدعم السريع ، على – وما زالت تحتفظ – بقيادة المصفاة الرئيسية في السودان في الخرطوم ومحطة ضخ واحدة على الأقل.
  • امتنع الطرفان عن تعطيل تدفق النفط الخام مباشرة عبر خطوط أنابيب السودان. ومع ذلك، فإن الصراع يعيق إعادة إمداد المواد اللازمة لصيانة محطات الضخ، مما أدى إلى توقف مؤقت لخط أنابيب بترودار في فبراير 2024.
  • تعرضت عمليات تكرير البترول لتعطيل شديد في جميع مواقع المعالجة فيما يبدو أنه تحركات عسكرية استراتيجية من قبل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للحد من وصول الطرف الآخر إلى الوقود.
  • امتنع الطرفان في البداية عن استهداف البنية التحتية الاستخراجية في السودان، لكن هجومًا لقوات الدعم السريع في أواخر أكتوبر أدى بشكل غير مباشر إلى تعطيل الاستخراج.

مقدمة:

يُعد قطاع الطاقة ضروريًا للتنمية الأفريقية، وتظهر هذه الأهمية بشكل خاص في المناطق التي تشهد صراعات جيوسياسية، حيث يمكن أن تكون موارد الطاقة مصادر للصراع، مما يتسبب في انقطاع الإمدادات وعدم استقرار الأسعار والمخاطر الاقتصادية الأوسع. ويمكن رؤية حالة مهمة في السودان وجنوب السودان، حيث يلعب النفط دورًا حاسمًا في الاقتصاد ويساهم في الصراعات المستمرة وعدم الاستقرار السياسي. أن وفرة النفط في هذه المناطق أدت إلى نتائج إيجابية وسلبية على حد سواء، حيث خلق نموا اقتصاديًا مع زيادة التوترات وتشكيل أنماط الحكم والصراع. وهذا يوضح العلاقة المعقدة بين الموارد الطبيعية والاستقرار السياسي في أفريقيا.

يواجه السودان تحديات كبيرة ناجمة عن العواقب البيئية، والتي تنبع في الغالب من التقلبات المناخية والضغوط البيئية. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، شهدت منطقة السودان والساحل تغييرات مناخية كبيرة تتميز بانخفاض معدلات هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. ويتضمن التدهور البيئي تآكل التربة واستنفاد موارد المياه وفقدان الغطاء النباتي، مما يؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي وسبل المعيشة . وتؤدي هذه التحولات المناخية، التي تفاقمت بسبب الأنشطة البشرية، إلى تفاعل معقد بين الضغوط البيئية والظروف الاجتماعية الاقتصادية، مما يستلزم اتخاذ تدابير تكيفية لإدارة الموارد الطبيعية بفعالية. إن فهم هذه الديناميكيات أمر بالغ الأهمية لوضع سياسات طاقة فعالة يمكنها التخفيف من التدهور البيئي وتعزيز التنمية المستدامة. ويؤدي الاعتماد على الكتلة الحيوية من أجل الطاقة في السودان إلى مزيد من الضغط على البيئة، حيث يؤدي إزالة الغابات وتدهور الأراضي إلى تقليل توافر الحطب، مما يؤدي إلى دائرة مفرغة من التدهور البيئي ونقص الطاقة. ويتطلب معالجة الآثار البيئية استراتيجيات متكاملة تراعي حلول الطاقة المستدامة للتخفيف من الآثار السلبية وتعزيز المرونة. ويُسلط برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) الضوء على ضرورة إدراج الاعتبارات البيئية في سياسات الطاقة الوطنية لضمان التنمية المستدامة والقدرة على مواجهة تغير المناخ في السودان وجنوب السودان، من بين دول أخرى تعاني من الصراعات. وعلاوة على ذلك، يشدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على الحاجة إلى اتباع نهج مبتكرة لإنتاج الطاقة تقلل من التأثير البيئي مع تلبية الطلب المتزايد.

العلاقة بين الطاقة والتنمية والبيئة

لقد كانت العلاقة المعقدة بين استهلاك الطاقة والاستدامة البيئية محور دراسات أكاديمية كبيرة، حيث يعد استهلاك الطاقة شرطًا أساسيًا للنمو الاقتصادي، ولكنه أيضًا سبب رئيسي للتدهور البيئي، خاصة بسبب انبعاثات الكربون.  وبالتالي، فإن تحقيق التوازن بين استخدام الطاقة والحفاظ على البيئة أمر بالغ الأهمية. تؤكد الجمعية العامة للبيئة التابعة للأمم المتحدة على إمكانية تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال الاستخدام الفعال للطاقة والانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة، والتي تقلل بشكل كبير من انبعاثات الكربون. لتحقيق هذا التوازن، تعد تدابير السياسة البيئية أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز كفاءة الطاقة وتخفيف الآثار البيئية. تلعب الابتكارات في التكنولوجيا البيئية، مثل التقدم في تقنيات الطاقة المتجددة، دورًا رئيسيًا في تقليل انبعاثات الكربون وضمان كفاءة الطاقة في الإنتاج والاستهلاك. (1)

تأثير الحروب على قطاع الطاقة والبيئة والاقتصاد

                                                                                                                                                                             خريطة البنية التحتية الرئيسية للنفط والطاقة المتضررة من الحرب الجارية في السودان

للحروب آثار بيئية عميقة تتجاوز الأبعاد البشرية المباشرة التي تحدث فيها، خاصة في المناطق الغنية بالنفط والغاز. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الأعمال العسكرية التي تستهدف موارد الطاقة أدت إلى أضرار واسعة النطاق للأنظمة البيئية وجودة الهواء وحفظ التربة. يحدث تفتت شديد للنظم البيئية بسبب الأنشطة العسكرية مثل الانسكابات النفطية وتفجير خطوط الأنابيب أو إزالة الغابات لتوفير مساحة للمعسكرات العسكرية. هناك عواقب بيئية طويلة المدى للصراعات العسكرية، بما في ذلك تدهور التربة وفقدان التنوع البيولوجي، والتي تستمر لفترة طويلة بعد توقف الأعمال العدائية. بالنظر إلى حالات معينة، أثرت الحروب بشدة على قطاع الطاقة والبيئة والاقتصاد، كما هو الحال في العراق والكويت  وأوكرانيا. تم زعزعة استقرار قطاع الطاقة في العراق بعد غزو الولايات المتحدة له في عام 2003؛ وعلى الرغم من كونه ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك، لا تزال هناك تحديات أمنية فيما يتعلق بطاقته، والاستثمار فيه محفوف بالمخاطر بسبب الفساد وعدم الاستقرار السياسي. استمرت حرب الخليج من عام 1990 إلى عام 1991 وشهدت مشاكل تلوث كبيرة بسبب الانسكابات النفطية والحرائق التي أثرت على جودة الهواء والأرض. وبالمثل، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 إلى نقص هائل في الطاقة في وسط أوروبا، مما أدى إلى اعتماد سريع على مصادر الطاقة البديلة واستيراد الغاز الطبيعي المسال من موردين آخرين. وسط كل هذه الحروب، تشير تقاطعات الصراعات المتعلقة بتوقف تشغيل محطات الطاقة واستنفاد الطبيعة والانتكاسات المالية المتدحرجة إلى أهمية خطط إعادة الإعمار الإقليمية والدولية في أعقاب الصراعات المسلحة، والتي تتطلع إلى ضمان إعادة إعمار دائم لضمان إنتاج الطاقة وتوزيعها.

النفط والسياسة في السودان

إن احتياطيات النفط والغاز في البلاد هائلة،  يمتلك قطاع النفط السوداني 563 مليون برميل من الاحتياطيات المؤكدة للنفط، وثلاثة تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز المقدرة. حققت الدولة الاكتفاء الذاتي في دعم استخدامها الخاص من النفط والغاز (باستثناء وقود الطائرات) منذ عام 2000،  يشكل النفط 70٪ من إجمالي عائدات التصدير. اقتصرت عمليات استكشاف النفط السودانية على المناطق الوسطى والجنوبية الوسطى. على الرغم من أن البلاد تعتبر غير مستكشفة إلى حد كبير، إلا أنها منتج للنفط والغاز منذ عدة سنوات، يعتبر قطاع النفط المكرر في السودان قطاعًا مهمًا في اقتصاد البلاد حيث يمتلك السودان ثلاثة مصافٍ ويستورد كل من المنتجات المكررة والنفط الخام. (2)

منشآت النفط والغاز في السودان

تشتمل صناعة النفط والغاز في السودان على نظام متكامل من مرافق الاستكشاف والاستخراج والتجهيز والنقل. ويشمل ذلك آبار النفط ومرافق المعالجة وخطوط الأنابيب والمصافي ومحطات مارين ومرافق المستودعات. تعد هذه البنية التحتية أساسية لنمو الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات الطاقة وجني العائدات من الصادرات.

  • المراحل الأولية (الشركات والحقول النشطة):

حقل نفط الخيزران: يقع هذا الحقل في حوض مليت، وهو أقل تطوراً مقارنة بحقل حقول، ولكنه يتمتع بإمكانات كبيرة للتطوير المستقبلي مع الاستثمار والتكنولوجيا المناسبين. علاوة على ذلك، توجد داخل الحدود السودانية ذات السعة الأصغر حقول نفط بليلة والشريف والروات الواقعة في حوض مليت، تحتوي هذه الحقول على شبكات معقدة من وحدات المعالجة المركزية ومرافق إنتاج الحقل ووصلات جمع النفط وآبار النفط وخزانات التخزين ومرافق معالجة المياه.

حقل بليلة النفطي

تأثير الحرب على شركات وحقول البترول، يعد السودان أصغر منتج في تحالفأوبك بلس، ويُنتج نحو 60 ألف برميل نفط يومياً قبل أن يتراجع إنتاجه بعد الحرب، وفقد السودان 3 أرباع قدرات إنتاجه النفطي إثر انفصال جنوب السودان في العام 2011. نقلت قوات الدعم السريع الحرب من المواجهات العسكرية في الجبهات إلى حقول النفط في إقليمي دارفور  وكردستان ، ومنشآت مصفاة التكرير في شمال الخرطوم. مما أدى إلى تدني الإنتاج النفطي طوال هذه الفترة، وفقدان حوالي 7 ملايين برميل نفط حُرمت البلاد من إنتاجها بسبب الحرب.

طالت الحرب حقل بليلة في ولاية غرب كردفان، الذي ينتج 16 ألف برميل من الخام يومياً، واحترق مطار بليلة بالكامل، ونُهبت مكاتب الشركات، ودمرت قوات الدعم السريع جميع مرافقه، وشملت عمليات التخريب مكاتب شركة “بترو إنرجي” المالكة للحقل بالشراكة مع الشركة الوطنية الصينية. خرجت 10 حقول بولاية غرب كردفان من الإنتاج، منها دفرة، ونيم، وأم عدارة، وموقا، وبرصاية، في وقت تعرضت فيه الآبار النفطية للتخريب. وفي إقليم دارفور استهدفت قوات الدعم السريع الحقول النفطية، وهاجمت حقل سفيان بولاية شرق دارفور، كما تم نهب مخازن الشركات، ومحطات الكهرباء، ودمرت آليات النفط في الحقول. وتسببت الهجمات في إيقاف الإنتاج النفطي بحقل سفيان، وشمل التخريب حقول شارف، وأبو جابرة، وزرقة أم حديد، وطال النهب السيارات والأثاث، والكوابل الخاصة بالآبار، وسكن العاملين ومخازن قطع الغيار ومحطات الكهرباء.

  • خطوط الأنابيب:

تعد سعة وكفاءة تشغيل شبكات خطوط أنابيب السودان أمرًا بالغ الأهمية لكل من القطاعات المستوردة والموجهة للتصدير في الاقتصاد الوطني، على الرغم من وجود شبكة واسعة من خطوط الأنابيب تربط حقول النفط ومحطات التخزين الاستراتيجية في جميع أنحاء البلاد وتوزيع منتجات النفط على مناطق مختلفة، إلا أن هناك ثلاثة خطوط أنابيب رئيسية ذات قيمة اقتصادية عالية، خط أنابيب النيل الأكبر:  يعد خط الأنابيب هذا الذي يبلغ طوله 1500 كيلومتر أمرًا بالغ الأهمية لنقل النفط الخام من حقول النفط الجنوبية إلى المحطة الشمالية للتصدير في بورت سودان على البحر الأحمر. تعد سعة خط الأنابيب وكفاءته التشغيلية أمرًا محوريًا للقطاع الموجه للتصدير في اقتصاد النفط السوداني. خط أنابيب بابكو: تديره شركة بابكو، يمتد هذا الخط لمسافة 1368 كيلومترًا من ولاية النيل العليا في جنوب السودان إلى البحر الأحمر في السودان. خط أنابيب بترو إنيرجي: الخط عبارة عن خط أنابيب بطول 24 بوصة تديره شركة بترو إنيرجي ويربط بين وحدة معالجة الغاز المركزي الفولة ومصفاة الخرطوم. علاوة على ذلك، هناك خطوط أنابيب أخرى لاستيراد منتجات النفط ذات السعات الأصغر.

تأثير الحرب على خطوط الأنابيب:   إن الحرب تسببت في تفاقم المشاكل اللوجستية لتشغيل محطات الضخ الموزعة على طول خط الأنابيب، مما أدى إلى تصلب الخام وحدوث تهتكات بجدار الأنبوب، وتوقف الضخ كلياً من “مزيج الدار” المنتج في دولة جنوب السودان، والذي يشكل تصديره 60% من إجمالي الناتج القومي لدولة الجنوب، وبذلك يفقد السودان مليون دولار يومياً هي رسوم عبور ومعالجة نفط دولة جنوب السودان.

  • المصافي:

مصفاة الخرطوم: تقع هذه المصفاة بالقرب من العاصمة السودانية، وتبلغ طاقتها حوالي 100 ألف برميل يوميًا. تقوم في المقام الأول بتكرير النفط الخام إلى منتجات نفطية للاستهلاك المحلي وبعض الصادرات،  تعد المصفاة مشروعًا مشتركًا بين السودان والصين، مما يعكس الاستثمار الأجنبي الكبير في قطاع النفط السوداني، علاوة على ذلك، فإن مجمع محطات الطاقة الحرارية جاري متصل بمصفاة الخرطوم لاستخدام الموارد المحلية وخفض تكاليف نقل الوقود. كما  تدعم مصفاة الخرطوم أيضًا تنفيذ اتفاقية إمداد منتجات النفط مع إثيوبيا، مما يؤكد أهميتها الاستراتيجية في أمن الطاقة الإقليمي. تعد مصفاة العبيد في السودان منشأة معالجة نفط أصغر نسبيًا مقارنة بمصفاة الخرطوم، حيث تنتج من 10000 إلى 15000 برميل يوميًا، تركز بشكل أساسي على تلبية الطلب المحلي في المنطقة. تعتبر مصفاة الجيلي لتحرير النفط (70 كيلومترا شمال الخرطوم) أول المواقع التي استولت عليها قوات الدعم السريع منذ الأيام الأولى للحرب، لأنها كانت تشارك في حراستها، وذلك لقربها من إحدى قواعدها، إذ تبعد عنها حوالي 7 كيلومترات. وتعد الجيلي من كبريات المصافي في السودان، وترتبط بخط أنابيب للتصدير بميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان بطول 1610 كيلومترات، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف برميل يومياً، وتنتج نحو 10 آلاف طن من الغازولين و800 طن من غاز الطهي يومياً . (3)

تأثير الحرب على مصافي البترول، تعرضت مصفاة الجيلي للتخريب، خصوصاً في مستودعات النفط ومكاتب الشركات، وطال تبادل القصف جانباً من مركز التحكم ومستودعات المشتقات الإستراتيجية، وجزءاً من خط الأنابيب، وتقدر خسائر التوقف بنحو 5 ملايين دولار يومياً.

  • المحطات البحرية:

يوجد في السودان ثلاثة محطات بحرية لمنتجات النفط الخام. وتشمل هذه المحطات بشائر، وهي نقطة النهاية لخط أنابيب بتروكو، وبشائر 2، وهي نقطة النهاية لخط أنابيب بابكو، ومحطة الخير، والتي تستخدم لاستيراد منتجات النفط للاستهلاك المحلي واستيراد الإيثانول. محطة بورتسودان: تعد هذه المحطة نقطة النهاية لخط أنابيب نهر النيل الأكبر، حيث يتم تخزين النفط وتحميله على ناقلات للتصدير. ولا يمكن التقليل من الأهمية الاستراتيجية للمرفق، حيث أنه المخرج البحري الرئيسي لصادرات النفط السودانية.

  • المستودعات الاستراتيجية لمنتجات النفط المكررة في السودان:

تلعب مستودعات منتجات النفط في السودان دورًا حاسمًا في دعم مختلف القطاعات مثل الزراعة والطيران وتوليد الكهرباء، كما أنها تساعد في ضمان إمدادات الطاقة المستقرة محليًا وإقليميًا. تعد هذه المستودعات ضرورية للاقتصاد السوداني، خاصة خلال تقلبات الأسواق العالمية والتوترات السياسية في المنطقة، يلعب المستودعان الاستراتيجيان القديم والجديد في بورتسودان دورًا رئيسيًا في تسهيل النقل بين الميناء الرئيسي وأجزاء أخرى من البلاد. بالإضافة إلى ذلك، يعد المستودع الاستراتيجي الجيلي في شمال الخرطوم أمرًا بالغ الأهمية لتوفير الطاقة، حيث يحتوي على أكبر احتياطيات من الديزل وغاز البترول المسال، وهما أساسيان لتزويد المدن والصناعات بالطاقة في المنطقة.

تعرّضت خطوط الأنابيب الناقلة للنفط الخام السوداني إلى موانىء البحر الأحمر للاعتداءات مرات عدة

القانون الدولي وحماية البنية التحتية للموارد في مناطق النزاع

يلعب القانون الدولي دورًا حاسمًا في إدارة الموارد والمنشآت النفطية العابرة للحدود، خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل السودان وجنوب السودان. ينص مبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية، كما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1803 (د-17) لعام 1962، على حق الدول في السيطرة على مواردها واستغلالها. ومع ذلك، غالبًا ما يتعارض هذا المبدأ مع حقائق حدود الدول ما بعد الاستعمار والانقسامات الداخلية، مما يؤدي إلى نزاعات حول ملكية الموارد وإدارتها.

خلال النزاعات المسلحة، تُعد حماية البنية التحتية للطاقة أمرًا بالغ الأهمية. يفرض القانون الإنساني الدولي، ولا سيما من خلال اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية لها، على الأطراف المتحاربة حماية البنية التحتية المدنية، والتي تشمل منشآت النفط والغاز ما لم تستخدم لأغراض عسكرية. ومع ذلك، في مناطق النزاع مثل السودان وجنوب السودان، غالبًا ما تصبح هذه المنشآت أهدافًا للمكاسب العسكرية أو الحرب الاقتصادية.

القانون الدولي في سياق حرب الخرطوم

يوجد بالفعل إطار قانوني عالمي يحكم سلوك الأطراف في الحرب، وهو القانون الإنساني الدولي، يوفر القانون الإنساني الدولي حماية خاصة (متزايدة) لأنواع معينة من البنية التحتية للطاقة، ولا سيما الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وكذلك الأعمال والمنشآت التي تحتوي على قوى خطرة . تنطبق هذا الحماية الخاصة حتى في حالة كون هذه القطع من البنية التحتية للطاقة تشكل أهدافًا عسكرية ، على الرغم من وجود قانون قوي إلا أن درجة الامتثال لهذا القانون في الحروب الجارية حول العالم ضئيلة، حيث تستهدف الأطراف المتحاربة منشآت البنية التحتية مما يضاعف معاناة المدنيين، وهذا هو الحال في السودان كأحد البلدان التي تشهد حربًا مستمرة بين القوات المسلحة الحكومية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

كان تدمير منشآت صناعة النفط جزءًا من الحرب الجارية عمدًا من خلال استهداف هذه المنشآت بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال خلق بيئة غير آمنة للعمال، وإمدادات غير مستقرة للسلع الاستهلاكية الضرورية والقضايا اللوجستية، وتعطل شبكة الاتصالات، مما أدى إلى إغلاق المنشآت ونهبها وسرقتها. بعد اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، كان قطاع النفط من أكثر القطاعات تضرراً من الحرب.

الأثر الاقتصادي العام على السودان وجنوب السودان

أدى الصراع الحالي في السودان إلى تأثير بعيد المدى على العوامل الاقتصادية، متجاوزًا صناعة النفط في السودان، مما يعكس الأنماط الموجودة في الأدبيات الحالية لمناطق النزاع حيث يؤدي انهيار البنية التحتية والحوكمة إلى تفاقم الانحدار الاقتصادي. وقد تعثر التعافي الاقتصادي في المنطقة بشدة بسبب مجموعة من الأزمات، ويشمل ذلك الصراع المستمر وآثار جائحة كوفيد -19 والكوارث المناخية وانخفاض إنتاج النفط وارتفاع الأسعار العالمية من أحداث مثل الحرب في أوكرانيا. تسبب الصراع الأخير بين السودان وجنوب السودان في انخفاض اقتصادي كبير،  ويعود ذلك أساسًا إلى توقف إنتاج النفط الحيوي وتضرر البنية التحتية. تسلط هذه التحديات الضوء على أهمية قيام جنوب السودان باستغلال قطاعيه النفطي والزراعي من أجل التعافي وتعزيز المرونة، علاوة على ذلك، أدى الصراع والركود الاقتصادي إلى تفاقم مستويات الفقر في جنوب السودان. في الفترة من 2009 إلى 2016، ارتفع عدد الأفراد الذين يعيشون في فقر بشكل كبير، مدفوعًا بأزمة اقتصادية كبيرة أدت إلى انخفاض الاقتصاد بسبب انخفاض عائدات النفط وانقطاع الإنتاج.

التوصيات

لتصحيح الآثار المباشرة للصراع والاستعداد للتعافي على المدى الطويل في السودان وجنوب السودان:

  • إن اتخاذ إجراءات تصحيحية عاجلة واستراتيجية شاملة لما بعد الحرب أمران أساسيان،  يجب أن تركز الإجراءات الفورية على تثبيت البنية التحتية للطاقة من خلال إصلاح المرافق المتضررة بسرعة وتنفيذ تدابير مؤقتة لضمان استمرار إمدادات الطاقة.  ويشمل ذلك استعادة وظائف مكونات البنية التحتية الحيوية مثل خطوط الأنابيب والمصافي ومحطات الطاقة، وضمان تلبية الاحتياجات الأساسية من الطاقة لمنع المزيد من الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي.
  • نشر فرق الاستجابة للطوارئ لاحتواء الأضرار البيئية، مثل الانسكابات النفطية والتلوث، وهو أمر بالغ الأهمية للتخفيف من الآثار البيئية المباشرة وحماية الصحة العامة.
  • يمكن أن يساعد إنشاء حلول طاقة مؤقتة، مثل وحدات الطاقة المتنقلة أو سلاسل إمداد الوقود المؤقتة، في سد الفجوة خلال إصلاح البنية التحتية، خاصة بالنسبة للقطاعات الحيوية مثل الزراعة وسلاسل إمدادات الغذاء
  • يمكن أن يسهل التنسيق مع المنظمات الإغاثية الدولية توفير المساعدة التقنية والموارد اللازمة لهذه التدابير الفورية.

بالنسبة إلى التعافي بعد الحرب:

  • يجب أن تعطي الاستراتيجية الأولوية لإعادة بناء وتحديث البنية التحتية للطاقة مع التركيز على المرونة والاستدامة. وهذا لا يشمل فقط إعادة بناء ما تم تدميره، ولكن أيضًا ترقية المرافق لتحمل الصراعات البيئية والتحديات المستقبلية. سيؤدي دمج التقنيات المرنة والمستدامة، مثل الشبكات الذكية وأنظمة المراقبة المتقدمة، إلى تعزيز موثوقية وكفاءة إمدادات الطاقة.
  • تنويع مصادر الطاقة ليشمل الخيارات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، مما يؤدي إلى تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والمساهمة في الاستدامة البيئية.  ويجب دعم هذا التنويع بسياسات تحفز استثمارات الطاقة المتجددة وتعزز كفاءة الطاقة في مختلف القطاعات.
  • تُعد مسوح سلامة الأصول الشاملة ضرورية لتقييم الحالة الحالية للبنية التحتية وإبلاغ التخطيط الاستراتيجي والصيانة لضمان الموثوقية التشغيلية على المدى الطويل. يجب أن تقيّم هذه المسوح الحالة المادية لمنشآت الطاقة، وتحدد المخاطر المحتملة، وتحدد الأولويات للمدخلات. يجب تنفيذ جدول صيانة قوي بناءً على هذه التقييمات في منع الاضطرابات المستقبلية وإطالة عمر أصول البنية التحتية لحماية السودان وجنوب السودان من الآثار البيئية السلبية للحرب.
  • من الضروري تعزيز الحوكمة البيئية من خلال تعزيز الأطر التنظيمية وبناء القدرات المؤسسية للإنفاذ، بالإضافة إلى ذلك، يعد إجراء تقييمات المخاطر البيئية ووضع خطط إدارة الأزمات التي تشمل تدابير حماية البيئة أمرًا بالغ الأهمية للاستعداد. يمكن أن يوفر التعاون والدعم الدوليان الخبرة والتمويل اللازمين لجهود استعادة البيئة.
  • أخيرًا، يمكن أن يؤدي تعزيز مصادر الطاقة المتجددة وبرامج كفاءة الطاقة إلى تقليل الاعتماد على النفط وخفض المخاطر البيئية المرتبطة باستخدام الوقود الأحفوري. تهدف هذه التدابير مجتمعة إلى بناء المرونة وتعزيز التنمية المستدامة في السودان وسط الصراع المستمر.

المراجع:

  1. Adam Lucente, South Sudan’s oil at risk due to Sudan civil war, Article, Mar 1, 2024, https://2u.pw/9ivwfmB
  2. South Sudan on Edge as Its Neighbor’s War Disrupts Oil Exports, https://2u.pw/IOhMAdhj
  3. Mohamed H. A. Hassan, Sudan’s disastrous war — and the science it is imperiling, Article, 31 October 2023, https://2u.pw/5Vd5Pvay

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى